المرأة كاملة الدسم



مها أحمد
2006 / 3 / 2

قديماً قالوا " الطريق إلى قلب الرجل معدته " ونصحوا المرأة التي تطلب رضا رجلها أن تتقن فنون الطبخ وطرائق إعداد المائدة لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ, ففي بقعة عانت خوفاً مزمناً من الجوع حيث لا شجر ينبت ولا ثمر في صحراء قاسية كان للطعام أهمية خاصة ومعزّة كبيرة في نفوس الناس وأصبحت المرأة نفسها وليمة دسمة تثير شهية الرجل ويسيل لمرآها لعابه!..
ومن يطالع قصائد الغزل منذ الجاهلية وحتى اليوم يلاحظ إصرار الشعراء على ربط صفات المعشوقة بمقابل مناسب من أصناف الطعام: فالخد تفاح, والصدر رمان, والعيون زيتونة, أما الشعر فهو كسنابل القمح والفم كحبة فستق, المرأة قد تكون " لذيذة " كالقشطة أو " شهية كفطيرة محشوة بالعسل " أو مسكرة كالنبيذ أو ممشوقة القوام كشجرة النخيل وقد تكون " مهضومة " وخفيفة على القلب كأي طبق صحي..
وموائد الحب تختلف, كالعادة, ما بين ني وفقير. فعند الأغنياء تزدان المائدة بمجموعة من " فواتح الشهية " تصطف كلها حول " الطبق الرئيسي " الذي هو المرأة كاملة الدسم, المتغير من يوم إلى آخر, أما الفقراء فيعيشون لقصر ذات اليد على وجبة واحدة وامرأة واحدة قد تشبه البصلة!..
ويحدث كثيراً أن يمل الرجل امرأته فيرميها " عظماً " بعد أن يكون قد أكلها " لحماً " وبهذا تصبح " لقمة سائغة " يلوكها الجميع والجميع يرفض الارتباط بها لأنها مجرد " فضلات "..
لكن الغريب حقاَ هو أن تستمر نفس المصطلحات حتى يومنا هذا مع إن التفاح والرمان واللوز صارت في متناول الجميع ولم تعد حلماً ومشتهى كما كانت في غابر الزمان ومع إننا ما زلنا بعيدين عن " الأمن الغذائي " إلا أن الحياة تطورت بحيث أصبح من الضروري أن تتطور هذه المصطلحات ومع هذا لم نسمع بعد أن أحجهم شبّه محبوبته بالكافيار أو لاستاكوزا أو حتى شوربة القواقع بالأعشاب البحرية!.. ربما لأن هذه الأكلات البحرية لم يعرفها أجدادنا البداوة قديماً...
أعزائي الشعراء إذا لم تكونوا قادرين على الخروج من أجواء الصحراء ومناسفها فعلى الأقل اعملوا على عصرنة مطبخ الحب فقد أكلنا الملل.
وهديتنا إليكم مقطعين شعريين لشاعر الحب والمرأة المغفور له نزار قباني:
أيا امرأة ...
يسقط القمح, واللوز, والتين
من ركبتيها..
أنا رجل يلبس الريح ثوباً
فباسم جميع الصحابة والأولياء
سألتك لا تعشقيني!....
*لا تحرجيني.. يا بنفسجتي
أشجار لوزك لا وصول لها
وثمار خوخك.. فوق إمكاني لم يبق عندي ما أقدمه
للحب..
غير صهيل أحزاني