ظاهرة -العرصة الخلوق-



نادية خلوف
2018 / 1 / 3

تلوم نفسها على الصمت طالما يؤدي لنفس نتيجة القذف بالكلام. هي ليست امرأة متسلطة كما يقول، وليست مختلة، هي امرأة سورية تعلّمت من أمها لغة الصّمت خوفاً من العار، فصمتت، وبينما تكبت غضبها لابد أن ينفجر بين الحين والآخر، وهذا ما يريحه فقد تعوّد على أن يستفزها كي تثور، وبعدها يدعي جنونها.
هذا ما قالته لي إحدى النساء السّوريات في السّويد، وأضافت أنها حتى الآن لم تطلب حماية من الدولة فهي لا تحبّ أن تغامر بمصير أطفالها. انتظرته لمدة عامين، لكنّه لم يعد . بل أرسل لها الرسالة" المزبلة" كما تصفها، والتي وصف نفسه فيها بالصّابر المقهور، ولم يتوان عن شتم عائلتها وإخوتها، ونسي عندما كان يقف أمام والدها كما المتسوّل يمد يده كي يعطيه ثمن سجائره ومجونه.
في بلاد الياسمين السّورية هناك وصف للداعرة بأنها شريفة، وهو ما يطلق باللغة العاميّة" قحبة شريفة" وهؤلاء النسّوة لا تستطيع أية امرأة أن تزايد على شرفهن.
تقول السّيدة هو من هذا النوع ، وهو يخفي مزبلته، ويظهر ابتسامته الصّفراء فيعتقد من هم حوله بأنه بريء. أوجد السّوريين مصطلح الشّبيح، وتعني المتنمّر النذل، وكلّ هؤلاء الذين يحملون صفات ذلك الرجل الذي هو موجود في المجتمع بكثرة متنمّرون ،واقترحت السّيدة أن تسمي أولئك الرجال بمصطلح جديد هو " العرص الخلوق"
قالت لي: "لا ألومه. ألوم نفسي كيف سكتّ، ولم أجلب له الشّرطة. كنت أعتقد أنه حتى لو كرهني لن يضحّي بمصلحة أولاده، وهو غطاء اجتماعي شكلي، وإذ به لا يهتمّ لأمر الأطفال. سوف أرسل له رسالة شكر لأنه رحل عنّا فقد أصبح حالنا أفضل، لكنّني لن أسامح نفسي كيف سعيت وراء الزواج من أجل" ظلّ حيطة" فلم يكن فيه من صفات الرجل إلا ذلك الظّل الذي يشبه ظلّ الظهيرة، ولا يظلل إلا نفسه .
قبل أن يغادر افتخر بعائلته، وإنجازاتها في التطفل، والسّرقة، والّدعارة، وشتم عائلتي، وقال أنهم عائلة مجانين وبلا نخوة، احتفظت بالرسالة المزبلة في حاوية قمامة محكمة الإقفال كي لا تفوح رائحتها.
كان حديثاً طويلاً ونحن نجلس معاً في المكتبة، ثم شربنا القهوة في مقهى قريب.
عندما عدت بدأت أفكّر في الحرب الدّائرة، والقتل، ورأيت الأمر طبيعيّاً-أي أن نقتل بعضنا البعض- بالنسبة لي فإنني لست مع الطّلاق، هو تدمير مبرمج للأسرة، حتى الأوروبيون يعانون من آثار الطلاق، لكنّ القانون عندهم أرحم، لكن ذلك العنف الأسري الذي مرّ على الأمّ الصّامتة التي ترغب في الحفاظ على أولادها سوف يعطي أكله، ويصبح الأولاد منتج عنف غير محسوب النتائج.
ليس جميع الأسر هكذا، وليس جميع الرّجال مثله، فقد عرفت الكثير من الرجال الذين يحتضنون أسرهم، لكن تلك القلّة المتنمرّة التشبيحيّة هي التي دمّرت المجتمع، وعلى المجتمع محاربة الظّاهرة، وإنني أقترح أن يتمّ العمل في المرحلة المقبلة على محاربة ظاهرة" العرصة الخلوق" وإنشاء منظّمة من النّساء والرّجال تحت اسم المحاربة من أجل إعادة القيم الحقيقيّة للمجتمع.