المكبوت في أعماق النّساء



نادية خلوف
2017 / 11 / 23

تقول لي: لا أعرف لماذا أخجل من قول الحقيقة، كما أننّي لا أعرف لماذا درست في الجامعة، ولماذا تزوجت، ولماذا أنجبت. هي ليس إنسانة عادية. بل طبيبة ، وعلى رأس عملها.
شكت لي ألمها، عندما كنا معاً في سورية ، وقالت أشعر أن زوجي ينتقم مني لأنّني طبيبة، مع أنّه طبيب.
بالنسبة ليلا أتجرأ أن أفتح نقاشاً مع أي امرأة سورية، فبعد أن تشتم زوجها وتضعه في القمامة. لو تنفّستَ بالتعليق لقالت: هو طيب، وحنون، ويحبني، فتخجل من نفسك. لذا كنت مستمعة فقط.
في المرة الثانية زارت طبيباً نفسياً لعلاجها من ازدواجيتها بين البقاء من أجل أطفالها أو المغادرة.
في المرة الثالثة أتت إليّ: قالت: أنا عاتبة عليك. كأنّني أكلّم حجراً. قولي شيئاً أرجوك.
قلت لها. بل أنت يجب أن تقولي. أخرجي الكنز المدفون في أعماقك وافرديه.
-لا أستطيع. أخشى أن لا أنال احترامك لو تحدثت بكل شيء، سوف أتحدث ببعض الأشياء، وأهمها أنّني لا أستطيع الإنفاق من دخلي. يأخذه كلّه، أسرق منه القليل من أجل الطفلين، وحتى ثيابي ليست جديدة.
-ولماذا تصبرين؟
-اعتقدت أنّك تفهمين أمور النساء. لن أكمل الحديث، فأنت مثل الجميع تطلبين مني أن أحارب وتحمسينني على طلب الطلاق متناسية أن لدي طفلان. لن أفعل ذلك يا صديقتي. لكن هل تظنين الأمر طبيعياً أن أقبل أن يأتي بصديقاته إلى المنزل تحت حجة الانفتاح، وأسهر على خدمتهن؟
أخجل أن أنظر إلى الناس، وأخجل من نفسي، وأخشى أن يتعرض لحادث بينما يقود تحت تأثير السكر ومعه إحدى عشيقاته التي يصرف عليهن خلاصة جهدي. أنا عبد بكل ما تعنيه الكلمة.
لم يشفع لها كلّ ذلك، فبعد بلوغها الخمسين تزوج زوجها بأخرى، وهاجرت مع أولادها الذين أصبحوا كباراً.
منذ فترة كنا ندردش معاً على وسائل التواصل. قالت لي: يبدو أن مشكلة المتعلمات أشد من مشكلة الأميات في سورية. يخفن من العار أكثر، ويعملن من أجل أسرة مثالية كاذبة.
وأضافت: حضرت محاضرة في ألمانيا، وكانت السيدة تقول: إن أبي كان يضرب أمي وهو مدمن، وزوجي كان أسوأ من أبي. تحدثت عن معاناتها، فحسدتها. هل سوف يأتي يوم اتحدث فيه عن كل شيء؟ لا زلت أكبت مشاعري، وأتحاشى كل من يعرفني كي لا يسألني وهو يتشفى بحالتي، وسألتني ثانية ما رأيك؟
أجبتها:
الحقيقة انّني لا أعرف ما هو رأيي، وذلك القمقم المكبوت فيّ يضم صرخات قوية بدأت منذ الطفولة. أتمنى لو أستطيع الوقوف على مسرح والحديث عن جميع الأشياء، لكنّني يا عزيزتي أحتاج لعلاج نفسي قبل صعودي إلى المسرح. علاج يعلمني فنّ البوح. أحتاج إلى إعادة تأهيل، فما تحملينه في داخلك أحمل مثله، وربما نستطيع أن نؤلف كتاباً واقعياً يدرّس في الجامعات. لم لا؟
لن نأتِ بحرف إلا من خلال الواقع.
ضحكنا قليلاً ثم بكت. قالت: كنت عبدة يوم كنت معه، وعبدة يوم تركته، فمسؤولية الأمومة التي أعطيتها بعض حقها جعلتني لا أستطيع التصرف بسبب وجود أولادي. لقد سرقت حياتي، ومالي، وجمالي.
أجبتها بكلمات أكتبها كي أشجع نفسي على الاستمرار: الحياة تبدأ في الستين، وفي كل يوم جديد لنا بدء جديد. هذه الكلمات هي التي تحايلت بها عليّ من أجل الاستمرار.