عن أوضاع النساء السوريات



معتز حيسو
2017 / 11 / 18



لغاية عام 2011، كانت أوضاع المرأة السورية أفضل من قريناتها في غير دولة عربية. علماً أن دعم الحكومة السورية الإشكالي للمرأة، وتمكينها من بعض المناصب السياسية والعامة وفتح أبواب العمل أمامها، لم يغيّر من واقع التمييز والنظرة الدونية لها. ويساهم في ذلك قانون الأحوال الشخصية الذي يقلّص بدوره من الحريات الأساسية العامة والفردية للمرأة، ومن حقها بالتكامل مع الرجل. ما يجعلها تابعة للرجل ومرتهنة لإرادته وأيضاً لمنظومة الأفكار الذكورية.
وكما بات واضحاً فإن الحرب فاقمت من تدهور أوضاع المرأة، ومن تعرّضها لكافة أشكال الانتهاكات. أمام هذا الواقع الجديد، وجدت المرأة السورية نفسها في مواجهة مباشرة مع تداعيات الحرب ومفرزاتها. فأصبحت في أغلب الأحيان، المُعيل الأساسي للأسرة. وذلك في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة والتعقيد. ما أسهم في تعرّضها لدورة متجددة من العنف المادي المباشر والرمزي. وكان لتراجع فرص العمل، مقابل ازدياد الضغوط المعيشية، ومشاركة أعداد كبيرة من الشباب في الصراع إضافة لتفشي ظواهر الاعتقال والخطف والقتل والتصفية، دوراً واضحاً في إجبار المرأة على العمل في ظروف تحط من قيمتها الآدمية، والاشتغال في أعمال لا تليق بمكانتها، ولا تتناسب مع أوضاعها الفيزيولوجية والاجتماعية والثقافية. هذا إضافة لانتشار زواج الأطفال«القاصرات» وإرغام أعداد من النساء على بيع أجسادهم. وإذا كانت أوضاع الحرب وتدهور الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة النظام أحد الأسباب الأساسية وراء المظاهر المذكور. فإن ذات الأسباب، وأسباب أخرى مختلفة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، جعلت من المرأة سلعة رائجة، وهدفاً لضعاف النفوس وتجار الأزمات والحروب. علماً إن السوريات عموماً واجهن كافة التحديات، وأشكال المعاناة والضغوط المعيشية والنفسية والعصبية والاجتماعية والسياسية، ما جعل منهن أيقونة المجتمع السوري ورمز صموده.
لقد أدى استخدام العنف المفرط، والترويج له من قبل أطراف متعددة ومتباينة. إلى تحوّله لقيمة معيارية، ما أسهم في اتساع هامش سيطرته على طبيعة العلاقات الجندرية. فالدعوات إلى الحرية والديمقراطية التي من المفترض أن ترفع من شأن المرأة، تحولت بوتيرة متسارعة إلى دعوات للعنف والتطرف، فكانت المرأة أولى ضحايا العنف المتعدد الأشكال والمستويات، إضافة إلى إخضاعها لأشكال مختلفة من العبودية الجنسية. أما أسباب اعتماد العنف الجنسي ضد النساء يعود لارتباط شرف العائلة بنسائها، فتحولت نتيجة ذلك إلى أحد أخطر أدوات الإذلال والضغط بين الأطراف المتقاتلة. وكان لذلك انعكاسات واضحة على العلاقات الجندرية المسيطرة، وعلى موقع المرأة في سلّم التنمية الإنسانية، وكذلك دورها ومكانتها الاجتماعية. ومن نافل القول أن الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة من قبل الفصائل المتصارعة، وبشكل الخاص الجهادية الإسلامية. ترتبط بجانب منها بالموروث الإسلامي. ما يجعل معاناتها أشبه بنكوص تاريخي. ويتزامن ذلك مع مفارقة تجمع بين استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا للقتل والترويع، وممارسات قروسطية بحق النساء السوريات.
إن ضعف دور المرأة، وتردي أوضاعها خلال سنوات الصراع بشكل خاص، له علاقة بغياب المؤسسات النسوية المدنية الحكومية منها وغير الحكومية، وأيضاً ببنية العقل وآليات التفكير السائدة، وبطريقة إدارة الصراع، إضافة لطبيعة التحالفات بين أطراف الصراع الليبرالية مع قوى جهادية أصولية اعتمدت القوة العسكرية كخيار وحيد لإسقاط النظام. وتزامن ذلك مع تهميش الأطراف الدولية للقوى الديموقرطية السورية السلمية، وتجاهل مواقفها المتعلقة بالعنف والعلاقة مع القوى الجهادية.
وفي الوقت الذي كان فيه كثيراً من المدافعين عن الديمقراطية يتطلعون إلى موجة جديدة من الديمقراطيات. أتت دعوات التسلّح لتغيّر مسارات الصراع السياسي، وتحوّله إلى حرب أقرب ما تكون إلى حرب معولمة. وتوصيف الحرب في سوريا بالعولمية لا يتوقف فقط على عدد الدول والأطراف المشاركة والفترة الزمنية، أو ما نجم عنها من كوارث إنسانية وبيئية واجتماعية. لكن له علاقة بما سينتج عنها من تغيرات في بنية النظام العالمي وأيضاً طبيعة التحالفات والتوازنات الدولية، ويندرج في السياق ذاته ما يجري من تغيرات على المنظومات الفكرية السائدة. ونشير أيضاً إلى أن الحرب السورية كشفت عن إشكاليات واضحة تتعلق بدور الأمم المتحدة في عمليات التفاوض والتسوية السياسية وبناء السلام، قابل ذلك تفاقم سيطرة غير دولة على إدارة الحرب وظيفياً، وبشكل خاص موسكو وواشنطن. وكما بات معلوماً فإن الحرب في سورية ليست كغيرها من الحروب، فهي من أكثرها تعقيداً. فحرب الوكالة أفرزت العديد من المنظمات الإرهابية التي باتت تهدد أمن العالم واستقراره.
إن تراجع دور المرأة السورية في التغيير. وتحوّلها إلى مشردة ولاجئة ومُعيلة، وسبيّة ومقموعة ومقهورة. يدلل على أن تجاوز أوضاعها الناجمة عن الأنظمة الاحتكارية. يحتاج إلى تغيير ثقافي وسياسي ديمقراطي تراكمي. أما محاولات إسقاط الأنظمة الشمولية المستبدّة بقوة السلاح والحصار، إضافة لاعتماد الحركات الأصولية المسلّحة كأداة للتغيير. فإنه يشكَّل مدخلاً لنكوص أوضاع النساء إلى أحط مراحلنا التاريخية.