الجلسات الحميمية تزيد الود ، و تعزز الوصال .



يوسف حمك
2017 / 11 / 3

صراع القوى الغاشمة على أرض أوطانهن ، و تناحر الفئات الداخلية استقواءً بالخارج ، أوديا إلى القتل و الدمار و انتهاك الحرمات و التشرد و التهجير .
نساءٌ أُجْبِرْن على الرحيل ، و ترك الوطن بحثاً عن الأمان مع عائلاتهن المعدة بعبواتٍ تفرق الأفراد ، فتقذف ببعضهم ما وراء البحار .

شاءت الظروف أن يجتمع بعضٌ منهن في إحدى تجمعات الهاربين من جحيم القتل و البطش و شظف العيش .
على ناصية أحد شوارعها و بمحض الصدفة لملمت الجيرة بين عدة عوائل ، كانت المعرفة و التعارف غائبةً بينها ، و تجهل بعضها قبل الدخول إلى المجمع .

تمر الأيام و الأسابيع ، و الوجوه تتقابل ، المعرفة بينها تتسع رقعتها رويداً و القلوب تتقارب .
في أوقات الفراغ بعد الانتهاء من أداء واجباتهن المنزلية و العائلية ، ينظمن جلسةً وديةً رغم ظروف الحياة و قساوتها .
لأرواحهن أسرارٌ متواريةٌ ، مسها الزمن بآلامه ، فحولها إلى جمرةٍ من المواجع الملتهبة التي لم تستطع انتزاع البسمة من بين شفاههن .
نعم للنساء عالمٌ قائمٌ بذاته . شغفهن بتبادل الأحاديث خصبٌ و فيرٌ .
يتظاهرن بالحرص على تكتم الأسرار ، غير أنهن يسردنها تفشياً بسهولةٍ و يسرٍ ، و أحياناً بأسلوبٍ سلسٍ جميلٍ .
ثم يصرحن : نحن نرفض الخوض في عمق خبايا الأسرار ، أو النيل البغيض و لطخ السمعة ، و لا نسيء للحياة الخاصة بأسلوبٍ رخيصٍ .

أحاديثهن كثيراً ما تخلو من الواقع ، و تخالف الحقيقة . إلا أن الطريف في الأمر الملفت أنه لا اعتراض لإحداهن ، رغم معرفتها الكاملة أن الحديث لا يجانب الصواب ، و لا تبادر إلى تصحيح الاعوجاج .

تخيم السعادة على جلساتهن مع احتساء كؤوس الشاي ، و تحلو السهرة بارتشاف فناجين القهوة ، فتظهر الروعة بتناول أكواب العصير .
تبدو على وجوههن ابتسامةٌ رائعةٌ ، أو تسمع قهقهةٌ لا تخرج عن إطار الاعتدال المألوف للصوت . مع تظاهر البعض منهن بالتوازن و الانضباط ، لإخفاء التفرد و التمايزعلى الأخريات ( إن كان بالجمال ، أو الذكاء أو زيادة إيراداتها المالية ...... و غيرها ) .

غير أن المشاكسة نادراً ما تطفو على السطح ، ثم الانكباب على أدق تفاصيل السيرة الذاتية دون كبحٍ للمبالغة ، كأن تقول لإحداهن : ( كثيرون تقدموا لخطبتي أو خطبتها ، من بينهم أطباءٌ و مهندسون – حماتي تحبني ، و الأدق أنها كانت تحبني أكثر من بناتها ...... ) .

لكنني أرى جلساتهن مرحةً و في غاية الروعة ، كشلالٍ من الرقة و الجمال ، و لملمةٍ مبهجةٍ لم أقتنص منها سوى مايعادل ثواني معدوداتٍ أثناء مروري دون توقفٍ أو إبطاءٍ .
و نادراً ما يغريني أن أخترق المجلس المفعم بكافة أصناف المتع ، و نقيضها الاستياء من عدم تعاطيهن الخبر بالتحليل و النقد للوصول إلى الحقيقة .

لا أبغي الهجوم على المرأة ، و لا أقصد دونيتها ، أو الانتقاص من شأنها .
لكنني - من وجهة نظري – أنا على صوابٍ ، و غيري قد يخالفني الرأي .
فأنا بطبعي أميل إلى التآلف بين المكونات ، و الاندماج ما بين فئات المجتمع باختلاف تياراته و ألوانه .
لذا فالفرح يملأني حينما النساء – بعديد أطيافهن - ينظمن جلساتٍ حميميةً ، و يغمرني السرور ، و لو أنه لا مكان لي بينهن .
فلا أجمل من الألفة بين القلوب الصادقة ،
وما أعذب التودد بين الأرواح النقية التي تمرح بخفةٍ ، و تلهو برشاقةٍ في حدائق الحياة ، فتتذوق ألوانها الزاهية ، و تقتبس الجمال من وجه بساتينها المبهر الراقي .