قلم القاضي في يد رجل الدين



عمر تحسين الحياني
2017 / 11 / 5

لما كانتْ المرأةُ هي الأضعفُ جسديًا فلقد وجدتْ من يتعاطفُ معها من أفرادٍ وجماعاتٍ منظمةٍ أو غير منظمة والجميعُ يرومُ حمايتها فهي الأم والأختُ وكلُّ المجتمعاتِ العربية والعالمية تتعاطفُ مع الأم ولا اعتراض على ذلك مع أنه يُستغَل أحيانًا لمآربٍ أخرى فلا مناصَ من وجودِ المستغلينَ في كلِّ الأزمنة والأمكنة. تحدثَ الكثيرُ وكتبَ الكثيرُ رافضًا نص تعديل مشروع قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والذي حققَ التصويتُ "المبدئي" بالقبولِ في مجلس النواب العراقي يوم الثلاثاء الموافق الحادي والثلاثين من أكتوبر 2017 قانونٌ يسحبُ القلمَ من القاضي ليسلمه إلى رجلِ الدين، قانونٌ يجعلُ العراق بلدًا بدويًا متأخرًا، وسوف يلاقي نقدًا دوليًا رافضًا رسميًا وغير رسمي ليستمر بذلك الحكم على رجعية العراق وتخلفه. يُذكَرُ أن الأممَ المتحدةَ قد علقتْ في الثامن من شهر مارس للعام 2014 على القانونِ الجعفري الذي كان مقترحًا، بقولها "قانون الأحوال الجعفرية يفتتُ الهوية الوطنية العراقية ويعرضُ وحدةَ التشريعِ الوطني للخطر" كما أنها دعتْ حينها مجلسَ النواب العراقي إلى "مراعاةِ القوانين الدولية التي تحمي حقوقَ المرأة" لم يمضِ القانون الجعفري فلقد جاء اليوم بلفظٍ مختلفٍ لكنه بتفتيتٍ أكثر وبمظالمٍ أكبر رغم أنه ساوى بين السنة وفرقهم والشيعة وفرقهم فأعطى لكلِّ زعيمِ فرقةٍ من رجالِ الدين سلطةَ التزويج حسبما يُفسر هو من كتبه التي قُتِل بسببها آلاف البشر، كتبه التي مضى فيها الحرُّ عبدًا مطيعًا قبل أن يُولد حرًا فلقد وُلِد من أبوين اختارا عبوديةَ رجالِ الدين بنفسيهما أو بالمتوارث القبلي المتخلف. وغالبًا ما تكون أمه مغتصبةً بشكلٍ يومي على سريرِ أبيه الحيواني المتسلط. أو لربما أنها تزوجتْ أباه من غيرِ قرارٍ لها أو إرادة أو قد يكون بقرارها لكن ليس بإرادتها؛ للخلاص من مأساةٍ أسرية أو ظلم ما. كلُّ ذا لم يكن له قانونٌ يحميه وكنا قد مضينا أشواطًا كبيرةً في توعيته بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر فبدأتْ تنخفضُ تلك المظالم وبدأتْ توعى المرأةُ المعذبةُ أن لها حقوقًا عاطفيةً وماديةً كبيرةً كانتْ تجهلها. فيأتي اليوم المشرعُ العراقي لهدمِ ذلك التقدم وإن كان قليلًا لكنه مستمرٌ. لقد ارتحتُ لحملاتِ الرفضِ الشعبي التي شهدتها مواقعُ التواصل الاجتماعي العراقية فكان معظمها يحملُ معانٍ لحمايةِ "القاصرات" لكن الذي لفتَ انتباهي هو غيابُ التحدثِ عن "القاصرينَ" وحمايتهم، أوليسوا هم كذلك أطفالٌ مثلما هن القاصرات؟! أوليس أن القانون الذي يجيزُ تزويج القاصرات نفسه يجيزُ تزويج القاصرينَ؟! أليس القاصر الذي يتزوج وهو ليس أهلًا للمسؤولية سوف يدمرُ أسرة بكاملها من زوجةٍ وأطفالٍ وربما يحدثُ طلاقٌ ينتجُ عنه خصامٌ بين عائلته وعائلتها أو قد يبحثُ هو على الغالب عن عشيقاتٍ وتبقى زوجته هي المعذبةُ؛ فالطلاقُ في مجتمعها يعدُّ عيبًا ومنقصةً للشرف والكرامة! ولربما يبقى الأمرُ على حاله ويبقى القاصرُ بلا عشيقاتٍ يُنفس بهنَّ ما فرضته عليه العائلةُ أو العشيرةُ فيعيشُ في مشاكلٍ نفسيةٍ مكبوتةٍ قد تدفعه للانخراطِ في صفوفِ مجاميعٍ إرهابيةٍ مجرمةٍ وأبعدُ الاحتمالات سوءًا أن يمارسَ على أطفاله ما وقع عليه من مظالمٍ لكنه سوف يراها مفخرةً ورجولة ليستمرَ بذلك حكمُ العشيرةِ بحمايةِ العمامة على مختلفِ فرقِها ومذاهبِها ويبقى "أطفالنا جواهر ولكننا حدادون" وتبقى العمامة حدادنا الأكبر فلقد أَلَنَّا لها أنفسنا وآتيناها فضلًا منَّا ونفاقًا؛ مثلما آتينا العقال ذلك.