-قصة شجرة في مهب الريح- نمط إبداعي فريد موجه إلي الطفل.



صلاح شعير
2017 / 11 / 13

قصة "شجرة في مهب الريح" قصة قصيرة موجهة للطفل للمرحلة السنية ما بين 9 - 12 سنة، للكاتبة الفلسطنية د. نعيمة حسن، وهي من الأعمال المدرجة على طاولة المناقشة ضمن فاعليات مركز بحوث وتوثيق أدب الطفل بالقاهرة، وملخص القصة يدور حول شجرة كبيرة تختال غرورًا على أقرانها بسبب كبر حجمها، وطولها الفارع، وقد كان هذا الطول هو سبب هلاكها فقد حضر النجار إلى الغابة وعندما شاهدها قطعها كي يصنع منها صندوقًا جميل كي يقدمه إلى الوالي، رغبة في ماله.

وبعدما قام النجار بقطعها وتصنيع الهدية، وقبل أن يسلمها للوالي بكت القطع الخشبية المكونة للصندوق وقررت الهروب والعود إلى الغابة لتلتصق بجذورها من جديد، وهربت من ورشة النجار، وشاهدها عصفور صغير وعرفها؛ فقد كان يسكن من قبل في عشه فوقها، فقرر أن يساعد القطع الخشبية في الوصول إلى الجذر والإتصاق به؛ حتى تنمو الشجرة باسقة من جديد، وفاءً لها.

الخيال الجامح: ترجع أهمية الخيال في كونه أحد أهم العناصر الرئيسة للإبداع الفني، بالإضافة إلى طبيعته الخاصة والمميزة، في التمهيد لنجاح الأعمال الأدبية ككل، وأهم ما يميز هذه القصة هو الخيال الجامح بوصفه من أهم أدوات لفت الانتباه لدى الأطفال، وخاصة في مرحلة الطفولة المتاخرة، وهي الشريحة المستهدفة من هذا النص، حيث يقوم الخيال في أدب الطفل بنقل الصغار من الواقع الذي يعيشون فيـه، حتى يحلقوا نحو عالم جديد يجعلهم يرون صورة مغايرة للواقع الفعلي، فيلمسون مساحة من أحلامهم في رحابة الخيال الخصب، ومن ثم يتدربون على ممارسة حاسة التخيل، مما يؤدي إلى نمو حاسة الإبتكار لديهم بالتدريج، وتعزيز القدرات العقلية لاحقًا، لأن الخيال يمنح الأطفال سمات خاصة تساعدهم على استخدام العقل مستقبلا.

التصوير الفني: اذا كان عملية التصوير الفني عملية لازمة في الاتصال بالمتلقي سواء كان من الراشدين أم الأطفال، فإن حاجتنا إلى هذا التصوير عندما نخاطب لأطفال تكون أكثر، لأن حواسهم شديدة الاستجابة لعناصر التجسيد الفني، وقد تمكنت الكتابة من رسم صورة فنية بالغة الدلالة من خلال تركيبات إبداعية جميلة، عبر شخصيات متنوعة، ومتجددة، مزجت بين النباتات كشخصيات محورية تمثلث في أصوات الشجرة الطويلة، والشجر الصغير المجاور لها، والأغصان، وأوراق الشجر المتفرعة منها، وأما الشخصيات المكونة من الجماد؛ فتمثلت في قطع الخشب المقطوعة من الشجرة الكبيرة، أما شخصية الطيور فكانت متمثلة في شخصية العصفور الصغير، ومثلت الشخصيات في النجار كشخصة رئيسة، والملك كشخصية ثانوية.

أسفر الحوار بين هذا الفريق المتنوع من الشخصيات المختلفة في النمط، والخصائص، عن إضفاء جو من الإثارة الذاتية داخل القصة، إعتمادًا على النسق غير المكرر في سرد أحداث القصة، حيث جاء التصاعد الدرامي للأحداث بشكل مبتكر، وغير تقليدي، عبر قفزات سريعة تنناسب مع إيقاع العصر، وبما لا يسبب الممل لدي القارئ الصغير، وهذا البناء المتماسك أكسب الحبكة قدرة على الإمساك بالطفل عند المتابعة، ومن ثم نجحت الكاتبة في صياغة أفكارها وبث القيم الفكرية في المضمون ومن هذه القيم ما يلي:

خطورة الغرور: تبرز القصة خطورة الغرور عندما بدأت الشجرة الطويلة تتباهي بقوتها، وكبر فروعها، وجمال أغصانها، وتلك المزايا جعلتها تتعالى على بني جنسها من المملكة الشجرية، فإذا كان الغرور مقترنا بتضخم الذات لدى المغرور، بأن يرى الشخص بأنه هو الأجمل والاخرون لا يفقهون، فأن نهاية المغرور حتما في هلاكه، لأن نتيجة المبالغة في الكبرياء أو المبالغة في الثقة في النفس، من العادة التي تؤدي إلى الفناء، وهذا المعنى قد تحقق في القصة عندما قام النجار بقطع الشجرة من فوق ظهر الأرض.

الحسد: هو من الأمراض الخطيرة التي تفتك بالمجتمع ويعد الحسد سببًا من أسباب معظم الجرائم التي يرتكبها البشر، ولذا فهو من الصفات الذميمة، والتي لا تتخلق بها إلا النفوس المريضة، حيث الحسد يؤدي إلى المكايدات، والبغضاء والتقاطع، والهجران، وفساد العلاقات، والتناحر، وقد برزت تلك الخصلة القبيحة في القصة من قبل الأشجار القصيرة التي راحت تحسد الشجرة الطويلة على طولها. وقد نجحت القصة عندما رصدت بعض أمراض المجتمع الذي يعاني من المغرور، والحاسد، وكلاهما نمطان مرفوضان.

قيمة الوفاء: وقد برز الوفاء بالقصة عندما شاهد العصفور الأجزاء المقطوعة من الشجرة، والمصنعة كصندوق وهي تحاول العودة إلى جذر الشجرة الأم، حتى تلتصق بها، فقد كان هذا العصفور له عش فوق أغصانها، وهو صغير، ولذا عرف كل منهما الآخر، وقاد العصفور أجزاء الشجرة إلى الجذر، لقد جسدت القصة قيمة الوفاء للآخر، وهذه القيمة من الأمور الدالة على الأخلاق الحميدة، والفطرة السليمة لدى البشر، وفضيلة تعلى من شأن القيم الإنسانية الراقية التي تبث الثقة بين الناس، وتساعد الجميع على الترابط.

الحنين والعزيمة: تبرز هذه القصة أهمية الحنين إلى الجذور، فكل إنسان يحن إلى أصله، كما حنت أجزاء الشجرة في القصة إلى أصلها، ولكن هذا الحنين عادة ما يحتاج إلى عزيمة حتى يتحق حلم العودة إلى واقع ملموس، فبدون العمل لن يستطيع أحد أن يحقق الهدف، ولذا تحركت قطع الخشب الممزقة بمنشار النجار نحو الوطن داخل الغابة، ولكن النجاح في العودة لم يكن صدفة، بل جاء بعد التخطيط للخروج من ورشة النجار، عندما انطلقت القطع الخشبية تحت جنح الظلام حتى ترى النور في الصباح فوق أرض الوطن، وقد تكلل جهدها بالنصر، حيت وصلت، ثم ألتصقت قطع الخشب من جديد بجذرها الضارب في أعماق الأرض العربية، لتحيا الشجرة الطويلة من جديد بين أجزائها العائدة من الشتات.