الأنثى بين الواقع و الافتراض



عامر بيبو البابيري
2006 / 2 / 26

مازلنا نقرأ كل يوم عما تمر به المرأة من إجحاف بحقها في تقرير المصير و أنها يجب أن تكون نصف المجتمع أو أن عليها الخروج من مطبخها الذي شوه كيانها بين الملأ و إلى كثير من عبارات منمقة فارغة. و نحن نقول "إن ما تعانيه هذه المخلوقة المسكينة المنبوذة اكبر من أن نتفوه بشيء. و هنا لا اقصد مجتمعا أو شريحة ما بل أينما هي على الأرض. نعم إننا نقر بتفاوت ما بين ثقافات الأمم و مثيلاتها الأخرى أو مفهوم ما إلا أن المعضلة تبقى واحدة، و هي أننا نضحك على ذقوننا عندما ننادي بالمساواة أو ندعي بتحقيقنا أتفه ما في جوانبها.. إذ نحن أول الكاذبين أو عذرا لنقل الغافلين عن الواقع. و لنطرح شيء من الأسئلة التي يمكن أن نجيب عليها عندما لا نكون معبئين بجعب من المجاملات و المثاليات. و لنأخذ على سبيل المثال مجتمعاتنا الكوردية أو العربية منها "ترى ما هي ردة فعل الرجل عندما يعود من عمله بلسان يلهث من الجوع و التعب و يفاجأ أن الزوجة لم تأتي من عملها بعد و أن طفلها الصغير الذي تركته عند أقاربها قد أصابه مكروه ما.. طبعا نحن لا ننسى أن نشكر الدولة لما تقدمه من خدمة لفلذات أكبادنا عندما نرسلهم إلى رياض الأطفال التي تتعدى الآلاف ببنائها و اثاثاتها الفخمة!! و هي تنتظر بفارغ الصبر بحافلاتها المجانية!! أولاد رمتهم الأمهات لأجل ما يسمى بضرورة المشاركة جنبا إلى جنب مع الرجل - ثمة أمر آخر- ترى لمن سينهر رجلنا الشرقي إذا ما كانت المرأة غائبة عنه و نحن نعلم انه مدمن على انتقاصها بأي شكل كان و أن رجولته لا تكتمل إلا وهو يمارس حالته (السادية) المعتادة أو يتقمص دور أل (سي سيد) و ينتظر حالة رضوخها التي تنعشه حد البطر.. لكن يبقى الضرب المبرح للزوجة هو خير وسيلة لتثبيت الوجود بين عقول ظلت رهن نظريات الطبيعة التي استبدت شتى ألازمان و أزاحت كل محاولاتهم الجادة لتغييرها، فإذا ما حاولنا التقرب من هذه النظريات، فننا نجد أن الطبيعة أيضا كانت لها كلمتها الأهم، إذ هي من أردت أن تكون المرأة بهذه البساطة في كل تكوينات فسلجية إنبنت عليها نفسيتها الواضحة، و راحت تحمل معها كل معاني الأنوثة المكتنزة بالحنان و المحبة و النعومة التي فتنت شرقيونا المتعطشين لدرجة الجنون و ابتلوا بالخشونة التي كانت الوسيلة الامثل لمواجهة حياة قاسية أبعدت عنها ذلك الوجه الناعم و تُركته خلف جدران المنزل.
لقد غابت الأنثى عن محيطها ولم تتعلم يوما غير الطهي و غسل الصحون و الملابس و السهر على راحة الأطفال و تلبية متطلباتنا التي لا تنتهي.! إلا أن نهايات العقد الثالث من القرن المنصرم كانت البداية الحقيقية لها بعد أن سمح لها بالتعلم أسوة بالرجل, و النتيجة لها كانت وثبات بعيدة عن المعقول، فقد استطاعت أن تقتحم عالمنا الذكوري برغم القيود التي كبلت بها كل يوم، فكانت العالمة و الأستاذة و الطبيبة و القائدة.... إلا أن سماح الذكور للإناث بالنزول للساحة لم يكن رحمة أو شفقة أو أيمانا بنظرية المساواة كما يغنون و يدعون، بل لأنهم في شلل دائم و هم يبعدونها عن العمل.. لقد بات عليها أن تعمل أي شيء كان المهم أن لا تجلس!.. إننا على يقين من أن الأنثى هي النصف الحقيقي للمجتمع و أنها تساهم بكل قوة بركب الحضارة، لكن موروثاتنا و منظورنا للحياة و الطينة التي جعلت منها كائناً اضعف مما نحن عليه، إضافة إلى معطيات الساحة من مفاهيم متضاربة دينية كانت أم دنيوية، هي من جعلتها جالسة خلف مسارح الحياة و إستمرينا نحن في تهميشها !!!.