معوقات الموهبة لدى الأطفال والحلول المقترحة للعلاج



هاني جرجس عياد
2017 / 12 / 27

أن المشكلات أو العقبات التي تواجه فئة الأطفال الموهوبين تعترض مظاهر نموهم الطبيعي، وتكون سببا في إحباطهم وفشلهم أحيانا أو تعثر موهبتهم وإبداعاتهم وتأخرها أحيانا أخرى.
قد يعاني الطفل الموهوب من مشكلات أو معوقات ذاتية شخصية تتعلق بالموهوب نفسه تتمثل في ‌الرغبات والميول والقدرات والاستعدادات الذاتية.
أن الطالب الموهوب يتصف بسمات شخصية معينة مثل الاستقلال، والميل إلى التفكير، والحساسية المرهفة، وعدم الخضوع، وحب الاستطلاع. وهذه السمات تحتاج إلى تقبلها وتفهمها بل ومساندتها. حيث إنها تعتبر حاجات نفسية أساسية يلزم تلبيتها، ويترتب على إهمالها ضمور موهبته وطمس معالمها.
فالموهوب يتميز بدافعية عالية نحو التعلم ولديه رغبة في البحث والاستطلاع واستكشاف المعرفة، فهو يفكر في كل ما يجري من حوله، فإذا ما مر الطفل بخبرات مؤلمة وبخاصة في مراحل حياته الأولى أو أخفقت البيئة في إشباع حاجاته، فقد يصاب بالإحباط والفشل وينتابه القلق والتوتر، وتتحول حياته إلى صراعات نفسية داخلية تدمر ذاته وتقتل الإبداع لديه، فإما القبول بهذا الواقع الذي لا يتوافق مع ذاته وتطلعاته أو التخلي عن تلك الأنشطة الإبداعية، ويحدث ذلك في جميع المراحل العمرية للطفل، وفي كل الأحوال تكون الخسارة فادحة للفرد المبدع وللمجتمع بكامله يفقده مثل هذه المساهمات الفردية والإنجازات الجادة مستقبلا.
أن حدة تأثير المصاعب والمشكلات في حياة الأطفال الموهوبين أشد منها بالنسبة لأقرانهم العاديين، وإنه بالرغم مما يتمتع به الموهوبون من استعدادات ومهارات وقدرات عقلية يمكنهم توظيفها في تلبية احتياجاتهم النفسية والعقلية والاجتماعية، وفي التعامل مع الضغوط التي يتعرضون لها، فإنهم بحاجة ماسة إلى خدمات إرشادية خاصة تساعدهم في التغلب على تلك المعوقات، وتعينهم على التوافق والتمتع بمستوى عالٍ من الصحة النفسية السليمة.
ولعل ظهور العديد من الانتقادات للأساليب المتبعة في اكتشافهم، من خلال الاختبارات السيكومترية التي تقيس الذكاء أو الإبداع أو التحصيل حيث إنها لا تضع في اعتبارها بعض العوامل مثل الدافعية والجهد والإبداع، كما أنها متميزة ثقافيا وعرقيا وطبقيا. لقد ظهرت وسائل بديلة لا يتم فيها استخدام درجات الاختبارات المختلفة للتعرف على الموهبة وتحديدها ولكن يتم استخدام أنماط أخرى من الأداء مثل الإتقان الأكاديمي، الإنتاج الإبداعي (في مجال أو مجالات متعددة). لذا فإن الحاجة تدعو إلى ضرورة ابتكار وتقنين وسائل فاعلة للكشف عن الموهبة والإبداع. كما يشكك أصحاب النظريات غير التقليدية في الذكاء في قدرة الدرجات التي يحصل عليها من اختبارات الذكاء التقليدية في اكتشاف الموهوبين، حيث تقتصر على تقييم القدرات اللغوية والمنطقية والرياضية دون التركيز على القدرات الأخرى مثل الذكاءات المكانية، والشخصية.
وتشير عدد من الأبحاث إلى أن الطلبة الموهوبين يتمتعون بقدرات عقلية كبيرة، ولكنهم يفتقرون إلى القدرة على التحصيل العلمي وإظهار مواهبهم وإبداعاتهم في الاختبارات.
ويعود السبب في ذلك إلى نقص التشجيع والدافعية للطلبة الموهوبين، بالإضافة إلى أنهم ربما يحتاجون لمساعدة خاصة حيث إنه في الغالب لم يتوفر المحك اللازم لتحديد موهبتهم ومواطن الإبداع لديهم.
وانطلاقًا من الأساليب الجديدة في اكتشاف الموهوبين والمتفوقين وانسجاما مع الاتجاهات الحديثة في نظرية الذكاء لجاردنر Gardner وكذلك مع تطور مفهوم الموهبة ظهر العديد من الاتجاهات الحديثة لتحديد الموهبة من خلال برامج مبنية على أنشطة الذكاءات المتعددة التي تقيم أداء الطالب الموهوب من خلال الأنشطة العملية دون الاعتماد على محك واحد للحكم على الموهبة.
يواجه الأطفال الموهوبين بعض المشكلات أو العقبات التي يكون مصدرها المباشر الآباء أو الأخوة أو الأخوات، ولعل أهمها عدم اكتراث الأسرة بمواهب الطفل العقلية أو الفنية فتتجاهل نشاطاته، بل تكرهه أحيانا على عدم ممارسته لها، ولا توفر له الإمكانات المادية والمعنوية مهما كانت بسيطة، وهكذا قد تعمل الأسرة على وأد الموهبة في مهدها، فالأطفال الموهوبون غالبا ما ينسحبون ويتخلون عن مواهبهم وممارسة هواياتهم في حالات الفشل المتكرر، وبخاصة في المراحل الأولى، وكذلك في حالات الشعور بالخوف والتهديد من قبل أهلهم وذويهم، وقد يرجع ذلك إلى أن الموهوبين يتسمون بالعواطف الجياشة من ناحية والحساسية الاجتماعية من ناحية أخرى.
‌ قد تتبع الأسرة أساليب خاطئة في عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية، فلا تتقبل الطفل ومواهبه، وتنظر إليه على أنه مشاكس وجالب للمشاكل، وتطلق عليه ألفاظا وعبارات لا يقبلها أو تسخر منه ومن طموحاته، وفي المقابل هناك أنماطا أخرى من التنشئة الاجتماعية الخاطئة أيضا، كأن تبالغ الأسرة في إطلاق عبارات الشكر والثناء على ابنها وتمنحه من العطف والتدليل أكثر من اللازم، مما قد يؤدي به إلى الغرور والشعور بالاستعلاء والتكبر.
‌ومن الأخطاء التي يقع فيها الآباء أيضا أنهم يوجهون أطفالهم ويلقنونهم مفاهيم خاطئة وقوالب جامدة في التفكير كالقول بأن حل هذه المشكلة أو تلك لا تتم إلا بطريقة واحدة فقط، وهي كما يدركونها هم وتعودوا عليها، وما عداها من الحلول والبدائل فهي خاطئة، وهذا بطبيعة الحال يقتل روح الإبداع لدى الأطفال الذين يمكنهم اكتشاف حلولا وبدائل أخرى جديدة ، وغير مألوفة لدى الكبار وأولياء الأمور.
عدم فهم الوالدين لطبيعة الطفل، فالطفل الذكي يتذمر من القيود والقوانين والأوامر الصارمة ويعتبرها عائقًا تحول دون انطلاقه. لهذا يجب توفير قدر من المرونة والحرية في تحركات الطفل وأفعاله لكي يستطيع التنفيس عن انفعالاته وأفكاره.
أن الطفل الموهوب ذو قدرات عالية، وقد يقوم بالتخريب لا حبا في التخريب وإنما لأن طبيعة تحب الاستطلاع والتجريب، لذلك يجب إبعاد المثيرات المؤذية عنه، مع إيجاد بديل ليمارس نشاطه ويجري تجاربه في مكان مخصص للعبه ومكتشفاته.
يجب على الوالدين الأخذ في الاعتبار أن الموهوبين يتصفون بشدة الحساسية، فقد تؤثر فيهم كلمة بسيطة، أو كلمة لوم بسيطة ولكن قاسية؛ تقعدهم وتفتر من عزيمتهم.
أن احتواء الموهوب انفعاليا وفكريا مع إتاحة الفرصة له لتنمية نفسه حسب قدراته، يساعده على فهم قدراته وتوجيهها لحل مشكلات الحياة التي ستقابله في المستقبل.
أن المدارس لا تقوم بالدور المطلوب منها في تشجيع المتعلمين المتميزين الموهوبين وتنمية التفكير الإبداعي لديهم باستخدام طرق تدريس حديثة ومبتكرة، مما يجعلها مدارس فعّالة في رعاية طلبتها وتحقيق أهداف التربية الحديثة في تنمية الذكاء والإبداع وحب الاستطلاع وغيرها من خصائص الموهوبين. .
عدم توفر الاتجاهات الإيجابية لدى المعلمين في التعليم الأساسي تجاه الطلبة الموهوبين وافتقار المدارس إلى مناخ مناسب تسوده الحرية والتسامح والقبول، وعدم تعديل المقررات الدراسية لكي تنمي حاجات التفكير والإبداع لديهم، وعدم حث الطلبة الموهوبين على إثارة الأسئلة دون خوف أو حرج، وتطبيق أساليب تقويم حديثة تقيس تفكير الطلبة وقدراتهم العقلية، واستبعاد أساليب التقويم القائمة على قياس الحفظ، وعدم الاستفادة من تقنيات العلم الحديثة، كالحاسب الآلي وغيره في تنمية الإبداع لدى الطلبة الموهوبين يعتبر معوقات تحد من الاهتمام بالموهبة وربما ضياعها.
عدم توفر الأجهزة والوسائل التربوية اللازمة لبرامج الطلبة الموهوبين لاسيما المباني المدرسية المستأجرة التي لا تساعد المدرسة على تقديم الرعاية اللازمة لطلابها الموهوبين، كما أن عدم توفر معلمين متخصصين في مجال تصميم وتنفيذ برامج وأنشطة لهذه الفئة وعدم رغبة بعضهم العمل في هذا المجال نظرا لزيادة الأعباء وكثرة الأنشطة المصاحبة للعملية التعليمية يؤدي إلى معوقات تعليمية يصعب معها توفير احتياجات الطلبة الموهوبين.
إن نمو الموهبة والإبداع في المجتمع يحتاج إلى أن يتوافر مناخ تتضافر فيه العديد من الجهود (بيئية، تعليمية، ذاتية، اجتماعية) التي تبدأ باختيار البرامج التعليمية المناسبة وفق أحدث النظم العالمية, وأنشطة وطرق تدريس تقوم على أسلوب حل المشكلات والاستقصاء والقدرة على التخيل، ومعلم إيجابي قادر على أن يلعب دورا فعالا في بناء علاقات اجتماعية مع طلابه داخل الفصل، وأن يشعرهم بأنه مساعد ومرشد لهم وليس مسيطرا عليهم من أجل بناء ثقة الطالب بنفسه وخفض الظروف المسببة للإحباط، وتشجيع طلابه على الإبداع.
من المعوقات التعليمية التي تواجه الطلبة الموهوبين، صعوبة تحديد الطلبة الموهوبين، بسبب كثافة أعداد الطلاب في الفصول الدراسية في التعليم الأساسي، وعدم توافر أدوات وأساليب مناسبة يمكن عن طريقها تحديد الموهوبين، وعدم وجود المعلم المتميز المبدع يحول دون الاهتمام باكتشاف الموهوبين ورعايتهم. كما أن قيام إدارة المدرسة والفصل على أساس سلطوي علوي من قبل جميع أطراف العملية التعليمية يشكل معوقات تعليمية حقيقية أمام الطلبة الموهوبين.
تعتبر الطفولة من أهم المراحل النمائية التي يمر بها الإنسان، فهي تمثل نقطة البدء في النمو بمختلف مظاهره الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، كما أنها الأساس في بناء الشخصية وفي اكتساب المعارف والمهارات، وفي تكوين الميول والاتجاهات، ومن هنا يؤكد علماء النفس– وبخاصة التحليليين منهم– على ضرورة العناية بمرحلة الطفولة وتهيئة البيئة المناسبة لإثارة دوافع الطفل وإبداعاته انطلاقا من البيئة المنزلية ثم بيئة الروضة فالبيئة المدرسية، إذ أن هذه البيئات هي مصدر الإلهام الإبداعي للطفل وهي المسؤولة عن نموه وارتقائه أو إحباطه وفشله، فإذا كانت البيئة خصبة ثرية مشجعة تثير دوافع الطفل وتشبع حاجاته العضوية والنفسية والاجتماعية وتجيب على تساؤلاته وحواراته، ويسودها الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس وتتوافر أيضا على الإمكانات المادية المناسبة للمرحلة العمرية، فإن ذلك ييسر عملية الإبداع، فتنمو الموهبة وتترعرع صاعدة نحو الكمال لتحقيق الإنجازات الهائلة مستقبلا، وأما إذا كانت فقيرة معدمة في مثيراتها الفكرية ويسودها روح التسلط والخوف وتنعدم فيها الثقة بالنفس ولا تتوافر على العناصر المادية، والثقافية اللازمة للعملية الإبداعية، فغالبا ما تكون سببا في إحباطات الموهوب وفشله.
وهكذا يمكن القول إن الاهتمام بعملية تنمية التفكير الإبداعي يجب أن تتركز على جانبين، الأول: البيئة بمفهومها الواسع التي تشمل البيئة الاجتماعية والنفسية والمادية بأبعادها الثلاثة: الأسرة (البيئة المنزلية) والمدرسة (بما فيها الروضة) والمجتمع بمؤسساته المتعددة الرياضية والاجتماعية والثقافية والدينية.
والجانب الثاني: هو الطفل نفسه باعتباره محور الاهتمام الأساسي في عملية التنمية الإبداعية، وكلا البعدين يكملان بعضهما البعض، إذ أن الاهتمام بالبيئة هو اهتمام بالطفل في حد ذاته.