رسالة من حيوانه



نادية خلوف
2018 / 1 / 2

أرسلت لي صديقة على الفيس بوك رسالة تهنئة بالسنة الجديدة موقّعة باسم "حيوانه" وهذا نص الرسالة بعد التّصحيح: " لم أختر أن أولد هنا في عائلة تعتمد على العنف من أجل الإصلاح، وتعتبر ذلك العنف هو التربية بعينها. نشأت كما ينشأ حيوان . يتعامل معي الآخر كحيوان في الجنس، والحياة.
أرجو منك أن لا تتحدّثي عن الحرّية بعد الآن. لو رغبت سوف أعطيك عنواني كي تملئي بيتي طعاماً، وأماناً.
أسأل: هل يوجد حرّية لو كنت مقيّدة بالإشراف على ثلاثة أرواح أنجبتهم إلى الدنيا؟
وما ذنبهم أن يكون ضحيّة بلاهتك؟
أسأل: كيف أطعم أطفالي، وأجعلهم يشعرون بإنسانيتهم؟
لقد ركعت على قدمي أمام ذلك الرجل الذي سلب مني حرّيتي، وحياتي، كي يرسل لي بعض الفتات لأطعمهم.
أرجوك أن تبلغي العالم أنّني ضدّ تلك الحرّية التي تتحدّثين عنها، فأنت أيضاً لست حرّة إلا إذا ملكت ثمن الحياة، وهنا ثمن الحياة غال.
أعيش في منطقة موالية للنّظام، ولا مشكلة لي مع هذا النظام المتغول لو يمنحني كفايتي، ويمنحني العمل، والأمان، ولا أحترم المعارضة فهي في أغلبها تبحث مثلي عن لقمة العيش ثم المجد.
أسمّي المنطقة التي أعيش فيها منطقة الغول واحد. البشر هنا غيلان. جميعهم متشابهون. أمي، وإخوتي، وأبناء عمّي. غيلان يأكلون أطفال أبناء معهم.
أعرض جسدي للبيع، ولا أحد يقبل، فالمنطقة " الغولية " التي أعيش فيها وضعت شروطاً لبيع الجسد أعلى منها لرئاسة الدولة، أصبح اسمي" تلك المسكينة الشريفة التي تكافح" وأنا لست شريفة، ولا مسكينة. كل تلك الأشياء أرغمت عليها، ففي أعماقي عاهرة ترغب في الغنى.
هناك أشياء كثيرة لا أحبها: وطني، طائفتي، ثقافتي، واستمراري في تقبيل الأرجل من أجل لقمة خبز. أحتقر شريكي السّابق قبل أن أرتبط به، وكان حاجة اجتماعية قبلت بها، فإذ به ليس تلك الحاجة، ورحل مني إلى حيوان مثلي تتغزّل به.
قرأت مرة لك حول نزار قباني، وكنت قد كتبت عنه بمنتهى الجبن. أنت جبانه. درت حول الموضوع دون أن تدخلي في لبّه . هل تعتقدين أن نزار قباني أحبّ بلقيس؟ لا أيتها المغفلة. هو نسخة عن غولي، بلقيس كانت شابة أهلها من عظام سلطة صدام وياسر عرفات، وكان نزار عجوزاً أراد أن ينتمي لتلك الدّائرة. يشبه كثيراً غولي، فقد ارتبط بإحدى الحيوانات التي تمجده ويمجدها. لا أستطيع أن أقول لك عن الجميع، لكن أقول أن نزار قبض ثمن حروفه، وكذلك الشعراء والكتاب الذين علّمونا على الذّل والهوان . مارسيل خليفة" العظيم" لن يهتم لمن ينتقده. هو يسعى للرفاه، وقطر كريمة، وأمما عهد التميمي، فهي مرّشحة من قبل السّلطان لتكون بطلة، ولو ذهبت أنا بدلاً منها لقتلت برصاص الحيوان محمود عباس.
في العام الجديد الذي سميته عام الجرذان. أتمنى أن تخرجي من عالم الحيوان، ومن الخوف، وأن ترسلي لي ثمن طعامي لهذا الشهر" انتهت الرّسالة
إنني معجبة بجرأة السّيدة على الكتابة لي، سواء وافقتها أم لم أوافق، راسلتها، وقالت أنّها تخشى أن تتسول، ولم تدفع إيجار منزلها، وليس في بيتها خبز ولا زيت. أرسلت لها مبلغاً بسيطاً، حوالي مئة دولار، وقلت لها أنّني لن أستطيع تبنّي موضوعها كاملاً، لكنّني آمل أن تستطيع هي من إيجاد مخرجاً.
لم أنم ليلة أمس، وأنا أعيد قراءة كلمات السيدة الحيوانه. هي تشبهني، وتشبه أغلب نساء سورية، ولن يكون هناك وطن مالم تتصدّر الحيوانات أمثالها سدّة الحكم، والقضاء، والجامعات، وما لم يتمّ تحجيم الغول "الذّكر" في أعلى السلطة، وفي منطقة الغيلان.