(وَاضْرِبُوهُنَّ)! .. وما ( كفر ) بدري!!



بثينة تروس
2018 / 1 / 12

(وَاضْرِبُوهُنَّ)! .. وما ( كٓفر) بدري!!

غافل من ظن ان حادثة ( الاحفاد ) تعتبر قضية إنصرافية في الوقت الراهن! وغير معنية بثورة التغيير! بل انها في المقام الاول، استفتاء حقيقي لوعي الناس! من الرجال، والنساء ، والطلبة والطالبات! في قضية هي من اخطر القضايا، الا وهي حقوق المرأة المعاصرة، ومناهج التعليم، لذلك هي ثورة حقوق! قد أيقظت مفهوم ، إعادت تعليم المتعلمين، ومحو أمية المتعلمين!!
والفيديوهات الصادمة!! لرائد التعليم النسوي! الدكتور قاسم بدري! وهو ( يضرب) طالباته! بجامعة الأحفاد بصورة عنيفة! في تقديري مشهد مهين، ومحزن!! وبالاخص في هذا التوقيت! الذي يغلي فيه مرجل غضب الشعب، لانعدام الخبز، والدواء، والوقود، وضائقة معيشية، بازاء عجز حكومة (الانقاذ) من أنقاذ، الشعب المطحون ؟؟
فهل ياتري هو ثمن المطالبة ( بالخبز )! ام ثمن السكوت عن الحقوق!! ام هو سؤ وخبث الطوية لدي المتأسلمين! ( ماداً) لسانه لنا ليهزمنا في أعز طلائعنا ورموزنا!
لايجهل قدر بدري.. الا من سفه نفسه!!
من ذا الذي يجهل قدر البروفسير قاسم بدري! ذلك الرجل الذي زاحم الرسل في رسالاتهم كمعلمين، ومصلحين، بالعمل المخلص، والفكر، والعطاء! فلقد شق اصعب الدروب! الا وهو تعليم المرأة، والانحياز لها، بل خرج برقاً منيراً لدياجر ظلمة كثير من البنات! بسبب الفقر والحاجة، التي اقعدت بعض الأسر من ان تنال بناتهن تعليماً جامعياً، تتحازي فيهو كتوف القادرين مادياً، بكتوف الذين يعلمون ان العلم، يهزم ذُل المرأة، ويجعلها صاحبة حقوق، وكرامة، ترفض وصاية الرجل الجاهل، ولكن البدري، قد قصم ظهر الحقوق بفعلته تلك! و لم يبقي لنفسه غير احدي الحسنيين!.
الأعتذار.. أو الأستقالة او كليهما !
لان لا مجال الي التبرير ( العاطفي) و( القداسة) التي تحول دون نقده، ومطالبته بدوره (كمعلم)، في ان يعلمنا قيمة الاعتذار! والاستقالة من منصبه!! في بلد فشل فيه من تولوا أمور الناس باسم ( الله) ان يعتذروا عن إخفاقات حكمهم، وإجرامهم، ولم نشهد لوزير عدل، او قاض، او معلم، او رجل دين مخطئ، او فاسد، طوال هذه السنين، ان اعتذر للشعب، او استقال من منصبه للأسف...لذلك الأحفاد، هي مؤسسة رائدة، يتوقع منها ان تكون قدر المسئولية!
أضربوهن من الخلوة الي الأحفاد!
وما يهمنا من أعتذار وأستقالة! البروف قاسم بدري، ليس محاكمته، او تجريمه! بقدرما هو تذكير بوأجبه تجاه وعي طالباته! تقويمهن النفسي، والخلقي، والجسدي، وهو مسئول ضمن الآخرين عن تشكيل وتنمية هذا الوعي!!..
في البداية لابد من تأكيد ان محبة هؤلاء الطالبات، وتعلقهن الشديد به مكرمة له، وليس فيه ما يشين، بل ترفع من قدره، وتزين. ونحن اصحاب أرث صوفي ضارب في المحبة ( الرجل الصالح يألفنه النساء والصيد)!
وان هؤلاء الطالبات اللائي خرجن للدفاع عنه باستماتة، وهستريا تثير الشفقة ! يرجئ منهن ان يغيرن حاضر و مستقبل هذا البلد المنكوب! فهن امهات رجال الغد، ومُناط بهن إنجاب رجال أحرار وأمة متعلمة!
والملاحظ ان هؤلاء الطالبات المدافعات، هن أنفسهم من تعداد الضحاياً الذين تم ( ضربهن ) ! بأشكال اكثر تعقيداً، من ابرزها العقل الجمعي السلفي. والمجتمعي القاصر، والتربية المغلوطة، منذ الصغر في ان (الذكور) مفضلين علي (الإناث)!
فهن قد خرجن للدفاع عن استاذهن، بعاطفة مشوشة! وكان لسان مقالهن نعم ( لا نبالي ضربه)! لانه ( والدنا) ( ومربينا) والذي ( يحبنا)! ولم يعلمن إنهن جهلاً بحقوقهن في الكرامة الانسانية! قدمن عقوداً موثقة وممهورة، لأزواج المستقبل ان ( أضربوهن) خوف ( النشوز) ، وللإباء ان (ضربكم) هو محض تربية! وللأشقاء ان ( ضربكم) هو غيرة علي الأعراض ، وللأمهات ان (ضربكن) ا هو خوفاً من حديث الناس! وهكذا قد قربن الشقة بين الخلاوي، وبين الدراسة في الجامعات، والمعاهد التعليمية العليا..
وكما خرجن أخريات من بين المدافعات، فأسفرن عن وجه فكري مشوه! ، فهاهي إحداهن تقول:
( كنت لا أحب د قاسم بدري، بل كنت ( أكرهه)! لانه ( علماني)!! ولكنه يوماً، وكنت امر بمشكلة وتحدث معي، وطلب مني ان اقراء سُوَر من القرآن.. وبعدها والله تغير شعوري نحوه) .. وحديث في هذا الاتجاه!!
وهنا بيت القصيد، ( الكراهية) للمختلف عنك فكرياً! والحجر علي حرية الرأي، من شابة هي في مقتبل عمرها، وتدرس في جامعة علمية، ومتطورة، ومتقدمة، تحاكي نظم التعليم الغربي من المعاصرة والحداثة! ولو صح انها قد تعرضت لدراسة جامعية شاملة، فتحت آفاقها علي المناهج الفكرية، والفلسفات المختلفة، وملكتها المقدرة علي مناقشة خلافها الفكري، وساعدتها وزميلاتها بالاهتمام بامور الحريات، وحقوق الانسان، و بأحوال سياسة البلد، لكان للجميع إسهام أعمق من ( كرهته) ! وان العلمانيين ( كفار)! ويجوز في حقهم البغض وفهم ( حسبنا ما وجدنا عليه ابائنا)..
إدمان السكوت:
والتأصيل لثقافة الضرب، والعنف الجسدي المبرح!! كاحدي وسائل التعليم، يتم بالتراضي بين الأهل والمعلمين! مروراً بالتدريس في خلاوي القرآن! اذ ان للشيوخ! لهم مطلق الحق في ضرب الطلبة من اجل ( التعليم)!! فكان الأهل يدفعون بالصبية، والصبيات الصغار، الي الفقهاء ويتركون لهم وسائل تأديبهم بالعصي، والسياط، والتجويع ( ليكم اللحم ولينا العضم/ العظم)!!
وللاسف مدد ( بعض) من هؤلاء الشيوخ الجهلة، والمرضي النفسيين، ظلاماتهم، في زمان المجون الاخواني الأسلاموي! حد اغتصاب الطلبة والطالبات، علي ضؤ نيران ( القرآن)!!
وللاسف لم نشهد مقصلة لمغتصب، او رجماً لزان محصن فيهم، او جلداً في ميدان عام لشيخ تائب..
وبالطبع لم يخلو التعليم المدني لدينا من تلك النواقص! بل تجد التلاميذ يتم ضربهم لأتفه الأسباب وابسطها! ولكم أحجم عدداً مقدراً من التلاميذ من التعليم بسبب الخوف!
آفة الفهم الديني السلفي :
الملاحظ انه قد اتفقت رسالة الجماعات الاسلامية، بشراكة الفهم السلفي للدين، بالاحتكام الي الشريعة الاسلامية في قضايا المراة!! ولذلك أباحت ضرب النساء ! مسنودين بفهم ! النص القرآني ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).. وهذا المستوي من القرآن، كان حكيماً كل الحكمة سابقاً، فلقد خاطب وناسب عقلية المرأة، وتجربة وعيها، واحتياجات وقتها، في القرن السابع، وهي كانت خريجة حفرة ( الوأد) لذلك كان الرجل وصياً وقيماً عليها، ويحق له تأديبها وضربها!
لكن ذلك المستوي من الفهم الديني قطعاً لإيناسب طالبات جامعة الأحفاد اليوم!! بل يشين خريجات المدارس العلمية، وان أردن ان يجدن حوجتهن مسنودة من الدين، فلا سبيل لهن غير كسر أغلال الفهم السلفي، المذل للمرأة! والثورة علي فقه علماء السلطان، وليعلمن ان ليس في الشريعة الاسلامية!! حل لمشاكلهم اليوم، وانه لابد من تطوير شريعة الأحوال الشخصية، والتي تستند في نصوصها علي تلك القوانين! كما يجب ان يعلمن ان الانسان المتدين لايجب ان يكون مغفلاً، يبيع عقله بابخس الاثمان!! ونرجو ان يجدن الحكمة في قوله تعالي ( ولعلهم يتفكرون) ..
وما قانون النظام العام، في حكومة الاخوان المسلمين الا كرباج مذلة! وهو الذي سُخر الي اذلال النساء وسوقهن الي الاستضعاف، والاستكانة، واستخدم لإرهاب الطلبة والطالبات، وأطلق عنان الجهل في مناخ الجامعات، فلقد شهدت الجامعات الحرس وألأمن الجامعي، ومحطات تفتيش الأزياء في مداخلها! و ( عرض أزياء) للمتهمات بالزي الفاضح ! حتي في المحاكم وامام القضاء!!
ولوقدر ان تم توثيق أشرطة فيديوهات، لما يحدث من انتهاكات للحقوق، مثل ملاحقة و (ضرب) رجال الامن للمعارضات، والناشطات، والطالبات، وبائعات الشاي! لكانت صدمتنا اعظم!!
حينها سوف تتجسد البشاعة بحجمها الحقيقي! ومن ذا الذي ينسي ذلك الفيديو المهين لفتاة تستنجد بأمها، من سياط رجال الامن، وسط ضحكات وتشجيع واستمتاع الرجال، ومطالبة البعض لها بان تثبت للضرب!! كأنها في سيرك في العصور الوسطي!
وما أكثر الذين يعرقلون حدوث الثورة الفكرية :
فلقد اتضح جلياً ان العقل الجمعي قد حال دون ان نجتمع)! في إلغاء تلك القوانين البغيضة! التي سنها الهوس الديني! بالرغم من ان النفوس السليمة، لا تألف حتي مطالعة توثيق الضرب! دون ان يصيبها الغم!
ولعل الوعي العام بالقضية، له في العقل الباطن جذور ضاربه في عمق اللاوعي! وهذا سبب رئيسي ومعوق، لأحداث تغيير فاعل وحقيقي، لان التغيير له علاقة بالسلوك، والنفس، والاخلاق!
وليس من الصعوبة بمكان معرفة صدق الرجل، واتساقه مع قضية المطالبة بحقوق المراة.
اذ تري الرجل ويعجبك حديثه، وقوة بيانه، واستعراض معرفته، وماطالع من معارف فكرية شرقاً وغرباً، ويحدثك بلغاتها بافضل من اهلها ! لكنك لا تحتاج الي جهد كبير للتحقق من انه فعلاً ذلك الرجل الحر! الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ويتحمل مسئولية جميع ذلك! غير جهد ان تطرح عليه ان تعدد الزوجات ليس اصلاً في الاسلام! وان الحجاب ليس اصلاً في الاسلام! وان الاختلاط أمراً مشروعاً! وان شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل امام القانون! وان العصمة وحق الطلاق حق أصيل للمرأة، مثل الرجل! وان الضرب شرعة الغاب ولا مبرر له!
ولكم سوف تصيبك الدهشة، حين تفاجأ بان تحت جلد الرجل! يسكن موروث ازلي عتيق! تفوح من ثناياه أبخرة التسلط الذكوري! وتجده قد تدثر بعباءة صفراء! لونها الارث الديني السلفي، مندساً تحت مزيج زاهي الحضارة بمهارة!! وتجده رجل خائف من مواجهة كهنوت السلطة الدينية، وادعياء الدين، وفقهاء نقل النصوص دون اعمال للعقل..
خلاصة القول ان السبيل الي قانون الانسان، في هذا البلد هو خيار الدستور الذي يحترم حقوق الانسان، وليس الدستور ( المدغمس) الذي يحمي الرئيس! ونائبه من المحاسبة، ويمدد في صلاحياتهم! وبدل ان نعالج القضايا بان نستريح بين ( الضربة) و ( الضربة) الأخري!! علينا ان نرفع سقف المطالَب بالحقوق والحريات، وإطلاق المعتقلين السياسيين، والمطالبة بالحقوق الاساسية الخبز والدواء، ان الحقوق لا تتجزأ..

بثينة تروس