زواج القاصرات الاصل الديني العقلي



حسين سميسم
2017 / 11 / 23

زواج القاصرات
الاصل الديني العقلي
الحلقة الرابعة
بعد ان اطلعنا على الدليل القراني والدليل الروائي ( في الحلقتين الثانية والثالثة ) تبينَ ضعف الاستدلال بهما في قضية الزواج من ذوات التسعة ، ومن المنطقي الاطلالة على الاجماع والدليل العقلي لكي نلم بكل الاصول . فمن المعلوم ان مصادر الحكم الشرعي هي القران والسنة والاجماع - والقياس او العقل - التي يعبر عنهما بالرأي ، وتسميان في غالب الاحيان بالدليل العقلي . فلو لم يجد الفقيه شيئا يستند اليه من القران او السنه فانه يضطر لاستخدام دليل الاجماع او الدليل العقلي .
لكن المشكلة التي تواجه هذا الامر هو عدم اتفاق الفقهاء على حدود الاجماع وحجية الدليل العقلي فقد قال الشهيد الصدر ( واما ما يسمى بالاجماع فهو ليس مصدرا الى جانب الكتاب والسنة ) وقال ايضا ( لم نجد حكما واحدا يتوقف اثباته على الدليل العقلي - بهذا المعنى - بل كل مايثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب او سنة ) ( الفتاوي الواضحة 98) ( ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين )(الانعام 59) ، وبذلك فان دليل الاجماع والدليل العقلي تابعان ونابعان من احد الاصلين القران او السنة ، ولو لم يجد الفقيه دليله في احد الاصول فانه يحاول الحكم بما لايبتعد عن روح النص حسب رأيه ، فيذهب الى مصادر اخرى كالمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب والعرف والمشهور ... هذا ماتسالم عليه الفقهاء الاصوليون سنة وشيعة .
اما الاخباريون فان مصدرهم واصولهم في التشريع هو الخبر او الاثر، وهم لايقرون بالدليل العقلي ولا بالاجماع ويغلبون الرواية على النص القرأني ولايؤمنون بالاجتهاد ولا التقليد ، وهم خارج هذا النقاش .
ان مناقشة هذه الحالة فيها شئ التعقيد ، فقد استند الفقهاء في حكمهم على زواج ذوات التسع على تفسير لم يتطابق مع النص القراني ، لكنهم آمنوا بصحته دون بحث ، واعتمدوا على روايات ثبت ضعفها ، لكنهم يعتبرونها دليلهم وحجتهم ، ولم يذهبوا الى ميزان علم الرجال لبيان ضعف تلك الروايات ، فسلكوا سلوك الاخباريين لكن بجلباب الاصوليين ، وقالوا في الاجماع مايخالف اعتقادهم من وجوب حضور المعصوم ، ثم عادوا الى حجية الاجماع وفندوها كما مر ذكره ، لكنهم اعتمدوا اراء من سبقهم في هذه المسألة فقلدوهم وكان من المفروض ان يجتهدوا ، فالمجتهد لايقلد .
لقد افتى الفقهاء في السابق على نفس الاساس فحدث اجماع لديهم ، فظن الفقيه ان دلائل ذلك الاجماع كافيه للحكم بجواز الزواج قبل البلوغ وبعده ، وظن ان الدلائل كافية (نص ،سنة ، اجماع ) واكتفى بصحة ماتوصل اليه السلف ، ورمى المسؤولية عليهم ، فلم يجتهد ، ولم يبحث بمافيه الكفاية لاستنباط الحكم من الدليل العقلي ، وقال ان ذلك ثابت في الشريعة ويدخل في باب المشهورات .
ان القارئ يتوقع وجود اجماع بين الفقهاء في صحة الزواج قبل البلوغ وبعده ، لكن الامر ليس كذلك ، فقد افتى مجموعة من الفقهاء بجواز الزواج من الفتاة التي تبلغ 13 سنه ومنهم الشيخ اليعقوبي ، حيث قال في احدى مقابلاته التلفزيونية ( انا عندي 13 سنة ) فمن اين اتى بهذا الرقم ؟ ومن اي مصدر ومن اي دليل شرعي ؟ فلو كان ذلك نابعا من الدليل العقلي غير المرتبط بقران او سنة ، فان حكمه لاينتمي للمقدس بصلة ، انما ينتمي الى المصلحة الواقعية البشرية التي فرضتها الظروف والضروريات الحالية ، كوضع المرأة في المجتمع والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والقانونية التي لايوجد ما يشابهها في العصور السابقة .
ان الشيخ اليعقوبي اصاب الهدف في تأخير عمر الزواج الى 13 سنة ، وهو متقدم بالتأكيد على اقرانه ، لكنه يحتاج في تقدير العمر الصحيح والمناسب استشارة المختصين من التدريسيين وخبراء القانون والباحثين الاجتماعيين والاطباء النفسانيين والمختصيين بالطب النسائي ، وبذا يكون رأيهم مهني ، وهو ما يجب ان يلجأ اليه القاضي والفقيه لانه ببداهة هو رأي المختصين ، وما دام الامر اجتهادي ( لا عبادي ولا منصوص عليه ) فانه يقع كما قال الشهيد الصدر في منطقة الفراغ التي لايستطيع الفقيه بمفرده ان يبت فيها ، وعلينا ان نتصارح ولا ندعي بان هذا الامر صادر من الله ، ولا نعطي لانفسنا الصلاحية لمخالفة امره ونقول 13 بدل 9 ، فلو كان الله سبحانه وتعالى قد قرر عمر الزواج بتسع سنين فلماذاَ نخالفه ونقول 13 ؟ . ان الشيخ يقف في نفس النقطة التي سبق ان وقف عليها الفقهاء الذين اقروا قانون الاحوال الشخصية 188 قبل سنة واحدة من ولادة الشيخ . .
لقد كان الفقيه في الزمن السابق يدرس علوم الفلك والطب والرياضيات والفلسفة اضافة للفقه ، وكان عبارة عن دائرة علوم مصغرة لكن الفقه في الوقت الحاضر تخلى عن كثير من العلوم ، حتى ان علوم القران والتفسير والتاريخ ... لاتقع في دائرته ولا ضمن دراسة الحوزة . كما ان العلوم في الوقت الحاضر تشعبت وابتعدت عن اهتمامات الفقيه واصبحت اختصاصات الطب فقط تزيد على الثلاثين . وعليه لابد من مرجعية علمية الى جانب المرجعية العلمائية .
ان قانون الاحوال الشخصية 188 سمح بالزواج من الفتاة عند بلوغها 18 سنة ، ويجوز لها ان ان تتزوج في عمر 15 سنة ( مادة 8 )بعد موافقة ولي الامر والقاضي الذي يقدر وضعها حسب المعطيات المقدمة ، وهذا العمر يدرأ عنه شبهة الشك في بلوغ المرأة من عدمه ، ويصح على النسبة العظمى منهن بحيث يحرز ذلك اطمئنان القاضي بصحة حكمه دون الحاجة الى لجان مختصة في كل مدينة او قرية ، ولا يحتاج سؤال الوقف الشيعي ولا السني في كل قضية .
ان عملية رجوع القاضي الى الفقيه حسب ما طالبت به تعديلات القانون المقترحة هي عملية غير موفقة وغير عملية وغير معقولة ، لان الاختلاف بين الفقهاء كبير فمنهم من يفتي بالزواج قبل البلوغ وحينه (9 سنين ) كالسيد السيستاني والبشير والفياض والحكيم ، ويفتي البعض الاخر ب13 سنة كالشيخ اليعقوبي ، وهو يتقدم على باقي الفقهاء في كثير من البنود الفقهية ، كما توجد اختلافات في المذاهب الاربعة الاخرى ، لذلك فالبحث عن ثوابت الدين هو بحث عن مجهول .
ان اوضح الواضحات جرى الاختلاف عليها ، فالصلاة والصوم والحج والزكاة وكل اركان الدين لا تتطابق بين مذهب واخر ، ونشأت المذاهب اصلا بسبب تلك الاختلافات ، فالمذاهب والفرق تتناقض مع الثوابت ، والاجتهاد يمحقها ، ولو بحثنا عن مصاديق تبين هذا الامر لوجدنا غرابة المسألة ، فلو ذهب شخص ما الى القاضي واراد ان يتزوج من طفلة ذات سنين ستة على ان يدخل بها عندما تصبح في التاسعة ، فان الزوج لا يختار اليعقوبي ، بل يختار مرجعا آخر ثبت عنده جواز ذلك ، وعليه فان القاضي يقرر مرة بجواز الزواج من الفتيات من اعمار مختلفة داخل المذهب الواحد .
ان تبعية القاضي لفتوى الاوقاف يجعله بحاجة الى اوقاف اخرى كالوقف المسيحي بمذاهبه المختلفة : الكاثوليكي والبروتستاني والنسطوري والملكاني والارثدوكسي والوقف اليهودي على مذهب السفارديم والاشكناز والارثودوكس والوقف الصابئي والايزيدي والزرادشتي وعلى اللهي والعلوي والبهائي والنصيري ، وبالنتيجة سوف نؤسس ديوانا للوقف العلماني !! ، وستكون كل تلك الدواوين حاضرة بمجالسها العلمية والافتائية في كل المحافظات ، فهل يمكن سؤال ديوان الوقف الشيعي عن زواج الايزيدي ؟.
ان مناقشة تفاصيل قانون التعديلات المقترح قام به عدد من الزملاء من الكتاب والحقوقيين ، واشير في ذلك الى مقالات الاخ مالوم ابو رغيف و د. بشرى العبيدي ، واحب ان اذكر بعض الامور التي سلبت ( فيما ارى ) بعض حقوق الطفل والمرأة وخرقت وحدة القانون ومساواة الناس بعضهم لبعض في الحقوق والواجبات ومنها :
- اطلق قانون التعديلات المقترح حرية تعدد الزوجات دون النظر الى المصالح المشروعة ولا الى الكفالة المالية للزوج ، بحيث يستطيع الزوج الزواج ماشاء له على ان يحتفظ بأربع زوجات ، ويمكنه ان يطلقهن ويتزوج بعدد مماثل من النساء ، والشريعة لاتمنع ذلك ، كما ان المرأة غير محمية من الطلاق التعسفي ، ويضاف الى كل ذلك جواز زواج المتعة في الفقه الشيعي ، وغالبا مايتم ذلك خارج المحكمة ، وقد ينتج من ذلك مواليد ، وهؤلاء بحاجة الى اثبات النسب وهويات الاحوال الشخصية ، فكيف تثبت المحكمة النسب والزواج في حالات الخلاف ؟ . ( انظر المادة الثالثة من قانون الاحوال الشخصية 188 لسنة 1959) . وهل سيسجل زواج المتعة ( المسيار ، العرفي) في المحكمة لكي يتم حفظ حق الابناء واثبات النسب ؟ هل ستستثني المحكمة هذا الزواج من حقوق الارث للزوجة ، حيث يخلو هذا النوع من الزواج من حق الارث .؟ .
-- جوز قانون الاحوال الشخصية 188نكاح الكتابية ( مسيحيةاو يهودية )( الباب الثاني الفصل الاول المحرمات ) ومنع ما عدا ذلك . في حين اختلف الفقهاء فيما بينهم في هذا الامر ، فقد منع بعض فقهاء الشيعة كالشيخ المفيد والمرتضى وابن ادريس والطبرسي والحر العاملي هذا الزواج مطلقا ، وجوزه الطوسي والعلامة الحلي والشهيد الاول واكثر المعاصرين ومنهم السيد الخميني . واحتاط السيد الخوئي . والمشهور بين الامامية التمتع بالكتابية وحرمة النكاح الدائم ، وقد ذكر قانون الاحوال الشخصية الجعفري في مادة 63 ( لايصح نكاح المسلم نكاحا دائما من غير المسلمة مطلقا ). كما جوزه معظم اهل السنة وقال ابن باز على كراهة . اما وراثة احدهم للاخر فقد وقع خلاف نظرا لقول النبي لايرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (ابن رشد بداية المجتهد 2075) ، وقالت الامامية : ( المسلم يرث زوجته الذمية وهي لاترثه )(من لايحضره الفقيه لابن بابويه ج4 ص 336 ) . وتوجد ابواب في كراهة الزواج من المخالف المذهبي في كل المذاهب ، اما الزواج من صابئية او ايزيدية او زرادشتية فهذا مالايمكن تسجيله في المحكمة متعة او دواما الا باقرارها الاسلام .
-- قضية النشوز من الامور التي تتطلب النقاش في قانون الاحوال الشخصية وفي التعديلات المقترحة ، فالنشوز يخص المرأة عند غالب الفقهاء ، وشذ عنهم الشيخ حسين الحلي والسيد محمد حسين فضل الله والسيد كمال الحيدري ، حيث وسعوا النشوز الى نشوز الرجل ايضا ( انظر تقريرات الشيخ حسين الحلي وفقه الشريعة فضل الله ) ومن حق الحاكم التدخل في تحديد الناشز وتقرير الحقوق التي تترتب على هذا القرار . وفي المادة 25 نقطة 5 أ للزوجة طلب التفريق بعد مرور سنتين من حكم النشوز ، وبذلك تبقى معلقة كل هذه المدة .
-- في حالة الخيانة الزوجية يمكن للقاضي التفريق بينهما ، لكن التعديلات تنفي هذه الامكانية ويستحيل معها التفريق بين الخيانة والزواج المؤقت ( المسيار ) .( انظر المادة 40نقطة 2 من قانون الاحوال الشخصية ) .
-- تتكلف الدولة بالانفاق على الزوجة المعسرة التي تركها زوجها ( قانون الاحوال الشخصية مادة 30 ) ، وقد اهملت التعديلات هذه النقطة المهمة التي تحفظ كرامة الزوجة نسبيا .
-- تشير المادة 50 والمادة 54 من قانون الاحوال الشخصية 188 الى ان اقل مدة للحمل بعد وقوع العقد والتلاقي هي ستة اشهر ، وسكت القانون عن اطول فترة للحمل وتركها للعرف . وتختلف المذاهب في اطول فترة للحمل عن العرف ، فقد قال الامامية انها تمتد الى سنة هلالية واحدة ، وجوزت الحنفية ومذهب سفيان الثوري امتدادها الى سنتين ، وذهب مالك واحمد والشافعي للقول بانها تمتد الى اربع سنين ، والزهري ست او سبع سنين . فلو سافر شخص ما وترك زوجته اربع سنين مثلا فان الوليد ينسب لابيه المسافر ، ويترتب على ذلك النفقة والارث ، وليس من حق الاب الاعتراض . ويوجد مايعضد ذلك تاريخيا فقد ولد مالك بن انس عام 95 بعد ان توفى والده عام 93 هجرية عن عمر يقارب 103 سنة .
-- تناقش المادة 57 مدة حضانة الام ، فهي في هذا القانون عشر سنين ، وان اقتضت الضرورة يمددها القاضي الى 15 سنة ، ويختار بعدها الابناء احد الوالدين ، ولا تسقط الحضانة بزواج الام الا اذا تبين مصلحة حقيقية للطفل في البقاء عند ابيه وهذا ما يقرره القاضي . اما في الشريعة فانها سنتان (المسائل الفقهية ،فضل الله ،ص 442 ) ويرجع الطفل لوالده ، ولا يحق للام الرفض ، وقد مددها السيد السيستاني واليعقوبي الى سبع سنين هلالية .
-- تعتبر المادة 74 الولد بحكم الحي اذا توفى قبل ابيه او امه ، وينتقل استحقاقه من الارث الى اولاده ذكورا كانوا ام اناثا ، على ان لاتتجاوز حصتهم الثلث . في حين تمنع الشريعة الابناء المتوفين قبل احد الابوين من الميراث وتحجبه عنهم ، فقد حدث ان توفى ابن في حادثة سيارة قبل ابيه المرافق له في تلك السيارة بدقيقة واحدة حسب التقرير الطبي ، فلم يأخذ ابناء الابن شيئا من تركة جدهم ، في حين انصف قانون الاحوال الشخصية 188هذه الفئة من الوصية الواجبة ( الثلت) واعتبرهم بحكم الاحياء .
--اما عن ارث الزوجة فان الشريعة قد حددت لها بعد وفاة الزوج الثمن او الربع حسب بعض الحالات ، ولو لم يكن عندها ابن او بنت فانها تاخذ الربع وياخذ الامام ( المرجع) ثلاثة ارباع ( انظر فقه الشريعة ، فضل الله ، ص 669 ) ، علما انها لا ترث من الارض ولا من العقار بل ترث من قيمة الطوب والشبابيك والحيطان ، ولو اعطيت لها هذه القيمة فانها لا تملك شيئا من بيتها وستغادر الى بيت اهلها . ولو ماتت هي فان زوجها يرث كل شئ منها . ولم تنص الاية 12 في سورة النساء على ذلك بل ساوت بين الزوجين .
ان قانون الاحوال الشخصية 188 لسنة 1959 وتعديلاته يحتاج اجتهاد جديد لاضافة تعديلات تصب في مصلحة الاسرة وتحميها من تعسف الظروف والعلاقات البائدة ، وتخلق الرحمة بين افرادها لكي ينشأ الجيل الجديد مطمئنا في ظل قانون عادل يتساوى فيه كل افراد المجتمع ، وينسجم الناس مع القوانين المأخوذة من المعاني الانسانية الخلاقة التي تتوافق مع حياته وظروفه .

حسين سميسم