المرأة العراقية في يومها العالمي: مآس ونكبات ومزيد تراجع بأوضاعها العامة والخاصة



تيسير عبدالجبار الآلوسي
2018 / 3 / 7

تعاود الذكرى السنوية لليوم العالمي للمرأة، اليوم الذي تستعيد به نساء كوكبنا تاريخاً مجيداً من التضحيات والاستشهاد دفاعاً عن حقوقهنّ ضد الاستلاب والمصادرة والتمييز، وضد طغيان ارتاد جرائم إسالة دمائهن قرابين للعنف ولسطوة الفلسفة الذكورية المريضة وتلك الاستغلالية التي استباحت وتستبيح الإنسان وتفرض قسراً كل أشكال التمييز بقصدٍ يبيت مزيد امتصاص الحقوق ومصادرتها...
تعاود تلك الذكرى التي صارت يوماً احتفالاً وعيداً للفرح بفضل انتصارات إلرادة الشعوب وتحررها، لتجد اليوم مرة أخرى أوضاعاً أكثر تراجعاً مع انهيارات أصابت نصير حريتها عالميا ووطنيا عراقيا يوم اغتالوا ثورة 14 تموز وما أنجزته ومنه ما كان لمصلحة المرأة...
إذن، عراقياً تعاود الذكرى ليس بالفرح والاحتفال، بل بمزيد آلام ومواجع حيث تجري المحاولات حثيثة من قوى الظلام لاغتيال قانون الأحوال الشخصية والعودة به غلى قوانين أزمنة غابرة من فروض لمنطق مغاور الجهل والتخلف وجرائم همجيتها... وحيث تجري خروق لقيم الدستور وحقوق الإنسان بإفشاء منطق الخرافة والتجهيل وإشاعة أضاليل ما أنزل الله بها من سلطان بذريعة القدسية المزيفة بحقيقتها.. وتجري عمليات بعث لأسواق النخاسة حيث استدعاء عصر الرق والعبودية..
وفي أجواء سطوة فلسفة ذكورية مريضة وسلطة الطائفية السياسية بأفظع صور الفسد انحداراً وسوءاً وكارثية، تعاني المرأة العراقية الأمَرَّيْن فملايين النزوح يُلقى بالأرامل والثكالى على قوارع الحاجة لابتزازهن والاتجار بهن جنسياً، ولطالما تكررت حالات إلقاء القبض على عصابات منظمة للاتجار حتى بالبشر، تحديداً الاتجار بالفتيات.. وأيضا الاتجار بالأطفال بمختلف الأعمار وبالأعضاء البشرية دع عنك حال الابتزاز تحت سطوة عنفية دموية بشعة تجري في الضواحي والمدن والأرياف مما يجري التغطية عليه بفتاوى تبيح ما يسمونه تزويج الفتيات تمريراً لرغبات جنسية لشيوخ وطاعنين في السن ورجال دين مزيفين وتطلق الفتاوى حتى لاستغلال المتزوجات من أطراف سياسية ودينية متنفذة..
الأرامل بلا معيل لا إنصاف لحقوقهن بشكل عادل فلا عمل مناسب بأجر ولا مصادر عيش حر كريم وأسوأ من كل ذلك ما يتعرضن له في شوارع التسول من قسوة استغلال.. وبهذا الإطار لا منجى لهنّ من ظاهرة التحرش الجنسي بضمنه اتساع الظاهرة فيما يسمونه اعتداء المحارم الذي كثرما يتم التستر عليه والخضوع له بوقوعه في ظل سلطة الذكور وما يثيرونه من رعب يشل الضحايا ويوقعهن بلا رحمة بجرائم ابتزاز بلا منتهى لدوامتها بل بتفاقم يمتلك غطاء وتقية...
إنّ أول من يقع عليها العنف السائد اليوم بكل أشكاله هي المرأة، فهي كما لاحظنا للتو وسجلنا ضحية العنف الجسدي بالإطارين العائلي والمؤسسي والمجتمعي بعموم امتداداته والعنف الفكري المعنوي - الأدبي حيث عنف التقاليد وأمراضها وعنف الخطاب الشائع ومنطق الإهانة والتحقير وتسيّد الاستبداد الذكوري. الأنكى هنا ما يسمى (جرائم الشرف) التي يقتلون باسمها النسوسة ويزعمون انتحارهن أو وقوع حادث لهن وكل ما يحيل لإنقاذ المجرم وإفلاته من العقاب. نضيف هنا حالات ختان الفتيات المعادية للمشاعر الإنسانية للمرأة وجرائم عنفية بلا منتهى.
وأيضا يمكننا القول إنّ أول من يصيبها التسرب من التعليم هي الأنثى فهي الأضعف ركناً بعائلتها، حيث الخشية من الشارع والاعتداءات والتحرش ومن الانفاق عليها بحال الفقر الذي وصلت نسبته ثلثا الشعب... وأول من يرد لها الرفض في التعيين بالوظائف هي المرأة وإن عملت فأجرها أدنى وأقل وإن كانت تنتج ما ينتجه زميلها...
وحتى في الأنشطة الثقافية وما تمارسه النخبة فإن التمييز يطارد المرأة فلا نجد لهنّ أثراً ووجوداً يتناسب وحجم منجزهن، إذ يجري تقديم الذكور على النساء في كل الأنشطة والاحتفاليات، ضمنا بمستوى منظمات المجتمع المدني الثقافية...
وطبعا مازال النظام الطائفي الذكوري بطابعه، المفسد بآليات اشتغاله، يُبعِد المرأة عن المناصب والمسؤوليات المتقدمة ويُخفي ما يرتكب من تمييز بغطاء الكوتا وبادعاءات مضللة تجاه دور المرأة وحقيقته. ونحن اليوم بمجابهة نتائج النزوح وافتقاد الرعاية السايكوسوسيولوجية بمجابهة آثار الخضوع للإرهاب والعنف ومجمل أشكال التمييز..
ومازلنا نتحدث عن حقوق المرأة من باب تصدّق الرجل عليها بما يمنحه وكأنه يقدم هدايا من عنديته ملكيته ولا يجري الحديث عن الحقوق والحريات من بوابة المساواة.. فنجابه هنا تحدثا عن تكافؤ فرص مزعوم من طراز يُبقي على تمترس مرضي خلف أستار الفارق البيولوجي، العضلي تحديداً، بينها ونظيرها الرجل.وأتعس من ذلك التعلق بأذيال تأويلات لعبارة المرأة ناقصة عقل...، وهي تأويلات لا يقرها حتى التفسير الإيجابي بالإطار الديني الخاص بها. وسرعان ما ترد قضايا سطوة قوانين العشيرة والطائفة ومنعهن من خيارات حياتية على تلك الخلفية؛ أضف لها قوانين العيب والدونية في النظر إليهنّ .
وبهذه المناسبة فإن الصوت التنويري يطالب سلطات البلاد ومجمل المجتمع المدني ومؤسسات العمل المجتمعي بالآتي:
01. توسيع دور تنظيمات المرأة العراقية وتوحيد المنظمات المتنورة وجهودها بطريقة فاعلة مؤثرة.، لمجابهة منظمات التشويه والتضليل والظلم الاجتماعي...
02. عقد الصلات الوافية مع المنظمات الدولية وتنسيق الفعاليات بالخصوص بما يستقطب أشكال الدعم المادي الملموس والفاعل.. في ميادين هي بأمسّ الحاجة لتلك الحملات التضامنية الأممية المناسبة.
03. عقد التحالفات وتفعيل الأنشطة على المستوى الوطني بعيدا عن سلطة القوى التي تمثل غطاء في برامجها لاستباحة النسوة العراقيات.. ونخص هنا بالذكر عناصر الإسلام السياسي وتشكيلاته الظلامية المتخلفة أو مدّعي العصمة والقدسية وتمثيل الله على الأرض!!!
04. إطلاق حملة توعوية شاملة بكل وسائل الإعلام والاتصال وبكل المستويات المنتظرة منها وبخطط موضوعية مدروسة لعرض قضايا المرأة بإطارها المجتمعي الأشمل والأكثر ترابطا مع تحرر المجتمع من عبوديته لتقاليد ماضوية ميتة جرى ويجري إحياء كثير منها...
05. العمل على فرض تعديلات قانونية يمكنها أن تتيح حماية المرأة وحركتها وتحظر أشكال الجرائم المرتكبة بحقها. الأمر الذي يتطلب مضاعفة العقوبات التي تمس التعرض للمرأة وانتهاك حقوقها من قبيل ما يجري من الاتجار بها واستعبادها واختطافها أو تصفيتها وعدِّ كل تلك الجرائم جرائم كبرى تمس مصير البلاد والمجتمع…
06. إطلاق حملات محو الأمية ووضع الحوافز المناسبة لتعليم الإناث واحباط ظاهرة تسربهن من المدارس.. والعمل على دعم ورعاية الأنشطة الفنية والرياضية النسوية ومكافحة العقبات التي تعترضها.
07. تحقيق العدالة في التوظيف ومعالجة ظاهرة البطالة ودعم مشروعات التشغيل بمشروعات تتناسب والظرف الاقتصادي العام.
08. مراجعة القوانين واللوائح الناظمة في مؤسسات المجتمع والدولة بقصد إزالة الخلل وتحقيق مبدأ المساواة في هذا المجال.
09. مكافحة مفاهيم العيب وفروض التقاليد المرضية وشن حملات مجتمعية تتناسب والمهمة..
10. وضع استراتيجية تنوير ثقافي مجتمعي شاملة ولمدى عقد من الزمن ورصد الميزانيات المناسبة لتلبية مضامين تلك الاستراتيجية..
11. فرض الدراسات البحثية في الأقسام العلمية المتخصصة لمعالجة المشكلات والعضال التي تجابه المرأة بمجتمعنا. واستقطاب التجاريب الأممية بالخصوص.