تحرير المرأة التنوير أية علاقة؟.....الجزء الأول



محمد الحنفي
2018 / 1 / 19


الإهداء إلى:

ـ الأستاذة الفاضلة: خديجة كرومي.
ـ السيد مدير ثانوية السلام التأهيلية.
ـ تلميذات وتلاميذ ثانوية السلام التأهيلية.
ـ من أجل التمرس على تحرير المرأة.
ـ من أجل المساهمة في تنوير عقول الناشئة.
ـ من أجل تكريم الإنسان فينا وفي واقع متخلف.

محمد الحنفي


تقديم عام:

إن الاحتفال بالعيد الأممي للمرأة، في 08 مارس من كل سنة، تزداد أهميته، بقدر ما تزداد أهمية معاناة المرأة، في واقع يزداد تخلفا، كلما ازداد التضييق على المرأة، في المجتمعات المتخلفة: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا. وهو ما يعني أن الاحتفال ب 08 مارس، كعيد أممي للمرأة، هو مساهمة في التذكير بأهمية المرأة، وبأهمية احترامها كإنسان، وبأهمية تمتيعها بكافة الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، العامة، والخاصة، كما هي واردة في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن بينها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

كما ان الاحتفال بيوم 08 مارس، كعيد أممي للمرأة، يعتبر مناسبة للتذكير بأهمية النضال، من أل تحرير المرأة، خاصة، وأن يوم 08 مارس، ما هو إلا تتويج لتلك النضالات المريرة، التي تقودها المنظمات الحقوقية، والنسائية، وغيرها من أجل نشر الوعي بأهمية حقوق الإنسان، ومن أجل احترامها، وتمتيع جميع الناس بها، مهما كانت لغتهم، أو لونهم، أو جنسهم، او معتقدهم، ونشر الوعي بأهمية تمتيع جميع النساء، بكافة الحقوق العامة، وتلك الواردة في الاتفاقية الدولية المتعلقة بإلغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة، حتى يصير النضال من أجل تحرير المرأة، مساهمة في تحرير الرجل نفسه، وتحرير المجتمع، لأن تحرير المجتمع، بدون تحرير الرجل، لا معنى له، وتحرير المجتمع، والرجل، بدون تحرير المرأة، لا معنى له، أيضا. فالتحرير، إذن، يجب أيستهدف مجموع أفراد المجتمع، رجالا، ونساء، مع ضرورة تحديد مفهوم الحرية، حتى لا تصير الحرية، وسيلة لاستلاب النساء، كما تسعى الطبقة البورجوازية إلى ذلك، حتى تستطيع تسليع النساء، كما تسلع جميع أفراد المجتمع.

والاحتفال بيوم 08 مارس، هو مناسبة لاستحضار الرموز النضالية، التي أعطت المثال، من أل تحرير المرأة، ومن أجل تحرير الرجل، على حد سواء. فالمرأة، والرجل، سيان في الحرية؛ فإذا لم يتحرر الرجل، لا تتحرر المرأة، وإذا لم تتحرر المرأة، لا يتحرر الرجل. وكلاهما يستحق التضحية، من أجل تحريرهما، وفي إطار تحرير المجتمع ككل. ونظر للاستغلال المزدوج، المصحوب بالاستلاب المزدوج للمرأة، فإن النضال من أجل انعتاقها من الاستلاب المزدوج، ومن الاستغلال المزدوج، يكتسي اهمية خاصة, مما يجعل استحضار الرموز النضالية، لتحفيز أفراد المجتمع، للنضال من أجل تحرير المرأة بالخصوص، يكتسي أهمية خاصة.

فاستحضارنا لمجموع رواد تحرير المرأة على المستوى العالمي، وعلى المستوى العربي، يجعل هذه الرموز ذات أهمية خاصة. وهذا الاستحضار يجب أن يكون مصحوبا باستحضار مساهماتهم النضالية، وما خلفوه من إبداعات في هذا الاتجاه.

وما يهمنا في هذه المناسبة، هو استحضار أهمية المناضلة المغربية، والباحثة السوسيولوجية، والأنتربولوجية، في هذا الاتجاه: الدكتورة فاطمة المرنيسي، التي أغنت المكتبة المغربية، والعربية، والعالمية، بإنتاجاتها التي كان من المفترض أن يعاد طبعها، مرات، ومرات، وأن تصير في متناول جميع القراء، من مختلف الأجيال، وبأثمنة مناسبة، حتى تكون في متناول الجميع، سعيا إلى تكريم فاطمة المرنيسي، وإلى تدبير مساهمتها في الاتجاه المقصود، وإلى إبراز أهمية الاهتمام بإنتاجاتها الفائقة الأهمية؛ الدكتورة فاطمة المرنيسي، لا تصف ما هو قائم، ولا تفسره فقط، بل تعمل على استنطاق ما توارى في عمق التاريخ، من عادات، وتقاليد، واعراف، بالإضافة إلى استنطاق الواقع، بعد الإلمام به، وصولا إلى استفزاز ما تكلس في الأذهان، مما يؤثر على سلوك المرأة، والرجل، في نفس الوقت، ومما يعل المتكلس في الأذهان متحكما في مسار الحياة، ومعيدا إنتاج نفس الاستلاب للمرأة، الذي ينتج لنا الاستغلال المزدوج الممارس عليها في المجتمع، في أفق العمل على التخلص من المتكلس في الأذهان، من أجل الارتقاء بالمرأة، وسعيا إلى الارتقاء بالرجل، وبالمجتمع في نفس الوقت؛ لأن الاتقاء بالمرأة، هو ارتقاء بالرجل، وبالمجتمع ككل، في نفس الوقت، كما قال الشعر حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا اعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق.

والمراد بالأم هنا، هو المرأة؛ لأن كل امرأة هي أم بالقوة، وبالفعل، كما يقول المناطقة، وإلا، فإن إشاعة العلم، والمعرفة في المجتمع، عن طريق التربية، والتعليم، والتكوين، هو الذي يساهم في تقويم المجتمع ككل، نساء، ورجالا، كما قال حافظ إبراهيم، كذلك:

ربوا بنيكم علموهم هذبوا
فتياتكم فالعلم خير قوام.

والخلاصة، أن تحرير المرأة من الاستلاب المزدوج، لا يتم إلا في إطار المجتمع، من ركام الاستلاب، الذي يجثم على الرجل، كما يجثم على المرأة، كما يجثم على المجتمع، وحينها ستزول من الطريق، كل الكوابح التي تحول دون الارتقاء بالمرأة، وبالرجل، وبالمجتمع، في مدار التقدم، والتطور.

التدقيق في المفاهيم:

وبعد هذا التقديم العام الذي ذكرنا فيه بأهمية العيد الأممي 08 مارس، والتذكير بأهمية النضال من أجل تحرير المرأة، بالإضافة إلى الإشارة إلى دور الرموز النضالية في هذا الاتجاه، وفي طليعتهم الدكتورة فاطمة المرنيسي، نجد أنفسنا أمام إشكالية تحديد المفاهيم، فيما يتعلق بمفهوم تحرير المرأة، وبمفهوم التنوير، مع الوقوف على العلاقة القائمة بين تحرير المرأة، وبين التنوير.

فماذا نعني بتحرير المرأة؟

وماذا نعني بالتنوير؟

وما هي العلاقة القائمة بين التحرير، والتنوير؟

إن مفهوم تحرير المرأة، ومفهوم التنوير، يلقيان اهتماما واسعا على المستوى النظري، والفكري، وعلى مستوى الجمعيات الحقوقية، وعلى المستوى السياسي، نظرا لأهمية تحرير المرأة، ولأهمية التنوير في حياة المجتمع، وفي الارتقاء به إلى مستوى ما عليه المرأة، وما عليه التنوير، في المجتمعات المتقدمة، والمتطورة، نظرا للدور الذي تقوم به المرأة، ويقوم به التنوير، في ذلك التقدم، والتطور.

فعلى المستوى النظري / الفكري، نجد أن مفهوم تحرير المرأة، ومفهوم التنوير، لقيا اهتماما كبيرا من قبل المنظرين، والمفكرين، ومنذ طرحت قضية تحرير المرأة في الفكر العالمي / الإنساني، وفي الفكر العربي الإنساني، وفي الفكر المغربي الإنساني، حتى لا نقول في الفكر الديني، أو في الفكر الديني / الإسلامي، بما يتناسب مع رغبة المؤول، إلى درجة تحول التأويل إلى نص مقدس، كما حصل، وكما يحصل، وكما سيحصل، إلى مالا نهاية، نظرا لدور الدين، أي دين، في جعل المومنين به، يقدسون النصوص التي تنتقل إلى مستوى تقديس التأويلات المختلفة، التي تتحول، بسبب ذلك، إلى نصوص دينية مقدسة، لا يجرأ أحد على نقدها، أو على نقضها؛ لأن الفكر الديني، له مفهومه الخاص للتحرير، المقيد للمرأة، التي لا تستطيع التخلص من دونيتها، كما أن مفهومه الخاص للتنوير، الذي لا علاقة له لا بتحرير المرأة، ولا بالتنوير، بالمعنى الذي يتداوله المفكرون، والمنظرون، في هذا المجال.

وعلى مستوى الجمعيات الحقوقية العامة، والنسائية، فإن تحرير المرأة، لا يمكن أن يتم أبدا، إلا في إطار التفعيل الكامل للإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: العامة، والخاصة بالمرأة، وهو ما يعني، أن تحرير المرأة، في أي مجتمع، بما فيه المجتمع المغربي، لا يمكن أن يتم دون تفعيل الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية العامة، والخاصة.

وبالنسبة إلينا، في المغرب، لا يمكن الحديث عن التفعيل، إلا بملاءمة القوانين، والمراسيم، والقرارات، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المذكورة، حتى تصير مضامينها سارية على الجميع، مما يجعل المجتمع يتمتع بكامل حريته، ويجعل الرجال يتمتعون بحريتهم، وتتحرر النساء من كافة أشكال القيود، التي تحد من حريتهن، مما يعطي للمجتمع وجها آخر، يختلف عن الوجه القائم الآن، وهو الذي يمكن الرجل، والمرأة معا، من تحولهما إلى شركاء في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل الواقع يتطور، باستمرار، إلى الأحسن.

ونفس الجمعيات الحقوقية العامة، والنسائية، تعتبر أن تحرير النساء بالمفهوم الحقوقي، لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار مجتمع متنور، غير محكومة عقول النساء، والرجال فيه، بظلام العصور الوسطى، التي تكبل المجتمع، برمته، بالقيود المكبلة للنساء، والرجال، على حد سواء.

وعلى المستوى السياسي، فإن التحرير، والتنوير معا، رهينان بالقرار السياسي، الذي تتخذه الدولة، أو تتخذه الحكومة، أو يتخذه البرلمان، أو تعمل الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، على فرضه بطريقة، أو بأخرى، مما يجعل تحرر المرأة، والتنوير، رهينان بطبيعة الدولة، وبطبيعة الحكومة، وبطبيعة التشكيلة البرلمانية، وبطبيعة الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، التي يعول عليها، في اتخاذ قرار معين، من أجل تحرير المرأة، ومن أجل إشاعة التنوير في المجتمع.

فالدولة المخزنية بالنسبة للمغرب، لا يمكن أن ننتظر منها قرارا سياسيا لصالح تحرير المرأة، ولصالح إشاعة التنوير في المجتمع، نظرا لازدواجية الدولة المخزنية، التي تعتبر نفسها وصية على الدين الإسلامي، وفي نفس الوقت، تدعي انفتاحها على حداثة العصر، الوافدة من النظام الرأسمالي، مما يجعل قراراتها تنطبع، كذلك، بطابع تلك الازدواجية، التي تجعل إعلامها الرسمي، وكأن الدولة المخزنية، ذات الطبيعة الرأسمالية / التبعية، منفتحة، ومتنورة، كما تظهر من خلال ما تصرفه في مساجد المغرب، مما يتناقض مع انفتاحها على الحداثة الوافدة.

والحكومة القائمة الآن، باعتبارها حكومة مخزنية، هي حكومة ذات طبيعة أصولية، وبالتالي، فإن هذه الحكومة، وبشكلها الحالي، أو المستقبلي، إذا استمرت، لا يمكن أن تكون إلا ضد تحرير المرأة، وضد التنوير، لظلامية الحزب الذي يقودها، أو سيقودها مستقلا، وللتراجعات الخطيرة، التي سجلتها في الميدان، وخاصة ضد تحرير المرأة، التي افتقدت الكثير من الدعم، في اتجاه التمتع بكافة حقوقها العامة، والخاصة، التي كانت تحلم بها، مما يجعلنا نستغرق في تحكم القيود المتخلفة، التي اعتبرتها حكومة عبد الإله بنكيران، التي يؤدلج حزبها الرئيسي، الدين الإسلامي، أدلجة تجعله يفرض تراجعات لا حدود لها، على جميع المستويات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء، وبإنضاج شروط تحررهن.

وبخصوص البرلمان المغربي، ونظرا لغلبة حزب العدالة والتنمية في مجلس النواب، بالخصوص، فإننا لا يمكن أن ننتظر منه، لا الآن، ولا مستقبلا، إصدار تشريعات تساهم في تمكين المرأة من التحرر من القيود، التي تحول دون تحررها، كما تساهم في إشاعة التنوير في المجتمع، مما يجعل تلك التشريعات، تحد من حرية المرأة، وتكرس استعبادها، وتحول دون إشاعة التنوير في المجتمع المغربي، الذي يزداد ظلامية، بفعل ما قامت به حكومة عبد الإله بنكيران، بكافة وزرائها.

وبالنسبة للأحزاب القائمة في الواقع، باعتبارها أحزابا ظلامية، بزعامة حزب العدالة والتنمية، والأحزاب المغربية التي تلتزم بتوجيه الدولة المخزنية، التي تجمع في خطابها بين أصولية المخزن، وحداثته، مما يجعلها بشكل، أو بآخر، مشرعنة لتحكم الأصولية، بأشكالها المختلفة، بما فيها الأصولية المخزنية.

أما الأحزاب المسماة وطنية، وديمقراطية، فإنها تدعي ابتعادها، كثيرا، عن أصولية المخزن، إلى جانب ادعائها الصراع ضد أصولية الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي.

أما الأحزاب اليسارية الحقيقية، على ضعفها، من خلال تفتتها، ومن خلال طبيعة تفاعلها مع الواقع، فإنها تصر على تحرير المرأة، وتحقيق مساواتها الكاملة، في الحقوق، والواجبات، للرجل، في المجتمع المغربي، انطلاقا من الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، مع الحرص على نشر التنوير.

وبالنسبة للنقابات، والجمعيات الحقوقية، فإن عملها من أجل تحرير المرأة، رهين بالبرامج التي تعمل على تحقيقها، والتي قد تتضمن ما يساهم في تحرير المرأة. أما التنوير، فقد لا تتضمن برامجها ما يدعو إلى إشاعته في المجتمع.

وانطلاقا من هذه الرؤيا، التي تشمل المستوى النظري / الفكري، والمستوى الحقوقي، والمستوى النسائي، والمستوى السياسي، نعود إلى طرح السؤال الجوهري:

ما المراد بالتنوير؟

وما المراد بتحرير المرأة؟

ودون الرجوع إلى ما كتب في هذا الإطار، فإن مفهوم التنوير على مستوى الاشتقاق، مأخوذ من نور{بتشديد الواو} ينور{بتشديد الواو} وهو فعل متعدي، نور المكان، إذا أشاع فيه النور، حتى يزول الظلام، الذي كان شائعا فيه.

والتنوير، نقيض التظليم، المأخوذ من ظلم{بتشديد اللام} يظلم{بتشديد اللام} إذا أشاع الظلام في مكان معين.

والتنوير في معناه الحقيقي، كما رأينا، إشاعة النور في مكان معين، وإزالة الظلام منه، حتى نتعرف على كافة محتوياته المادية، المدركة بواسطة العين، من أجل أن نقرر في مصيرها، أو من أجل إعادة ترتيبها، أو تطويرها، حتى تبقى صالحة في الزمان، والمكان.

والتنوير بمعناه المجازي، إشاعة الأفكار، التي تشيع النور، في العقول الظلامية، من أجل إزاحة الظلام عنها، وجعلها ترى برؤيا تنويرية، تساهم في إزاحة الظلام من طريقها، حتى تخضع لإرادة العقل المتنور أصلا، حتى يتمكن الجميع من الانخراط في إنتاج الأفكار التنويرية، وفي نفس الوقت، محاربة الأفكار التظليمية، من أجل إزاحتها من ساحة الفكر، باعتبارها منتوجا غير صالح لإنتاج إنسان جديد، متقدم، ومتطور، وحامل للفكر المتنور، ومساهم في الفكر، والممارسة المتنورتين، وعامل على تطوير الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، على جميع المستويات، وممكنا المجتمع من تحقيق الحرية، والديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعدالة الاجتماعية، التي تضمن التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

وبالإضافة إلى ما ذكرنا، نجد أن التنوير يقف وراء تطوير المجتمع، في جميع المجالات، مما يترتب عنه تطوير المؤسسات الدولتية: التشريعية، والتنفيذية، والقطاعية، بالإضافة إلى تطوير مفهوم الدولة، باستمرار، من خلال تطوير جميع مؤسساتها، وقوانينها، وبرامجها المختلفة، وخاصة: التعليمية، والإعلامية، التي تضمن إشاعة التنوير بين الأجيال المتعاقبة، والتي تتحمل مسؤولية التطوير، وإنضا شروط التطور، والتقدم، في جميع المجالات، وعلى مدى عمر الإنسان، وعلى مدى استمرار المجتمع، واستمرار تطوير بنيات الدولة.

وعلى عكس التنوير، نجد مفهوم التظليم، الذي يبث الظلام في العقول، عن طريق ترويج الفكر الظلامي، الذي ينتجه الظلاميون، انطلاقا من أدلجتهم للدين الإسلامي، وتحريفهم له، عن طريق تأويل النصوص المختلفة للدين الإسلامي، الذي يتحول إلى تأويلات لنصوصه، التي تقف وراء إشاعة الإسلام المحرف، عن طريق التظليم المستمر، لجعل المستهدفين، عاجزين، حتى عن فهم الدين الإسلامي، وعن فهم الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعن إدراك ما يجب عمله، من أجل تطوير الواقع، مما يجعله يفعل الفكر الظلامي الشائع، متخلفا باستمرار، وعن قبول كافة الأعمال غير المشروعة، من أجل القيام بها، والانخراط في عملية تكفير الآخر، مما لا علاقة له إلا بإفساد عقيدة الدين الإسلامي، وإفساد العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تفرض العلاقات المختلفة، التي صارت فاسدة في خدمة الظلامية، إلى أقصى الحدود، حتى تصير الظلامية مسيطرة على مراكز القرار، وممارسة للاستبداد القائم، ما دام يخدمها، أو عاملة على فرض استبداد بديل، باسم بناء الدولة الإسلامية، التي تلتزم بتطبيق الشريعة الإسلامية.

ومعلوم أن الفعل الظلامي المتخلف، هو الذي يستلزم العمل على إشاعة التنوير في الواقع، من أجل تحريره من أسر الظلامية، بما في ذلك تحرير المرأة من اسر الاستغلال المزدوج، الذي يحيلنا إلى مفهوم تحرير المرأة.

وعندما يتعلق الأمر بتحرير المرأة، فإن هذا المفهوم يقتضي تجاوز مجموعة من المسلمات، التي لا زال يتداولها الفكر، على أنها مساهمة فعالة في اتجاه تحرير المرأة:

المسلمة الأولى: أن الأديان، بما فيها الدين الإسلامي، تعمل على تحرير المرأة، مع العلم أن كل ما جاءت به الأديان المرتبطة بالمرحلة الأبيسية، يكرس دونية المرأة، التي تعتبر دونيتها قبولا، وتكريسا للاستغلال المزدوج، الممارس عليها، منذ ظهور الأديان، وإلى يومنا هذا.

المسلمة الثانية: أن الثورة البورجوازية، حررت المرأة، وأن تحريرها استهدف مجمل حياتها، في الوقت الذي نجد: أن تحرير النظام الرأسمالي البورجوازي، لا يتجاوز خلق الشروط المناسبة، لتسليع المرأة، كما يتم تسليع الرجل كعامل، وكمستخدم، يصير في خدمة النظام الرأسمالي / التبعي، أو النظام الرأسمالي العالمي، بطريقة، أو بأخرى.

فالدين، أي دين، مهما كان، لا يمكن إلا أن يكرس دونية المرأة، ولا يمكن أبدا أن يعمل على تحريرها من الدونية.

والنظام الاستغلالي، أي نظام استغلالي، لا يمكن إلا أن يفسح المجال أمام الاستغلال المزدوج للمرأة.

ولذلك، فتحرير المرأة، لا بد أن تتوفر له شروط محددة، حتى تتحرر المرأة من كل القيود، التي تجعلها مستعبدة من قبل النظام الحاكم، ومن قب العادات، والتقاليد، والأعراف، ومن قبل الرجل.

وهذه الشروط تتمثل في:

1 ـ شيوع التنوير في المجتمع، من خلال البرامج الثقافية، ومن خلال البرامج الدراسية، ومن خلال ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة، في كل مجالات الحياة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن خلال التحول المفروض حصوله، في العادات، والتقاليد، والأعراف، ومن خلال مواجهة التوجهات الظلامية، التي تجب محاصرة ظلاميتها، وعملها على نشر الظلام في الواقع، وإعدادها للظلام، والظلاميين، وللإرهابيين، في نفس الوقت، حتى يصير التنوير هو السائد، وحتى يصير الواقع الاجتماعي قابلا بتحرير المرأة، وحتى تصير العقول المتحررة مسلحة بعملية التحرير، بالمعنى العلمي لتحرير المرأة.

2 ـ العمل على إحداث تحول عميق في العادات، والتقاليد، والأعراف، التي يسود فيها الخلط بين ما هو ديني متزمت، وما هو خرافي، وما هو تاريخي، وما يتم اختلاقه، انطلاقا من الواقع، رغبة في التحكم في مكوناته المختلفة، وسعيا إلى تحديد ما يقود إلى التخلف، وما ينتج التقدم، والتطور، في أفق تطوير العادات، والتقاليد، والأعراف، والتخلص من كل العوائق، التي تجعل الواقع منغلقا على نفسه، ومكرسا للاستغلال المزدوج للمرأة، وتحول دون تحررها من كافة القيود، المعرقلة لمساهمتها في تطوير الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل أن يكتسب الواقع وجها مشرفا.

3 ـ إعادة النظر في البرامج الدراسية، في أفق تخليص التعليم من كل الفقرات التي تحول دون تقدم الواقع، ودون تطوره، وتطويره، ودون العمل على تمكين المرأة من التحرير، الذي يجعلها فاعلة في المجتمع، ومتمكنة من المساهمة في الإبداع، بالمعنى الصحيح للإبداع المطور، والمتطور، ودون التمكن من التمتع بكافة حقوقها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، حتى تصير إنسانا، وحتى تتحمل مسؤوليتها إلى جانب الرجل، في الحياة العامة، وخلال عملية الإنتاج، وتقديم الخدمات، مناضلة إلى جانبه، وإلى جانب المسؤولين على جميع المستويات، ومهما كانت تلك المستويات، تبقى المرأة مستعبدة وخاضعة للاستغلال المزدوج، ومشلولة القدرات المختلفة. ذلك أن البرامج التعليمية، تقوم بدور رائد في الاتجاه الصحيح، أو العكس، ومن منطلق البرامج التعليمية، التي يمكن أن تكون متقدمة، ومتطورة، إذا تمت مراجعتها، نستطيع أن نعد أجيالا متقدمة، ومتطورة. وإذا لم تراجع، فإن البرامج التعليمية القائمة، لا يمكن أن تعد لنا إلا أجيالا متخلفة، ورجعية، ولا يمكن أن تساهم، أبدا، بأي شكل من أشكال التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، إلا برؤيا متخلفة، لا تعكس بالضرورة، طبيعة الحياة التي نعيشها، وهو ما يقتضي ضرورة مراجعة البرامج التعليمية، حتى تنسجم مع ما عليه العصر الذي نعيشه، من تقدم، ومن تطور، حتى نتحول إلى مطورين، ومتطورين، ومساهمين بتعليمنا المتطور، في الحياة الإنسانية، وفي بناء حضارة الإنسان، التي تتساوى فيها المرأة مع الرجل، في كل ما يتعلق بالحياة العامة، والخاصة، إلى درجة استحالة التمييز بينهما، إلا فيما يتعلق بنوع المرأة، وبنوع الرجل.

4 ـ إعادة النظر في البرامج الإعلامية، التي تستهدف المجتمع ككل، ودون تمييز بين أفراده، حتى يصير الإعلام وسيلة لجعل المرأة، والرجل، متساويان في كل شيء، لا فرق بينهما في الحقوق، وفي الواجبات، تجاه المجتمع، بما في ذلك الإرث، الذي لم يعد مقبولا فيه التمييز بينهما، نظرا للتحولات القائمة في الواقع، ونظرا لدور المرأة في اقتصاد الأسرة، حتى وإن لم تكن عاملة، أو مستخدمة، ونظرا لأن الإعلام يصير وسيلة لترسيخ قيم معينة في المجتمع، ونظرا لأن الإنسان بقيمه، وبسلوكه، وبتفاعله مع ما يجري في الحياة، فإنه يمكن أن يكون نتيجة لما يبثه إعلام معين، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ونظرا للأهمية التي يحتلها الإعلام في المجتمع، فإن إعادة النظر في البرامج، التي تحكم الخطط الإعلامية، أصبح أساسيا، وواجبا، حتى يقوم الإعلام بدوره في اتجاه تحرير المرأة من العبودية، ومن الدونية، التي تحكم النظر إليها، ومن الاستغلال المزدوج، في أفق انعتاقها من كل ما يقف وراء عمق معاناتها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تجعلها فاقدة لتوازنها النفسي في المجتمع، حتى تؤدي مراجعة البرامج الإعلامية، دورها في عملية تحرير المرأة.

5 ـ تمكين جميع أفراد المجتمع، من التمتع بكافة الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من أجل إتاحة الفرصة أمام الجميع، في أفق أن تصير المرأة، والرجل معا، فاعلين، ومتفاعلين في الواقع، ومعه، ومساهمين معا، في البناء الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل ازدهار الواقع، في مختلف المجالات، وفي تحرير المجتمع من كل القيود، التي تحول دون تقدمه، وتطوره، بما فيها الحد من فعالية المرأة في المجتمع، ومهما كان هذا المجتمع.

فالتمكن من التمتع بكافة الحقوق العامة، والخاصة، تساهم بشكل كبير في تمكين المرأة، كما الرجل، من توظيف ما تتوفر عليه من قدرات إنسانية، في اتجاه البناء الحضاري الإنساني، كما يفعل الرجل المتحرر، إن لم تصر متفوقة عليه.

غير أن عدم تمتيع الجميع بكافة الحقوق الإنسانية، قد يقف وراء تكريس الحرمان من كافة الحقوق من جهة، ووراء تكريس الاستغلال المزدوج للمرأة، مع تكريس دونيتها، التي لم تعد مقبولة، من جهة أخرى، في ظل هذا التطور الذي يعرفه العصر الذي نعيشه، في جميع المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بسبب انعدام الفوارق بين النساء، والرجال، في الحقوق، والواجبات، وبسبب إطلاق سراح كافة قدرات الإنسان، رجلا كان، أو امرأة، من أجل الفعل في الواقع.

6 ـ قيام دستور ديمقراطي شعبي، يتم التنصيص فيه على المساواة الكاملة، بين المرأة، والرجل، بدون وجود ثوابت، تصير ذريعة للتمييز بين المرأة، والرجل، ولتكريس أفضلية الرجل على المرأة، كما هو حاصل الآن، في ظل السيادة الشعبية، التي تضمن صيرورة الشعب مصدرا لكافة السلطات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهذا الدستور، يصير وسيلة لإقرار الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير وسيلة لجعل الشعب المغربي، يتمتع بكافة حقوقه الإنسانية، التي تخلصه من الاستعباد، ومن الفساد، والاستبداد، ومن الاستغلال، ومن امتهان الكرامة الإنسانية، التي تمكن الجميع، من امتلاك القدرة على التعبير عن الرأي، حول مجمل القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتحرر من كل القيود، التي تحول دون التقدم، والتطور، مما يجعل المرأة تبرز كإنسان، له مكانته في المجتمع، وقادر على تحرير الإنسان فيها، حتى تصير قادرة على فرض مساواتها للرجل، وعلى دوس دونيتها، التي تصير في ذمة التاريخ، انطلاقا من الدستور الديمقراطي الشعبي، الذي يساوي بين المرأة، والرجل.

7 ـ إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، في ظل دستور ديمقراطي، شعبي، تحت إشراف هيأة مستقلة، بعد إنضاج الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تنقل الشعب من واقع التخلف، بمظاهره المختلفة، إلى واقع التقدم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يصير مصحوبا بامتلاك الوعي بالواقع، وبتحولاته المختلفة، التي تجعل الفعل السياسي حاضرا في الممارسة اليومية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تعمل على الحد من تأثير الفساد السياسي، الذي يصير بارزا في الانتخابات، في ظل الشروط القائمة، والمتخلفة، والتي تجب مواجهتها بشروط نقيضة، تجعل الانتخابات معبرة فعلا عن إرادة الشعب المغربي، ومحققة لطموحاته في الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. هذه الطموحات، هي التي تصير منطلقا للتخلص من الفساد الإداري، والسياسي، وكل اشكال الفساد الأخرى، التي تجعل الانتخابات، التي تجري في ظل الشروط القائمة فاسدة.

8 ـ استغلال قيام دستور ديمقراطي شعبي، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، لرفع مستوى وعي الشعب المغربي، بأوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يمتلك القدرة على تغيير تلك الأوضاع، انطلاقا من التحولات القائمة في الواقع، ومن الدستور الجديد، ومن التغيير الذي تعرفه القوانين المختلفة، عن طريق ملاءمتها مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، في أفق جعل الشعب المغربي يفرض سيادته، وعن وعي تام، بما يري في الواقع، وبما يجب أن يكون عليه، حتى يصير في خدمة مصلحة الشعب المغربي، الذي يصير ملزما بإقامة مؤسسات بديلة، قائمة على أسس ديمقراطية حقيقية، بدل هذه المؤسسات القائمة على الفساد الإداري، والسياسي، الذي يزداد عمقا، وتجذرا في المجتمع.


وتحرير المرأة، إذن، بالمعنى الصحيح، لا يمكن أن يتحقق في ظل الشروط القائمة، وهو ما يقتضي العمل على إنضاج شروط نقيضة. فبدل شيوع الظلامية، التي يعمل على نشرها، وتسييدها في المجتمع، مؤدلجو الدين الإسلامي، يتم العمل على نشر التنوير، الذي يفتح العقول على الواقع، ويعمل على خلخلة ظلاميته، التي تتراجع أمام العمل على جعل الواقع متنورا، حتى يستطيع المتنورون، في المجتمع المغربي، إحداث تحول عميق في العادات، والتقاليد، والأعراف، التي تصير بحمولات متقدمة، ومتطورة، وقابلة بالفعل التحرري، الذي يحصل في المجتمع بصفة عامة، وفي صفوف النساء بصفة خاصة، ومن أن يصير التنوير من سمات البرامج التعليمية، المعتمدة في المدرسة المغربية، ومن سمات البرامج الإعلامية، التي تستهدف مجموع أفراد المجتمع، ووسيلة لإشاعة الوعي بكافة الحقوق الإنسانية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي يجب أن يتمتع بها جميع أفراد الشعب المغربي، الذين يجب أن يعملوا على فرض قيام دستور ديمقراطي شعبي، يقر سيادة الشعب على نفسه، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، كما يقر المساواة الكاملة بين النساء، والرجال، بالإضافة إلى وقوف التنوير، وراء اختفاء كافة مظاهر الفساد، والاستبداد، في أي انتخابات تجري، تحت إشراف هيأة مستقلة، حريصة على احترام التعبير عن إرادة الشعب المغربي، والعمل على رفع مستوى وعي الشعب المغربي، بواقعه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وصولا إلى إنضاج كافة الشروط الكفيلة بتحرير المرأة، من كافة القيود، التي تحول دون انعتاقها من دونيتها، في المجتمع المغربي.

وفي ظل إنضاج الشروط المتعلقة بإعداد المجال، لجعل المرأة تتحرر من كل القيود، التي تحد من فعاليتها، وتقمع فيها قدراتها الإبداعية، والتي يمكن أن نبني على أساسها مفهوم تحرير المرأة.

فمفهوم تحرير المرأة، إذن، يعني تحررها من كل القيود، التي تفرض دونيتها، أو تكرس استلابها، باعتقادها: أنها، بفرض إبراز مفاتنها في الواقع، الذي تتحرك فيه، تتحقق حريتها، مع أنها لا تتجاوز ان تتحول إلى سلعة معروضة في سوق نخاسة البشر، والتحرر من العادات، والتقاليد، والأعراف، وكل الكوابح التي تعمل على تغييب فعل المرأة، وتغييب إبراز قدرتها، في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير المرأة فاعلة، ومتفاعلة، ومفعلة لقدراتها المختلفة، في المجالات المذكورة، ومزيحة عنها كل الحواجز التي تحول دون انطلاقها، بما في ذلك نمطية أدلجة الدين الإسلامي، حتى تستطيع مواجهة كافة التحديات، التي تواجه المجتمع البشري بصفة عامة، والمجتمع المغربي بصفة خاصة، بالإضافة إلى مواجهتها للتحديات التي تواجه المرأة كنوع، لتتخلص، بذلك، من عبوديتها، ومن الاستغلال المزدوج، الممارس عليها، الذي يعبر بالضرورة عن التخلص من دونيتها.

وحسب هذا المفهوم، فإننا نستطيع أن نميز بين ثلاثة أنواع من النساء:

النوع الأول: المرأة الأمة {العبدة} التي تعتقد: أنه ليس من حقها أن تكون حرة، وتقبل كل ما يمارس عليها، من قبل الأسياد، مهما كانت طبيعة التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية، التي تتواجد فيها، حتى وإن كانت أدلجة الدين الإسلامي، هي السائدة، حتى وإن كانت تعتقد: أن عبوديتها جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي.

والنوع الثاني: المرأة السلعة، وهي التي تعتقد أن الاهتمام بإبراز محاسن الجسد، تعبير عن حريتها، مع أنها لا تتجاوز عرض الجسد / السلعة على من يشتري التمتع به. وهي ممارسة، لا علاقة لها بتحرير المرأة، بقدر ما هي عبارة عن إضافة قيد جديد، يحول دون حريتها. وهذا القيد: هو الاستلاب الرأسمالي، الذي يسلع كل شيء، بما في ذلك جسد المرأة.

والنوع الثالث: هو الذي يعنينا هنا، وهو المرأة التي تتحرر من كل القيود الاجتماعية، التي تحول دون تحررها، وتحريرها، بما في ذلك قيود العادات، والتقاليد، والأعراف، وقيد أدلجة الدين الإسلامي، المكرسة لدونية المرأة، وقيود الاستلاب الرأسمالي، الذي يسلع المرأة، حتى تصر متحررة فعلا، ومتمكنة من إبراز قدراتها المختلفة، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وحتى تساهم في عملية البناء الحضاري، الذي يسعى المجتمع إلى المساهمة فيه، والوصول إليه، على مستوى المجتمع المغربي، ثم على مستوى المجتمع العربي، ثم على مستوى المجتمع الإنساني، وصولا إلى حياة إنسانية، تختفي فيها كل القيود التي تحول دون تحرير، المرأة وتحررها.

وبعد تناولنا لمفهوم التنوير، ومفهوم تحرير المرأة، نصل إلى طرح السؤال:

ما هي العلاقة بين التنوير، وبين تحرير المرأة؟

إننا عندما نتكلم عن التحرير، نتكلم عن التنوير، وعندما نتكلم عن التنوير، نتكلم عن التحرير، في نفس الوقت؛ لأن التحرير لا يتم إلا في إطار التنوير، الذي لا يمكن أن يشاع في المجتمع إلا من أجل التحرير، وبناء على ما يمكن أن نعتبره شبه تلازم بين التحرير، والتنوير، أو بين التنوير، والتحرير. وهو ما يفرض أن تكون العلاقة جدلية، أو عضوية، أو تطابقية.

فالعلاقة الجدلية تفرض قيام تفاعل بين التحرير، والتنوير؛ لأن كلا منهما شرط وجود الآخر، ولأن هذا التفاعل هو الذي يؤدي إلى انتشار التحرير، أو إلى انتشار التنوير بين جميع أفراد المجتمع؛ لأنه كلما كان هناك بث للتنوير، في واقع معين، يختفي التظليم، الذي يضلل أفراد المجتمع، الذين يصيرون ممتلكين لوعيهم بأوضاعهم المادية، والمعنوية، بفعل التنوير الذي يحرك العقول، التي تنفض عنها غبار الظلام؛ لأن التظليم، هو نتيجة لغياب التنوير، ولأن التنوير هو نتيجة لاختفاء التظليم، والتنوير نقيض التظليم، والنقيضان، لا يجتمعان إلا في مجال الصراع، وما سواه: فإما أن يسود التنوير، وإما أن يسود التظليم، وكل منهما يرتبط بواقع مختلف، فإما التحرير في ظل سيادة التنوير، وإما العبودية في ظل سيادة التظليم، والمرأة لا ترى النور بعقلها، ولا تتحرر من عبوديتها، ولا تدوس دونيتها، في ظل هيمنة التظليم على الواقع. أما المرأة التي تعيش الوضوح في فكرها، وفي ممارستها، ولا ترى بعقلها إلا النور، تتحرر من قيود الظلام، والاستلاب، وتدوس دونيتها، وتعمل على تحريك الواقع الآسن، حتى يصير متحركا، ومتخلصا من نتانة تخلفه، وساعيا إلى التجدد المستمر في الفكر، وفي الممارسة، بفعل التجدد، الاتي من رحم الطموح اللا متناهي.

فالتنوير، إذن، فاعل في تغيير الواقع، وتحرير المرأة المصاحب لتحرير الرجل، في إطار تحرير المجتمع ككل، من سطوة الاستعباد، والفساد، والاستبداد، والاستغلال، وامتهان كرامة الإنسان، ومن الاستلاب الظلامي، والرأسمالي، تعبير ملموس عن هذا التغيير، الذي تدفع إلى حدوثه إرادة التحول، في اتجاه المستقبل، وإرادة التقدم نحو نحو الرقي، والازدهار، وحصول الرغبة في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الإنسانية.

وانطلاقا من هذا التصور، لفعل التنوير في الواقع، نستطيع القول بأن العمل من أجل التحرير بصفة عامة، ومن أجل تحرير المرأة بصفة خاصة، الذي يصطدم بالتظليم، يعمل على تفكيك الواقع، من أجل فتح مجموعة من النوافذ، التي تمكن من نفاذ التنوير، إلى الواقع، حتى تصير الرؤيا واضحة في الأذهان، وتتحدد، في إطار تلك الرؤيا، كل العوائق التي تحول دون تمكين المجتمع من التحرير، ودون انعتاق المرأة من الدونية، التي تغرقها في متاهات التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ودون تحديد ما يجب عمله، لتمكين المرأة من المساهمة في الارتقاء بالحياة الإنسانية للشعب المغربي، إلى مستوى ما عليه الحياة في البلدان المتقدمة، والمتطورة، والاتجاه مباشرة إلى تفكيك العوائق المختلفة، في أفق تجاوزها، لفسح المجال أمام استكمال تحرير المجتمع، وأمام تحرير المرأة، بعد تحطيم كل القيود التي تحول دون تحرير المجتمع، لصالح الإنسان، في كيان كل فرد من افراد المجتمع؛ لأنه بدون التحرير، لا تتحرر القدرة الإبداعية: الفردية، والجماعية، ولا يتمكن لا الرجل، ولا المرأة، من إضافة الجديد المتقدم، والمتطور، لصالح الإنسان.

ونظرا للدور الذي يقوم به التنوير، في مواجهة التظليم، فإن إشاعة قيم الحداثة، لا بد أن تحدث شرخا كبيرا، وعميقا، في بنيات المجتمع المحافظ، الذي صار مستهدفا بالتظليم ،من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، ومن قبل الدولة المحافظة، المعادية لأي شكل من أشكال التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وما يحدث في العالم اليوم، وخاصة في بنيات الدولة المحافظة، التي صارت تتفكك أمام الهزات العميقة للحداثة، يصلح دليلا على أن تحقيق تحرر الإنسان، والمجتمع، والحد من التظليم، في أفق القضاء عليه، بالقضاء على عوامله المنتجة له. وتحقيق التحرير، عنوانه: تحطيم كل القيود التي تحول دون تحرير المرأة، ودون إشاعة التنوير في المجتمع، التي تعتبر وحدها تعبيرا عن إزاحة عوامل التظليم.

وهذا البسط الذي قمنا به، في إطار العلاقة الجدلية القائمة بين التحرير، والتنوير، يوضح بما فيه الكفاية، التفاعل المستمر، القائم بين التحرير، والتنوير، وأنه بدون التنوير، لا يكون هناك تحرير، لا للمجتمع، ولا للمرأة. كما أنه بدون التحرير، لا تتأتى إمكانية إشاعة التنوير في المجتمع، ولا يتم استكمال التحرير من أسر العبودية، ومن أسر أدلجة الدين الإسلامي، المنتجة للظلامية، ومن أسر التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

وفيما يخص العلاقة العضوية القائمة بين التنوير، والتحرير، فإننا نجد أن التنوير جزء لا يتجزأ من التحرير، وأن التحرير كذلك جزء لا يتجزأ من التنوير، وصولا إلى أن العلاقة بين التحرير، والتنوير، مطبوعة بالعضوية، التي تجعل انتشار التنوير تكون مصحوبة بتحرير الإنسان، بما في ذلك تحرير المرأة من كل القيود، التي تقف وراء تكريس دونيتها، في كل مجالات الحياة، كما تجعل انتشار التحرير مصحوبا بالتنوير، في امتداداته المختلفة.

وهذه العضوية القائمة بين التحرير، والتنوير، أو بين التنوير، والتحرير، تجعل المجتمع متنورا، ومتحررا في نفس الوقت، وتجعل المرأة المحررة، محطمة لكل القيود، متجاوزة لكل المعيقات، التي تحول دون تطورها، خاصة إذا تصدى لإشاعة التنوير، والتحرير في المجتمع، مثقفون عضويون، أفرزهم المجتمع، أو مثقفات عضويات، أفرزتهن النساء، اللواتي يعانين من العبودية، ومن الاستغلال المزدوج، ومن الدونية؛ لأن المثقف العضوي، أو المثقفة العضوية، لا ينتج، ولا تنتج إلا ثقافة التنوير، ولا يعمل، ولا تعمل إلا على تحرير المجتمع، مهما كان من كل العوائق التي تحول دون تقدمه.

فالتنوير، والتحرير، متلازمان، والتظليم، والاستعباد كنقيض للتنوير، والتحرير، متلازمان أيضا.

وإذا كان المجتمع المتنور متحررا، بالضرورة، فإن المرأة في المجتمع المتنور، متحررة أيضا، ونظرا للدور الذي يقوم به التنوير، في جعل المجتمع متحررا، ونظرا لإتاحته الفرصة أمام تحرير المرأة، ونظرا لأن المرأة، المتحررة بالمفهوم الصحيح للتحرر، تعبر عن انتمائها إلى مجتمع متحرر.

ونظرا لكون المجتمع المتحرر متنورا، بالضرورة، فإن التنوير، والتحرير، يصيران وجهين لعملة التقدم، والتطور؛ لأن أي تقدم، أو تطور، هو نتيجة للتحرير، والتنوير، أو للتنوير، والتحرير.

وإذا كانت العضوية قائمة بالضرورة بين التحرير، والتنوير، أو بين التنوير، والتحرير، فإن نفس العضوية قائمة بينهما، وبين التقدم، والتطور، في كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، باعتبارها مجالات يتجلى فيها التحرير، والتنوير، والتقدم، والتطور، مجتمعة؛ لأنه لا يمكن أن نجد مجتمعا متقدما، ومتطورا، في جميع المجالات، دون أن يكون متحررا، ومتنورا، أو العكس.

وفي إطار المجتمع المتقدم، والمتطور، وفي إطار نفس المجتمع المتحرر، والمتنور، نعطي مفهوما متقدما، ومتطورا، ومتجددا باستمرار، لمفهوم التربية، التي تحكم إعداد الأجيال الصاعدة، من البنات، والبنين، من أجل أن ينشأوا على التحرر، وعلى التنوير، وعلى التقدم، وعلى التطور، لجعل المجتمع متحركا باستمرار، في إطار اكتساب التحرير، والتنوير، حتى يبدع في مجال التقدم، والتطور، خاصة، وان تطور التربية، لا يمكن أن يتم إلا في إطار التحرر، والتنوير. وإلا، فإن إعداد الأجيال، سيتم على منهج العبودية، والتظليم، مما لا يعني، في العمق، إلا إعادة إنتاج التخلف، على جميع المستويات التربوية، في البيت، وفي المدرسة، وفي المجتمع المتخلف، الذي يعيد إنتاج نفسه.

والعلاقة العضوية القائمة بين التنوير، والثقافة، تصير منهجا للإعلام المغربي، في مستواه السمعي / البصري، والمقروء، والمسموع، والإليكتروني، خاصة وأن الإعلام المتنور / المتحرر، يساهم بشكل كبير في تحرير الإنسان، وتنويره، وتقدمه، وتطوره، ويفسح المجال أمام تعاطي جميع أفراد المجتمع، وجها آخر، نظرا للعضوية القائمة بين التحرير، والتنوير، على المستوى الإعلامي، الذي يعد المجتمع ككل، لمواجهة الظلامية، والتخلف، اللذين يحولان دون التنوير، والتحرير.

وفي العلاقة العضوية، إذن، بين التحرير، والتنوير، يجب ان يترجمها تحرير المرأة، وتحرير إعداد الأجيال الصاعدة، بصفة شمولية، وإعداد المجتمع عن طريق الإعلام المتحرر، والمتنور، مما يضمن استمرار تلك العلاقة العضوية بين التحرير، والتنوير، ضد الظلامية، والاستعباد، وإعادة إنتاج التخلف، في مختلف المجالات المعتمدة في المجتمع، حتى يسري التقدم، والتطور، في البنيات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

وانطلاقا من العلاقة الجدلية بين التحرير، والتنوير، أو بين التنوير، والتحرير، ومن العلاقة العضوية بينهما، فإن هذه العلاقة يمكن أن تتحول، في تفاعلها، وفي عضويتها، إلى علاقة تطابقية، خاصة، وأن العلاقة الجدلية، لا تنفي العلاقة العضوية، والعلاقة العضوية، لا تنفي العلاقة التفاعلية، والعلاقتان معا، لا تنفيان العلاقة التطابقية، مما يجعل التحرير مطابقا للتنوير، والتنوير مطابقا للتحرير، خاصة، وأننا عندما نتكلم عن مجتمع متحرر، لا يمكن أن نتكلم إلا عن مجتمع متنور، وعندما نتكلم عن المرأة المتحررة، بالمعنى الصحيح لتحرر المرأة، لا يمكن أن نتكلم إلا عن المرأة المتنورة، وعندما نتكلم عن المرأة المتنورة، لا يمكن ان نتكلم إلا عن المرأة المتحررة، لأن التطابق بين التحرير، والتنوير، أو بين التنوير، والتحرير، يعلن عن نفسه في الفكر، وفي الممارسة معا، كما يعلن عن تقدم المجتمع، وتطوره، خاصة، وأن التطابق يتجاوز التحرير، والتنوير، إلى التقدم، والتطور، على جميع المستويات.

وبعد أن وقفنا على العلاقة الجدلية، والعضوية، والتطابقية، بين التحرير، والتنوير، نكون، كذلك، قد وقفنا على مفهوم التحرير، ومفهوم التنوير. هذين المفهومين اللذين حاولنا التدقيق فيهما، من أجل توضيح الرؤى، والتصورات حول المفهومين المعنيين، من أجل تمكين القارئ من الإدراك الصحيح لهما، حتى ينخرط في العمل على إشاعة التنوير، وعلى تحرير المجتمع، من كل العوائق التي تحول دون التقدم، والتطور، وعلى تحرير المرأة من دونيتها، ومن أسر العادات، والتقاليد، والأعراف، ومن أسر العبودية، والدونية، ومن اسر أدلجة الدين الإسلامي، حتى تساهم، بشكل فعال، في تحرير المجتمع، وحتى تساهم في تقدمه، وتطوره.

تحرير المرأة:

إن المراد بتحرير المرأة، كما أشرنا إلى ذلك في الفقرات السابقة، هو تحطيم قيود العبودية، والاستلاب، وقيود العادات، والتقاليد، والأعراف، التي تحول دون انطلاقها في الاتجاه الصحيح، وقيود أدلجة الدين الإسلامي، التي تحاول أن ترسخ في الواقع: أن المرأة عورة، وتنفي عنها حق مساواتها للرجل، حتى تتحرر من كافة القيود: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق الانطلاق نحو الإبداع، بمظاهره المختلفة، في جميع المجالات، مساهمة منها في تقدم المجتمع، وتطوره.

وتحرير المرأة، بهذا المفهوم، جزء لا يتجزأ من تحرير المجتمع؛ لأنه لا تحرير للمرأة، بدون تحرير المجتمع، ولا تحرير للمجتمع، بدون تحرير المرأة، نظرا للعلاقة الدولية، والعضوية، والتطابقية القائمة بينهما، خاصة، وأن المجتمع معني، بالدرجة الأولى، والمرأة من المجتمع:

1 ـ بتحطيم قيود العادات، والتقاليد، والأعراف المكرسة للتخلف في المجتمع، عن طريق العمل على جعلها متطورة، ومطورة، ومتلائمة، مع التطور الحاصل في الواقع، ومع متطلبات النساء، والشابات، والشباب، في الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.

2 ـ بتحطيم قيود أدلجة الدين الإسلامي، والعمل على مواجهة الظلامية، التي تبثها في المجتمع، وخاصة تلك التي تفرض قيودا معينة على المرأة، حتى لا تتمتع بحريتها كاملة، ومن أجل أن يتحرر المجتمع من قيود الظلامية، ومن قيود أدلجة الدين الإسلامي، ومن القيود المفروضة على جميع أفراد المجتمع.

3 ـ بتحطيم قيود التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، التي تحد من حرية المجتمع، كما تحدمن حرية الرجل، والمرأة، على حد سواء، كما تحد من إمكانية التمتع بكافة الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وتعمل على تكريس دونية المرأة، على جميع المستويات، وتقف وراء فرض الاستبداد، وتكريس الفساد السياسي، والانتخابي، والإداري، وكل أشكال الفساد الأخرى، سواء كانت تعتبر مشروعة، أو غير مشروعة، مع أن كل ما يعتبر فسادا، لا يمكن أن يعتبر مشروعا، وتشجع على اعتماد أدلجة الدين الإسلامي، كوسيلة للتضليل، الذي يحول دون امتلاك الرؤيا الواضحة للواقع، في تجلياته المختلفة، وتسعى إلى أن تصير البرامج الدراسية، والإعلامية، مضللة للأجيال الصاعدة، وللمجتمع ككل، في أفق إزاحة تلك القيود، وبصفة نهائية، من طريق المجتمع، ومن طريق المرأة بالخصوص، حتى يتحرر الجميع من كل ما يعيق التقدم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يمكن المجتمع، ككل، من التقدم، والتطور، ويتيح الفرصة أمام المرأة بالخصوص، من أجل أن تتحرر من قيود التخلف.

4 ـ بتحطيم قيود امتهان الكرامة الإنسانية، التي تقود، بالضرورة، إلى الحرمان من كافة الحقوق الإنسانية، وتعتبر الطبقات الاجتماعية المنتجة، والخدماتية، والكادحة، طبقات دون مستوى التمتع بالكرامة الإنسانية، التي تعتبر شرطا لوجود الإنسان، داخل كل فرد، وداخل المجتمع ككل؛ لأنه بدون وجود الإنسان في كل فرد، في المجتمع، وفي المرأة بالخصوص، لا وجود لا للأفراد، ولا للمجتمع، ولا للمرأة نفسها، وكل ما يوجد، هو مجرد قطيع من البشر، يخدم مصالح الأسياد، ومصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح العملاء الريعيين، ومصالح المستغلين، ولا شيء آخر؛ لأن الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وامتهان الكرامة الإنسانية، هي المتحكمة في القطيع الذي لا كرامة له.

5 ـ العمل على فرض التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في أفق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وفي أفق احتلال الإنسان للمكانة التي يستحقها، في صفوف الأفراد، وفي المجتمع، وفي صفوف النساء، سعيا إلى إزاحة كل ما يحول دون تحقيق معنى الإنسان، في الكيانات البشرية المختلفة، التي يعول عليها، في تحقيق التقدم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في حياة الأفراد، وفي المجتمع، وفي كيان المرأة بالخصوص؛ لأنه لا معنى للتقدم، إذا لم يستهدف الأفراد، والمجتمع، وكل النساء.

وبدون عملية التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، سيبقى التخلف هو السائد، وسيبقى الاستعباد، والاستغلال، والاستبداد، وامتهان الكرامة الإنسانية، ودونية المرأة، هو المتحكم في نمط الحياة السائد، نظرا لعملية إعادة الإنتاج، التي تحكم ظاهرة التخلف القائمة.

6 ـ العمل على جعل الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، واحترام الكرامة الإنسانية، من سمات الحياة الفردية، والجماعية، على حد سواء، لإعداد المجال، لفرض تحرير المرأة، وتمكينها من المساهمة الفعالة، في تحقيق الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تتمكن من جعل العدالة الاجتماعية، واقعا قائما، يمكن المجتمع، ككل، من تحقيق الوجود الواقعي، والإنساني، وإلا فإن عدم تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، لا يتحقق الوجود الواقعي، والإنساني للمجتمع، وللمرأة بالخصوص، التي تبقى تحت طائلة الاستغلال المزدوج: الاستغلال الذي يمارس على المجتمع ككل، والاستغلال الذي يمارسه الرجل على المرأة، بطريقة، أو بأخرى.

7 ـ الحرص على ملاءمة كافة القوانين المعمول بها في المغرب، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حتى تتحول القوانين المعمول بها إلى وسيلة لتمتيع جميع أفراد المجتمع، بالحقوق الإنسانية، بمن فيهم المرأة، التي تصير متمتعة بكافة الحقوق الإنسانية، ومتحررة في نفس الوقت، من كل العوائق التي تحول دون ذلك، وعدم الحرص على تفعيل الملاءمة المذكورة، يجعل المجتمع محروما من كافة الحقوق، ويجعل المرأة مستمرة في معاناتها من الاستغلال المزدوج، مما يترتب عنه استمرار تخلف المجتمع، وتخلف المرأة في نفس الوقت.

8 ـ الحرص على إعطاء الأولوية لتشغيل المرأة، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يساهم اشتغالها في التحرر من تبعيتها للأسرة، وللرجل، على حد سواء، وحتى تساهم، بشكل كبير، في النمو المتعدد الأبعاد، ومن أجل أن تبرهن عن قدراتها المختلفة، وعن أبعادها المتعددة في المجالات الإبداعية، مما يجعلها لا تقل أهمية، لا على المستوى العضلي، ولا على المستوى الذهني، ولا على مستوى الإبداعات الفكرية، والعلمية، والتقنية، والأدبية، التي قد تنال فيها المرأة شأنا عظيما، يتجاوز ما يمكن أن يساهم به الرجل.

ولذلك، فالحرص على إعطاء الأولوية لتشغيل المرأة، لا يمكن أن يعبر إلا عن الحرص على مساهمة المرأة، بشكل فعال، في المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تحول دون قبول التخلف، كمسلمة ناجمة عن الحكم، على نصف المجتمع، بالتعطيل، وعدم القدرة على العطاء، والعجز التام عن التضحية، من أجل المجتمع.

وهكذا، نجد أنه لكي يصير تحرير المرأة جزءا لا يتجزأ من تحرير المجتمع، لا بد من تحطيم قيود العادات، والتقاليد، والأعراف، وتحطيم قيود أدلجة الدين الإسلامي، المعادية للمرأة، مهما كانت هذه المرأة، التي تعتبر في نظرها عورة، يجب أن تستتر، وأن تختفي خلف الأسوار، وأن تتقبل دونيتها، باعتبارها قدرا، ومجالا مستهدفا، بما يسمونه بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتحطيم تجاوزه، بالعمل على تمكين المرأة من المساهمة في كافة أشكال النمو، التي تقتضيها شروط الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتحطيم قيود امتهان الكرامة الإنسانية، بما فيها قيود امتهان كرامة المرأة، بالحرص على تمتيع جميع أفراد المجتمع، وتمتيع المرأة، بالخصوص، بكافة الحقوق، بما فيها تلك الواردة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، كما أشرنا إلى ذلك، والعمل على فرض التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي تقتضيه الشروط الجديدة، والمتحولة باستمرار، لضمان استمرار التقدم، والتطور، إلى مالا نهاية، والعمل على جعل الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، واحترام الكرامة الإنسانية، من سمات التقدم، والتطور، الذي نسعى إليه في حياتنا الفردية، والجماعية على السواء، وفي حياة المرأة، أيضا، والحرص على ملاءمة كافة القوانين المعمول بها، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حتى تصير القوانين معبرا لتمتيع جميع أفراد المجتمع، بكافة حقوقهم، بما في ذلك المرأة، التي تصير متمتعة بحقوقها العامة، والخاصة، والحرص على إعطاء الأولوية لتشغيل المرأة في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يساهم اشتغالها في عملية البناء المجتمعي، في جميع المجالات. وهذه الأولويات، هي التي تعبر على أن تحرير المرأة، جزء لا يتجزأ من تحرير المجتمع.

وتحرير المرأة، كذلك، يقتضي تحرير الرجل من عقلية التخلف، التي تسيطر على سلوكه، والتي تحوله إلى منظومة من العقد، التي تحول دون قبوله بتحرير المرأة، التي يعتبر نفسه أحسن منها، وأعلى منها. فهو السيد، وهي الأمة، وهو الرجل، وهي المرأة، وهو البريء من كل العورات، وهي العورة، وهو الذي لا عيب فيه، حتى وإن كان يتصف بكل العيوب، وهي العيب كله، حتى وإن كانت خالية من كل العيوب، مما يجعل الرجل كالجمل، يحمل ذروته على ظهره، ولا تستطيع المرأة أن ترقى إليه، مهما كانت هذه المرأة، وهو المسلم، وهي مسلمة بالتبعية له، وهو الإنسان، وهي الفاقدة لقيم الإنسانية، حتى وإن كانت مصدرا لها، وهو المؤدلج للدين الإسلامي، وهي المستهدفة بتضليل تلك الأدلجة، وهو صاحب الرأي، وهي لا رأي لها، فيما يري في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ورجل كله عقد، وكل عقده لا تعبر إلا عن تخلفه، لا يمكن أن يعمل على تحرير المرأة، مهما كانت هذه المرأة: أما، أو أختا، أو زوجة، أو بنتا؛ لأنه يتعامل معها كمتاع، يجب التمتع به، ويجب استغلال تمتعه بها، لامتهان كرامتها الإنسانية، التي لا تقدر بثمن.

ولذلك، فالمرأة لا يمكنها أن تتحرر، إلا إذا تحرر الرجل، من كل القيود، والعقد، التي تجعله لا يرى في نفسه إلا رجلا يتمتع بالمرأة، ولا يرى في المرأة إلا جسدا صالحا للمتعة، مهما كان هذا الجسد مضحيا من أجل كرامة الرجل، ومن أجل كرامة المرأة، ومن أجل كرامة المجتمع ككل. ولتحرير الرجل من كل القيود، والعقد النفسية، التي تحول دون عمله، على التعاطي مع تحرير المرأة، وقبوله بذلك التحرير، فإن عليه:

1 ـ أن يتحرر من نرجسيته الذكورية، التي تجعله يعتبر نفسه متفوقا على المرأة، وسيدا لها، ويجب أن تكون رهن إشارته، وفي خدمته، بحكم الطبيعة، وبحكم القانون، وبحكم ما يسمونه ب{الشريعة الإسلامية}، وبحكم العادات، والتقاليد، والأعراف، وغيرها، مما لا يمكن القبول به في مجتمع متحرر.

وتحطيم نرجسية الذات الذكورية، يعتبر مسألة أساسية في عملية تحويل الرجل إلى إنسان. فالرجل رجل، مهما كان، ولكنه، في نفس الوقت، يطلب منه أن يتحلى بالقيم الإنسانية، التي يمكن أن تتحلى بها المرأة أيضا، لتصير المساواة بين الجنسين مكتسبة، نظرا؛ لأن الإنسان، لا يصير كذلك، إلا لكونه يتطور. وتطوره يقتضي العمل على تجاوز كل المعيقات، التي تشدنا إلى التخلف، ومنها سيطرة نرجسية الذكورة على وجدان الرجل، وعلى فكره، وعلى ممارسته تجاه الواقع بصفة عامة، وتجاه المرأة بصفة خاصة. وهو ما يجعل التحرر من النرجسية الذكورية، مدخلا لاحترام المرأة، ولحفظ مكانتها في الأسرة، وفي المجتمع، وكشريكة في الحياة الأسرية: كأم، وكأخت، وكزوجة، وكبنت، والعمل على استحضار إنسانيتها، والعمل، كذلك، على تمتيعها بكافة الحقوق الإنسانية العامة، والخاصة بالنوع، حتى يساهم في حفظ كرامتها؛ لأن كرامة المرأة، من كرامة الرجل، وكرامتهما معا، من كرامة المجتمع ككل.

2 ـ أن يصير متحررا من أدلجة الدين الإسلامي، التي تنظر إلى المرأة، والرجل على حد سواء، نظرة دونية، وتفرض قيام الرجل، بتكريس دونية المرأة، والرجل، والمرأة معا، مستهدفان بالتضليل.

والتضليل وسيلة لإعادة صياغة قيم أدلجة الدين الإسلامي، انطلاقا من التأويلات الأيديولوجية، التي يمارسها مؤدلجو الدين الإسلامي، حتى يقدموا للمومنين بالدين الإسلامي، أدلجة الدين الإسلامي، على أنها هي الدين الإسلامي، ليزدادوا، بذلك، ابتعادا عن حقيقة الدين الإسلامي، ليصيروا أكثر قربا من الرؤى الإرهابية، التي تحول مؤدلجو الدين الإسلامي، على أساسها، إلى أدوات إرهابية للمجتمع بصفة عامة، وللمرأة بصفة خاصة.

وانطلاقا من إرهاب المجتمع، وإرهاب المرأة، يعمل مؤدلجو الدين الإسلامي، على تنميط الرجال، وتنميط النساء، على السواء، حتى يقوم التشابه بين الرجال من جهة، وبين النساء من جهة أخرى، مما يجعل عملية التنميط، تلك، ممارسة إرهابية حادة، بتحويلها إلى مقياس للإيمان، والكفر، المعتمدة في تكفير المخالفات، والمخالفين، الرافضات، والرافضين لعملية التنميط، التي فرضها مؤدلجو الدين الإسلامي، لتناقضها مع التحرير، الذي يسعى إليه الرجل، وتسعى إليه المرأة، والتي لا تتجاوز إعادة استعباد الرجل، والمرأة، وفق تصور مؤدلجي الدين الإسلامي، لعملية إعادة استعباد المجتمع ككل.

3 ـ أن يصير متشبعا بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، في كونيتها، وفي شموليتها، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ لأنه إذا لم يكن متشبعا بحقوق الإنسان، ومقتنعا بها، لا يمكن أن يعترف للمرأة بحقوقها، ولا يمكن أن يسعى إلى تحريرها من كل القيود، التي تحول دون تقدمها، وتطورها، حتى يصير الرجل، والمرأة معا، متشبعين بحقوق الإنسان، على أساس أن:

ا ـ الجمعيات الحقوقية، يجب أن تقوم بدورها، في إشاعة حقوق الإنسان، وفي التعريف بكافة الحقوق الإنسانية: العامة، والخاصة، والتربية عليها في صفوف الأطفال، والشباب، والكبار، ذكورا، وإناثا، حتى تصير حقوق الإنسان، في الواقع، كالماء، والهواء، في متناول الجميع، على مستوى الفكر، وعلى مستوى الممارسة.

ب ـ البرامج الدراسية، التي يجب ان تتضمن فقرات عن حقوق الإنسان، في كل المواد الدراسية، بالإضافة إلى تدريسها، والتربة عليها، كمادة متخصصة، لإعداد الأجيال الصاعدة على احترام حقوق الإنسان، والتربية عليها، واحترامها في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما في ذلك الحقوق الإنسانية للمرأة.

ج ـ البرامج الإعلامية، التي يجب أن تعرف بحقوق الإنسان، وأن تعمل على إشاعتها، عبر وسائل الإعلام المرئية / المسموعة، والمسموعة، والمقروءة، والإليكترونية، حتى يصير جميع أفراد المجتمع، متشبعين بحقوق الإنسان، كما يتم بثها في وسائل الإعلام المذكورة، وأن يعملوا جميعا على التعريف بها، وتمثلها.

د ـ القوانين المعمول بها، يجب أن تصير متلائمة، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، حتى تصير القوانين وسيلة لتمكين جميع أفراد المجتمع، من كافة الحقوق.

ه ـ الدستور الديمقراطي / الشعبي، الذي يجب أن يقر حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يصير، ذلك الإقرار، وسيلة، ومنطلقا لملاءمة كل القوانين المعمول بها، مع تلك الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المذكورة، من أجل أن تصير الملاءمة في خدمة الشعب، ولإعداد قوانين جديدة متلائمة معها.

و ـ إعداد مؤسسات الدولة، والمؤسسات الجماعية، وبناء الأحزاب، والنقابات، على أساس احترام حقوق الإنسان، حتى تصير كل المؤسسات المذكورة، في خدمة حقوق الإنسان.

ومعلوم: أن تحرير الرجل من نرجسية الذكورية، ومن أدلجة الدين الإسلامي، وجعله متشبعا بحقوق الإنسان، لا بد أن يعمل على القبول بتحرير المرأة، وبأن المرأة مساوية للرجل، وأنهما في خدمة المجتمع، الذي يتمتع، جميع أفراده، بكافة الحقوق.

وتحرير الرجل، والمرأة، معا، رهينان بتحرير المجتمع، الذي يقتضي الانعتاق من أسر العبودية، ومن أسر أدلجة الدين الإسلامي، ومن أسر العادات، والتقاليد، والأعراف:

1 ـ فأسر العبودية، يجعل جميع أفراد المجتمع، خاضعين لإرادة الأسياد، الذين يوظفون النساء، والرجال، على السواء، لخدمة مصالحهم، ولا يستطيع أي فرد الخروج عن إرادة الأسياد، وإلا، فإن جميع أفراد المجتمع، سيعانون من ويلات الأسياد، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل التنكيل بالمستعبدين، الذين من واجبهم التخلص من عبوديتهم، بكافة الوسائل، من أجل العمل على إزالة الأسباب، التي تقف وراء تكريس العبودية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تتحطم كل القيود، التي تحول دون تحرير المجتمع، الذي يعتبر شرطا للتمتع بكافة الحقوق الإنسانية، ولتحقيق الديمقراطية، بمضامينها المختلفة، ولتحقيق العدالة الاجتماعية، ولتمكين كل فرد، رجلا كان، أو امرأة، من كرامته الإنسانية، ليصير المجتمع، بذلك، متحررا، حتى يضمن تحرير المرأة، والرجل، تبعا لتحرير المجتمع، الذي صار يدوس عبوديته، ويتخلص من مستعبديه.

وأسر أدلجة الدين الإسلامي، الذي يعاني منه المجتمع، ناجم عن قيام مؤدلجي الدين الإسلامي، بتوظيف الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، بالقيام بتأويلات النصوص الدينية، وتحميلها معاني، لا علاقة لها بها، على أساس أن المؤدلجين، هم وحدهم الذين يستطيعون إدراك كنه الدين الإسلامي، وهم الذين يبلغون ما يؤولونه إلى كافة المومنين بالدين الإسلامي، باعتبارهم أوصياء عليه، وباعتبارهم نوابا عن الله في الأرض، يحكمون باسمه، ويعتبرون ما يقومون به في حق المسلمين، تطبيقا للشريعة الإسلامية. ومعلوم أن التحرر من أدلجة الدين الإسلامي، يعتبر مسألة صعبة، خاصة وأن المستهدفين بها، لا يميزون بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، لا من الدين الإسلامي؛ لأن التمييز بينهما شرط، في العمل من أجل التحرير من أدلجة الدين الإسلامي، لا من الدين الإسلامي، الذي يعتبر معتقدا، كباقي المعتقدات، والإيمان به شأن فردي، ولا نستطيع منع الأفراد من الإيمان به، الذي يعتبر حقا من الحقوق الإنسانية، ولكن أدلجته تحوله إلى شأن عام، والشأن العام، هو المشترك بين الناس جميعا، بما يختارونه، أو يفرض عليهم، ولكن المومنين بالدين الإسلامي، لا يمكن أن يختاروا أدلجة دينهم. وتحريفه، لتحقيق أغراض اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية. وهو ما يتنافى مع روح الدين الإسلامي، وروح ما ورد في القرءان: {وأمرهم شورى بينهم}، أي أن الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لا علاقة لها بالدين الإسلامي، بقدر ما لها علاقة بما هو مشترك ين جميع أفراد المجتمع، الذين ينشئون هيئآت معينة، لتدبير شؤونهم المشتركة، بعيدا عن الدين الإسلامي، الذي يمدنا، من خلال تمعننا في النصوص الدينية، بالقيم النبيلة.

فالتفريق بين الدين الإسلامي، المنزه عن الأدلجة، وعن الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، أصبح شرطا للإيمان بالدين الإسلامي، وإلا، فإنه بسبب التضليل الأيديولوجي، والسياسي، يصبح المسلم مومنا بشيء اسمه الدين الإسلامي، وهو ليس بالدين الإسلامي، وإلان فإن من يدعي أنه يومن بالدين الإسلامي، لا يمكن اعتباره كذلك، وهو ما يعني ضرورة الوعي بخطورة أدلجة الدين الإسلامي، على سلامة الإيمان بالدين الإسلامي، والعمل على مواجهة المؤدلجين، الذين يعبثون بالدين الإسلامي، لخدمة مصالحهم، في أفق الوصول إلى الحكم، والشروع في تطبيق ما يسمونه ب {الشريعة الإسلامية}، سعيا إلى التخلص منهم، وبصفة نهائية، لجعل واقع المسلمين، بعيدا عن أدلجة الدين الإسلامي، وجعل الإيمان بالدين الإسلامي خالصا، حتى يصير ما لله لله، وما للبشر للبشر.

وأسر العادات، والتقاليد، والأعراف، يعني الوقوع تحت طائلتها، والتقيد بما تقتضيه، لتجنب لفت انتباه أفراد المجتمع الشديد، والانتباه بما يقوم به كل فرد في إطار ما تعودوا عليه، وما يعيدون إنتاجه، من تقاليد، وما تعارفوا على فعله في الواقع؛ لأنه، إذا كان هناك شيء يميز العادات، والتقاليد، والأعراف، هو أنها:

أولا: تعيد إنتاج نفس القيم الضاربة في القدم، لإعادة إنتاج نفس الممارسات، التي يكرسها الناس باستمرار، سواء كانت صالحة، أو غير صالحة، مما يجعل قيم المجتمع، تقوم بدور كبير، في عملية الجمود الفكري، والعقائدي، وانعدام، أو بطء تحول الواقع، الذي يعيشه الناس، وجعل عملية التطور، والتقدم، غير واردة، أبدا، وإذا حصلت، فبفعل الضرورة التي لا مفر منها، لتعود الأمور إلى ما كانت عليه.

ثانيا: هو أنها تقف وراء تخلف الواقع، وتقف سدا منيعا ضد أي شكل من أشكال التقدم، والتطور، مما يحولها إلى عقبة كأداء، أمام التحولات الممكنة، المعبرة عن فعل التقدم، والتطور، الذي تقتضيه الحياة، وخاصة إذا كانت مشبعة، بما يمكن تسميته: بالإسلام الشعبي.

ثالثا: اعتماد مؤدلجي الدين الإسلامي، على العادات، والتقاليد، والأعراف، في جعل أدلجة الدين الإسلامي، تنفذ إلى عمق الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، باعتبارها هي المتمسكة بالعادات، والتقاليد، والأعراف، التي تتحول، بفعل أدلجة الدين الإسلامي، إلى قوة تضاعف التمسك بها، وإعادة إنتاجها، وبطريقة أكثر تخلفا، لتصير خير وسيلة لتضليل الكادحين، بأدلجة الدين الإسلامي، الذي يجعلهم قابلين بكل شيء، مهما كان متخلفا، في سبيل نشر {الدين الإسلامي}، الذي ليس إلا أدلجة الدين الإسلامي، التي تنتشر في المجتمع، انتشار السرطان في الجسد.

وهكذا، يتبين أن أسر العبودية، وأسر أدلجة الدين الإسلامي، واسر العادات، والتقاليد، والأعراف، ما هي إلا سدود، تحول دون تحرير المجتمع، بما فيه الرجل، والمرأة. وهو ما يعني ضرورة توظيف كافة الإمكانيات، للتخلص من العبودية، ومن أدلجة الدين الإسلامي، في أفق إحداث تحول عميق في العادات، والتقاليد، والأعراف، حتى يتم فسح المجال أمام تحرير المجتمع، وتحرير المرأة، وتحرير الرجل، من أجل جعل التحرير شموليا، لضمان صيرورته أبديا، ومتجددا، تبعا للتجدد الذي يعرفه الواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

والتحرير في عمقه لا يعني إلا إتاحة الفرصة أمام الجميع مجتمعا ونساء ورجالا من أجل التمتع بكافة الحقوق الإنسانية على أساس المساواة بين النساء والرجال.
فتحرير المجتمع لا يتم إلا بتحريره من كافة القيود التي تحول دون تقدمه وتطوره بما في ذلك قيود العبودية والفساد والاستبداد والاستغلال وامتهان الكرامة الإنسانية وقيود أدلجة الدين الإسلامي التي تجعل كل المفاهيم محكومة في الذهان وقيد العادات والتقاليد والأعراف الجامدة فالتحرير من قيود العبودية يقتضي العمل على التخلص من الاستعباد وقيد الفساد والاستبداد يقتضي تحقيق الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وتطبيق مبدأ عدم افلات من العقاب وقيد الاستغلال يمكن التخلص منه بالعدالة الاجتماعية وقيد امتهان الكرامة الإنسانية يمكن تجاوزه بضمان كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وقيد أدلجة الدين الإسلامي يقتضي مواجهة التضليل الذي تنتجه وتوعية الناس بخطورة هذه الأدلجة وما يترتب عنها في أفق المواجهة الجماعية لمؤدلجي الدين الإسلامي وقيد العادات والتقاليد والأعراف يمكن تجاوزه بإحداث تحول عميق فيها مما يجعلها هي نفسها وسيلة للتحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي تضمن جميعها تحرير المجتمع وتحرير المرأة وتحري الرجل في نفس الوقت.
وتحرير المرأة يقتضي بالإضافة غلى ما ذكرنا إلغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة التي تضمن تمتيع المرأة بكافة الحقوق الخاصة التي تميزها عن الرجل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا خاصة وأن التمييز ضد المرأة أصبح جزءا لا يتجزأ من العادات والتقاليد والأعراف وأن أدلجة الدين الإسلامي في خطابها الذي لا يتوقف في النسيج الاجتماعي لا تنتج إلا التمييز ضد المرأة إلى درجة أن تطبيق الشريعة الإسلامية يشمل جزء كبير منه تنظيم العلاقة مع المرأة التي تعيش في نظر مؤدلجي الدين الإسلامي مجرد عورة مما يؤدي بالضرورة إلى تكريس دونيتها وغلى تعميق تلك الدونية وكأن الرجل غير معني بغض البصر وكأنه مجرد حيوان مفترس يفترس ضحاياه في الشارع العام كلما واتته الفرصة وقد كان المفروض أن يتم توعية النساء والرجال على السواء بكل الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وباتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وبالتربية على المضامين المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية حتى تتحقق المساواة بصفة تلقائية بين النساء والرجال.

فتحرير المرأة إذن يعتبر جزءا لا يتجزأ من تحرير المجتمع وتحرير المرأة كذلك يقتضي تحرير الرجل من عقلية التخلف ومن كل العقد النفسية التي تتملكه تجاه المرأة وتحرير المجتمع وتحرير المرأة والرجل معا يقتضي الانعتاق من أسر العبودية ومن أسر أدلجة الدين الإسلامي ومن اسر العادات والتقاليد والأعراف والتحرير في عمقه لا يعني إلا إتاحة الفرصة أمام الجميع مجتمعا ونساء ورجالا من ال التمتع بكافة الحقوق الإنسانية على اساس المساواة الكاملة بين النساء والرجال بافضافة غلى أن تحرير المرأة لا يمكن أن يكتمل إلا بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة في المجتمع وفي كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية حتى تصير المساواة بين النساء والرجال مسألة مبدئية لا تحتاج منا إلى بذل مجهود يذكر.