رؤوس الأطفال تتدلى من نوافذ السيارات .. وغياب رخص الزواج



فتحي سام أبوزخار
2017 / 9 / 19


من خلال مشاركتي في المؤتمر الدولي حول العنف ضد الأطفال في ليبيا تعرضت إلى دور الأسرة في انتشار ظاهرة العنف وكيفية الحد منها. فالتربية الخاطئة أوصلت أن " تربى الطفل الذكر على الإستقوى والمغالبة بينما تربت الطفلة الأنثى على الخنوع والمهادنة.. وفي كلا الحالتين كان الضرب والتعنيف اللفظي هما أدوات التربية. ". فأي خلل في نواة المجتمع الإنساني سينعكس على الأمة الإنسانية برمتها. لذلك ارتأى الكاتب من خلال دراسته لظاهرة العنف أن توضع ضوابط وتشريعات متطورة للزواج بحيث لا يسمح به إلا بعد توفر شروط تساعد على نجاح الزواج باجتياز امتحان قبول للزوجين. بل يود الكاتب شد الانتباه إلى الانحطاط وتدني المسؤولية عند الوالدين بحيث وصل الأمر أنه لا يمر عليه يوما تقريبا ويخرج فيه من البيت إلا ويشاهد رؤوس الأطفال تتدلى من على نوافذ السيارات بل التجربة المريرة هي رؤيته، شخصيا، طفلة تسقط من نافذة السيارة وسماع خبر وفاة طفل في المذياع بعد سقوطه من نافذة سيارة .. فعوضا أن نتكلم على حزام الأمان للطفل في السيارة فأنحصر أقصى درجات طموحنا اليوم قفل نوافذ السيارة والتأكد من جلوس الطفل على مقعد السيارة!!!!!!
مع تطور وسائل الاتصال في الحياة المعاصرة باتت حركة الناس سريعة ومنتشرة وأصبح العالم قرية واحدة ومع الانسياب الرهيب للمعلومات وتدفقها يتعرض الانسان لمختلف الأفكار والثقافات. إلا أن سوء الاستخدام أخذ نصيبه الكافي من التطبيق مع ضعف الاستفادة، إلى حد ما، من هذا التطور .. فمع تطور التشريعات الحقوقية تلاحظ أنه وبعد التحرر من كبت الدكتاتوريات الدينية، وخاصة الكنيسة البابوية، استبيح الزنى علنا بتشريعات مدنية تحررية وبات يطلق عليه "ممارسة للحب" وحرية شخصية، كذلك هدمت أركان الأسرة وبتنا نسمع في ملتقيات حقوقية وتجمعات دولية عن شرعنة الواط .. والسحاق وقبول تزويج المثليين وحقهم في تبني أطفال!!!

بالمقارنة مع التفسخ الأخلاقي والأسري الذي يشهده العالم ففي بيئتنا الليبية شبه المحافظة ما زلنا في وضع أفضل ولكن غير مشرف بحيث نتفاخر به. فمازال عندنا المرأة تهان ويحط من قدرها لأنها أنثى وهذا يعني ميلاد مشوهين ومعوقين، جسديا وروحيا، لا يخدمون الأمة الليبية ولا العالم. فمازال الزواج عادة أكثر منه مشروع أنساني يرتبط بميلاد الأدمي المستخلف على الأرض وراعي عمارتها.

المرأة عماد الأسرة:
نسمع أن المرأة مصنع الرجال.. مع أن الذكورية واضحة في التعبير إلا أنه صحيح المرأة هي التي تحمل وتنجب وترضع وتربي الإنسان وبها تكتب للإنسانية استمرارية الحياة .. وهي التي تصنع البيئة التي ينمو ويترعرع فيها هذا المخلوق قبل أن يشتد عوده ويخرج للمجتمع.. فمن المهم جدا أن تتبلور عند المجتمع الليبي والعالم نظرة إنسانية تجاه المرأة بحيث ترقى إلى مقامها الرفيع وبما يساعدها على تأدية مهامها في استمرار الحياة البشرية بشكل مرضي للناس والخالق.

مع وصول الإسلام علقت بحملته بعض الشوائب البدوية، الإعرابية، المتعجرفة تجاه المرأة أو الأنثى. فلقد اختلفت مقاصد ورؤى التحركات البشرية وحملة الإسلام القادمين من الشرق، فالبعض منهم حركته الغنيمة وسبي النساء وصيد العبيد لا الدعوة للتوحيد وسماحة الدين ورضى الخالق. فعلقت مع سنابك خيولهم وبغالهم إلى ليبيا مخلفات الجاهلية من وإذ للبنات بدفنهم أحياء أو سبي للنساء واستعبادهم إضافة إلى استباحة أنواع متدنية من النكاح: الرهط، الجمع، الاستبضاع، الشغار، البدل ..إلخ !!! بما في ذلك نكاح السبي أو الإماء الذي أقرته حداثة الإسلام مع بدايته في مجتمع جاهلي وقبلته امتثالا لسُنة التدرج الكونية! وبعد أن حفظها الزمن في أرشيف النسيان نرى اليوم محاولات إعادة استنهاضها وصياغتها، بعد الجمود على نصوص قرآنية ظاهرها مخيف للمرأة، بثوب السلفية الوهابية أو داعش "الكارثة الإسلامية" من جديد!!!

انكسار المرأة أو الحط من قدرها يعني هدم البيت الأسري وسقوط أعمدة رعايته وانهيار سقف حنانه وعاطفته. لذلك يجب أن تجلى جميع رواسب الجاهلية المتدنية وما علقها اليوم من تفسخ وانحطاط أخلاقي باسم التحرر وصل إلى اللامبالاة في مسؤوليات الزواج بل بات هناك من ينعت المرأة بالبقرة فيقول إذا توفر الحليب (الزنا) فلا تشتري البقرة!

من المسؤول الرجل أم المرأة ؟
تكوين الأسرة مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة .. فالسعي وراء لقمة العيش مشترك، وتربية الأطفال بالتعاون بينهما، والتخطيط لمستقبلهم بمشاركة الطرفين.. ولقد صاغت الحياة الفطرية الطبيعية في الماضي نوع من هذه المشاركة الطبيعية التلقائية إلا أن الحياة المعاصرة أفقدتها التلقائية وأدخلت عليها علل ومشاكل وأزمات اجتماعية ونفسية.

فلا يمكن اليوم قبول أن ينام الرجل في البيت والمرأة بالإضافة إلى جميع مسؤوليتها تجاه البيت تعمل خارج البيت وتشقى وتتعب لتصرف على الذكر الذي يحضن الوسادة ويشاهد أفلام محركة للغرائز أكثر منها برامج تثقيفية! أو أن تُغيب المرأة عن التخطيط والمشاركة في مصروف البيت وما يجلبه الرجل من نقود للبيت والزوجة والأطفال. إذن فالمسؤولية مشتركة ولا يمكن الاتكاء على أحدهما!

متطلبات عقد الزواج:
شدد الفقهاء في جوانب من شروط الزواج وأهملوا جوانب أخرى. فلا يكفي أن يكون الزوج ممن تحل له الزوجة أو أن يدفع المهر ويعلن عن الزواج بعقد القرآن وإقامة مراسم العرس، أو أن تختزل شروط الزواج في الرضا وقبوله من قبل الزوجين،والخلو من موانع النكاح، وتوفر ولي الأمر، والشهود إضافة إلى ضرورة أن تتزوج المرأة المسلمة من رجل مسلم والسماح للمسلم بالزواج من كتابية لأسباب واضحة. فالإسلام لا ينكر الأديان الكتابية التي سبقته والعكس صحيح. فكل ما تقدم من عوامل مساعدة للزواج مقبولة ومع ذلك نسمع اليوم البعض ممن يرى من حق المرأة المسلمة في تونس الزواج من غير المسلم! وهذه لن تكون عوامل مساعدة على نجاح الزواج إطلاقا بل ستكون مسرعة لفشله!!!

إضافة إلى ما تقدم يرى الكاتب بأن الأهم هو أن يخضع الزوجين للفحص الطبي الفسيولوجي والنفسي، واجتياز امتحان الوعي بمسؤولية الزواج وتوفر الحد الأدنى من العلاقات الاجتماعية. فالأهلية للزواج من ناحية صحيحة تجنب الزوجين الكثير من المفاجآت غير السارة لهما بعد العرس. كما وأن غياب مفهوم مسؤولية الزواج يحول الحياة الزوجية إلى جحيم في بعض الأحيان. فمقومات نجاح الزواج تتطلب أن يخضع الزوجين للامتحان من ناحية طبية، وكذلك للفهم والوعي بمسؤولية الزواج بالإضافة إلى توفر الحد الأدنى من الإمكانيات المادية المساعدة على نجاح بناء عش الزوجية.

رخصة الزواج الناجح:
يود الكاتب أن يشد انتباه القارئ والقارئة إلى أن أفكار تنتشر بيننا وهي بعيدة عن مفهوم الزواج الحقيقي. فهناك الزواج المختزل في المعاشرة الجنسية، والسلطوية الذكورية الأبوية التي تمنح الأب الذكر حق عقاب الجميع داخل البيت. وما نراه اليوم من تدلي لرؤوس الأطفال من على نوافذ السيارات وهي مسرعة إلا دليل على غياب المسؤولية. فمن المهم جدا أن يخضع الزوجين لعدة امتحانات، واستكمال النواقص عندهم بدورات تأهيلية وهذا يتطلب الوقوف بجدية عند الآتي:

• إضافة إلى اختبار الأيدز يجب أن يتم اختبار المقبل على الزواج بوجود أي أمراض المزمنة .
• الكثير من المشاكل النفسية، وحسب الثقافة الليبية الرافضة للأمراض النفسية، غير معلنة فيجب التعرف عليها إن وجدت قبل الزواج.
• العلم بأبجديات التعامل البشري الإنساني واحترام شريك الزواج والحرص على رعاية الأطفال والعناية بهم وبمسؤولية.
• مراعاة حقوق آدمية المرأة والطفل والأيمان التام بحقهما في النقاش والحوار وتبرير كل ما يطلب منهما بشكل عقلاني دون استخدام للعنف والقوة.
• حرمة الزواج تكمن في الارتباط الدائم بين الشريكين فلا يجوز للزوج التفكير في زوجة أخرى إلا ، مرة واحدة، ولضرورة تقتنع بها المرأة دون إكراه مع القناعة بفرصة غياب العدل بينهما.
• ضرورة توفر حد أدنى من الذكاء الاجتماعي لذا الزوجين.
• قبول الزوجين للعقاب عند إهمال رعاية الأطفال.

كلمة أخيرة:
أن كان هناك من كلمة فهي توصية تتطلب وضع تشريع عاجل يعاقب سائقي السيارات الذين يسمحون للأطفال بالوقوف داخل السيارة أو إخراج رؤوسهم من نوافذ السيارات، على أن تلحقها بعد فترة وجيزة معاقبة عدم ربط حزام الآمان للأطفال قبل الكبار . كما ويجب التحضير تربويا واجتماعيا وإعلاميا بحيث تأتي رخصة الزواج في صورة إقرار من الطرفين بما هو موجود وقبول أسلوب العيش باحترام ومسؤولية. تدر تاليبيت تادرفت.