المراهقة كظاهرة فيزيولوجية - اجتماعية عابرة



اسراء حميد عبد الشهيد
2018 / 3 / 1

المراهقة كظاهرة فيزيولوجية - اجتماعية عابرة

اسراء حميد عبد الشهيد

لا توجد أسرة متماسكة لم يصدمها بروز ظاهرة العناد والمشاكسة لدى بناتها او ابنائها عند دخولهن او دخولهم مرحلة المراهقة بل قد يؤدي تفاقم هذه الظاهرة الى احلال الغم والهم في الاسرة نفسها بدل السعادة والوئام وقد يخلق مشاكل اضافية لم تكن تهددها من قبل.

والمراهقة من وجهة نظر علم النفس هي مرحلة الاقتراب من النضج وليس النضج نفسه؛ لأنّه في هذه المرحلة يحدث النضج الجسمي والعقلي والنفسي للفرد دون الاكتمال الفعلي، فالنضج الكامل قد يحتاج زمناً طويلاً يمتد إلى العشر سنوات من عمره.
وتفيد بحوث متخصصة حديثة بأن سلوك التعاند لدى المراهقات والمراهقين والتي قد يصل الى درجة التمرّد والملاسنة التنازعية الاستفزازية مع الأم خاصة لدى الفتيات ومع الأب خاصة لدى الفتيان، هو حال من أحوال الوضع الذهاني المضطرب يكون التعبير عنه احيانا او ايضا (وليس حصرا) عبر سلوك التنافر والتضاد مع الشخوص المحيطة لا سيما الوالدين او احدهما خاصة. ورغم اتفاق العلماء والمحللين على انها تعكس وضعاً صعبا في كل الاحوال،ً فان آراءهم تتباين بين من يعتبرها حالة انتقالية طبيعية، ومن يعتبرها حالة مرضية تستوجب تشخيصا طبيا لمعالجتها قبل تحولها الى علة مزمنة. كما يختلفون عليها بين من يعتبرها ظاهرة واعية وإرادية بالتالي، ومن يعتبرها ظاهرة لا اراداية طارئة في الغالب.

ويمكن القول في كل الاحوال، ان فترة المراهقة هي من أخطر الفترات في التكون الفيزيولوجي النفساني للشخص الطبيعي وأشدها حساسية وتعقيدا، اذ ينتقل من مرحلة الطفولة والنضج البدني إلى مرحلة الرجولة والبلوغ البدني. وينبغي ان نأخذ مفهوم الطفولة هنا بجانبيه القانوني والطبي. فمن الناحية القانونية تعني مرحلة المراهقة الانتقال من حالة طبيعية اجتماعية يكون فيها الافراد بحاجة الى الاعتناء بهم من قبل الأشخاص البالغين في الاسرة (لا سيما الابوان او احدهما) بسبب عدم اكتمال نمو ملكاتهم العقلية والنفسية اي المعرفية والسلوكية، الى حالة القدرة على الاعتناء بأنفسهم دون مساعدة الآخرين بفضل اكتمال نمو ملكاتهم العقلية والنفسية اي المعرفية والسلوكية. أي أنّ المراهقة وكذلك الطفولة والبلوغ هي فئة اجتماعية ايضا، وليست مجرد طبيعةٍ بشرية. وهو تعريف تعتمده منظمة اليونيسيف بجعلها الطفولة باعتبارها الفترة التي يحصل فيها الأطفال على التعليم المناسب، ويمارسون فيها اللعب، في ظل بيئةٍ مفعمةٍ بالحب والدعم من البالغين بما في ذلك كلّ من عائلاتهم ومجتمعاتهم، بعيداً كل البعد عن مشاعر الخوف الناتجة عن الإيذاء والاستغلال والعنف وغيره، ما يعني ان مفهوم الطفولة أعمق بكثيرٍ من المرحلة التي يعيش فيها الإنسان بين لحظة الولادة وصولاً للبلوغ، حيث تركز على الوضع المعيشي الذي يعيش فيه الطفل، وعلى نوعية الحياة التي يمارسها خلال تلك السنوات.

اما من الناحية الطبية، فتؤكد نتائج دراسة مشتركة اجراها متخصصون امريكيين في علم الأعصاب من جامعات بيتسبرغ وبيركلي وهارفرد على وجود تغيرات دماغية في مرحلة المراهقة يتمثل في أن دماغ المراهقين "ينطفىء" خلال شجاراتهم مع أهلهم، بما أنهم لا يسمعونهم فعلاً، لا يصغون إليهم، ولا يضعون أنفسهم مكانهم، فدماغهم يُنتج مشاعر سلبية كل الوقت، ما يجعلهم غير متقبّلين أو متفهّمين للرأي الآخر.

وقامت التجربة على دعوة 32 مراهقاً ومراهقة، يبلغ معدّل عمرهم 14 سنة، إلى مختبر تصوير الدماغ، وطُلِبَ منهم التمدد في الماسح الضوئي (Scanner) وأسمعوا تسجيلَين تبلغ مدتهما معاً دقيقة واحدة، يتضمنان انتقاداً من والدة كل واحد منهم. وارتكز بحث المتخصصين على ثلاث شبكات عصبية معينة في الدماغ: المنطقة العصبية قارئة المشاعر السلبية، المنطقة العصبية المنظّمة للمشاعر، والمنطقة العصبية التي تعمل على فهم منظور الآخرين. إذ تطلعوا إلى نشاط كلٍّ منها خلال سماع المراهقين لانتقادات والداتهم.

وجاءت النتيجة أن المنطقة العصبية في الدماغ التي تقرأ وتحلّل المشاعر السلبية هي الأنشط خلال انتقاد الأم لولدها المراهق، فيما المنطقة العصبية المتعلقة بفهم منظور الآخرين كانت الأقل نشاطاً أو معدومة النشاط.

وتلاحظ دراسات اخرى ان مرحلة المراهقة تشهد حدوث كثير من التغيرات الجسمية السريعة التي تطرأ على المراهق، فسرعة النمو الجسمي أو ما يُعرف بالتدفُّق النمائي يترتب عليه العديد من المخاطر التي قد تؤذي المراهق أو من يحيطون به، وأهمها:

- فقدان التوازن النشاطي لدى المراهق، فتصدر عنه حركات عشوائية غير متّزنة؛ نتيجة النمو غير الاعتيادي لأطراف جسمه، فيصعب عليه إصابة الأهداف التي يريدها، فكأنّ ذراعيه ليست ذراعيه التي اعتاد عليها.

- عدم القدرة على ضبط الصوت؛ نتيجة عدم قدرته على التحكم بالأحبال الصوتية، فيُصبح صوته خليط من صوت الأطفال من جهة وصوت الرجال من جهة أخرى، ونبرة صوته تجمع بين الرفيع والغليظ، وهذا قد يُعرّضه لسخرية الآخرين منه، فيزيد ذلك من ارتباكه وصعوبة اجتياز المرحلة لديه.

- فقدان الانسجام العاطفي ونشوء أحاسيس مُتضاربةً غير منسجمةً، فمرّةً تظهر السعادة تغمره وابتسامته تملىء المكان، ومرّة تجد التشاؤم والحزن يُخيّم عليه فاقداً الأمل في الحياة يحتاج المعين والمنقذ الذي يقف إلى جانبه، وكلّ ذلك نتيجة التدفق الهرموني لجسمه، وازدياد إفراز الغدد الصماء في الدم.

- إحساس المراهق بالغرور، فشعوره بالقوة التي يمتلكها دفعته للشعور بأنّه أقوى ممن يحيطون به؛ أقوى من الأم والأب والمدرس، وهذا الأمر له مخاطره؛ فهو يدفعه للدخول في مشاجراتٍ ومُصادماتٍ يظن أنَّه الأقوى فيها وأنّه الغالب وبدون منازع، فلا يلبث أن يكتشف عكس ذلك، وأنّه بالغ في تقديره للأمور.

- ظهور الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المُتطرّفة مع أفراد أسرته؛ كالغضب، والعناد، وسوء في الطبع، والمشاجرة المستمرّة مع الأخوة.

وحول كيفية التعامل مع المراهق العنيد تفيد الدراسات بان المراهق يواجه في فترة المراهقة أصعب فترةٍ زمنيةٍ تعترضه، فيها التغيرات الجسمية والنفسية والسلوكية وغيرها الكثير من التغيرات، فإذا أحسن الوالدان التعامل مع الأبناء في هذه المرحلة، فستنتهي بأفضل النتائج، وهي الشخصية المستقلّة الخالية من الأمراض النفسية، وإن تعامل الوالدان مع المرحلة بجهلٍ؛ كوّنت فيما بعد مراهقاً يتصف بالعدوانية والعناد، وعدم التصالح مع الذات، ومن النصائح التي تُعين الوالدين على تخطي هذه المرحلة بنجاح ما يلي:

- تفهُّم احتياجات المراهق بصورة علميّة، والإحاطة الكاملة بظروف هذه المرحلة وما يعتريها من تغيُّرات، وينعكس ذلك على مساندة المراهق والوقوف إلى جانبه، وليس ضده فيما يصدر عنه من تصرُّفاتٍ قد تبدو غريبة لغيره.
- استخدام الحزم في التعامل، والبعد عن القسوة التي قد تظهر في كلام الوالدين أو على ملامح وجوههم.
- اعتماد اسلوب الحوار بين الوالدين والمراهق العنيد، وتجنب إصدار الأوامر والنواهي؛ فهي تُشعرهُ بعدم تقدير ذاته، وإهانتهِ والاستخفاف بقدراتهِ العقلية.
- البعد عن مناقشة المراهق وقت الغضب؛ فالانفعالات الشديدة تجعل الإنسان يفقد القدرة على إصدار الأحكام المناسبة، أو التفكير بحياديةٍ واتزانٍ، وتجعله غير قابل لاستقبال النصائح من الآخرين.
- مصاحبة المراهق والإنصات إليه، وبيان أهميته لدى الوالدين وأنَّ شؤونه واهتماماته هي في المقام الأول لديهم، وأنَّ هدفهم سعادته وراحته.
- تهيئة ذات المراهق؛ وذلك من خلال إخضاعه لتجربةٍ تكون الفارقة في حياته، وتُساعده على تكوين شخصيتهِ وصقلها؛ كإرسالهِ مع مجموعة من الشباب في رحلةٍ بريةٍ يواجهون قسوة العيش، ويبتعدون عن التنعّم المعتاد، ويتّخذون قراراتهم بأنفسهم.
- منح المراهق شيئاً من الخصوصية في هذه المرحلة، وإشعاره بالاستقلالية؛ من خلال إعطائه مصروفه بشكلٍ أسبوعي أو شهري، أو الاعتماد عليه في بعض الأعمال؛ كتكليفه بشراء حاجات ومتطلّبات البيت.

وأخيراً، إنَّ من المهم إبعاد الأبناء في مرحلة مراهقتهم عن القلق والتوتر والخوف. فقد أُجريت دراسة على مجموعة من المراهقين، كان الهدف منها بيان العلاقة بين الذكريات السلبية لدى المراهق وشعوره بالقلق تجاه أحداثٍ معينةٍ، وبين الاكتئاب لديهم، وكانت نتائج الدراسة وجود علاقة ارتباطية قوية بين القلق والاكتئاب لدى المراهقين، فالمراهقون الذين كانت لديهم درجاتٍ عاليةٍ في القلق، حصلوا أيضاً على الدرجات العالية في الاكتئاب.

نستنتج من كل ما تقدم، ان عناد أبنائنا المراهقين هو ظاهرة فيزيولوجية - اجتماعية خطيرة على وضعهم ومستقبلهم الا انها ظاهرة يمكن ان تكون عابرة اذا جرى التعامل معها بعناية وصبر وتفهم مستديم دون اغفال بالطبع انَّ إشغال وقت الفراغ لدى المراهق يُعدّ مشكلةً كبيرةً على الوالدين مراعاتها والاهتمام بها. بيد ان تنظيم وقت الفراغ لإشباع رغبات المراهق وانفعالاتهِ، واستغلال طاقاتهِ المختلفة هو أسلوبٌ ناجحٌ في التعامل مع هذه المرحلة، وبالتالي يُصبح استغلال الوقت وسيلةً للتقدُّم بدلاً من أن يكون الفراغ مشكلة يعاني منها المراهق وتنعكس بنتائجها السلبية على اسرته.