مؤسسة الدعارة كجزء من بنية النظام السياسي المغربي



حسن الصعيب
2017 / 10 / 20



الدعارة في تعريفها العام ،هي تلك الحالة الاجتماعية التي يتم فيها تبضيع علاقة اجتماعية وإنسانية ،أي تحويل كل ماهو حميمي وإنساني وعاطفي وجنسي بين المرأة والرجل ،أو ما يجسد كرامة الشخص البشري إلى مجرد بضاعة في السوق ،تخضع لميكانيزمات العرض والطلب .
الدعارة كمستوى من بنية النظام
يقوم النظام السياسي المغربي على بنية اقتصادية هشة،مفككة على مستوى قطاعات الإنتاج ، غير معقلنة على مستوى تدبير الموارد الطبيعية والبشرية ،التي يتحكم في توزيعها ومراقبتها “المافيا المخزنية” ،كما أن جزءا كبيرا من الإنتاج الفلاحي الموجه إلى التصدير ،يخضع لتلبية الأسواق الخارجية ،ومرهونة بالساسات الاجتماعية التي تدبرها الأبناك الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،وفاقدة لبنية تحتية وهياكل اقتصادية وطنية ،بسبب المنافسة والاحتكار الممنوحين بسخاء إلى الشركات المتعددة الجنسيات وعلى الخصوص الشركات الفرنسية ووكالتها للتنمية ،وبحكم هشاشة حماية هذه البنيات ،فإن هناك اقتصاد موازي :اقتصاد يرتكز على الريع ،يشكل المجال الخصب لتوطيد وحماية المصالح الطبقية لمختلف أجهزة السلطة المخزنية ،هذا الاقتصاد يتكون من توظيف عائدات إنتاج وتصدير المخدرات ،ومن شبكات الدعارة المنظمة على صعيد كل التراب الوطني ،سواء للاستجابة لسوق ترويج الدعارة محليا أو تصديرها إلى الخارج ،وعلى الخصوص بلدان الخليج الرجعية .
وعلى هذا المستوى فهي تتوزع على ثلاثة قطاعات اجتماعية أو مجالات سكانية ،تعكس مستوى التفاوت الطبقي :فهناك مؤسسة الدعارة التي تتخذ شكل عائمات تكتري دورا لتعاطي وممارسة الدعارة في الأحياء الشعبية ،وهي تستجيب لسوق مختلف الفئات الشعبية والمهمشة ،وهناك شبكة أخرى من باطرونا الدعارة التي تتخذ لها مجالا :البارات والفنادق ، وكذلك بعض الدور في الأحياء المتوسطة والراقية ،وهي موجهة أساسا لتلبية حاجيات سوق الفئات الاجتماعية من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة ،ثم هناك شبكات للدعارة منظمة على أعلى مستوى في السلطة(حالة ثابت هي جزء مصغر منها )التي تتوفر على إمكانيات هائلة ،وتتلقى حماية قانونية وسياسية ،وهي في الغالب موجهة لتلبية بعض خدمات المسؤولين الكبار وتلعب أدوارا وسيطة في عملية إبرام الصفقات الاقتصادية بالنسبة لرجال الأعمال الكبار أو ترضية بعض نزوات المسؤولين الدبلوماسيين الأجانب أو إخماد صوت الصحافيين المشاغبين وبعض المعارضين السياسيين أو المثقفين المرموقين ،وهي في المجموع تؤدي وظيفة توطيد مصالح كبرى وخدمة أهداف استراتيجية تتعلق بخلق التوازنات السياسية في الداخل وربط علاقات الصداقة والتعاون المشترك مع جهات أجنبية عربية وغربية.
حالات توظيف الدعارة في السياسة
نظرا لهشاشة مؤسسة الدعارة اجتماعيا وقانونيا ،على مستوى تنظيمها في الأحياء الشعبية ،فإنها في الغالب توظفها السلطة المحلية من أجل مراقبة المجال السكاني بكل أنشطته المختلفة وأفعاله الاجتماعية والثقافية والسياسية والأخلاقية والدينية ،كما تشكل أداة ابتزاز للآتاوات والرشاوى ،بحيث يستفيد من عائدات الدعارة كل أصناف السلطة من العون إلى القائد أو العامل مرورا بالدركي و المسؤول الإقليمي للأمن في مركز الشرطة أو العمالة ،وهو في نفس الأمر الذي تمارسه إزاء باطرونا الدعارة في البارات والفنادق ودور التعاطي الدعارة في الأحياء الشعبية والمتوسطة والراقية .أما في المستويات العليا فيتم توظيفها كأداة لإرشاء النخب المحلية السياسية والاقتصادية والأمنية ، وكأداة أيضا لتسهيل مهام التفاوض والتعاون المشترك والدعاية الإيجابية للنظام إضافة إلى التجسس بالنسبة للخارج .
كما يتم توظيفها كمؤسسة مكملة للنظام السياسي وفاعلة في إعادة إنتاج نفس البنيات السياسية ،من خلال الانتخابات الجماعية والبرلمانية ،بحيث يتم استغلال قاعدتها الاجتماعية كجيش احتياطي في عمليات الإنزال وترجيح كفة الأحزاب الإدارية والممخزنة ،إضافة إلى تأليبها على القوى التقدمية والمناضلين الديمقراطيين والشرفاء.
كخلاصة، لا يمكن القضاء على مؤسسة البغاء إلا بزوال النظام السياسي الذي يولدها ومن ثمة فهناك ترابط موضوعي بين وجود هذا النظام السياسي القائم على الاستغلال والنهب وفرض الآتاواة والرشوة والمحسوبية وبين وجود مؤسسة الدعارة التي تخرب القيم الثقافية والحضارية للشعب المغربي وتهدم الأسر وتعرقل نمو قوى الإنتاج وتخلق هشاشة نفسية واجتماعية بالنسبة لضحاياها مما سهل معها الرضوخ لمنطق الاستغلال المكثف والقمع بشتى أشكاله وألوانه .