المرأة معلمة الإنسان



انطلاق الرحبي
2006 / 3 / 9

إلى معلمتي وأمي الروحية: Inga-Clara Lepke*1

إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين* ذرية بعضها من بعض والله سميعٌ عليم*.ءال عمران 33-34
إذ قالت امرأت عمران ربِّ إني نذرت لك مافي بطني محرراً فتقبل مني، إنك أنت السميع العليم* فلماوضعتها قالت ربّ إني وضعتها أُنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعذيها بك وذريتها من الشيطان الرجيم* فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب*.35- 36-37 آل عمران.
وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين* يامريم اقنتي واسجدي واركعي مع الراكعين*. 42-43 آل عمران.
.
وقلنا يآءَادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين* فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين* فتلقى ءَادم من ربه كلمات فتاب عليه. إنه هو التواب الرحيم* قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون*.البقرة 35- 38.
ويآءَادم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين* فوسوس لها الشيطان ليبدي لهما ماووري عنهما من سوءاتهما وقال مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وقاسمهما إنّي لكما لمن الناصحين* فدلاّهما بغرور. فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدوٌ مبينٌ* قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين* قال اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين* .19-24 الأعراف.
فقلنا يآءَادم إنّ هذا عدوٌّ لك ولزوجك فلا يُخرِجَنَّكُما من الجنَّة فتشقى* إنَّ لك ألاَّ تجوع فيها ولاتعرى* وأنُّك لاتظمؤُا فيها ولاتضحى* فوسوس أليه الشيطان قال يآءَادم هل أدُلُّكَ على شجرة الخُلْدِ ومُلْكٍ لايَبْلَى* فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ءَادم ربَّهُ فغوى* ثُمَّ اجتباه ربُّهُ فتاب عليه وهدى* قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدوٌّ فإمّا يأتينَّكم مِّنّي هدًى فمن اتَّبَعَ هُداي فلا يضلُّ ولايشقى*. 117-123 طه.
(إنني أنا أيزيس .عاهلة البلاد جميعا، لقد تعلمت على يد هرمز وابتدعت مع هرمز الكتابة الشعبية حتى لايكتب كل شيء بحروف واحدة. لقد سننت للناس القوانين، وأبرمت مالايستطيع البشر نقضه، وإنني كبرى بنات كرونوس، إنني زوج الملك أوزيريس وأخته، إنني أنا التي تشرق في نجمة الكلب، إنني أنا التي يسميها النساء ( ربّه) واخترعت الملاحة... وعقدت بين الرجل والمرأة... وقضيت بأن يحب الأبناء آباءهم، لقد وضعت مع أخي أوزيريس حداً لأكل البشر، وأريت الناس الأسرار الخافية... لقد أدلت دول الطغاة، وحملت الرجال على حب النساء، وجعلت العدالة أقوى من الذهب والفضة وقضيت بأن يرى الناس الحق جميلاً).ادولف إرمان: ديانة مصر القديمة ص559-560 .
أحبتي إنَّ الحديث عن المرأة – الأنثى هو هوالحديث عن قصة هذا الكائن الحي ابن الوجود المادي وربه التي شاءت الإرادة الإلهية أن يكون خليفتها على الأرض وبما أنه ابن هذه الطبيعة المادية أي جبل من عناصرها ( من تراب) كما يقول القرآن أي إنه وجودٌ ماديٌ طبيعيٌ تعمل في كينونته قوانين الطبيعة المادية (السنة والجعل) السيرورة والصيرورة أي قوانين التطوروالإنتخاب الطبيعي فكان وجوده الأول بشراً حيواناً من الثديات وهو نوع متميز بذاته لم يأتي من فصيلة القرود أو أي فصيلة أخرى هو إنتخاب طبيعي (خلق) وفق القوانين المودعة في الطبيعة المادية التي خلقها الله جلت قدرته فالخلق في اللسان العربي المبين تدل على تقدير الشيء إختلاق الشيء إختراعه وتقديره، التصميم بلغة الحاضروهو مايدل على قانون الإنتخاب الطبيعي في الأشياء . فكان نفساً واحدةً (خَلَقَ منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً). ففي هذه المرحلة لم يكن هذا الكائن الحي ( البشر) شيئا مذكورا أي ليس له وجودا معرفيا متميزا فعاش ملايين السنين دون أن يترك أثراً أو معلماً حضارياً سوى بعض الرسوم وهي ميزته الأساسية فمعنى أن ترسم إنك تحاكي الطبيعة في خلقها ولانعرف مَنْ مِنَ الإثنين الذي رسم أولاً الذكر أم الأنثى ومَنْ عَلَّمَ الآخر،الرسومات المكتشفة تحمل الإمكانيتين، ولكن دور كل من الذكر والأنثى يعطينا صورة عن الطبيعة والمميزات الذاتية لكل منهما فماهو دور الأنثى- المرأة الطبيعي الأولي( الوجودي) الحمل والرعاية والتعليم تلك هي السمات الرئيسية التي تم إنتخابها طبيعياً أي ذاتياً للأنثى – المرأة أما الرجل- الذكر فدوره كان الإخصاب والخدمة ( توفير الطعام وذلك بممارسة صيد الحيوان) وهي مهمة مشتركة عندما لاتكون الأنثى حاملاً ، فهو قد أنتخب طبيعياً لأداء هذه الوظيفة فهي ميزته الذاتية ( الإخصاب) وخدمة الأنثى – المرأة ولهذا لم نجد في واقع الحياة البشرية علاقة جنسية مباشرة بين الذكر الإبن وأمه في بداية وجوده وهو هو ماأثبته القرآن العظيم عندما تحدث عن نكاح المحارم فبدأ التحريم بالأم ( حرمت عليكم أمهاتكم...) والحرام كما ذكرت هو المنع والتشديد فكان ذلك ذاتياً بين الذكر وأمه وهو مانجده في الكثير من الثديات من غير البشر أيضاً. ومن هذه الوظيفة الذاتية استنتج علماء الأنثربولوجيا أن بداية المجتمع البشري كان إنثويا ً أي الأم هي التي حددت طبيعة التجمع البشري وكانت الربة الأولى للبشرالذكر وهو صحيح . وهذه الميزات الذاتية لكل من الأنثى والذكر هي التي تحدد دورهما في عملية الإنتقال إلى مرحلة الإنسان أي البشر الذي تَمَلَّكَ الوجود المعرفي والذي إكتسبه في خط (السنة والجعل) الذاتيين أي السيرورة الصيرورة في وجوده المادي وهذه الوحدة الوجودية للوجودين المادي والمعرفي هي هي التي سميت( نفخة الروح) وبها صار البشر إنسانا خالقاً مبدعاً عالماً وبها إستحق وسام الخلافة من رب العالمين على الأرض أمه الطبيعية التي خلق منها. فكانت أول تجربة خاضها الإنسان ( البشر الجديد الذي نفخت في الروح) لمعرفة ذاته (وجوده المعرفي)هي كيفية عمل الحد المعرفي الفاصل بين طرفي التناقض في وجوده المعرفي الجديد ( الملائكة- الشيطان) والذي سميتهما (المستوى الإنجذابي و المستوى الإنتباذي) فكانت التجربة الممارسية الأولى والذي فَصَّلًها القرآن العظيم في الإستشهادات الثلاثة التي أخترتها أعلاه*2. القول اليك يابن ءَادم فأرجو أن تصبر معي لما ستسمعه مني فقد لايرضيك وترفضه ولكني أدعوك أن تصغي لقلبك وما فوق ذلك أي أن تقرأ بعين إنسانيتك وليس بشريتك، لعلك تصل إلى ماكنت فيه وضيعته بإرادتك رغم توسل زوجك ولكنك فوَّت الفرصة على نفسك في المرة الأولى وها أنت تكررها ملايين بل مليارات المرات والخاسر الوحيد هو أنت لأن زوجك الأنثى إختارت الخلود في سكنها الجنة أما أنت فأخلدت إلى الأرض وهو ما أدعوك إليه أن تقرأه معي، الحقيقة التي قلبتها إلى نقيضها بقراءتك الذكورية كيف لا وهي تثبت وبالبرهان الساطع أن الذي هبط وهوى وضل وشقى وعصى وغوى هو أنت ولكنها الأنانية والضعف الذاتي والغيرة من الزوج الصابر والصامد والقوي الذي إستحق التكريم وطيب الإقامة في سكنه الجنَّة وانت المحروم منها هذا هو السرالذي ستكتشفه في هذه القراءة للحقيقة التي غيبتها قروناً طويلة ولكن الله بالغ أمره وهو أرحم الراحمين. لاأدعي إمتلاكي للحقيقة لكنها القراءة ونتائجها عندي وقد تكون غير ذلك عند الآخرين وهي هي حياة المعرفة لاتهدأ ولاتركن على قول واحد أحد بل هي هي في سيرورةٍ وصيرورةٍ دائميتين.
فنقرأ في الآيتين 33-34 من سورة عمران عمل قانون السنة والجعل ( السيرورة والصيرورة) في عملية الإصطفاء ( الإنتخاب) ليعطينا بداية رحلة الإنسان المعلم للعالمين وليس كما يريد البعض من تحويل هذا القانون الطبيعي إلى تمييز عنصري بين الناس إستعلاءً واستكباراً. كما هو حاصل اليوم فعلاً في حياة الناس وهو من فعل الذكور!. أي أن البشر الذي تحول وارتقى إلى مرحلة الإنسانية سيكون هو المعلم للعالمين ( البشر) بصيرورته إنساناً. وبعد ذلك مباشرة ينتقل القرآن ليكشف لنا عن طبيعة وسمات هذا المعلم وإذا به ينبأنا عن مريــــــــــم وماأدراك ما مريـــــــــم!
قال آل عمران فمن اختار منهم مريــــــــم ! لماذا ؟ من هي مريــــم وما دورها في تعليم البشر ليصير إنساناً ؟ فيجيبنا القرآن بحقيقة أولية وهي: ( ليس الذكر كالأنثى) وفي اللسان العربي تعني أن الأنثى أفضل من الذكر حسب قاعدة ( المشبه والمشبه به) فراجع. وسِمَتِها ( مريم) البيضاء البراقة( الزهراء) النور فهي كلها نور، وبعد فهي مُحَصَّنَة ( أعيذها بك وذريتها: (عيسى ابنها ) من الشيطان الرجيم) لاانتباذ في وجودها المعرفي عن مستوى الإنجذاب فهي في حالة خلود في سكنها( الجنة = المستوى الإنجذابي).
فكان القبول الحسن والإنبات الحسن والخادم نعم الخادم لها ولها فقط أفضل الذكور في زمانه الذي ارتقى إلى إنسانيته زكريا المعلم / النبي (فكفّلها زكريا) من كَفَلَ وهو الضامن ويدلُّ على تضمُّن الشَّيء للشيء. فضمنها لنفسه لتكون معلمته، وهاكم الفرق بين الوجودين المعرفيين لمريم وزكريا : كلما دخل عليها زكريا المحراب.... دقق أين يدخل زكريا إلى المحراب ( جنة مريم) مدرستها، فهي تسكن مع الرحمن في حالة ( خلود) فالخلود من خلد ومعناه الثبات والملازمة ( خالدين فيها أبدا) وليس الأبدية. وهو ما ليس عند زكريا ولهذا كان يسألها متعلماً تلميذاً يسأل أستاذه ! يامريم ( يانور) أنّى لك هذا؟ فتجيبه معلمته عن كيفية الخلود مع الرحمن : هو من عند الله ...وهنا يثبت القرآن حقيقة مريم ... إن الله يرزق من يشاء ( وأنا شئت بملىء إرادتي) بغير حساب *. حساب جاري ورصيد مفتوح على ( الأبدية)، وبعد من عجائب معلمة الناس أجمعين فهي الكمال الإنساني بأعلى درجاته وهو سر انتخابها على ( نساء العالمين ) آه ما أحقرك أيها الذكر الذي اختصرت ذلك على النساء من الناس والقرآن يقول على الآتين من الناس إلى يوم الدين ( نساء العالمين) النساء هنا من النسيء المتأخر من الناس أي الذين سيأتون بعدها فهي ستكون معلمتهم أيضاً وهذا هو سر عظمتها لأنها معلمة الأنسان في كل زمان وليس زمانها فقط كما كانوا عليه آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران فهي الوحيدة نعم الوحيدة التي إنفردت بذلك ولم يدانيها أحد في مقامها هذا سوى خاتم النبيين والرسول إلى الناس جميعاً محمد بن عبدالله معلمنا الأبدي ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً. لامبدل لكلماته. وهو السميع العليم)115 الأنعام. وهو الذي أقر لها بفضلها في قرآنه الذي لايأتيه الباطل. كان زكريا تلميذاً نجيباً في مدرستها فلم يأبى أو يتكبر أن تكون معلمته وهو أفضل ذكر/ رجل في زمانه فهو النبي/ المعلم وأنت أيها المفسر الذكر الصغير الصغير تأبى ذلك !!. هذه المقدمة اخترتها لتشكل المدخل إلى قراءة حقيقة الأنثى- المرأة في دورها الإنساني العظيم والذي اختصرته أيها الذكر بالإنجاب والرعاية فقط وأهملت عن سابق قصد وإصرار الجانب الأهم (التعليم) فضللت وشقيت!!. أعود إلى قصة أم الإنسان الأول (زوجك) هذا أسمها في القرآن وفي التوراة المرأة ( هذه تدعى امرأةً لأنها من امرءٍ أُخذت) تكوين2-22
( ودعا آدم اسم امرأته حوَّاءَ لانها امُّ كل حي) التكوين 3- 21.
القرآن لم يخبرنا عن اسم أيَّةِ امرأةٍ في جميع قصصه، الإستثناء الوحيد كان مريم فهي الوحيدة التي عرفها القرآن باسمها. امرأت العزيز، امرأت فرعون ، امرأتا نوح ولوط ، امرأت عمران أم مريم وهكذا. أعتقد أن سبب ذلك لأنها هي الأصل التي يتحدد به النوع الإنساني فكانت هي المثل للمستويين ( الإنجذابي= امرأت فرعون ومريم ، والإنتباذي= امرأتا نوح ولوط) وهو قول القرآن: ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا .....) ،( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون... ) ،( ومريم ابنت عمران......) . هي الثابت على مقام الإنسانية بالعكس من الذكر/ الرجل فهو المتحرك بين المستويين هبوطاً وعروجاً كما سنرى بعد قليل!!.
أنا اؤمن أن القرآن يمثل قراءة الوجود المعرفي للإنسان في مستواه الإنجذابي وهو الذي يؤدي إلى تبيان الحقائق الوجودية والمعرفية في الكون والمجتمع (تبيان لكل شيء) ،( قوله الحق) وعلى هذا كنت أشدد في كل ماقلته حول التفسير والمفسرين وغيرهم ممن يعتمدون على نتائج التفسير المعرفية من المؤمنين وغير المؤمنين فالنتيجة واحدة لأنهم يغرفون من بئرٍ معطلةٍ واحدة فيتيه البحث ولا يصيب حقاً ولا حقيقة. ولهذا فأنا لااؤمن بأن هناك مجازاً أوتكراراً أوتشبيهاً أوكنايةً ، لأجل الموعظة والإرشاد ليس إلا ّ ، عندي إنها قصصُُ ُحقيقيةُ ُواقعيةُ ُقرأها القلب الإنساني العظيم لمحمد بن عبدالله واستخرج منه ماتحمله من معرفة حقيقية وليست مجازاً أو تشبيهاً هذا مايقوم به الكهنة والفقهاء والمفسرين، وقد عبر القرآن عنهم زمن نوح وصراعهم ضده حين قال :( وقد أضلوا كثيراً ولاتزد الظالمين الاّضلالا) .وعلى هذا البيان فأن قصة الخلق الأول للإنسان هي قصة واقعية بكل تفاصيلها الدقيقة التي حدثت مع ءَادم وزوجه فهي خبر حقيقي عنهما. وهو ما سأحاول في قراءتي هذه تبيانه بالأدلة التي استخرجتها من اللسان العربي المبين الذي كتب فيه القرآن العظيم.
أقرأ في المقطع الأول الذي أخترته من سورة البقرة حيث تقول الآية الأولى: وقلنا يآءَادم اسكن أنت وزوجك الجَنَّة....أقرأ هذا الجزء من الآية فهي تبدأ بكلمة: وقلنا من هم الذين قالوا لاءدم والقول كما أوضحت سابقاً كلاماً يحمل معنًى بين طرفين فأين المعنى الذي يحمله القول (اسكن ، الجنَّة) أقف عند اللفظين وأعود لـ(وقلنا) بعد قليل. اسكن من سكن: أصل واحد مطّرد, يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سكن الشيء يسكن سكوناً فهو ساكن...... والسَّكْن: النار،... وإنما سميت سكناً للمعنى الأوّل، وهو أنَّ الناظر إليها يسْكُن، ويسكن إليها أهلها، ولذلك قالوا: ( آنَسُ من نار)،... 1 . أما الجنَّة فمن جنّ أصل واحد، وهو السَّتْر و التستر. فالجنَّة مايصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستور عنهم اليوم. والجنَّة البستان، وهو ذاك لأنَّ الشجربورقه يَستُر،.... والجَنَان: القلب. والمجنّة: الترسُ، وكلُّ مااستُتِربه سلاح فهو جنَّة.2 . إذن المعنى الذي يحمله القول هو السكن ضد الاضطراب والحركة أي الثبات والإطمئنان والنار أيضاً وهو حال مستور يعرفه آدم وزوجه الجنَّة أي المستوى الذي تكون النار فيه مستورة وساكنة ، لاحظ أتت معرفة أي ميزة ذاتية لكليهما وهو هوالمستوى الإنجذابي في وجودهما المعرفي الذي تملكه ءَادم قبل قليل فالآية التي قبلها ختمت القول في الوجود المعرفي الجديد للإنسان بسجود الملائكة التي تمثل جميع المستويات المعرفية التي يتضمنها المستوى الإنجذابي في وجوده العام . والتي به عرف ذاته وصار منتجاً للمعرفة.
الآية34( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لاءَدم فسجدوا ألاّ أبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين*). فهي تدلُّ على وحدة النقيضين الملائكة وإبليس الذي لم يتملكه معرفياً، من بلس : اليأس والسكوت والذي سترت عنه الحقيقة وهو معنى(من الكافرين) لأن الكفر تعني الستر والتغطية. إذن لامعرفة ولاتملك وهو نتيجةً لـ ( أبى واستكبر) أي إمتنع واستعظم في نفسه، إنها مسألة ذاتية في بنية الوجود المعرفي للإنسان نفسه. هنا سؤال يطرح نفسه أين زوجه من كل هذا لأن القصة تدور حول ءادم وجعله خليفة وهو الذي كان (يفسد فيها ويسفك الدماء) كما تقول الآية 30 . وعندما تم له ذلك أسكن هو وزوجه في الجنَّة التي يعرفاها مامعنى هذا ولماذا هو مسكوت عنه ؟! أي متى تملكت زوج ءَادم الملائكة؟. فعلى ضوء تسلسل القصة نستدلُّ إنَّه كان قبل ذلك بالضرورة أي إنها كانت قد أتمت ذلك والدور أتى على ءَادم ليلحق بها لتكتمل الصورة الإنسانية في وجودها المادي والمعرفي ولتبدأ رحلة الإنسان الخليفة في الأرض لأن يكون شيئاً مذكوراً.إعمار الأرض والنفس وليس الفساد وسفك الدماء. والجنَّة ليس مكاناً خارجياً إنها تمثل الشيء المستور وهو هو وجودهما المعرفي الذي توحد مع وجودهما المادي أي إنهما يحملاه ذاتياً وبه أصبحا إنسانين وعليه مدار عملهما وإنتاجهما المادي والمعرفي ( بناء المجتمع الإنساني في الأرض) ولهذا أتت مُعَرَّفَة أي ذاتية فهي حال ومحل وكيفية للسكن, فتأمل عظمة القرآن في نحته المعرفي الدقيق!!. ولأنها ذاتية فهي تحت مشيئتهما يتحركان فيها من مستوِ معرفي إلى آخروهو معنى :(وكلا منها رغداً حيث شئتما) ونكتة أخرى عندما يكونا في المستوى الإنجذابي يكون الخطاب لكليهما وعند العكس فالخطاب لاءَدم فقط فتأمل!!. فالأكل هو التنقُّص.3 أما رغدا فمن رغد: وهو أصلان : أحداهما أطيب العيش، والآخر خلافه. فالأول عيش رغد ورغيد، أي طيب واسع،... والأصل الآخر المرغاد: الذي تغيَّرحاله في جسمه ضعفاً، ومن ذلك المُرْغادُّ: الشّاكُّ في رأيه لايدري كيف يُصْدِرُه.4. فالأكل رغدا ( التنقُّص والذي يؤدي إلى التغير في الحال) لايخرج الإنسان في وجوده المعرفي عن مستواه الإنجذابي هو الحد المعرفي الفاصل فإن تعداه فينزلق (يهبط) إلى نقيضه الإنتباذي وهو هنا الشجرة ( ولاتقربا هذا الشجرة) فأتت معرَّفة أيضاً لأنها تمثل النقيض في بنية وجودهما المعرفي . فكيف عمل عامل الحد المعرفي بين المستويين عند كلِّ منهما؟. فماهي الشجرة من شجر: أصلان متداخلان ، يقرب بعضهما من بعض، ولايخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علو في شيء وارتفاع. 5 . وعندي الشجرة هنا للدلالة على المستوى الإنتباذي الذي عرفته لنا الآية34 السابقة وهو معنى إبليس الذي أبى واستكبرعلى النقيض من الملائكة التي سجدت لاءَدم وزوجه. وحين نطابق بين المعنيين نرى أن الشجرة تنطبق على إبليس كمفهوم معرفي. ويدلُّ على ذلك مآل القرب وهو من قرب: أصل صحيح يدلُّ على خلاف البعد. ... وتقول: ماقَرِبْتُ هذا الأمر ولا أقْرَبُه، إذا لم تُشَامَّهُ ولم تلتَبِسْ به.6 .
فتوضح لنا الآن معنى : ولاتقربا هذه الشجرة أي لاتشامّا وتلتبسا بها وإلاّ فهو الظلم وهنا تبين لنا معنى (فتكونا من الظالمين) فهل هناك شيئاً أظلم من أن تهبط بإنسانيتك والتي تعني سكن الجنة (السلام التام) مع الوجود المادي كله والتراجع القهقري إلى مستوى الفساد في الأرض وسفك الدماء !!. ومدار كل هذا التفصيل في القول هو حرية الإختيار فأنت أيها الإنسان الذي يقرر ذلك بمحض إرادته إقرأ معي ( وكلا منها رغداً حيث شئتما) وهي هي الحرية الإنسانية بأجلى معانيها!!.
ولكن تبقى مسألة مهمة وهي أين تمت ممارسة ذلك في الواقع الحي ومن الذي قََرُبَ الشجرة فكان من الظالمين ؟. هل قال القرآن شيئاً حول هذه المسألة هذا ماأحاول تبيانه في قراءتي هذه بعد قليل. أعود إلى ( وقلنا) في بداية الآية والتي جاءت معطوفة على الآية 34 التي قبلها والتي حددت إتمام ءَادم لعملية التملك المعرفي لجميع المراتب المعرفية المميزة للمستوى الإنجذابي في بنية الوجود المعرفي(سجود الملائكة) ونقيضها الإنتباذي والذي يمثله إبليس( أبى واستكبر) والنتيجة المعرفية ( فكان من الكافرين).
وقلنا: إذن تمثل لسان حال المستوى الإنجذابي في وجوده العام الذي يحمل جميع المراتب المعرفية المختلفة وهي هي التميز فكل مرتبة معرفية هي تميز للمستوى في وجوده العام ، ولهذا أتت بصيغة الجمع ( وقلنا) وهو كما حددت الكلام الحامل للمعنى . وذلك لأنَّ الكلام يدور حول كيفية صيرورة ءَادم إنساناً (جاعل في الأرض خليفة) في الآية 30 والتي بعدها.
الآية36 : فأزَلَّهُما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه....... فأزلهما كلمة عجيبة فهي ممكن أن تكون من الأصل أزل المهمزة أو الأصل زل بدون همزة فإن كانت من أزل فأصلان : الضيق والكذب. أما إذا كانت من زل فأصل مطّرد منقاسٌ في المضاعف, وكذلك في كل زاء بعدها لامٌ في الثلاثي، وهذا من عجيب الأصل. تقول: زل عن مكانه زليلاً وزَلاًّ. والماء الزٌّلال: العَذْب. لأنه يزِلّ عن ظهر اللسان لرقّته، والزلة: الخطأ، لأن المخطىء زلَّ عن نهج الصواب.....7 .
الشيطان كذلك مفردة عجيبة فهي ممكن أن تكون من شطن أصل مطرد صحيح يدل على البعد. يقال شطنت الدار تشطن شطوناً إذا غربت، ونوى شطونٌ، أي بعيدة،........وأما الشيطان فقال قوم: هو من هذا الباب، والنون فيه أصلية، فسمي بذلك لبعده عن الحق وتمرده. أو من الأصل شيط يدل على ذهاب الشيء, إما احتراقاً وإما غير ذلك.......... ومن الباب الشَّيطان: يقارب الياء فيه الواو، ويقال شاط يشيط, إذا بَطَل, وأشاط السلطان دم فلانٍ إذا أبطله....... وأخيراً من شطّ أصلان صحيحان: أحدهما البُعد، والآخر يدلُّ على الميل. فأما البعد فقولهم: شطت الدار،.... وأما الميل فالميل في الحُكم, ويجوز أن يُنقل إلى هذا الباب الاحتجاج بقوله تعالى: ( ولاتشطط)، أي لاتَمِلْ، ويقال شطَّ وأشطَّ ، وهو الجور والميل في الحكم.8 .
فأخرجهما من خرج أصلان, وقد يمكن الجمع بينهما, إلاّ أنّا سلكنا الطريق الواضح: فالأول : النفاذعن الشيء، والثاني: اختلاف لونَين.............
والخروج: خروج السحابة....... وفلان خرّيج فلانٍ، إذا يتعلَّم منه، وكأنه هو الذي أخرجه من حد الجهل. وأما الأصل الآخر: فالخَرَجُ لونان بين سوادٍ وبياض، يقال نعامة خرجاءُ.................. ومن الباب أرض مخَرَّجَة، إذا كان نَبْتُها في مكان دون مكان،................ 9 .
فلنفكر ونعقل ليتبين لنا معنى هذا القول: (فأزلَّهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه....) فكيف نقرأها ونجمع قرآنها؟!. فأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأقرأ: لقد تم الإنزلاق عن المستوى الإنجذابي ( الجنة) إلى نقيضه الإنتباذي ( الشيطان) هنا الآية تقول لنا إنهما إنزلقا من مستوى الإنجذاب ( الجنة) والتي تمثل مقام الإنسان الخليفة ( الرب)( الوجودالمعرفي) إلى مستوى الإنتباذ ( الشيطان) الوهم / الباطل والذي يمثل مقام البشر(الوجود المادي) فهبطوا لأن الهبوط من هبط وهي كلمة تدلُّ على انحدار, من مستوى أعلى إلى مستوى أدنى.وهذا التناقض بين المستويين هو الذي عبر عنه بـ ( بعضكم لبعض عدوٌ) أما لكم في الأرض وهي هي وجودكم المادي ( بشر) فأنت أيها الإنسان تحمله معك فهو بدنك وجسمك المادي وهو من الأرض وبه تجمع ( مستقرٌ) وبه تنتفع مدة عمرك في الزمن وهو معنى ( ومتاع إلى حين) في وحدة الوجودين المادي ( البشر) والمعرفي ( الإنسان) وبوحدة النقيضين المعرفيين الإنجذاب والإنتباذ فيهما. فالآية تٌقْرأُ بعين الوجود المعرفي العام في مستواه الإنجذابي لتكشف حقيقة الإنزلاق بالقراءة من الإنجذاب إلى نقيضه وأثر القراءة في مستوى الإنتباذ ( فأزلهما الشيطان) ،أي عندما تفقد القراءة التمييز في عمل الحد المعرفي الفاصل بين النقيضين. فالقراءة لم تُفَصِّلْ آلية ذلك وكيفيته فتركته لمكان أخر في سورتي الأعراف وطه. فهي قراءة في الوجود المعرفي العام.
فتلقى ءَادم من ربه كلمات فتاب عليه........... تستمر القراءة بالوجود المعرفي العام وهنا يتلقى ءَادم إنتبه ءَادم وحده كلمات والكلمات هي هي الوجود المعرفي للمادة التي يقرأها الإنسان وهو هو تملكه المعرفي لها.
هنا عودة إلى القراءة بمستواها الإنجذابي ( الإنسان) ولهذا قال ( ءَادم ) ليعلمنا أن القارىء هو الإنسان ءَادم بعد أن إنزلق بقراءته مما أدى إلى الهبوط ( الإنحدار) كما تقرر فكانت أول ممارسة تقيمية للإنسان في كشفه عن كيفية الإنزلاق بالقراءة في الممارسة العملية من موقع الإنجذاب ( كشف الحقيقة) إلى نقيضه الإنتباذ ( تغيبها) الوهم / الباطل/ الميل/ الجور/ الظلم/ البعد!!!. أين المسكوت عنها ؟! أين زوجه ؟!.
(قلنا اهبطوا منها جميعاً فإمَّا يأتينكم مني هُدًى فمن تبع هُدَاىَ فلا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون*).
هنا تخبرنا هذه الآية العظيمة عظمة صاحبتها( المرأة/ المعلمة) عن دور الزوج المسكوت عنه في القول السابق، فمازال القول ينطلق عن لسان حال الوجود المعرفي العام (قلنا) ، هنا لَحَقَت حواء بزوجها من مقامها التي لم تغادره وهو هو المستوى الإنجذابي ( الجنة) الى مستوى البشرية ( اهبطوا منها جميعاً) لتكوين السلالة الإنسانية معه بعد وعيه لذاته من جديد بقراءته للكلمات، وهي هي معرفة آلية الإنزلاق وكيفية عمل الحد المعرفي الفاصل، بوجود المعلم ( هدًى) لضمان تحقيق هذه العملية وهي هي زوجه ، فمن تبع هُداى فلا خوف عليهم من الإنزلاق مرة أخرى ولاهم يحزنون بالبحث والتصحيح والعودة من جديد( التوبة والرحمة) وهو قول يحمل إشارة واضحة إلى أبناء ءَا دم الذكور!!.
أنتقل لقراءة جديدة للحادثة العظيمة التي تمثل بداية المرحلة الإنسانية في تحول البشر الوجود المادي إلى إنسان ( بشر يحمل وجوداً معرفياً) وعيه لذاته. وهو معنى قول النبي وأهل بيته فيما رُوِيَ عنهم : من عرف نفسه عرف ربه ، أو : من عرف ربه عرف نفسه . لعلاقة التلازم المعرفي بين الإثنين. وهو هو وعي الإنسان لذاته الإنسانية الحاملة للمعرفة المنتجة للحقيقة الوجودية ( الروح) وهي منه!. أي صناعة الكلمة- الكلمات فالكون كلمات الله سبحانه!!. أقرأ في سورة الأعراف وماأدراك ماسورة الأعراف وهي تؤسس المعنى الإنسان وصيرورته خليفةً لرب العالمين !!. فتبدأ من الآية 11 إلى الآية 18 بتبيان سيرورة هذه الصيرورة المحددة البشر بانتقاله إلى إنسان، في وحدة الوجودين المادي والمعرفي وعلاقة التناقض في البنية الجديدة بين المستويين الإنجذابي والإنتباذي. ودليلي على هذا الكلام الآية 11 : ولقد خلقناكم ثُمَّ صورناكم ثُمًّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن من الساجدين*. فهناك ثلاثة مراحل( ثُمَّ) وهي هي السيرورة ليصير البشرُ إنساناً. فالمرحلة الأولى التقدير أو التصميم وهو الخلق وبعد ذلك التصوير أي التنفيذ كالمخطط الهندسي أفكار عن مشروع
التصميم في مرحلة الفكرة المخطط الأولي رسمه( خلقه) ومن ثم تجسيمه النموذج المصغر بكل تفاصيله ( تصويره ), ومن ثم التنفيذ أي جعله حقيقة وجودية قائمة البناء وهي المرحلة الأخيرة ( سجود الملائكة) التملك المعرفي إكتمال بناءه بوحدة الوجودين المادي والمعرفي!!. أنتقل إلى ألآية 19 وما بعدها فهنَّ مدار البحث وأرجأ القراءة في الآيات 11-18 إلى بحث منفرد لاحقاً. فالآية 19 معطوفة على ما قبلها والتي أختتمت بخروج إبليس من الجنّة مذءوما مدحورا وهي هي علاقة التناقض بين المستويين كما قررت. فمذءوما مدحوراً تعني الأمان من الذّمّة ومدحوراً الطرد والإبعاد وهي من دحر فله الأمان بالرغم من الطرد والإبعاد. فحرية الإختيار للإنسان بين المستويين ( الجنَّة – النّار) قرأت الجنّة في السطور أعلاه فأقرأ النّار : من نور أصل صحيح واحد يدلُّ على إضاءةٍ واضطراب وقِلّة ثبات. منه النُّور والنار، سميا بذلك من طريقة الإضاءة، ولأنَّ ذلك يكون مضطرباً سريع الحركة،... ومنه النَّوْر: نَور الشَّجر ونُوّارُه، وأنارت الشجرة: أخرجت النَّوْر.10 .
فبالرغم من تشابه الألفاظ في الآية 19 من الأعراف والآية 35 من البقرة وكلتاهما معطوفتان على ما قبلهما ولكنهما تفترقان في المعنى والدلالة لاختلاف السياقين واختلاف لسان حال القائل فآية البقرة أتت بلسان حال الوجود المعرفي العام للإنسان بوحدة جميع مراتبه المعرفية ( وجوده العام) ( وقلنا) أما هنا في آية الأعراف فأتت إخبارية عن الوجود المعرفي الكوني ( الرحمن) وليس الوجود المعرفي للإنسان أي معلم الإنسان رَبَهُ (الرحمن* علَّم القرآن* خلق الإنسان* علَّمهُ البيان). دون ( وقلنا) والتميز المهم الثاني هو ( الشجرة) فهي معرفة أيضاً ولكنها ليست هي هي في آية البقرة هنا الشجرة من شجر النّار التي تميز بها المستوى الإنتباذي في هذه القراءة الجديدة ( قال مامنعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنَاْ خيرٌ منه خلقتني( قدرتني) من نار وخلقته من طين*). فوصف لسان حاله ( من نار) وهو من الاضطراب وقلة الثبات وهي الميزة الأساسية للمستوى الإنتباذي! فالقول كله تفصيلٌ للوجود المعرفي للإنسان الجديد !!.
مسألة أخرى مهمة ينبغي أن نميز بين مستويين أو قل ظهورين للمستوى الإنتباذي في بنية الوجود المعرفي للإنسان الأول إبليس : من بلس أصل صحيح واحد. فالأصل اليأسُ، يقال أبْلَسَ إذا يَئِسَ،.... قالوا : ومن ذلك اشتُق اسم إبليس، كأنَّهُ يئس من رحمة الله .ومن هذا الباب أبْلَسَ الرَجُلُ: سَكَت،...11 . أي عندما يكون في حالة سكوت أي غير مُفَعَّلْ وحين يعمل
أي يكون مُفَعَّلاً فيكون في مستوى ( الشيطان) الوهم / الباطل / البعد، الذي وقفت عنده في السطور أعلاه. ولهذا فهو (عدوٌ مبين) والعدو: الند،الضد والمبين: تحمل الضدين الظهور والإختفاء .
أقرأ في الآية 20 : فوسوس لهما الشيطان ليبديَ ماوُرِيَ عنهما من سوءاتهما وقال مانهاكما ربُّكُما عن هذه الشجرة إلَّآ أن تكونا مَلَكَيْنِ أو تكونا من الخالدين*. وسوس: من وسّ كلمة تدلُّ على صوت غير رفيع. يقال لصوت الحلي: وسواسٌ وَهمْسُ الصَّائد وإغواء الشيطان ابن ءَادم وسواس.12 . ليبدي ليظهر واللام المتعدية ذاتية اي فعل الوسوسة والظهور ذاتي أتى من الداخل، المستوى الإنتباذي في الوجود المعرفي لهما. ماوريَ عنهما من سوءاتهما: وري بناء على غير قياس، وكلِمهُ أفراد . فالوَرْيُ: داء يداخل الجسم/ ويقال وَرِيَ جلدُه يَرِي وَرْياً. وَوَراه غيرُه يَرِيه وَرْياً.وَوَراهُ: خرجت نارُه,...13 .سوءاتهما من سوء .. إنما هي من باب القُبح . اقول رجلٌ أسوَأ, أي قبيح.... ولذلك سميت السَّيّئة سيّئة ، وسميت النار سوأى لقُبْح منظرها, وقال الله تعالى: ثمَّ كان عاقبة الذين أساءوا السُّوأى.14 .
ماذا كانت نتيجة الوسوسة لتظهر مايحملاه في وجودهما المعرفي من نار إخراج النار من سوءاتهما شجرة النار غير المفعلة الكامنة في بنية الوجود المعرفي لهما.فالقراءة تحلل النار في بنية الوجود المعرفي للإنسان وأثرها على سلوكه. فالنهي عنها بسب أثره عليهما والذي أدى إلى ظهور المستوى الإنتباذي وعمله وهو هو الإنزلاق والهبوط عن المستوى الإنجذابي وهو هنا ( أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) الملازمين للمستوى الإنجذابي.
أي أن تكونا وجوداً معرفياً خالصاً . وهذا مستحيل لأنهما وجوداً مادياً قبل كل شيء إنتقلا من مستوى البشر إلى مستوى الإنسان بعد نفخة الروح ( المعرفة) فيهما. فهو قول صادق ولهذا عبر عنه بالآية 21 : وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين*. لاحظ ليس ( من الناصحين) بل ( لمن الناصحين) أي النصح ذاتي أيضا لدلالة اللام فيها. والقسم من قسم أصلان صحيحان ، يدلُّ أحدهما على جمالٍ وحُسن، والآخر على تجزئة شيء. 15 . والنصح من نصح أصل يدلُّ على ملاءمة بين شيئين وإصلاح لهما.16 .فهو لسان حال المستوى الإنتباذي لكليهما ( إني). فهل يكذبا نفسيهما !!. بعد أن فعَّلا الكامن فيهما وأظهراه فعمل عمله وبان أثره في سلوكهما الذي سنقرأه بعد قليل. وهما هنا متساويين ليس من ميزة لأحديهما على الآخر.
الآية 22 : فدلّاهما بِغُرُورٍ. فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنَّة، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنَّ الشيطان لكما عدوُُُ ُ مبينُ ُ*.
فدلاهما من دلّ: أصلان : أحدهما إبانة الشيء بأمارة تتعلمها, والآخر اضطراب في الشيء .17 . أما غرورفمن غرو أصل صحيح , وهو يدلُّ على الإعجاب والعَجَب لحُسْن الشَّيء. من ذلك الغَرِيُّ, وهو الحَسَن،... 18 .فلما بانت لهما أماراتها وهي حقيقة وجودية يحملانها وكانت جميلة ولذيذة حسنة (الغرور)،وقد اختبراها وهو الذوق ( ذاقا الشجرة) لأنها لو لم تكن حسنة فلم يذوقا. وعند هذا المستوى والذي يؤدي إلى الاضطراب تنبها لسلوكهما وتذكرا النهي وهو ما أدى بهما الخروج مما كانا فيه أي الخروج من المستوى الإنجذابي والهبوط إلى نقيضه الإنتباذي فكيف يرجعا
إلى ماكانا عليه ؟! وماهي الأدوات المعرفية التي ستعيدهم إلى المستوى الإنجذابي مرة أخرى مستوى الإنسان الخليفة رب الأرض الجديد!!.
(وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة) فبدأت رحلة العودة الشاقة والعسيرة فمن السهولة أن تهدم ولكن من الصعوبة أن تبني فالبناء يحتاج إلى البذل والتعب والجهد والوقت فبماذا بدأوا بالخصف أصل واحد يدلُّ على اجتماع شيءٍ إلى شيء، وهو مطرد مستقيم. فالخصف خصف النعل, وهو أن يُطَبَّق عليها مثلها,...19 .
الورق: أصلان : يدلُّ أحدهما على خيرٍ ومال, وأصله ورق الشجر، والآخر على لونٍ من الألوان. الوُرْقَة: لونٌ يشبه لونَ الرَّماد،........ ويقولون: عامٌ أوْرَقُ، إذا كان جَدْباً، كأنَّ لونَ الأرض ِلونُ الرَّماد، وسمي عامُ الرَّمادَة لهذا.20 .
إذن وطفقا ظلاَّ يخصفان يرتبان ويطابقان كل مرتبةٍ إنزلقا إليها في طريق هبوطهما من الجنَّة من ورق الجنة تمييز المراتب الألوان لأنها أصبحت رمادية نتيجة الاضطراب ذوق شجرة النارلأن ذلك يكون مضطرباً سريع الحركة كما تعني النار. والمطابقة أي جمع شيءٍ إلى شيء هي هي وظيفة العقل ( ربط الأشياء بعضها ببعض) وهو أحد مكونات الوجود المعرفي للإنسان وليس كل وجوده المعرفي فهو القلب كما أوضحت في بحث الوجود المعرفي، فالعقل أحد وظائف القلب.وهو هنا كان الأداة المعرفية في وجودهما المعرفي والتي يمكن أن يهتديا بها للوصول إلى الجنَّة. فهل نجحا في ذلك؟!. وهنا جاء النداء لهما وهو يدلُّ على البعد عن ربهما معلمهما وواهب الوجود المعرفي لهما ( الرحمن) لأنهما يبغيان العودة إلى (سكن الجنَّة) وهومكانه الأبدي فهو خالد ٌهناك والتي هبطا منها بإرادتهما فتركاه وابتعدا عنه. ألم أنهكما وهي نقيض الإقتراب ( لاتقربا هذه الشجرة) تلكما الشجرة البعيدة عني وأقل: الكلام الحامل للمعنى المبين الواضح إنَّ الشيطان هو هو النقيض للجنة فكيف اتبعتموه فابتعدتم عني وهبطتم عن مستوى الإنسان الخليفة إلى مستوى البشر أي العودة القهقري إلى الوراء. قالا ربنا ظلمنا أنفسنا: مما ظهر لهما من أثر هبوطهما وهو هو الظلم أي وضع الشيء غير موضعه تعديا فقد وضعنا أنفسنا في غير موضعها الحقيقي تعدياً وهو ماأدى بنا إلى الهبوط فلنا الثقة بمغفرتك ورحمتك لنا لرغبتنا بالعودة إليك وإلاّ ( لنكونن من الخاسرين ) لاحظ اللام مرة أخرى فهي الخسارة الذاتية نتيجة اختيارنا الخاطىء. وقال اهبطوا بعضكم لبعض عدوُ ُ ولكم في الأرض مستقرُ ُ ومتاعٌ إلى حين*. اهبطوا الى مستوى الأرض على أن تدركوا علاقة التناقض في وجودكم المعرفي بين المستويين وأن تتبينوا الحد المعرفي الفاصل بينهما، لأن الأرض بالنسبة لكما تمثل حقيقة وجودكما المادي ففيها مستقركم ( جمعكم) ومتاعكم (منفعتكم وامتداد مُدّة في خيرٍ) وهو هو قانون السيرورة والصيرورة في وجودكما المادي. وأتمها بالقول في الآية 25 : قال فيها تَحْيَوْنَ وفيها تَمُوتُونَ ومنها تُخْرَجُون*. فَيَحِدَّكُم قانون (الحياة والموت) الوجود المادي، حتى تخرجوا منها وتعودوا إليَّ وجوداً معرفياً خالصاً أي وجوداً رحمانياً.
المشهد الثالث الذي اخترته بهذ الخصوص هو قول سورة طه حول قصة الإنسان الأول في الآيات 115-123. فيمهد القول في الآية 115حيث يقول: ولقد عهدنا إلى ءَادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما *. مرة أخرى الزوج مسكوت عنه ، فهل نسي عهده وكان ضعيفاً لاعزم له ؟. لا وإلاّ لقال
ذلك فالزوج ( المرأة/ الأنثى) لم تنسى ولم تضعف وهذا ماتبين لنا في المقاطع السابقة التي قرأناها. فمازال الكلام حول ءَادم في صيرورته إنساناً . من زاوية مستوى معرفي آخر ( نسيان العهد/ والضعف) فنسي ولم نجد له عزما. وهو الإنزلاق إلى المستوى الإنتباذي في وجوده المعرفي والذي يمثله ( إبليس/ الشيطان). تستمر القراءة لتصل إلى المرحلة الحاسمة في صيرورة آدم إنساناً ، قول الآية 116 : وإذ قلنا.... فـ ( وإذ) والتي أتت معطوفة على ما قبلها تعني بداية مرحلة وهي هنا بداية أخطر مرحلة في حياة البشر/ الذكر ءَادم في صيرورته إنساناً وهوهو تملكه المعرفي أي صيرورته وجوداً معرفياً مضافاً لوجوده المادي وهي النقلة العظيمة التي جعلته إنسانا وبلغة القرآن خليفتاً لرب العالمين في الأرض. فوجوده المعرفي يحمل النقيضين الملائكة التي تملكها ( سجودها له) وإبليس الذي أبى ( إمتنع) فلا تملك معرفي لأنه نقيضها !. وهو مانساه ولم يصبر على الثبات في مستوى الإنجذاب ( الجنَّة).
فقلنا يآءَدم إن هذا عدوٌّ لك ولزوجك فلا يخرجنَّكما من الجنَّةِ فتشقى *.
هل هو التكرار؟ لا فالتكرارمستحيل في القرآن! إنه قراءة تكشف عن مستوٍى آخر، دقق في عائدية الضمائر وتبين دلالاتها فالقول موجه لاءَدم بالخصوص ليتدبر أمره. الفاء أتت تعليلاً للقول فالخروج يؤدي إلى الشقاء ( فتشقى) أي يآءَدم إن لم تتخذه عدواً فيخرجك (من الجنَّة) أي أن إمكانية الخروج ( الإنتباذ) عند ءَادم أقوى وأشد والدليل العداوة مشتركه (لك ولزوجك) والذي لايتخذه عدو منكما هو الذي يخرج فيشقى فأتت (تشقى)لاءَدم فقط، لأنه يمثل الطرف الأضعف ، فالآية تبين ضرورة الحد المعرفي الفاصل بين النقيضين في بنية الوجود المعرفي في قولها ( إن هذا عدو لك ولزوجك) فبعلاقة التاقض بين الطرفين والثبات في المستوى الإنجذابي يتم ملازمة الجنة ( خالدين فيها أبدا) وبخلاف ذلك أي الإنزلاق إلى المستوى الإنتباذي يؤدي إلى الخروج فالشقاء . فالآية تفرق وبوضوح بين الطرفين الأقوى وهي هي ( زوجك) والأضعف وهو هو ءَادم ( فتشقى)!! بإقرارها إمكانية وقوع ذلك ( الخروج من الجنة). وهو ماتؤكده اللآيتان 118-119 بكشفها (لاءَدم إنتبه له وحده!) للمستويات المعرفية الضرورية للخلود في الجنة ، ( إنَّ لكَ ألاَّ تجوع فيها ولا تعرى * وأنَّك لاتظمؤا فيها ولاتضحى*). فتجوع من جوع وهي ضد الشبع، أما تعرى فمن عروي: أصلان صحيحان متباينان, يدلُّ أحدهما على ثبات وملازمة وغشيان, والآخر على خلوّ ومفارقة. 21-22 .
فإنَّ لك: هي هي حرية الإختيار، بماذا؟، بأن تشبع جميع حاجاتك ورغباتك المادية والمعرفية من مقام الإنسان الخليفة ( الجنَّة) وماذا أيضاً أن يكون ذلك دون خلوّ ومفارقة، أي يكون لك ذلك مع زوجك التي اخترت أن تشاركها( سكن الجنَّة) ، فأنت لست وحيداً في خلوتك فهي معك لاتفارقك.
وأنَّك لاتظمؤا فيها ولا تضحى*. فحاجتك الذاتية متوفرة لديك فلا عطش ولابروز منكشف لحاجاتك ورغائبك فهي مستورة وهو معنى الجنَّة, أي أنك مادمت في مقامك هذا ( الإنسان الخليفة) فلك السيطرة التامة على كل حاجاتك المادية والمعرفية ولايكون ذلك إلاّ إذا كنت ملازماً وثابتاً في مقام الجنَّة !!. النكتة المعرفية هنا أن كل هذه الحاجات والرغبات الذاتية والسيطرة عليها كانت وماتزال معرضة لفقدان السيطرة عليها من قبل ءَادم وليس زوجه! وهو ماسنراه بعد قليل، كيف فَلَتتَ زِمامُ الأمورِ من يده مما أدى إلى العصيان والغواية( وعصى ءَادم ربه فغوى). فوسوس إليه الشيطان قال هل أدُلُّكَ على شجرة الخُلْدِ ومُلْكٍ لايَبْلى. فالوسوسة إليه وحده وهو ماكان يدور في نفسه لسان حال المستوى الإنتباذي ( قال). فماذا كان يسأل نفسه بعد أن أدرك خطورة وضعه نتيجة ضعفه الذاتي والذي قرأناه تواً في الآيتين118-119 . هناك علامة أمارة على علو شأنك ومقامك وملازمتك له وهو معنى ( هل أدلك على شجرة الخلد) ، أدلك : من دلّ أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارةٍ تتعلمها, والآخر اضطرابٌ في الشيء.23 .والشجر فمن شجر وقفت عندها فهي من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن عُلُوّ في شيء وارتفاع. والخلد : من الإقامة والملازمة.
(وملك لايبلى) الملك من ملك: أصلٌ صحيح يدلُّ على قوّةٍ في الشيء وصحة.24 . إقتربنا من كشف حقيقة ماجرى !! إذن حواره مع نفسه كان ينصب على أن يجد مايميزه ويفضله عن زوجه( تسلطه عليها) فلم يجد إلاّ
قوّةَ بدنه ليرى نفسه أعلى شأناً منها !!. لاضير فالمرأة تحب الرجل القوي ليس لأنها ضعيفة بالعكس لأنها قوية وقوية جداً فهي تريده كُفُواً لها.
فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورقة الجنة. وعصى ءَادم ربَّهُ فغوى*.فالأكل كما ذكرت التنقص ومعنى القول هنا : بعد استعراض القوة والذي بدأه ءَادم ومشاركة زوجه إياه فتبين لهما والآية ترشح الزوج في هذه العملية المطابقة وهي الأداة المعرفية التي بها يُفَعِّلان الحد المعرفي الفاصل بين المستويين ويهتديان إلى طريق العودة ولكن حدث في هذه المرة أن ءَادم إفترق عن زوجه وفقد رشده وأظلم الأمرعليه وانهمك في الباطل وهو معنى ( وعصى ءَادم ربه فغوى) عصى: تدلُّ على التجمُّع والفرقة. غوى : تدلُّ على خلاف الرُّشد وإظلام الأمروالآخر على فساد في الشيء 25-26 .ولهذا اقول بأن الذي نجح في المطابقة والعودة هو هو الزوج أي ( المرأة / الأنثى ) وهنا تبين لنا لماذا الأنثى أفضل من الذكر في قول القرآن بحق مريم المعلمة الطاهرة ( إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) صدق الصادق الأمين معلمنا الأبدي محمد بن عبدالله والذي حوله التفسير الذكوري إلى رجل كلّ هَمِّه التعطر ومعاشرة النساء من الناس والغريب يرفقون قولا مع قولهم هذا ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) فقد استوقفني هذا الحديث طويلاً واليوم نعم اليوم فقط فهمت وأدركت عظمته، وقد حوله التفسير التراثي إلى سخرية ومهزلة وانتقاص عظيم من القيمة الإنسانية العظيمة لمعلمنا ، فالحديث يقول: حُبِبَ إليَّ من دُنياكم ثلاث : الطِيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة. فهم يقولون العطور والنسوان وقرة العين الصلاة فكيف يستيقم هذا المعنى فالطيب والنساء حاجة جسدية( مادية) والصلاة من الصلة بالله فهي معرفية ( روحية) كما يقال. فهل المرأة لاتمثل سوى حاجة جسدية ؟ وعند منْ ؟! هذا كان منذ ملايين السنين عندما كان البشر حيواناً متميزاً فكانت وظيفته الإخصاب ليس إلاّ ولكنه بصيرورته إنساناً عرف معنى الحب ( حب زوجه ) وهي التي علمته ذلك . فكيف يكون لمعلم الإنسان الأبدي أن يعود القهقري إلى أدنى مستوى ( البشر – الحيوان) ، بل هذا مايريده الطغاة والكهنة ومن في دائرتهم من الذكورليبرورا مايفعلون!! الذين لايملكون عقلا ً ولافكراً إلاّ ذكوريتهم وهو هو الوجود المادي( الحيواني) كما كان أسلافهم. وهوهو الحنين إلى الوظيفة الأساس في وجوده المادي لأنه فشل وانزلق ووسوس لنفسه وهبط وعصى وغوى فأنَّا له الملازمة والإقامة في دار الأبرار بجوار زوجه الجميل الجميل القوي القوي الملازم والمقيم أبدا!!. فمعنى الحديث باللسان العربي المبين: حبب إلي الطيب من الطيبات التي جعلها للناس جميعاً والنساء من النسيء وهو المتأخر من كل شيء أي الجديد الذي يبدعه الإنسان من إنتاج معرفي أو مادي . وهو ماتقوم عليه حياة الناس في المجتمع الإنساني المتطور والذي يمثل كل الإنتاج المادي للإنسان ومقابله الوجود المعرفي في مستواه الإنجذابي ( الجنة) ملازمة الرحمن. وهو هو قوله (ص) وجعلت قرة عيني في الصلاة. فأين الثرى من الثريا أفلا تعقلون!!.
قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولايشقى*.
أعود إلى خاتمة قصة الأب الأول للإنسان ومأساته التي اختارها بنفسه والتي دفع ثمنها غالياً ، إلى أن اهتدى لطريق العودة فاجتمع مع زوجه التي علمته معنى الحب الإنساني ومعنى أن يكون إنساناً فبدأت رحلة الإنسان الخليفة في الأرض وأصبح الإنسانُ شيئاً مذكورا في إعماره للأرض وبناءه المادي والمعرفي المتطورين حتى يخرج منها إلى الجنَّة التي صيرته إنساناً ( رباً جديداً للأرض) في وحدة النقيضين في بنية وجوده المادي والمعرفي في تملكه المعرفي ووعيه لذاته الإنسانية وعمل الحد المعرفي الفاصل بين الطرفين النقيضين ليتجنب التيه والشقاء ( فلايضل ولايشقى) بملازمته لزوجه فهي الدليل إلى الجنَّةِ، وإلاّ لما قال معلمنا الأبدي ( الجنَّةُ تحتَ أقدامِ الأمهات) ففكر واعقل!!.هذا قول القرآن العظيم في المرأة العظيمة معلمتنا ودليلنا في طريق التيه إلى دار الأبرار فاقرأ كيف يصف القرآن نفسه لأختم بها البحث في معنى المرأة في القرآن بالآية الكريمة : ... ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شيءٍ وهدًى ورحمة ً وبُشْرَى للمسلمين*. فالكتاب هدًى ورحمة ً وبُشْرَى للمسلمين وهو هو وظيفة المرأة في الحياة!!!.
هذه المرة لم أكتفي بالقرآن بل وجدت من الضروري أن نقرأ في الموروث المعرفي لهذه الأمة المعلمة التي أعطت المعنى للناس منذ أن تحول أول البشر على أرضها قبل آلآف السنين*3 إلى إنسان/ معلم ومنه أنطلق التاريخ الإنساني في البناء والإعمار ليمارس خلافته في الأرض عملياً ونظرياً وتحديداً بعد الطوفان الذي أدى إلى الهجرة الجماعية إلى الشمال والتي بدأت فيها الممارسة العملية للخلافة فكانت سومر وبابل وآشور وفينيق والأقباط شعب وادي النيل العظيم والفرس وغيرهم تلك الأمة الواحدة العظيمة ولاأقول القوم فميز بين القولين!. ومن موروثها المعرفي إخترت المقطع الرابع في هذا البحث وهو من الموروث المعرفي لشعب وادي النيل العظيم السريانيون (القبط) الذي تم تجريده من انتماءه الحقيقي لهذه الأرض والتاريخ والأمة الواحدة لينحصر بهوية معرفية محددة وهي إنتماءه للمعلم الأبدي روح الله ابن هذه الأرض والأمة الواحدة المسيح عيسى ابن مريم *4!!.
فأقرأ وأتبين قول أيزيس المعلمة /الإنسان وهي تفصل القول عن دور المرأة في حياة شعب وادي النيل العظيم( القبط) فماذا تقول معلمة الإنسان العظيمة هذه: إني أنا أيزيس. عاهلة البلاد جميعاً،... فعاهلة من الأصل الصحيح عهل يدلُّ على إنطلاق وذهاب وقلة استقرار. آه عليك فما أعظم مسؤلياتك ومن الباب العاهل : الملك ليس الذي فوقه أحدٌ ألا الله تعالى, يقال للخليفة : عاهل؛ فإن كان كذا فلأنه لابدَّ من الخَلْق فوق يَدِه تمنعُه.27 . فهي الإثنان لعظمة دورها في بناء الحضارة العظيمة لشعب وادي النيل ( القبط). فعرفت نفسها باسمها ووظيفتها في البلاد وأقرأ عظمتها وإخلاصها لمعلمها هرمز فلم تخفي تعلمها على يده بل هي فخورة بذلك كيف لا وأصبحت وإياه على مستوٍى واحد وهو هو قولها وابتدعت مع هرمز الكتابة الشعبية وقد قدمت تعلمها على يد هرمز على كل إنجازاتها العظيمة التي أتت بها شعبها في البلاد، لعظمة وجلالة هذه الوظيفة في حياة الإنسان ( التعليم) وهي هي الوظيفة الأساس للإنسان على مر العصور .
والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلاّ الذين ءَامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*. فكانت للمعرفة الأهمية الأولى في إنجازها العظيم لأنه لابناء دون معرفة لعلاقة التلازم بين الإثنين . أقرأ في إنجاز هذه المعلمة الأبدية بكل معنى الكلمة وأدعو نساء العالم أن لايرضوا بأقل من هذا ! فحياة الإنسان الحقيقية بيد المرأة وليس الرجل، فأن يكون للمرأة يوماً واحداً في السنة وثلاثةَ مائة واربعة وستين يوماً للرجل فإنه الظلم العظيم والخسارة الأعظم لأن للمرأة في الواقع كل السنة فكيف أنقلبت الآية نقيضها سبحانك أيها الذكر ما أشقاك وأتعسك ألا ترى أين تقود العالم وهؤلاء قادته وساسته ( بوش، وشارون ، وبن لادن، وصدام حسين, وكل طغاة العرب والعجم) !!!!!. أيها المرأة هذه أيزيس قبل مئات القرون بَنَتْ مجتمعاً إنسانياً عظيما ً مازالَ يُحَيّرُ عقول الناس لعظمة بناءه المادي والمعرفي. أدعُوكِ مُتَوَسِلاً إليكِ لأنني أعتقد جازماً بأنه لاخلاص لنا من عذاباتنا المتجددة والتي هي نتيجة إبعادك ظلماً وزوراً عن موقعك الحقيقي لأننا ذقنا وأكلنا وعصينا فغوينا وما نزال نفعل ذلك!!!!، فما لنا إلاّكِ ينقذنا ويهدينا سبيل النجاة. أدعُوكِ بجعل هدى وسبيل أيزيس هو هو هدى وسبيل الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمعرفية والأخلاقية المعاصرة. فاقرأي معي إنجازها الخاص بها.
1: سننت القوانين للناس.
2: أبرمت مالايستطيع البشر نقضه.
3: واخترعت الملاحة.
4: وعقدت بين الرجل والمرأة.
5: وقضيت بأن يحب الأبناء آباءهم.
6: أريت الناس الأسرار الخافية.
7: أدلت دول الطغاة.
8: حملت الرجال على حب النساء.
9: جعلت العدالة أقوى من الذهب والفضة.
10: وقضيت بأن يرى الناس الحق جميلاً.
وهناك في برنامجها وظيفتين أشركت فيهما الرجل لإنجازهما.
1: ابتدعت مع هرمز( معلمها) الكتابة الشعبية.
2: لقد وضعت مع أخي أوزيريس حداً لأكل البشر.
هل أحتاج إلى تفكيك وتحليل معاني قولها الواضح المُبين!.فنحن نحتاج إلى أيزيس جديدة تعيدنا إلى طريق الرشد الإنساني الجميل!!.
فليكن هذا السبيل الإنساني العظيم الرافعة التي نَبْنِي بها مجتمع الحرية والعدالة الإجتماعية بقيادة معلم الإنسان الحقيقي ( المرأة) لنستريح ونريح ونضع حداً نهائياً للعذاب الذي أنتجناه بأيدينا نحن الذكور ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) فهل من قلوب تعقل وتفكر أم على قلوب أقفالها!!.


المصادر والملاحظات :
* أستاذتي ومعلمتي في معهد Kilden للدراسة والعلاج ( الإرشاد النفسي والإجتماعي) في كوبنهاكن.
*جمعية التجديد الثقافية والإجتماعية في البحرين / إصداراتنا/ الكتب: وعصى ءَادم.. الحقيقة دون قناع. الأسطورة... توثيق حضاري.
نداء السراة... اختطاف جغرافية الأنبياء. Tajdeed.org .
* من 1-27 : معجم مقاييس اللغة لابن فارس.