متحف للمرأة الإماراتية



فهد المضحكي
2017 / 12 / 2

في استطلاع مجلة «العربي» الكويتية نوفمبر 2017 ثمة ملف للباحث الكويتي حسين بوكبر يتحدث فيه عن متحف المرأة الاماراتية الذي يقع في قلب المركز الاقتصادي القديم لامارة دبي.
ماذا يعني ان يكون للمرأة متحف؟ واي دلالة يحملها هذا المتحف في حالة المرأة الخليجية والاماراتية على وجه الخصوص؟
في تقديم الباحث يذكر ان المتاحف هي الذاكرة المرئية للشعوب، وذلك لما تحويه من مقتنيات وشواهد واثار تعيد زائرها الى ازمنة غابرة، ولكنها حاضرة، وهي بذلك تحفظ للشعوب ماضيها حتى تتواصل الاجيال المتلاحقة وتتزود من زاد تجاربها وفيض مددها، ولا تبتر عن جذورها واصولها، والمرأة في المجتمع الخليجي تتمتع بمكانة كبيرة وتسهم بفاعلية في تحقيق النهضة المجتمعية، ولنا في ذلك امثلة كثيرة، بيد ان الجهود النسوية لم تكن وليدة اللحظة الراهنة أو حتى لحظات الحداثة التي تحققت للامارات الخليجية في النصف الثاني من القرن العشرين بعد اكتشاف الثروة النفطية، بل تمتد الى زمن الشقاء زمن الغوص والبحر والرحلات التي كانت تمتد شهورًا تسرق فيها رجال الخليج من وجودهم الاجتماعي لتنعم عليهم بقليل من الدراهم التي لا تفي بالمطلوب، مما يستدعي العودة مرة ومرات آخرى للبحر بما يحمله من مخاطر وآمال.
كانت المرأة انذاك تقوم بدورها ودور الرجل الغائب، متحملة مشاق الحياة وشظفها، بل عبوسها وتقترها في كثير من الاحيان. فحق لها ان يحفظ دورها والا يضيع في زحمة الحياة اليومية المعاصرة في ظل كثافة التقنية، ويكاد يغيب عن الذاكرة الجمعية تاريخ مشرف ملؤه العظة والعبرة ومثقل بالتجارب والخبرات المتراكمة. يتحدث الباحث عن متحف المرأة الموجود في «بيت البنات» في احد ممرات سوق الذهب الشهير في منطقة «ديرة». ما قصة «بيت البنات» ولماذا تم اختيار هذا المبنى ليكون مقرًا للمتحف؟
عن هذه الحكاية يقول ان المبنى عبارة عن منزل قديم يعود الى منتصف القرن الماضى وسط حي مليء بالسكان، وكان اهل هذا الحي يطلقون على المنزل «بيت البنات» نظرًا الى ان من يسكن البيت هن مجموعة من النساء غير المتزوجات. وعمدًا تم اختياره ليتوافق مع رؤية المتحف وافكاره، بحيث يكرس المتحف جهوده للتعريف بدور المرأة الاماراتية وتاريخها ومساهماتها الثقافية والحضارية والفنية، ودورها في كل جوانب الحياة، كما يقوم المتحف، بوصفه مركزًا لتعريز دور المرأة وبيان حيوية هذا الدور، بابراز عطاءات المرأة في اللحظة الراهنة.
يتضمن المتحف – كما يروي بوكبر – جدارية عنوانها «ذاكرة المكان» وهي عبارة عن مجموعة من الصور جمعت من البومات خاصة، وتحمل الى جانب صور الشخصيات بعض الوثائق المهمة والمعبرة عن سياقها الزمني ولحظتها التاريخية.
ويتحدث «الاستطلاع» عن «جاليري بنات بوغانم» وهي حجرة مخصصة لعرض اللوحات الفنية الممكن اقتناؤها وشراؤها كنشاط يهدف الى دعم المتحف، وعن قاعة رئيسية واسعة تغطي تاريخ المرأة الاماراتية من جوانب عدة، وعن تفاصيل كل ركن في القاعة، من بينها الركن التعليمي، اذ يوجد مقنيات ثمينة تعود الى مراحل مختلفة مرت بها الحركة التعليمية في الامارات من التعليم التقليدي الى التعليم شبه النظامي ثم التعليم النظامي، فالتطور في مسيرة تعليم الفتيات في ظل الدولة الاتحادية.
اما الركن الاقتصادي فيكشف عن النشاط الاقتصادي للمرأة الاماراتية منذ القدم حتى اللحظة الراهنة بذكره اهم سيدات الاعمال الاماراتيات.
في حين ان الركن السياسي يعرض الدور الرائد الذي لعبته المرأة الاماراتية في الحياة السياسية في مراحل مبكرة من تاريخ الامارة، وينقلنا «بوكبر» الى ما تحتوية القاعة من وثائق ومقتنيات ترسم صورا حية لماضٍ جميل، حيث تصادف ادوات الخياطة المستخدمة قديمًا والازياء الشعبية الى جانب الادوات المنزلية، وكذلك الوصفات العشبية الخاصة بعلاج بعض الامراض في الطب الشعبي القديم.
ومن المقتينات دفاتر وكراسات قديمة كانت توزع على طلاب المدارس وعليها صور لحاكم دولة الكويت الحادي عشر الشيخ عبدالله السالم الصباح، وحاكمها الثاني عشر صباح السالم الصباح، وذلك خلال اشراف دولة الكويت على التعليم في دولة الامارات قبل عام 1975، الى جانب كراسات عليها صور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الامارات.
ويضيف: يتضمن المتحف ركنًا يدعى «قلب المكان» فيه توثيق لحياة عوشة بنت حسين بن ناصر، وهي احدى الشخصيات النسوية الفاعلة في تاريخ امارة دبي، وكانت تتمتع بحنكة وذكاء وانفتاح على المستقبل، ساعدها في ذلك العقلية التنويرية لوالدها حسين بن ناصر، وهو شاعر وتاجر لؤلؤ أبى الا ان تتعلم بناته وان كان على يد معلمين رجال بالرغم من المجتمع الاماراتي والخليجي المحافظ بعمومه في بداية ثلاثينيات القرن الماضي. وللاطفال نصيب في هذا المتحف، اذ خصص لهم مكان تقام فيه انشطة مختلفة تسعى الى التعريف بتراث ومساهمات الاباء والاجداد في بناء وطنهم وتحقيق نهضته، وسميت الغرفة المخصصة لذلك بركن «فاطمة بنت الزين للاطفال» وبنت الزين هي مطوعة ( معلمة) من آخر جيل للمطوعات، والمطوعات في الخليج هن المعلمات اللواتي يدرسن الفتيات الصغيرات في بيوتهن وتحفيظهن القرآن.
كما يحتوي المتحف قاعة للشعر يلتقي فيها الجمال والابداع بابهى حلّة، وهنا يسلط الضوء على قاعة ديوان عوشة بنت خليفة السويدي الشاعرة الملقبة بفتاة العرب التي عرفت بموهبتها في الشعر النبطي.
ويصل «الاستطلاع» بعد ذلك الى المبادرة الفريدة التي تقف وراء تأسيس المتحف الذي كان الشاغل الذي يشغل د. رفيقة غباش مؤسسة المتحف الذي ارادته مخزونًا زاخرًا للذاكرة يمد الاجيال القادمة بمنجزات الاباء والاجداد. ولا ينحصر دور المتحف في الجانب التاريخي والوثائقي فقط، بل يمتد الى ممارسة دور فاعل في الحياة المعاصرة للمرأة، حيث يقام فيه سلسلة من الندوات والمحاضرات والورش، وهو مبادة صادرة من المجتمع المدني، ويعبر في ذاته وفي حراكه الثقافي العام عن حيوية هذا المجتمع، فتحية للقائمين على هذا المتحف، ونأمل أن نستفيد من هذه التجرية.