ويظل حجاب العقل واحدا



نوال السعداوي
2017 / 9 / 13


تأخرت الزوجة ذات ليلة، فاتهمها زوجها بالفساد، وكان هو يتأخر دائما فى سهراته خارج البيت ويدعى أنه فى العمل، فاستجمعت الزوجة شجاعتها وقالت: «وأنت فاسد أيضا»، فاندهش الرجل وقال: الرجال يا سيدتى فاسدون من قديم الزمان، لكن الجديد هو فساد النساء.

كنت أسمع هذا الحوار يتردد بكلمات مختلفة فى عيادتى الطبية بالجيزة وشبرا، أو فى المشاحنات العائلية فى الطبقة العليا، وفوق الوسطي، حيث تحتل المرأة منصبا كبيرا مثل زوجها، وتشاركه الإنفاق وكل المسئوليات فى الأسرة والدولة.

وقد تابعت أخيرا بعض الآراء المنشورة، التى أغضبتها المبادرة التونسية لتحقيق المساواة بين النساء والرجال، كما أزعجها ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر هذا العام، عن أى بلد فى العالم، وراحت بعض الأقلام تراوغ لإخفاء الأسباب الحقيقية لهذه المشكلات، تحت اسم التمسك بالنصوص القطعية المقدسة، أو حماية المسلمين فى بورما، أو الاهتمام بالأولويات الملحة، منها القضاء على الفقر والفساد، كأنما الفقر والفساد لا علاقة لهما بالأسرة أو نصف المجتمع من النساء، ولم يتم القضاء على الفقر أو الفساد بالطبع، بل تفاقم الفقر والفساد مع تفاقم الغلاء والبطالة، مع تفاقم القوانين الصادرة لمصلحة الأثرياء بالداخل والخارج ورجال الأعمال الكبار .

وهناك ترابط وثيق بين الفساد فى الأسرة والفساد العام، فالأسرة هى نواة المجتمع، والحجر الأساسى الذى تبنى عليه الدولة، مع ذلك، من النادر، أن نقرأ بحثا علميا أوحوارا إعلاميا، أو مقالا نقديا فكريا أوثقافيا، يربط بين الفساد الاجتماعى العائلي، والفساد الاقتصادى السياسي، أو بين تصاعد التيارات الدينية الحزبية وهبوط الأخلاق وتدهور الأسرة.

لماذا لم يلعب الباحثون والعلماء فى بلادنا، دورا فى تغيير القيم التعليمية والأخلاقية أو القوانين المزدوجة التى تحكم الأسرة والدولة؟ لماذا ندور فى الساقية بعيوننا المعصوبة، ننتقل من التخلف البسيط الى المركب المعقد؟.

لم يتعلم الباحث العلمى أو الناقد الفكري, أن يربط بين المجالات فى حياة الناس، كلمة «الناس» فى عقله مجردة منفصلة عن الواقع، مثل كلمة «الله» عند رجال الأديان، أو كلمة «الشعب» عند الاشتراكيين، أو كلمة «الوطن» عند الليبراليين، لا تنطبق هذه الكلمات المقدسة على حياة النساء والأطفال والفقراء .

ينشغل الباحثون والنقاد المفكرون بالأقلية التى تملك السلطة والمال والسلاح والإعلام، وينقل أغلبهم من الكتب والمراجع الأجنبية، لا يستمدون أفكارهم من واقعنا المعاش، كما يحدث فى البلاد الخاضعة لنظريات أجنبية ومعونات خارجية، يفصل الباحثون بين العلوم الطبيعية والإنسانية، بين السياسة والاجتماع مثلا، ينشغلون بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية أو بالاستثمارات الأجنبية، يعتبرون مشكلات الأسرة وقانون الزواج والطلاق من توافه الأمور، أو على الأقل ليست من الأولويات، وما هى الأولويات فى نظرهم؟ الأسماء المرشحة للانتخابات المقبلة وأرباح السوق والبورصة والإعلانات ؟.

يؤلفون الكتب عن تحرير النساء، يهرولون لإلقاء المحاضرات فى مؤتمرات النساء، يلهثون فى موسم الانتخابات لحصد أصوات النساء، ثم بانتهاء المولد، ينفضون أيديهم عن النساء، بأسهل مما ينفضون الزوجات «شفهيا» بكلمة طالق.

رغم دفاعى عن حقوق النساء، فلا يعنى ذلك أن النساء بريئات، بل يسرى الفساد كالسم الزعاف فى حياتهن، وهناك نساء متعلمات يفكرن مثل الجوارى وملك اليمين، أن حياة الواحدة منهن تعتمد على الرجل، وأنها تصبح عانسا وهى فى العشرين أو الثلاثين، فتنطلق تصطاد أى رجل، وإن كان فى التسعين، تخطط للفريسة بالورقة والقلم، تعرف مصادر دخله بالمليم، ومساحة أرضه بالقيراط، توهمه أنه عبقرى مظلوم بزوجته العقرب، محجوب عن الأضواء بفعل السحر والجان, تدرك أنه سيموت غدا بذبحة صدرية أو جلطة دموية أو سم «الفيران»، وتصبح هى الأرملة الفاضلة المتشحة بالسواد, وعيناها تغرقان فى الكحل والدموع.

أصبح هذا النوع من النساء ظاهرة منتشرة فى مصر، تحت اسم الحرية والانفتاح الاستهلاكى فى السوق الحرة، تضاعفت أرباح الرأسمالية، من التجارة بالجنس والحجاب وأدوات الزينة، تتخفى بعضهن تحت النقاب، جذبا لذوى اللحى والشوارب, أو يرتدين الميكروجيب لجذب عيون الليبراليين والاشتراكيين، تتمتع أغلبهن بالتعليم العالي، يحملن درجات الدكتوراه أوالماجستير، من الجامعات المصرية والأجنبية، ومهما اختلفت مساحيقهن وصبغة الشعر أو أغطية رؤوسهن، من القبعة الى الحجاب أو البونيه أو الباروكة أو الطرحة، فإن حجاب العقل واحد.