الخروج عن المالوف



فؤاده العراقيه
2017 / 10 / 23

أسئلة مكررة تتعلق بماديات الحياة وكأن الحياة قد اقتصرت عليها, أو حصروا الحياة بشكلياتها فقط رغم إنها مليئة بالكثير الكثير الذي صار لا يعنينا منه شيئاً سوى تلك الأمور المحصورة بالغرائز وأهملنا سواها ومن ضمن هذه الأسئلة التي توجه للنساء ..
ما الذي تبتغيه أكثر من ما أنتِ عليه ؟
هل أنتِ جائعة ؟هل أنتِ مريضة ؟
هذه الأسئلة صارت توجه في أحسن الحالات لكون تلبية الغرائز صارت من اهتمامات المجتمعات المنغلقة , الجوع وكذلك الشعور بالبرد والحر والمرض , فأن كان رد اللواتي يعشنّ في أحسن الحالات بالنفي سيأتي الجواب .. فما الذي تبتغيه أكثر من ما أنت عليه ؟
أسئلة توجه لكل من ترغب في الخروج عن المألوف , والمألوف هو كل ما تعودوا عليه ,وبالتعويد يغيب التفكير وتنعدم محاولة الارتقاء بالجديد, هذا السؤال يوجه لرجالنا ولنسائنا على حد سواء , ولكن حظ النساء منه أكثر بكثير من حظ الرجال كون السكين مسلط على رقابهنّ كساطور كبير يقتلع رقبة كل من تحاول أن تخرج عن ما هو مألوف لديهم ,عليهنّ الطاعة والسير بمحاذاة الحائط خوفاً من ساطور القيل والقال الذي سيقطعهنّ إرباً وسيلطخ شرفهنّ وسمعتهنّ , ومن ذا الذي يقترب من الشرف والسمعة لدينا, الشرف والسمعة تعني عدم خروجهنّ عن دائرة العادات والتقاليد والتي بموجبها ينبغي لهنّ السير , الشرف والسمعة هنا تكمن في أجسادهنّ فقط ولا علاقة لعقولهنّ ولا لأفكارهن به , فلا علاقة بما يحملنّ من صفات الإنسان الحقيقي , عدم خروجهنّ عن دائرة المألوف من عادات إلى تقاليد يسير بموجبها القطيعوهذا ما هو مألوف لدينا
فعليها وعليه ,المرأة والرجل , أن يعيشوا الحياة التي أعدت لهم سلفا , عليهم أن يتوارثوا الأفكار ويطبقوا قيم المجتمع وعاداته على أصولها من خلال تلقي التعاليم بنصوصها ومن ثم تطبيق ما جاء بها بحذافيرها دون سؤال أو اعتراض حتى لو لم تكن ملائمة لعقولهم ولتفكيرهم , فالعقل والتفكير بالنسبة لهم زائدة دودية لا أهمية لها , والعصور لديهم ثابتة والزمن ساكن سكون أزلي.
للمرأة بحث آخر من كل هذا وسيوجه لها سؤالهم المألوف : ما الذي تبتغيه أكثر من ما أنتِ عليه ؟
فهل اقتصرت حياة الإنسان العربي وخصوصاً المرأة على الأكل والشرب فقط؟
هل اقتصرت على الإحساس بالبرد والحر وغُض النظر عن الإحساس الحقيقي المتواجد لدى الإنسان الحقيقي من شغف المعرفة وحب الاطلاع ,ومن مشاعر وأحاسيس إنسانية وما ترغب به ؟
و كأن احتياجاتها تختلف عن احتياجاته ,وكأنها ليست بحاجة لتمارس حياتها كما يمارسها الرجل ولا هي بحاجة لإثبات نفسها كما هي طبيعتها ,بل تُفرض عليها الحياة لا كما ترغب هي بل كما هم يرغبون , كأن الحياة اقتصرت بطعام وزوج وخدمة وإنجاب كما هي مقتصرة على الحيوان , طعام وشعور ببرد او حر ومرض , وواجبها أمام توفير هذه الاحتياجات هو خدمتهم وتسليتهم وولادة الأبناء لهم .
هذه العناية بالأجساد دون العقول ودون النفوس هي ما يشغل تفكير الغالبية لدينا, فأن كانت الأجساد مشبعة فلا يحق للنفوس الشكوى , فنفوس النساء وحاجاتهنّ غير معترف بها كونها بنظرهم ليست بذات أهمية أمام حاجاتهم, فأن احتاجت لإطعام عقلها فهذا ترف وهراء لا يستوعبوه وسيكون ضد الطبيعة كونها خُلقت للإنجاب وللخدمة فقط .شوهوا طبيعتها وقالوا بأن الله خلقها ضعيفة وهي طبيعة لا نستطيع تغييرها , فالمرأة الجميلة يجب أن تتسم بالضعف وتمثل الغباء أمام الرجل ليُفضّلها على غيرها , الجميلة هي من تركت عقلها فالعقل يخص الرجل ولا يخصها , والإبداع مسؤوليته دونها , المرأة الفاضلة هي من تتغاضى عن خيانة زوجها وتعيش رهينة لمزاجه وتمسح أهانته لها في حالة الغضب فهو رجل ومن حقه يغضب , متسامحة دوما عن أخطاءه وبالمقابل لا يحق لها أن تُخطأ , حمالة الأسى والهموم دون أن يبدر منها أي شكوى , تحمل أعباء الحياة على أكتافها وهي صامتة ,هكذا تكون المرأة الفاضلة وهكذا أرادوها وحصروا مهمتها بين جُدرانهم الأربعة ومن ثم عيّروها بعقلها الناقص ووصموها بالضعف ليهمنوا عليها , فالخطيئة منها وتكمن بها وعليه يجب حصرها مع تلك الخطيئة ,أليست هي من صلب حواء التي أخرجت آدم من الجنة ؟
البسوها الحجاب ولفوها بكيس السواد وضحكوا بسرهم عليها وميّزوا أنفسهم عنها وصاروا يتفاخرون بها أمامها .
كل ما ورد ذكره غير قابل للحوار لكونهم سيتساءلون :هل تبغين من الرجل ان يمكث في البيت وينجب ويرضع الأطفال !!
أسئلتهم مكررة ,وعقولهم مستنسخة لا تحمل الجديد وتطلق بوجه كل من يرغب في الكشف عن حقيقتهم ويبحث عن البديل والجديدفالجديد مخيف لديهم ويحمل صدمات لا تحتملها عقولهم ولا مصالحهم ,لا يحسنون التغيير ولا يجيدوه ولا يرغبون به , الثبات والسكون صارت لحياتهم سنّة , آمنوا دون تفكير ولا اقتناع , بثوابت لا يجوز التعدي عليها , ثوابت مطلقة لهم , تتكرر أسئلتهم كما تتكرر أفكارهم وأفعالهم , كما تتكرر سنواتهم , بل وقرونهم دون جديد , كما تتكرر قصص الشعوب وكأنها فيلم يتكرر بنفس الوجوه وبنفس المشاهدين بدون نفع يذكر.