الماركسية فى مقابل النسوية التقاطعية



جسيكا كاسيل
2021 / 11 / 18

ترجمة محمد رمضان
توطئة

تجادل جوديث بتلر فى محاضرة شهيرة لها بعنوان “الحياه الهشة” أن هناك ما يمكن تسميتة “الالتزام الأخلاقي تجاه القمع” وهذا الالتزام يحمل صفة عالمية تتجاوز حدودا جغرافية ولغوية ومناطقية كثيرة ويوحدنا جميعا فى مواجهة تلك الصور الوحشية من القمع. علية فمن أجل صياغة كود أخلاقي لمحاربة أي شكل من أشكال الاستغلال فيجب أن يكون هذا الكود عالميا ، تدعو بتلر لما تسمية “التعايش بناءا على الواجب الأخلاقي “. كيف يمكن أن ينسحب هذا التصور على القمع والاستغلال الجنسي بأشكالة المتعددة ؟ ثمه ما لدي بتلر أيضا للاجابة على هذا ففى نظرها من أجل تمكين النساء يجب بداية أن ندرك الظروف الموضوعية التى تنتج هذا التمييز والقمع ضدهم. كانت بتلر – والمعروفة بنقدها الكبير للماركسية وتمييزها لنفسها بوصفها فيلسوفة اخلاقية ما بعد حداثية – تتسخدم الحروب وصور الحروب المعروضة فى وسائل الاعلام للتدليل على هذا. لكن بتلر نسيت أن تشير ان العامل الانساني الذي تراه يوحد الجميع ويلزمهم أخلاقيا تجاه القمع والاستغلال قد يكون فى أساسة عاملا ماديا بمعني ظرفا ماديا ، أو موقعا طبقيا يمكن أن يوحد الجميع ضد الاستغلال بكل أشكاله. ومن ثم سحب تفسير بتلر هذا على العوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية التى من شأنها أن تصعد بكل أشكال القمع الاقتصادي، الهوياتي والديني للواجهة فى ظل الرأسمالية المأزومة والديمقراطية الليبرالية التى فقدت كل مبررات وجودها الحالي كرديف للرأسمالية.

فى إعتقادي أننا فى أمس الحاجة اليوم لأن نعيد الاعتبار للشعار القديم للنسوية التحررية والذي جاء مع الموجة الثانية للنسوية فى الستنيات والقائل بأن “كل ما هو شخصي هو سياسي بالضرورة “ (personal is political) نظرا لما يمكن أن يمثلة هذا الشعار من عودة لأصول الحركة النسوية بعيدا عن إنقساماتها الحالية التى أنتجتها سياسات الهوية وما بعدها ، لا أعتقد انني شخصيا مهووس فى إنتقاد المابعديات على إتساعها لكن المقال أوالنص التالي هو محاولة جادة لتوجية النقد للمابعديات بصفة عامة ، وللنسوية التقطاعية بصفة خاصة.

نشر النص الأصلي لهذا المقال فى موقعFight Back Canada وأعاد نشرة فى يوليوالماضي موقع In Defence of Marxism وهو نص للنسوية الماركسية جاسيكا كاسيل تحاول فية الكاتبة المقاربة بين الماركسية الكلاسيكية وبين النسوية التقطاعية التى نشأت كرد فعل تكميلي على سياسات الهوية. نشر المقال بعنوان أصلي Marxism vs intersectionality أي “الماركسية فى مقابل النسوية التقاطعية”. وتفترض كاسيل فى هذا النص المطول أن النسوية التقاطعية كرديف لسياسات الهوية لا تقدم جديدا سوي فى تسليط الضوء على إمكانات القمع المركب التى ينتجها النظام الرأسمالي وأنها لا تقدم الكثير من التنظير فى سبل تجاوز الظروف الموضوعية المنتجة للقمع والتمييز ضد النساء وتقوم فى هذا النص بشرح موجز تاريخي للنظريات التقاطعية للنسوية ومن ثم تنقد سياسات الهوية بالأساس فى سياق النص.

كان الدافع الأساسي لترجمة النص هو البحث عن نقاش جاد حول الاحداث الأخيرة التى ظهرت فى المجال العام السياسي فى مصر بصفة عامة والمجال اليساري بصفة خاصة من اتهامات التحرش والاغتصاب. نجد أنه من الضروري أن تخضع تلك الحوادث لنقاشات بعيدة عن التطهرية وبعيدة أيضا عن السياقات الذكورية الحاكمة فى المجتمع المصري من اجل إنتاج كود أخلاقي حاكم للعلاقة بين الرجال والنساء فى المجال العام .ومن ثم كانت تلك المحاولة التى تبدو غير مغرقة فى النظرية بقد اعتمادها على نماذج تطبيقية فى حالة الولايات المتحدة على وجة الخصوص. وخاصة أن رئيس أكبر دولة فى العالم الآن يواجه إتهامات بالتحرش ما دعا الحركة النسوية فى العالم لتنظيم تظاهرات إعتراضا علي هذة الانتخابات.

نأمل فى النهاية أن يساعد النص فى تطوير النقاش الدائر حاليا نحو أفق أكثر إتساعا من فكرة التشهير والتلاسن وإتهام الغير وإصدار الأحكام المطلقة على الجميع.

المترجم

النص:

أطلقت أزمات الرأسمالية أنماطا عامة من المطلبيات والحركات الجماهيرية عبر العالم ، فمرورا بحركات رفض التقشف في اسبانيا حتي احداث ميدان Syntagma باليونان واحداث Nuit Deboute في فرنسا كان للجميع مطلبيات محددة. وكجزء من هذا المزاج العام الاحتجاجي، شهدت السنوات الأخيرة انفجار عددا من الحركات الاحتجاجية العفوية ضد الاشكال المتعددة من القمع التي تتعرض لها الطبقات العاملة تحت حكم النظام الرأسمالي.

إن تلك الحركات الاحتجاجية الملهمة مثل Iidle No More وBlack Lives Matter والمظاهرات العالمية للتنديد بالعنف ضد المرأة في 8 مارس وحركة “مناهضة ترامب” ليست سوى أمثلة قليلة على الرغبة المتزايدة بين الطبقات المهمشة لمناهضة القمع والتمييز. إن النظرية السائدة التي تتبناها قيادات تلك الحركات – والذين غالبا ما يكونون أعضاء أو متأثرين باليسار الأكاديمي – هي “النسوية التقطاعية “. ولذلك ليس من الغريب أن تصبح فئات مهمشة كثيرة كالشباب الطلاب مسيسية فى سياق تلك الحركات الاحتجاجية ، أصبح هؤلاء يرون القمع من منظور نظرية “النسوية التقطاعية “. . ولكن ماذا تعني تلك النظرية؟ هل هي مفيدة بالفعل لمناهضة القمع والتمييز؟ وهل تتوافق تلك النظرة مع فكرة الماركسية على تراكبية القمع؟

تعتبر نظرية “النسوية التقاطعية “من بين أكثر الطرق شيوعا لوصف وجود أشكال متعددة ومتشابكة من القمع تعرف نفسها فرديا بحالة كل شخص فى المجتمع ، مما يخلق مجموعات من الحواجز الاجتماعية (بين الفئات المضطهدة.- المترجم) إن “الحاجة إلى أن نكون نسويات تقاطعيات “هي عبارة شائعة تستخدم في الحركات الاجتماعية اليوم ، مما يعني ضمنا أن أي نضال معين يجب أن يكون شاملا وممثلا للأفراد الذين يعانون هذا القمع المتداخل، بدلا من التركيز الضيق على مجموعة أو شكل من أشكال القمع.

ويتفق الماركسيون على أن الأفراد أو الجماعات يمكن أن يتعرضوا لأشكال متدخلة من القمع في وقت واحد، وأن كل شكل من اشكال القمع يقدم مجموعة متمايزة من الحواجز الاجتماعية. من وجهة النظر الماركسية، لا يمكن فهم أي شكل من أشكال القمع بمعزل عن الآخر كذلك لا يمكن التغلب عليها بمعزل عن بعضها البعض ، كما يجب علي النضال من أجل إنهاء كل أشكال القمع تلك أن يمر عبر هؤلاء المستغلين أنفسهم. كما يعارض الماركسيون بشدة المواقف والسلوكيات التمييزية بين كل شكل من أشكال القمع والأخر ويجادلون بأن هذا يقود للتشرذم المطلبي لتفتيت الطبقة العاملة التى تلزم وحدتها من اجل التحرر من كل أشكال الاستغلال الرأسمالي. ومن ثم يتضح ،للوهلة الأولي ، أن الماركسية ونظرية” النسوية التقطاعية “هما أطر مفاهيمية تكمل بعضها البعض. ولكن مع نظرة ثاقبة أكثر إلى الأسس النظرية التي تقوم عليها نظرية “التقاطعية “،يمكننا أن نرى أن تناولها وفهمها للقمع وكيفية محاربته يختلف كثيرا عن الماركسية. فالتقطاعية ، وعلي الرغم من حسن نيه من يتبنوها فى الوقت الحالي ، لا يمكنها أن تفسر بشكل كاف القوي الدافعة لأشكال القمع المختلفة، وبالتالي الحلول.

ليس من قبيل المبالغة تأكيدنا على أن الماركسيين يقفن ضد كل أشكال القمع والاضطهاد ،ومن ثم فإن نقد المنهجية التى تقوم عليها نظرية أخري فى فهم سياقات القمع وأشكالة لايعادل إنكار عدم جود هذا القمع المركب والمتقاطع التى تقوم علية الرأسمالية فى طورها الحالي. يجب على الماركسيون أن يفهموا تلك السياقات المتقاطع للقمع والاستغلال الرأسمالي لأن إنكار هذا لن يساعد فى فهم حقيقي للقمع والاستغلال .ومن ثم حركتنا فى النضال ضد كل تلك الأشكال.

نظرية “النسوية التقطاعية” فى سياقها

من أجل فهم محددات “القمع المركب” من منظور الماركسي، علينا بالطبع أن ننظر في المبادئ الرئيسية للنظرية والسياق التاريخي الذي صعدت فيه. تزامن صعود “النسوية التقاطعية” مع هزيمة الموجات الثورية في الستينيات والسبعينات، ومن ثم عقد الثمانيات الضائع الذي توج بانهيار الاتحاد السوفيتي. خلال هذا الجزر فى النظرية الماركسية والتراجع عن فكرة الصراع الطبقي فى المجتمع صعدت “سياسات الهوية “للواجهة. وتعتمد سياسات الهوية بالأساس علي تعريف الأفراد على أساس الخصائص الفردية لكل منهم (العرق، والجنس، وما إلى ذلك) بدلا من طبقتهم أو كيفية تعاطيهم مع السياسة.



وقد استخدمت سياسات الهوية بواسطة الطبقات الحاكمة والمهيمنة لتعزيز خطابات البرجوازية الصغيرة الوظيفية التي يسهل دمجها في النظام الرأسمالي. وتستخدم سياسات الهوية من قبل بيروقراطية الحركة العمالية والطبقة الحاكمة ضد مواقف اليسار النضالية. وكان هذا التوجه المتزايد نحو محاور منفصلة للهوية والاضطهاد نتيجة لفشل االحركات العمالية والديموقراطية الاجتماعية والقيادة الستالينية في قيادة العمال من اجل تجاوز النظام الرأسمالي الذي من شأنه القضاء على الأسس الاجتماعية والاقتصادية لمختلف أشكال القمع والاستغلال.

لعبت الستالينية على وجه الخصوص دورا عكسيا فى هذا. ففي حين أن الثورة البلشفية في عام 1917 تحت قيادة لينين وتروتسكي حققت تقدما كبيرا فيما يتعلق بحقوق المرأة وحقوق المثليين ، ومعالجة قضايا القوميات المضطهدة. تراجعت تلك المكاسب في عهد ستالين. إن عزلة وتخلف الاتحاد السوفيتي تعني استمرار “الحاجة الاقتصادية” واستخدم الستالينيون كل التمايزات القومية القديمة وكل أشكال القمع للحفاظ على سلطتهم البيروقراطية وحصر فكرة الثورة الدائمة الأممية. فالسياسات الستالينية مثل إعادة تجريم المثلية الجنسية في الاتحاد السوفيتي والتى إنعكست على مواقف الأحزاب الستالينية فى بقية دول العالم من خلال تخليها عن المثليين وقضاياهم على سبيل المثال وبالتالي منعت الكثير من الفئات المهمشة من داخل العمال والطبقات الفقيرة من الانضمام لمسيرة النضال الاشتراكي. لم يكن لتلك السياسات من شيء مشترك حقيقي مع الماركسية نفسها وساهمت في تقسيم الحركة إلى محاور منفصلة للنضال، في حين أن الماركسية الحقيقية تقف ضد جميع أشكال القمع وتدعو إلى وحدة الطبقة العاملة.

كانت نظرية “النسوية التقطاعية” أحد التوابع والنتاجات النظرية للنظرية النسوية بل كانت في الواقع ردة فعل سياسات الهوية التقليدية التي تميل إلى حصر وتمييز الحركة إلي نضالات منفصلة على محاور مختلفة. وكانت النساء السود على وجه الخصوص يتحدثن منذ عقود على أن الحركة النسوية تهيمن عليها إلى حد كبير النساء البيض والطبقات العليا اللاتي يتجاهلن واقع واحتياجات النساء السود والطبقات العاملة بشكل خاص، وأن الحركة المناهضة للعنصرية يهيمن عليها الرجال السود الذين غالبا ما يهمشون القضية النسوية، ليس ذلك هينا بالمناسبة. يعتمد الأساس الأيديولوجي لنظرية “النسوية التقطاعية “على أفكار ما بعد الماركسية وما بعد الحداثة وما بعد البنيوية وهي تلك النظريات التي اكتسبت شعبية في الدوائر الأكاديمية على وجه التحديد في فترة الردة الرأسمالية وانهيار الستالينية. تلك النظريات التى ساهمت لاحقا فى تخلي القيادات اليسارية والعمالية عن العمل النضالي وإعلان تسليمهم بالطرح برغبتهم فى إصلاح الرأسمالية وليس تجاوزها.

وبينما كان التغيير الجذري إجتماعيا وإقتصاديا هو المطلب الاساسي في حقبة سابقة، أصبح مجال الأفكار واللغة هدفا للتحليل والتغيير خلال فترة تراجع الصراع الطبقي. فبعد أن فقدت تلك النخب اليسارية الثقة في قدرة الطبقة العاملة على إحداث تغيير جذري في الأساس الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع ، تراجع اليسار الأكاديمي إلى التركيز على تغيير الطريقة التي يفكر بها الأفراد. وانطلاقا من هذا الاتجاه الأيديولوجي، تؤكد نظرية “النسوية التقاطعية” على ان التجربة الذاتية والفكر الفردي واللغة والسلوك منظورا أساسيا يمكن من خلالها فهم القمع والتغلب عليه.

يمكن وصف هذا المنهج بالمثالي ، ذلك المنهج التفكيري الذي يقوم على فكرة أنه من أجل تغيير المجتمع، نحتاج إلى تغيير وجهات نظر الأفراد السياسية ،أو الأكثر سوءا أننا عن طريق تغيير “الخطاب” يمكنك تغيير الواقع. والحقيقة هي أن الأيديولوجيا السائدة في مجتمع الطبقة هي أيدلوجيا وأفكار الطبقة الحاكمة. والحقيقة إن أيديولوجيا الجماهير المهمشة التى تقوم بالثورات بالأساس مشبعة بكل الأفكار الرجعية التي تفرضها الطبقة الحاكمة. لكن فقط في سياق النضال من أجل تغيير الظروف المجتمعية تتبدل وجهات نظر تلك الجماهير حول أشياء كثيرة. هذا ما يفسره ماركس جيدا في كتابة الأيديولوجية الألمانية:

“من أجل إنتاج هذا الوعي الشيوعي، ومن أجل نجاح تلك النضالات فإن تغير الوعي الفردي هو شيء لا بد منه ولا يمكن لهذا التغير أن يحدث إلا في الحراك على الأرض ، من خلال الثورة. هذه الثورة ضرورية، ليس فقط لأن الطبقة الحاكمة لا يمكن الإطاحة بها بأي طريقة أخرى، ولكن أيضا لأن الطبقة المنتصرة لن يكتب لها النصر الا اذا تخلصت من الويلات المتراكمة من الفترة السابقة تحت حكم الطبقة الحاكمة السابقة ومن ثم تصبح جاهزة لبناء هذا المجتمع الجديد “.

ويعود الفضل إلي الأكاديمية الامريكية من اصل أفريقي،كيمبرلي كرينشو، فى صياغة مصطلح “النسوية التقاطعية” في عام 1989، ولقد استخدمتة على وجه التحديد لوصف كيف فشل نظام المحاكم الأمريكية في تضمين وإدراك التمييز المركب الذي تعاني منه النساء السود في أماكن العمل. وفي مقالها المعنون “رد الاعتبار لتقاطعية النوع والعرق : نقد النسوية السوداء لنظريات المساواة العرقية ، والنظرية النسوية وسياسات مكافحة العنصرية”، استشهدت كرينشو بعدة دعاوي قضائية لم تنظر فيها المحكمة إلا في ادعاءات التمييز الجنسي أو التمييز العنصري في مكان العمل إلا كل على حده ، ورفضت المحاكم الاعتراف بأن النساء السود يتعرضن للتمييز المركب، لا كنساء أو كأفراد سود فحسب، بل بوصفهن نساء سود. على سبيل المثال، في قضية ديغرافنريد ضد جنرال موتورز، رفضت المحكمة شكوى المدعي من التمييز الجنسي والعرقي لأن جنرال موتورز قد وظفت فى هذا العام نساء بيض ورجال سود .

لا يمكن إنكار حقيقة أن النساء السود والمجموعات الأخرى التي تعاني من التمييز المركب تتهاوي مطالبهم من خلال الثغرات في النظام القانوني الرأسمالي. وهذه هي الثغرات الهيكلية التي تشكل عائقا كبيرأمام الفئات الأكثر تهمييشا في الطبقة العاملة لتحقيق المساواة الحقيقية في الحقوق. يدعم الماركسيون الإصلاحات القانونية التي تسمح بزيادة قدرة العمال والطبقات المضطهدة علي النضال من أجل حقوقهم وتحسين ظروف معيشتهم. ولكن يجب أن نوضح أيضا أن العنصرية والتحيز الجنسي متجذران في المجتمع الطبقي الذي يكون فيه القانون آداة لخدمة مصالح الرأسمالية علي حساب الطبقات الاخري.

إن الطبيعة الطبقية للعدالة البرجوازية لا يمكن إصلاحها خارج نظام المحاكم طالما أنها ترتكز على أسس رأسمالية. ولذلك فإن مطالية كرينشو بإظهار تلك الفئة المهمشة تقاطعيا “النساء السود” داخل نظام المحاكم الأمريكية لا تبدو كافية .يجب أن نؤكد أن هذا لن يغير بشكل جوهري الظروف المادية والاجتماعية التي تؤدي إلى التمييز المركب تتعرض له النساء السود فى مكان العمل أو فى المجتمع ككل. وفي حين أن كتابات بعض النسويات “التقطاعيات” ساهمت في إبداء ملاحظات ثاقبة حول كيفية تعرض الأشخاص الذين يعيشون تحت مظالم متعددة والحواجز التي يواجهونها فى ظل هذا التمييز المركب، يفسر الماركسيون الحاجة إلى تجاوز مرحلة الملاحظة. ويمكن توضيح عدد لا حصر له من الفئات داخل نظام المحاكم ليعكس جميع “التقطاعات “الممكنة للاضطهاد والقمع، ولكن كماركسيين يجب أن نطرح السؤال التالي: لماذا يحدث هذا الاضطهاد، وكيف يمكن القضاء عليه في نهاية المطاف؟



الفكر والواقع الإجتماعي

وفي احدي جلسات البرنامج التفاعلي الشهير TED Talks بعنوان “الحاجة الملحة للنسوية التقطاعية” عام 2016، أشارت كرينشو إلى فشل نظام المحاكم في التصدي للتمييز المزدوج الذي تتعرض له النساء السود في مكان العمل باعتباره “مشكلة تأطير”. والإشكال المطروح هو أنه إذا كان لدى القضاة أو صانعي السياسات إطار أفضل لفهم القمع وطبيعة التمييز المركب، فإن الأفراد أو المجموعات الذين يعانون من هذا “الاضطهاد مركب” سيتمكنون من ضمان حقوقهم. ومن الواضح أن المواقف التمييزية التي يتخذها القضاة والتي تؤثر على أحكامهم تؤثر على تلك لفئات المهمشة وتزيد من درجة تهميشهم فى النظام الرأسمالي. في حين أن الرجال والنساء السود يعانون من معدلات عالية من الوحشية والقتل من الشرطة وفي حين أن رجال الشرطة مرتكبي تلك الجرائم يتمتعون بالإفلات من العقاب، والقضاة في الولايات المتحدة وكندا مرارا وتكرارا يسمحون للرجال البيض بالاعتداء الجنسي في الشارع مجانا. ومن الواضح تماما أن القضاة أحرار في التصرف بناءا على فكرهم التمييزي المقزز، كل هذا يعمل على استمرار خضوع تلك الجماعات المهمشة لابتزاز الدولة . ولكن من أين تتولد تلك العقلية التمييزية وكيف يمكن تخليص المجتمع منها؟

تعكس المواقف التمييزية للقضاة وصانعي السياسات احتياجات النظام الرأسمالي. الدولة الرأسمالية ونظامها القضائي موجود لدعم سلطة وأرباح الطبقة الرأسمالية. وفي ظل هذا النظام، حيث يتم تعيين القضاة وليس انتخابهم، وفي ظل هذا النظام الذي تتكسر فيه تلك الوعود الانتخابية بمجرد وصول السياسيين إلى السلطة دون ادني امكانية للتذكير بالوعود والمحاسبة، فى ظل هذا النظام الذي تتخذ فيه أهم القرارات خلف الأبواب المغلقة من قبل مسؤولين غير منتخبين (علي سبيل المثال المصرفيين والمديرين التنفيذيين للشركات الكبري)، فى مثل هذا النظام لا توجد ديمقراطية حقيقية أو أليات مساءلة حقيقية. وبالمثل في مكان العمل، من الصعب جدا محاسبة ومراقبة أرباب العمل على الممارسات التمييزية لأنهم يسيطرون على لقمة العيش ولا توجد رقابة ديمقراطية في الإنتاج الرأسمالي داخل المصنع. في حين أن بعض قضايا التمييز التى رفعت أمام المحاكم وبعد عناء شديد لسنوات قد فازت بها الضحية .فإن ذلك غالبا ما يستمر لسنوات عديدة في المحاكم ، والتكاليف الفلكية، وغيرها من المعوقات الأخرى التي تجعل هذا مسارا مستحيلا لكثير من العمال المضطهدين من أجل الاستمرار في المطالبة بحقوقهم، خاصة بالنظر إلی أن صاحب العمل يمكنه دائما الحصول على فريق قانوني أفضل وأن نظام العدالة يعمل في مصلحته في النهاية. وعندما يحصل اصحاب العمل على عقوبات أو غرامات مادية ، فغالبا ما تكون تلك العقوبة غير مؤثرة بالنسبة إليهم، في حين أن صاحب الشكوي يكون قد تكبد الكثير من اجل الفوز بقضيته. وعلى الرغم من أن تلك الأحكام تلعب دورا كبيرا في إستدامة القمع، فإن الأساس الاجتماعي والاقتصادي الذي تستند إليه هذه المؤسسات هو الحاجز الحقيقي للتغلب على القمع. وبعبارة أخرى، فإن الطبيعة الرأسمالية للمؤسسات هي اساس وجذر المشكلة، وليس مواقف المسؤولين الذين يشغلون مناصب فيها.

لذلك، بالنسبة للماركسيين، ليست المشكلة في الأساس مشكلة “تأطير” أو كيف يفكر الناس في القمع. إن الاتجاة القائل بأن اللغة والخطاب هما القوى المهيمنة التي تشكل الواقع الاجتماعي نابعة من الفلسفة المثالية ، في حين أن الماركسيين يفسرون التاريخ من وجهة نظر مادية ويجادلون بأن الواقع الاجتماعي هو الذي يشكل الفكر وليس العكس. فنحن لا نولد بوجهات نظر عالمية، ولا تلك التي نطورها مع مرور الوقت معجزات من السماء. إن ما نتعلمه ونؤمن به حول العالم سوف يتأثر بالظروف المادية والاجتماعية في العصر الذي نعيش فيه ونشكله، ونمط الإنتاج هو الذي يضع الأساس لكيفية تنظيم بقية المجتمع. وهذا لا يعني أن كل فكر أو عنصر من عناصر الثقافة هو نتاج مباشر للقاعدة الاقتصادية للمجتمع، ولكن القاعدة الاقتصادية تضع الأساس العام للآراء المهيمنة في أي حقبة معينة وتضع حدودا معينة لكيفية تفكيرنا.

وبطبيعة الحال، لا يقتصر الأمر على الأفراد الذين يشغلون مناصب سياسية أو قضائية ، يحملون أفكارا تمييزية ويمارسونها في إطار مصالحهم الضيقة. ففى كل يوم يمارس العمال والفقراء تلك المواقف التمييزية أيضا. فالأفكار السائدة في المجتمع هي أفكار الطبقة الحاكمة وهي البرجوازية. وتعتمد الطبقة الرأسمالية على المواقف التمييزية لإبقاء الطبقة العاملة مقسمة على أساس العرق واللغة والجنس وتوجهات الجنس والدين والعديد من التقسيمات الأخرى. هذه الانقسامات تخدم أهدافا متعددة مثل خفض معدلات الأجور وزيادة التنافسية بين العمال فى ذلك الخفض حتي نصل لقاع الأجور ، والحفاظ علي المستغلين من توحد العمال ضد المستغل المشترك، ألا وهو البرجوازية. وتمتلك البرجوازية الوسائل الرئيسية لنشر الأفكار مثل وسائل الإعلام الرئيسية والمنافذ الثقافية وتسيطر عليها. وتنشر أفكار الطبقة الحاكمة أيضا من خلال الكنيسة، ونظام التعليم والأسرة. إن مضمون فكرنا يتشكل من قبل هذه المؤسسات، التي تعكس المجتمع الرأسمالي.

تدفع الرأسمالية الطبقة العاملة نحو منافسة منهكة تشوه علاقاتنا الاجتماعية البسيطة. فالناس لا يولدون بطبيعتهم الجشعة أو العنصرية أو التمييزية، ولكنهم يكبرون في مجتمع أناني قائم علي الفردية ، يضع الجميع فى مواجهة الجميع. ويستخدم وسائل قوية لابقائنا متفرقين لا متحدين. ومن ثم فإن تحدي ذلك النظام عبر التفكير في اللغة والخطاب فقط دون تغيير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤدي إلى مواقف تمييزية هي مقارية محدودة الأفق للنضال ضد القمع والاستغلال. التركيز علي اللغة والأفكار المنزوعة من سياقاتها الاجتماعية والمادية يؤدي حتما إلى فهم شخصي فردي للقمع ولن يقود لوعي جمعي بظروف ذلك القمع ومن ثم فإن نزع السياقات الاقتصادية المشكلة لهذا القمع لن يساهم إلا فى تقزم الحركة النسوية وتقوقعها حول نفسها.

فى التحليل الأخير يتضح أن القاعدة المادية لأي تقسيم الاجتماعي هي “الندرة الاقتصادية”. فالمجتمع الذي يمكن أن يوفر وظيفة جيدة، ومسكن جيد، ومدارجيدة لأفرادة لن يحتاج إلى إلقاء اللوم على “الآخر” بسبب نقص السكن أو التعليم أو العمل. وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان المجتمع في أزمة سيشهد ارتفاعا في هذه المواقف التميزيية. وقد عبر ماركس عن ذلك جيدا عندما قال: “عندما تعم الحاجة، فإن كل الحماقات القديمة تعود للحياه”. ولا يمكن القضاء على هذه المواقف تماما في الوقت الذي تستمر فيه الندرة. فى ظل الرأسمالية فإن تلك الندرة مقصودة بالأساس. فلقد أصبحت البشرية تمتلك الوسائل المتقدمة للإنتاج، الثروات، والموارد التى يحتاجها الجميع لكي ينعم بمستوى معيشة جيد. والمشكلة في ظل هذا النظام هي مشكلة توزيع بالطبع، مشكلة هي أن النسبة الأكبر من الثروة تستولي عليها أقلية صغيرة وتترك الأغلبية تقاتل من أجل الفتات. وهذا هو السبب في أن الماركسيين يطالبون بنزع ملكية الطبقة الرأسمالية، حتى نتمكن من استخدام كل هذه الثروة لصالح الأغلبية والقضاء على جذور التقسيم والقمع المادية.

قمع موضوعي أم قمع ذاتي؟

فى أدبيات “النسوية التقطاعية “غالبا ما يشار إلى القمع “الهيكلي”، ولكن من وجهة نظر مثالية بدلا عن وجهة النظر الماركسية. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بأشكال القمع المتعددة والمتداخلة، تشير بيل هوكس إلى أنه “بالنسبة لي فإن أشكال القمع المتداخل مثل البناء، تشترك جميعها فى الأساس، ولكن الأساس هو المعتقدات الأيديولوجية التي بنيت عليها مفاهيم الهيمنة”. وبناءا على السابق فإن باتريشيا هيل كولينز تؤكد أن “التمكين ينطوي على رفض أبعاد المعرفة، سواء الشخصية أو الثقافية أو المؤسسية، التي ترسخ للأحكام العمومية المسبقة والغير إنسانية على حد سواء”. وبالتالي، فإن جذور القمع تكمن في منظومة اعراف وتصورات المجتمع حول التفوق ونقص المجموعات المختلفة ونهاية القمع تبدأ من رفض تلك المعتقدات. ويكمن ضعف ذلك التصور في انه لا يفسر لماذا وكيف وجدت مثل هذه المعتقدات، وبالتالي لا يمكن أن يوفر وسيلة للقضاء على تلك المعتقدات على نطاق واسع.

في حين أنه من الواضح أن المواقف والسلوكيات التمييزية والقمعية يقوم بها اللأف فى العلاقات الشخصية المباشرة“interpersonal dynamics (التي يجب إدانتها من قبل الثورين)، فإن هذه المواقف لها أصول اجتماعية وتاريخية متجذرة فى هيكل المجتمع الطبقي. وبالمثل، فإن ما يعتبر سمة مهيمنة أنية يفضلها المجتمع بشكل كبير قد تطورت أيضا تاريخيا. فأفكار مثل التفوق الأبيض والعنصرية، والتى ترسخت كظواهر إجتماعيةهيكلية، كانت من نتاجات الطبقات الحاكمة الأوروبية لتبرير الاستعمار والعبودية فى وقت تاريخي سابق. تطورت تلك الأفكار بالموازة مع تطور الرأسمالية نفسها وبالتالي لم يكن ظلم المرأة موجودا على الدوام، ولكنه ظهر بانقسام المجتمع إلى طبقات وترسيخ الزواج كمؤسسة تهدف إلى السيطرة على الحياة الجنسية للمرأة من أجل ضمان الأبوة لغرض نقل الثروة. وتعكس المواقف العنصرية والتحيز الجنسي هذه العمليات المادية والاجتماعية.

وفي حين أن الأفراد يستطيعون بالتأكيد أن يتخذوا مواقف تمييزية بشكل ضار جدا للمجتمع، فإن هذه المواقف والإجراءات لا تفيد في نهاية المطاف إلا الطبقة الحاكمة التي تستغلهم. ومع ذلك، فإن مفهوم “اللإمتيازات “الذي صعد غالبا كمفهوم مؤسس لدي أنصار نظرية “النسوية التقطاعية “بحيث يعني أن أولئك الذين ليسوا ضحايا لشكل معين من الاضطهاد لديهم مصلحة في الحفاظ عليه وإبقاؤه على الآخرين. ويتفق الماركسيون على أن الناس الذين يتعرضون للقمع بطرق متعددة ومتداخلة يواجهون عوائق اجتماعية أكبر وأعظم أثرا من التمييز المركب. ومع ذلك، فإن ما يوصف في كثير من الأحيان بأنه “امتيازات” ينبغي أن يعتبر في نظرنا حقوقا إنسانية ينبغي أن تتاح لكل فرد على قدم المساواة. وعلينا أن نعمل على مناهضة هذا النظام الذي يهمش الطبقة العاملة ويحرم الطبقات المظلومة من هذه الحقوق، ويبقينا منقسمين ونقاتل من أجل الفتات تحت طاولة الطبقة الحاكمة والمصرفيين. يجب أن نقول: “لا تتكلم عن مساواة في اطار الطبقة العاملة. بل تكلم عنها في إطار المجتمع ككل!“

إن قمع مجموعة واحدة يعمل على الحفاظ على النظام الرأسمالي الذي يستغلنا ويضطهدنا جميعا بطرق مختلفة. ليس من مصلحة أي عامل أن يستمر قمع مجموعة أخرى. من منظور سطحي قد يبدو الامر مثل حصول بعض العمال على منفعة على حساب الآخرين، وبالتالي تصب الاعمال التمييزية والقمعية في مصلحتهم. على سبيل المثال، من المعروف أن الرجال يحصلون على أجر أكثر من النساء في جميع أنحاء العالم لنفس العمل. بيد أن الرجال لا يحصلون على أجر أكثر لأن النساء يحصلن على أجر أقل أو العكس. وهناك ما يكفي من الثروة للجميع لزيادة أجورهم، ولكن أغلبية فائض القيمة الذي ينتجه العمال يحصل علية الطبقات الرأسمالية الحاكمة. وتستفيد الطبقة الرأسمالية من خفض الأجر أو التمييز ضد العاملات والمهاجرات والأقليات العرقية والجنسية، لأنه كما أوضحنا سابقا، فإنهم يضعون مثل ما نسميه “تدني عام” لمستويات الأجور.

يجب أن يعمل الماركسيون بجهد لتثقيف وتوعية الطبقة العاملة أنه ليس من مصلحتهم وجود أشكال القمع والتمييز بين بعضهم البعض. ومن خلال الخبرة المكتسبة من النضال يمكن أن نغير أفكار الأشخاص السائدة، وخلال سيرورة النضال فقط يمكن تغيير مثل تلك الأفكار التمييزية. إن يسمى بالعمال “المتميزون” الذي يساهمون في ابقاء المواقف “التمييزية” لا يسمون في الواقع إلا فى خفض أجورهم من خلال المنافسة مع العمال ذوي الأجور المنخفضة ، مما يحافظ على أرباح أصحاب العمل ويبقي على النظام الرأسمالي الذي يستغل الجميع . فالعمال الذين لا يتعرضون لأشكال قمع متقاطعة لديهم الكثير ليخسروه أيضا من خلال ابقاء القمع والتمييز تجاه الآخرين لأنه لا يساعد إلا علي استغلالهم. فجميع العمال يملكون الامكانية للانتصار وذلك بالتوحد في النضال من أجل الاشتراكية، الأمر الذي سيتيح لهم زيادة هائلة في مستوى معيشة كل فرد. تطرح نظرية “النسوية التقاطعية “مفهوم “التحالف “كبدديل عن مفهوم “التضامن الطبقي” الذي تطرحة الماركسية ، يشير المفهوم إلى أن قطاعات مختلفة من الطبقة العاملة والمضطهدة لها مصالح مختلفة وينبغي أن يكون لها مصالح مختلفة وينبغي أن يكون لها منظمات منفصلة خاصة بها. يحث الماركسيون على النضال المشترك القائم على المصالح المشتركة، الذي ينظم من خلال الأحزاب الاشتراكية والنقابات العمالية التي تحارب جميع أشكال الاضطهاد الذي يتعرض له العمال.

إن الخطر الذي تنطوي عليه “سياسة الامتيازات” (تمييز كل مجموعة مضطهدة بناءا على عامل إضهادها الرئيسي – المترجم) هو أنها تقود لظهور نشطاء يحاولون إقناع قطاعات مختلفة من الطبقة العاملة بأنهم سيستفيدون فعليا من قمع طبقات أخرى من الطبقة العاملة، وبالتالي لديهم مصالح متعارضة معهم (العمال البيض والنساء السود كمثال – المترجم)، بدلا من شرح كيف أن أولويتنا تكمن بالتوحد ضد الطبقة الرأسمالية. وهذا يعطي الحق في للرأسماليين الذين يحاولون دائما إبقاء مثل تلك التصورات بين العمال والذين يستخدمون العنصرية والتحيز الجنسي وغير ذلك من أشكال القمع والتمييز لتبرير ذلك. عندما يتحد العمال “المميزين” والمضطهدون ضد رؤسائهم ويطالبون بأجور وظروف متساوية، فإن قوة هذه الوحدة تسمح لجميع القطاعات بالفوز أكثر من الطبقة المستغلة.

إن قمع وتمييز بعض فئات الطبقة العاملة يشكل أيضا كبش فداء مناسب للطبقة الحاكمة. عندما تكون الرأسمالية في أزمة، فإن الطبقة الحاكمة وممثليها في الدولة يلقون باللائمة على المأزق الذي يواجهونة على تلك المجموعة المهمشة، في محاولة من الطبفة الحاكمة لتحفيز العمال ضد بعضهم البعض وعندما يكافح الناس للبقاء على قيد الحياة ولا يقدم أي بديل حقيقي يساري، لا يمكن لمثل تلك الأفكار (النسوية التقاطعية ، وسياسات الهوية – المترجم) أن تتوقف عن لعب دور تفريقي للطبقة العاملة. وقد ظهر ذلك بوضوح في الانتخابات الأمريكية: فبعد إستبعاد بيرني ساندرز من الإنتخابات، استطاع دونالد ترامب أن يرتقي إلى السلطة عن طريق تغذية مشاعر عنصرية مبنية علي كره الأجانب بين طبقة محبطة من العمال (لا سيما 25 في المائة فقط من السكان الذين صوتوا فعلا له) التي رأت هيلاري كلينتون بأنها تمثل الوضع الراهن المنبوذ. وقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن أعدادا كبيرة من هذه الطبقة يمكن كسبها إلى منصة يسارية تهاجم “فئة المليارديرات” بدلا من إلقاء اللوم على الأقليات العرقية. أولئك الذين صوتوا لصالح ترامب لم يولدوا بطبيعة عدوانية أو تمييزية، ولكنهم استقبلوا هذه الأفكار كتفسير لفقرهم وشقاؤهم. وهذا مثال ملموس على الكيفية التي تتجذر فيها المواقف التمييزية في هياكل المجتمع الطبقي، ويعززها ندرة الموارد والفقر والإحباط في النظام الرأسمالي، ولا سيما عندما يكون اليسار غير قادر على توفير بديل حقيقي.

ليس من الصعب تصور مدى إمكانية تقلص الأفكار التمييزية إذا كان الجميع يتمتع بمستوى مرتفع من المعيشة مع حصول الجميع على فرصة التدريب على المهارات والتعليم ما بعد الثانوي ورعاية الأطفال والرعاية الصحية والنقل والإسكان والترفيه والثقافة وما إلى ذلك. وسيكون من الصعب إلقاء اللوم على أي مجموعة على معاناة شخص آخر عندما يكفل للجميع الحصول على الموارد والفرص التي تؤدي إلى مستوي جيد من المعيشة. ومع ذلك، هذا غير ممكن في وجود الرأسمالية التي تقوم على الإنتاج من أجل الربح بدلا من إشباع الحاجة البشرية. هناك حاجة إلى صراع طبقي موحد لتوحيد جميع المضطهدين في النضال ضد شروط الاستغلال الرأسمالي ضد النظام الرأسمالي.

الصراع الطبقي والنضال ضد التمييز.

الماركسيون يعارضون تفريق الناس علي محاور منفصلة من القمع والاضطهاد وينادون بالحاجة إلى الوحدة. ولا يمكن فهم نضال أي جماعة مضطهدة بشكل منفصل عن أشكال القمع الأخرى وفهم النظام الرأسمالي الذي يحفز تلك الأشكال. ومع ذلك، في حين أن مؤيدي “النسوية التقاطعية“ يجادلون بعدم تقسيم الناس عل أساس نمط واحد من القمع، فإن نتيجة النهج الموضوعي هي بدلا من ذلك تقسيم الناس وفقا لعدد لا حصر له من تكوينات الاضطهاد والامتيازات المركبة، مع عدم وجود قاسم مشترك شامل بينهما. وهذا ما اقترحته الناشطة النسوية “التقاطعية “والباحثة باتريشيا هيل كولينز، في كتابها (الفكر النسوي الأسود: المعرفة والوعي وسياسة التمكين (1990)، عندما ذكرت أن “المصفوفة الشاملة للهيمنة تضم مجموعات متعددة، كل منها مع تجارب متفاوتة مع عقوبات وامتيازات تنتج مناظير جزئية للمواجهة والاستجابة لأشكال القمع المتقاطعة … لا توجد مجموعة واحدة لديها زاوية واضحة من الرؤية. لا تمتلك أي مجموعة نظرية أو منهجية تسمح لها باكتشاف “الحقيقة” المطلقة”.

هذه النظرة متشائمة إلى حد ما، تترك لنا فقط حقائقنا الذاتية الجزئية ولا شيء أخر لشرح جذور القمع أو كيفية التغلب عليه مرة واحدة وإلى الأبد. وهي وجهة نظر تؤدي إلى النزعة الفردية والتأمل الذاتي بدلا من النضال الجماعي لتحويل مسار الواقع. إن العالم يتواجد بشكل ملموس خارج أفكارنا ومشاعرنا. وفهمنا لهذا العالم هو بالضرورة جزئي وفردي، ولكنه يظل انعكاسا لحقيقة موضوعية، كما أن أفكارنا بشأن هذا الواقع تخضع لاختبار مستمر من الناحية العملية ضدها. إن مجموعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل الرأسمالية موجودة بشكل موضوعي. إذا كنت تعتقد غير ذلك، انظر ما يحدث إذا كنت لا تعمل لأجل لقمة العيش أو دفع الإيجار الخاص بك! ولأن الغالبية العظمى منا تعيش تحت الرأسمالية وتحت إستغلالها، فإن التحليل والنضال الطبقي يمثلان “زاوية الرؤية” وأعظم أداة نظرية نحو توحيد وتحقيق التحرر للجميع.

في حين أن “النسوية التقاطعية” تنظر إلى جميع أشكال القمع على أنها أساسية بنفس القدر، فإن الماركسيين يسلطون الضوء على أن الطبقة هي الخط الفاصل الأساسي في المجتمع الرأسمالي. ويستند أسلوب الإنتاج الرأسمالي، في جوهره، على استخراج فائض القيمة من العمال من قبل أصحاب وسائل الإنتاج الرأسماليين. هذا لا يعني أن الاستغلال الطبقي هو أسوأ شكل من أشكال القمع من حيث المعاناة، أو أن الطبقة العاملة هي في أي حال من الأحوال متفوقة على الجماعات المضطهدة الأخرى فى مقدار القمع الذي تتلقاه. وهذا يعني أنه طالما أننا نعيش في مجتمع تستغل فيه الطبقة الحاكمة الغالبية وتضطهدها، لا يمكن لأي جماعة مضطهدة أن تتحرر حقا لأن هناك دائما عدم مساواة ممنهجة ينتجها النظام نفية. وأي ممثل للطبقة الحاكمة للأقلية، بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو ميلهم الجنسي، سيخدم في نهاية المطاف مصالحهم الطبقية التي تعتمد على تقسيم وقمع الأغلبية منا.

تمثل الأرباح الضخمة التي تراكمت من قبل الطبقة الرأسمالية العمل غير المدفوع الأجر للطبقة العاملة الذين لا يدفع إليهم قيمة عملهم بالكامل. هذا هو ما يعنيه الماركسيون من خلال الاستغلال الطبقي – لا ينبغي الخلط بينه وبين “الطبقية”، التي تشير إلى التمييز ضد الفقراء الذين يعتبرون من الطبقة الدنيا. في حين أن الماركسيون يعترفون بالدور الهام للتمييز والاضطهاد في الحفاظ على النظام الرأسمالي، فإن الواقع الاقتصادي للاستغلال يضع العمال في وضع معين لإنهاء النظام، لأنهم هم الذين ينتجون فائض القيمة في المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، في حين أن جميع العمال لا يعانون من اضطهاد مركب، فإن الغالبية العظمى من المضطهدين يستغلون كعمال أو عمال غير رسميين أو عاطلين عن العمل أو يعيشون تحت عبودية العصر الحديث. وهذا يجعل الاستغلال الطبقي عاملا موحدا لجميع المظلومين. فالطبقة العاملة تشمل الغالبية العظمى من طبقات المجتمع المضطهدة، وهذا هو بالضبط الصراع الطبقي الذي يمكن أن يوحد جميع طبقات المضطهدين ضد عدونا المشترك، الطبقة المستغلة، وذلك فقط هو الذي سوف يؤدي فى النهاية إلى كسر حدة المواقف التمييزية فى المجتمع .

ولسوء الحظ، فشلت معظم القيادات الطلابية والعمالية فيي بناء تنظيمات تناضل طبقيا من خلال دمج جميع فئات المضطهدين. وفي الوقت نفسه، فإن البيروقراطية نفسها غالبا ما تعتمد لغة “تقطاعية” لإخفاء حقيقة أنها لا تقاتل من أجل إصلاحات هادفة للنهوض بظروف الطلاب والعمال. وتستخدم السياسات الرمزية (Tokenistic Policies) مثل التكافؤ بين الجنسين والشعارات الأخرى القائمة على الهوية دون النظر إلى التوجه السياسي، الأمر الذي يؤدي في الواقع إلى عدد قليل من المواقف المفيدة لحفنة من البيروقراطيين غير الملتزمين بالتعبئة الاجتماعية من أجل تغيير الظروف التي من شأنها تخفيف القمع والاستغلال بالنسبة للغالبية الذين يشكلون المجتمع. تستخدم الطبقة الحاكمة سياسات مماثلة لمحاولة استرضاء المظلومين مع ترك نظام الاستغلال بدون أي إصلاحات. إن تمثيل الجماعات المضطهدة في البنوك والشركات الكبيرة لا يغير الواقع بالنسبة لغالبية الطبقات المضطهدة للطبقة العاملة.

والفكرة الكامنة وراء “التمثيل” هي أنه إذا كان هناك عدد أكبر من الناس من الجماعات المضطهدة الذين سيتولون مناصب (كموظفين منتخبين داخل منظمات الطلاب والعمال والمؤسسات السياسية، وكذلك المديرين التنفيذيين، ومديري الشركات، وما إلى ذلك، في القطاع الخاص) التي من شأنها أن تساعد على القضاء عليها. من المهم أن نفهم أن الجماعات المضطهدة ليست مضطهدة لأنها ممثلة تمثيلا ناقصا. فهي ممثلة تمثيلا ناقصا بسبب القمع النظامي في المجتمع الذي يخلق حواجز أمام المشاركة في الحياة العامة والسياسية. إن أفضل طريقة لتحقيق تمثيل حقيقي للجماعات المظلومة في الحركة هي بناء منظمات نضالية يمكن أن تبدأ بالفعل في القضاء على تلك الحواجز كجزء من النضال من أجل إنهاء هذه الظلم. وهذا من شأنه أن يحرض على طبقات أوسع من الجماعات المظلومة والمهمشة تاريخيا على التوحد والسعي للتغلب على الحواجز النظامية التي أعاقت مشاركتها. وسيشجع هذا الكفاح على تطوير قيادة حقيقية من الأسفل، بدلا من السياسات الرمزية من أعلي. ويجب انتخاب ممثلينا على أساس سياساتهم وقدرتهم على قيادة معركة حقيقية.

إن انتخاب نساء مثل مارغريت تاتشر، أو أنجيلا ميركل، أو تيريزا ماي، أو هيلاري كلينتون إلى مناصب من أعلى المناصب السياسية الممكنة، لم يؤد إلى دفع بقضية تحرر المرأة، وقام الثوريون بحملات نشطة ضدهن واستمروا هذا. ونفس الشيء يمكن أن يقال، على أشخاص أخرون فى مؤسسات دولية ، مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، والقائمة تطول. وبالمثل استمرت مستويات المعيشة للأميركيين السود في الانخفاض تحت حكم أوباما. وباعتبارنا ثوريون، سنؤيد أي سياسي يساري ضد أي منهم بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو جنسهم أو عرقهم. التمثيل هو أداة قوية في أيدي الطبقة الحاكمة كما أنها تستخدم لخلق الأوهام في دعم القادة الذين يمثلون مصالح الرأسمالية فقط بسبب العرق، والتوجه الجنسي، والجنس، وما إلى ذلك، بدلا من مصالحهم الطبقية.

اعتمد أعضاء الطبقة الحاكمة مثل هيلاري كلينتون لغة خطاب “النسوية التقطاعية “للحصول على الدعم. وأدانت كرينشو وغيرها من أنصار “النسوية التقطاعية “ ذلك، وأبرزوا أنه نظرا لأن “المرأة” ليست فئة متجانسة، فإن هيلاري لا تمثل مصالح جميع النساء بسبب سياساتها الإمبريالية. ومع ذلك، فإن حقيقة أن “التقاطعية” لا تستهدف جذور القمع يعني أنها ليست في نهاية المطاف تهديدا للطبقة الرأسمالية أو حلفائها الإصلاحيين، وهذا هو السبب في أنها يمكن أن تعتمد بسهولة لغتها كمحاولة لتبدو أكثر تقدما. ولا يهدد أعضاء الطبقة الحاكمة بأن يسلط الضوء على أن هناك أشكالا متعددة ومتداخلة من القمع والتمييز، ما دام السؤال عن السبب ولمصلحة من يتم هذا قد تم تجاوزة. فهناك سبب واضح يجعل التحالف العالمي لحقوق الانسان يتجنب استخدام لغة ماركسية من أجل أن يوحد جميع المضطهدين من أل تجاوز الرأسمالية .

ثورة أم إصلاح ؟

هل هذا معناه أن الماركسيين يطرحون أن على الأفراد والجماعات الذين يعانون من أشكال متعددة من القمع أن يضعوا نضالاتهم على ظهورهم تحت مسمي الصراع الطبقي، وأن لا شيء يمكن القيام به لمكافحة أو تخفيف الاضطهاد حتى بعد الثورة الاشتراكية؟ ليس الأمر كذلك على الاطلاق. فالماركسيون يقفون بحزم ضد جميع أشكال القمع والتمييز الآن وإلي الأبد، ومحاربة المواقف الانقسامية والتمييزية في الحركة والطبقة العاملة على نطاق أوسع، لأنه ذلك يصب فقط في مصلحة الطبقة الرأسمالية الحاكمة. ويذهب الماركسيون إلى أبعد من ذلك لإبراز أننا لا نستطيع تغيير الأفكار بشكل جماعي دون تغيير أصولها المادية، وهي الندرة والمنافسة. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الماركسيين يشاركون في النضال اليومي من أجل الإصلاحات وربطها بالحاجة إلى الاشتراكية.

وبما أن الإصلاح لا تقوم به الطبقة الحاكمة إلا بنضالات الفئات المضطهدة ، فإن أفضل طريقة لكسب أي إصلاح هي من خلال العمل الجماعي ، والجماعي من الأسفل مما يجعل الرؤساء والسياسيين يتعرقون خوفا من الثورة. إن الكفاح ضد القمع وأي إصلاح من أجل التخفيف منه لا ينبغي أن يكون فقط مسؤولية المجموعة التي تعاني من القمع أو التمييز، بل يجب أن يشمل الطبقة العاملة بأكملها، التي تشمل جميع الجماعات المضطهدة. للرجال والعمال متبايني الجنس مصلحة خاصة في الوقوف على حقوق المرأة والمثليين والمتحولين جنسيا ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (LGBTQ)، يجب على العمال البيض أن ينضموا إلى الكفاح ضد العنصرية، وما إلى ذلك. قوة المضطهدين فى إتحادهم، وأي مكسب لأي فئة من الطبقة العاملة هو مكسب للطبقة بأكملها ولجميع المضطهدين.

من خلال الصراع الطبقي الموحد، تبدأ الجماهير في ادراك قوتها الموحدة وإدراك حدود الرأسمالية لتكون قادرة على فرض إصلاحات مجدية وحقيقية في حياتهم. وإذا نظرنا إلى العالم اليوم، فمن الواضح جدا أن الإصلاحات الجديدة ليست هي بيت القصيد. بل على العكس من ذلك، يقاتل العمال والمضطهدون في كل مكان للحفاظ على حقوق الإنسان والمكاسب الأساسية التي حصلوا عليها في الماضي. لذلك بينما نكافح من أجل الإصلاحات التي من شأنها أن تخفف من القمع وتحسين الظروف المعيشية للطبقة العاملة، فإننا نوضح أن أي إصلاح لا يمكن أن يستمر في ظل الرأسمالية التي تعاني من أزمة. من أجل تحقيق الفوز بشكل دائم ا ، فإن الاصلاحات يجب أن تكون جنبا إلى جنب مع النضال من أجل تجاوز الرأسمالية.

فعندما تصبح الأرباح الرأسمالية فى أزمة ، لن يتردد أصحاب العمل والمصرفيون وممثليهم فى الدولة في استعادة كل ما حاربنا من أجله وفزنا به في الماضي. ويؤدي هذا أيضا إلى زيادة العنصرية وأشكال التحيز الأخرى . وبوصف هؤلاء يمين شعبوي، فإن وسائل الإعلام تشير دئما إلى أن مختلف الجماعات المضطهدة هي المسؤولة عن التدابير التقشفية. إن السبيل الوحيد للاستمرار في الحفاظ علي مكاسب الماضي ومحاربة المواقف القمعية اليوم والنهوض بمجتمع متساو حقا هو وضع حد للإنتاج من أجل الربح حتى يمكن استخدام الثروة والموارد الكبيرة الموجودة بالفعل استخدام الديمقراطي لصالح الأغلبية.

التحول الثوري للمجتمع

وهذا لا يعني أن المواقف التمييزية ستختفي بين عشية وضحاها بعد الثورة الاشتراكية. إن الاضطهاد بجميع أشكاله موجود لأجيال، وفي بعض الحالات آلاف السنين، مما يضع بصماته على وعي الجنس البشري. ومع ذلك، فإن الحركات الجماهيرية لها تأثير عميق على الوعي لأن الناس يناضلون مع بعضهم البعض عبر مصالحهم المشتركة والقواسم المشتركة بدلا من النضال عبر خلافاتهم وإنقساماتهم. ومن الصعب جدا الاستمرار في المواقف التمييزية تجاه النساء والمهاجرات أو المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية عندما يكونون في الشوارع يقاتلون من أجل نفس الشيء الذي يريدة الجميع، مما يضع حياتهم على المحك. خلال الاحتجاجات العمالية يصبح من الواضح أن العمال ليس لديهم أي مصلحة في التمييز ضد بعضهم البعض. خلال حركة جماهيرية يتم التوصل إلى هذا الفهم على نطاق واسع.

ومن الأمثلة القوية الحديثة على ذلك الثورة المصرية عام 2011 التي شهدت سقوط حسني مبارك. في حين شهدت النساء في مصر تاريخيا معدلات عالية من التمييز والعنف، وصراع دموي بين المسلمين والمسيحيين على مدى عقود، تجمع الرجال والنساء من جميع الخلفيات الدينية في ميدان التحرير. وانهار التفكير التمييزي والنمطي عن الجماعات المضطهدة من خلال النضال ضد الظلم المشترك. في حين أن الثورة المصرية لم تطيح بالرأسمالية، إلا أن هذا مجرد لمحة عما يمكن أن يحدث على نطاق عام من خلال الثورة الاشتراكية والجهد الجماعي لبناء مجتمع جديد. ومن خلال التحول الجذري للأساس الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع علي النهج الاشتراكي، سيتم القضاء على جذور القمع الهيكلية والاقتصادية. فبدون وجود أقلية تستغل الفئة المنتجة للربح، لن يكون هناك أي تحرك اجتماعي أو مادي لتقسيم الأغلبية وتقسيمها على أساس الجنس أو التوجه الجنسي أو العرق أو اللغة أو الدين أو أي فئة أخرى. فعندما لا نضطر إلى التنافس على العمل والتعليم والغذاء والماء والسكن، فإن الطريقة التي نتصل بها فيما بيننا ستتغير على مستوى أساسي. ويمكن للزعماء المنتخبين ديمقراطيا في أماكن عملنا، بالإضافة إلى الرقابة الديمقراطية على عمليات التوظيف، أن يحول ذلك دون الممارسات التمييزية في مكان العمل. وستؤدي الملكية الجماعية والديمقراطية للسيطرة على وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية إلى قطع شوط طويل نحو مكافحة المواقف التمييزية في المجتمع وضمان تعليم التنوع وثقافة تقبل الآخر للإنسانية. إن تغيير الأساس الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع سوف يصاحبة تغيرا عميقا في النظرة العالمية لمواقف الجماهير. وغالبا ما يتعرض الماركسيون لانتقادات بسبب طرحهم حل من أعلى إلى أسفل واحد يناسب الجميع. ولكن على العكس من ذلك، الثورة الاشتراكية في حياة الناس اليومية تجعلهم يقومون بأخذ مصيرهم بأيديهم وبناء مجتمع جديد لأنفسهم. الماركسيون يرغبون في توجيه الجماهير نحو الإطاحة بالرأسمالية وإقامة مجتمع اشتراكي، وخلق الأساس الاجتماعي والاقتصادي الذي لن يكون فيه للتفاوت والاضطهاد والاستغلال أساس مادي فى المجتمع. وبذلك ستتاح للجماعات المضطهدة تاريخيا الفرص والموارد التي تحتاجها لتلبية احتياجاتها التي تكونت عبر عقود من القمع والتمييز. وعلى هذا الأساس من المساواة الاجتماعية الحقيقية يمكن للناس أن يبدأوا في التواصل مع بعضهم البعض على مستوى أكثر إنسانية؛ من خلال بناء مجتمع جديد، سيصبح هذا الوعي الجمعي الجديد ممكنا.