ظاهرة التحرش - تحليل سيكولوجي سوسيولوجي



تامر البطراوي
2018 / 3 / 16

مدخل حول طبيعة النفس وفهم السلوك
قبل الحديث عن ظاهرة التحرش دعونا نستطرد حول فهم الطبيعة الإنسانية والإجتماعية كمدخل لفهم الظاهرة.. الإنسان كائن مادي يمكن إداركه بالحواس الخمسة تحركه طاقه.. حركة نحو النمو وسعي نحو السعادة.. شرط تلك الحركة والتحريك ضمان استمرار سريان الطاقة بالجسد.. وشرط ضمان ذلك السريان سلامة أعضاء حيوية بالجسد.. فلو تلفت تلك الأعضاء الحيوية لسكنت الطاقة.. ولو سكنت الطاقة لتوقف التحريك واختفى الإنسان.. طالما أن الجسد صحيح والطاقة سارية فالإنسان موجود..
المعلومة هي شفرة تحريك بتلك الطاقة المُحركة.. تدخل المعلومات إلى الجسد الإنساني عبر ثلاث منافذ حسية، وهي السمع والبصر والإحساس باللمس، تترجم أعضاء تلك الحواس الإستجابة للمثيرات التي تتلقاها إلى إشارات كهرومغناطيسية وتنقلها للمخ.. وبالمخ تنتقل تلك الإشارات إلى مناطق معينة وفقاً لطبيعتها، وفي تلك منطقة من المخ والتي تم توجيه الإشارة إليها، تمر الإشارة داخل الخلايا العصبية على بروتينات خام.. وبمرور تلك الإشارة على البروتين يتم إعادة تشكيل جزيئات البروتين وفقا لبصمة الإشارة الداخلة والتي تستنفذ طاقتها بذلك التأثير بإعادة تشكيل جزئيات البروتين.. إذا كانت الإشارة قوية أو تم إعادة تلك العملية أكثر من مرة لنفس الإشارة فإن التشكيل يكون أكثر بروزا أو تلك العلاقة تكون أكثر قوة وتماسكاً، بحيث يتم إصدار نفس الإشارة مرة أخرى بسرعة بإثارة الخلية بالطاقة فيما يعرف بالذاكرة القوية، أما إذا كانت الإشارات الداخلة للخلايا العصبية ضعيفة لضعف التركيز وكثرة الإشارت فالتأثير على تشكيل تلك الجزيئات يكون ضعيف جدا، أشبه بالخربشة السطحية على صفحات البروتين، وبالتالي إثارة بروتين تلك الخلايا يصدر عنه إشارات ضعيفة جدا يصعب إداركها..
ومن المهم التأكيد على أن كل الإشارات التي تدخل لذهن الإنسان عبر حواس السمع والبصر واللمس منذ لحظة نشاطه العقلي وحتى قبل ميلاده هي مدونه!! نعم جميع المناظر التي نمر بها عبر سفرنا جميع الصور الدقيقة التي لا يمكن إدراكها بالأفلام... جميع الكلمات والأصوات العابرة التي لا ندركها عبر طرقاتنا وخلال حياتنا.. هي بالكامل مسجة في أدمغتنا! .. لا يمكننا إدراكها بالقطع لأنها تدخل إلى المخ ولكن عبر إشارات ضعيفة وكثيفة جدا ولكنها مسجلة!
وبجانب ذلك المكتسب الضخم بنوعيه المدرك وغير المدرك فإن الخلايا العصبية للذهن البشري تحوي نوعين من البروتينات كمعلومات يولد الإنسان وهي معه.. النوع الأول المعلومات الغريزية والتي يشترك في أغلبها الإنسان والحيوان.. والنوع الثاني هو المعلومات الوراثية المكتسبة من العرق والمجتمع والقرابة، المعلومات الموروثة بشقيها خاصة الغريزية لا تتغير فيما تعرف بالصبغة الوراثية، بينما يمكن أن يحدث تأثير طفيف بالصفات المكتسبة من القرابة عبر الأجيال.. بصمة تلك البروتينات يمكن تشبيهها بالحفر البارز على صخر الجرانيت والذي لا تتلفه عوامل الطبيعة عبر آلاف السنين..
وبذلك نكون قد ذكرنا على عجالة ثلاث أنوع من معلومات الذاكرة المعلومات والمدونة على بروتين الخلايا العصبية أو ما يعيه الذهن البشري وهي المعلومات الغريزية والمعلومات الموروثة اجتماعيا والمعلومات المكتسبة.. هذه الأنواع الثلاثة عندما يتم إثارة مراكزها بتدفقات الدم ومن ثم إنبعاث الطاقة تقوم تلك البروتينات بإصدار نفس الإشارات التي تم حفظها عليها بنفس التردد.. التردد هو تكرار الموجة في الثانية وهو معيار إدراك الإنسان لتلك المعلومة التي يصدرها المخ.. أعلى الموجات التي يصدرها المخ من حيث التردد أو أسرع الموجات هي موجات جاما وتمثل أعلى درجات النشاط الدماغي، تليها موجات بيتا ويصدرها المخ عندما يكون بحالة نشاط، تليها موجات ألفا ويتم إصدارها حال النشاطات العقلية الهادئة، ثم موجات ثيتا وهي موجات لا يمكن للعقل الواعي إدراكها وتظهر بحالة النوم غير العميق، وأخيرا موجات دلتا وهي أبطأ الموجات الدماغية والتي تظهر بحالات النوم العميق..
لك أن تتخيل أن الذهن بما يعيه من خلايا عصبية تحوي البروتينات التي تشبه سجلات التسجيل تشمل ثلاث أنوع من المعلومات الغريزية والموروثة والمكتسبة.. هذه المعلومات يتم حفظها أو إصدارها وفق خمس مستويات هي من الأعلى للأقل جاما وبيتا وألفا وثيتا ودلتا.. يتفاعل ذلك المزيج بشكل مستمر.. فعندما يتم إثارة معلوماتين تتقاطع موجتيهما لتشكيل موجة ثالثة أو معلومة جديدة يتم تسجيلها بنفس الطريقة على سجلات البروتين داخل الخلايا.. ونتيجة لذلك النشاط الدماغي تنشأ العقد العصبية باستمرار لتصل مكونات الخلايا ببعضها والتي ينتج عنها اشارات جديدة وربط معلوماتي جديد...
ياله من نشاط عقلي ضخم ومهول يحدث داخل أدمغتنا.. لا يتوقف للحظة.. حتى في فترة النوم! .. كل ما هنالك أننا في حالة اليقظة يمكن لعقلنا إدراك تلك الترددات العالية للموجات التي يصدرها المخ، وذلك ما نطلق عليه الوعي، أي ما يمكننا أن نعيه وندركه.. وعندما ينخفض نشاط المخ بحيث لا يصدر الموجات ذات الترددات العالية جاما وبيتا وألفا.. حينها نكون قد نمنا أو في لحظات غفلة أو غفوة... أما الموجات ضعيفة التردد وهي ثيتا ودلتا فالعقل لا يتوقف على إصدارها.. ولكننا لا ندركها لإنخفاض ترددها... الموضوع أشبه بحجرة يتحدث فيها مجموعة من الأشخاص بصوت مرتفع جداا عبر مكبرات صوت، وآخرون بصوت مرتفع، وآخرون بصوت معتدل، ثم منخفض جدا، ثم من يهمسون... بالقطع لا أحد سيسمع ذوي الهمس أو الصوت المنخفض وصت كل هذه الأصوات.. نفس الأمر بالنسبة لأدمغتنا.. لا يمكنها إدراك الترددات المنخفضة حال اليقظة.. كل ما هنالك أن أدمغتنا قد تدرك بعضاً من تلك الموجات المنخفضة حال الغفلة فقط فيما يعرف بالحلم.. ومع ذلك فهي دائما مستمرة ومؤثرة..
وبناً عليه... هذه الشبكة الضخمة من الإشارات ذات المعاني والمسجلة وفقا لخمس مستويات سواء أكانت موروثة أو مكتسبة ستشكل في مجموعها البصمة النفسية للإنسان.. سيتفاعل ذلك الكل المخزن والمتغير باستمرار مشكلاً ما تراكب عليه من فهم الإنسان لتلك المعلومات.. أو ما يتركب داخل عقله من إشارات جديدة ناتجه عن تفاعل المعلومات المخزنة بتكوين عقد عصبية جديدة.. بصمة الوعي هي المكون المعرفي والتشكيل المعلوماتي الخاص داخل مخ كل فرد والذي يستحيل أن يتطابق مع أي فرد آخر مهما تشابهت أو تطابقت ظروف نشأتهما.. تلك البصمة من الوعي ستؤدي بدورها إلى تشكيل بصمة أخرى وهي البصمة النفسية أو السلوكية للفرد.. والتي سيتحدد على أساسها تصرفات الفرد حيال المواقف.. وفقا لتلك البصمة النفسية يمكننا التنبؤ بسلوك الإنسان حيال المواقف المختلفة.. بل إن العقل نفسه بمستوياته اللاوعية سيكون أكثر من يستطيع التنبؤ ومعرفة وفهم سلوكه المستقبلي وسلوك بعض الآخرين بمحيطه حيال المواقف وتحديد مواقفه منها وذلك قبل أن يحدد العقل الواعي اختياراته أو سلوكه حيال المواقف..! فيما يعرف بشعور الحدس حيال المواقف والآشخاص والذي لا نملك تفسيره أحياناً بشكل مقنع ومنطقي.. وكذلك الرؤى والأحلام التي نتعجب من أنها تتحقق بالواقع وما هي إلا توقعات ذكية لأدمغتنا..!
موضوع بصمة النفس أو الكينونة النفسية للشخصية يمكن تشبيهها بكينونة الجسد.. جميع البشر في كل مكان وزمان رجال أو نساء مع اختلاف أعمارهم يتشابهون في تكوين الجسد ولكن لايتماثلون.. الجميع لديه رأس ووجه عينان أذنان أنف فم.. جسد.. أطراف يدان ورجلان... التكوين الداخلي لأعضاء الجسد واحد.. ومع ذلك هناك أختلافات يمكن تمييزها عن قرب مصطلح على تسميتها بالشكل المميز للجسد.. الأفراد الذين ينشأون في بيئات معينة أو ذوي الأعراق الواحدة تكون لهم صفات جسدية متشابهة بشكل كبير.. سكان الصين.. أفريقيا جنوب الصحراء.. الأوروبيين.. الهنود... ومع ذلك فهم غير متماثلين ويمكن عن قرب التمييز ما بين الاختلافات الجسدية لكل فرد على حدة.. بل والأكثر من ذلك لكل جسد بصمة دقيقة تظهر عبر الفحص الدقيق بأجهزة خاصة... نفس الأمر بالنسبة للجسد المعنوي أو الجسد النفسي.. أو الشخصية.. ذلك الكل المعنوي الذي يسكن داخل الجسد ويحركه.. والذي يمكن وصفه بالإنسان الذي هو داخل كتلة اللحم.. هذا الإنسان متشابه التكوين العام بين جميع البشر بكل زمان ومكان.. متشابه الكبير مع الصغير.. الذكر مع الأنثى.. الإنسان الإفريقي مع الآسيوي مع الأوروبي مع الأمريكي... ولكن مع ذلك التشابه فكل مجتمع أفراده تجمعهم خصائص نفسية تميزهم.. وكل فرد له بصمة نفسية أو شخصية تميزه.. يمكن ملاحظة ملامحها المميزة.. ولكن بصمتها العميقة ستتطلب تحليل خاص.. العلاقة هي سلوك ما بين طرفين.. كل سلوك يشترك فيه كل البشر تجاه طرف آخر هو سلوك انساني.. أي يجتمع عليه الإنسان بطبيعته.. أما كل سلوك يشترك فيه المجتمع تجاه طرف آخر ويميزهم فهو سلوك اجتماعي.. يميز مجتمع عن غيره..
نستعرض كل ذلك التفصيل كمدخل للحديث عن الجانب السلوكي للأفراد بألوانهم الإجتماعية تجاه الجنس الآخر.. من حيث الدوافع الجنسية والسلوك.. الدافع هو الشئ الباعث على الحركة والتحريك والسلوك.. هو جملة من الوعي أو المعرفة.. والتي تمثل المفهوم الشخصي من المعلومات المسجلة بالذاكرة.. تلك الجملة المعرفية تولد إحساس أو شعور بالحاجة أو الرغبة.. الإحساس هو استجابة لمؤثر عضوي كالإحساس بالسمع والبصر والشم واللمس والتذوق... أما الشعور فهو استجابة لمؤثر معنوي للجسد النفسي... يبقى لنا التفريق ما بين الحاجة والرغبة.. الحاجة طلب لشئ تلبية إحساس أو شعور.. كالحاجات الحسية للطعام والشراب أو الحاجة للإشباع الجنسي.. أو الحاجات الشعورية أو النفسية كالحاجة للأمن والإنتماء والولاء.. أما الرغبة فهي الإختيار المحدد للشئ أو المنفعة التي تشبع ذلك الطلب أو الإحتياج.. على سبيل المثال أنا أحتاج للطعام ولكني أرغب في وجبة معينة بخصائص محددة.. أحتاج للإشباع الجنسي ولكن أرغب في مواصفات محددة لشكل وطريقة ذلك الإشباع... وبناءً عليه فالدافع للسلوك هو إما اثارة الحاجة أو الرغبة..
الجسد النفسي الذي تحدثنا عنه يتضمن مناطق مميزة متفاعلة مع الكل النفسي يمكن تشبيهها وظيفياً بالعضو في الجسد.. ومن أبرز تلك المناطق منطقة أو مركز الجنس.. هذه المنطقة والتي تشمل المعلومات والمعرفة المتكونة حول موضوع الجنس بتدرجها الأصيل بدءا من المستوى الغريزي فالموروث فالمكتسب.. وتدرجها الترددي بدءا من المستوى الواعي إلى المستوى اللاواعي.. ذلك الكل المتفاعل من المضمون المعلوماتي المعرفي هو ما يصدر عنه الحاجة والرغبة في الإحساس والشعور الجنسي.. والذي ينعكس بدوره في صورة سلوك الفرد نحو إشباع تلك الحاجة وما يتصوره من رغبة تجاهها..
الحاجة للجنس ليست نفسها هي الحاجة للحب.. وإن كانت تربطهما علاقة ارتباط.. كما أن الحاجة للطعام ليست هي الحاجة للشراب وإن كان ما بين الطعام والشرب علاقة.. الحاجة للجنس والرغبة الجنسية تلبية حسية بالأساس.. أما الحاجة للحب ورغبة الحب هي تلبية شعورية بالأساس.. كلاً من منطقتي الجنس والحب متقاربتان متقاطعتان من حيث كونهما واقعتان على الجنس الآخر.. ويحدث بينهما تفاعلات لاوعية ولكن ليس كلاً منهما هو الآخر..
الحب هو حالة شعورية من الإحتياج للحنية والعطف من الجنس الآخر وفق علاقة تقوم على أساس فهم مشترك وثقة متبادلة.. أما الحب كرغبة فهو شعور متدرج بالإنجذاب تجاه شخص معين يتحقق معه ذلك الإحتياج.. الحِنية هي لين الجانب وكل ما يضاد القسوة.. أما العطف فهو انعطاف جملة من الشعور تجاه آخر.. أبرزها الشعور بالإنتماء والولاء تجاه آخر.. والشعور بالإحتواء النفسي لدرجة الإندماج والتأثر والمعايشة لما يشعر به الطرف الآخر.. يمكننا أن نلحظ بالإدراك الحسي تميز الجسد الأنثوي بقدر أعلى من الليونة ومع ذلك فهو لايخلو من تكوين صلب.. وتميز الجسد الذكري بقدر أعلى من القسوة ومع ذلك فهو لا يخلو من قدر من الليونة.. نفس الأمر فيما يتعلق بالجانب النفسي للأنثى والذي يتطلب تكوينه ونموه قدراً أكبر من الحنية والعطف من نفس الذكر.. خاصة خلال مراحل عمرية معينة.. وهو ما يفسر كون احتياج الأنثى للجنس الآخر ينبع بقدر أكبر من احتياجها للحب من احتياجها للجنس..
الأنثى تحتاج للإحساس والشعور بالتفوق الجسدي والعقلي والنفسي والإجتماعي للذكر... لتلبية بالأساس حاجات الأمان والإحتواء.. بخلاف التفوق الجسدي الذي يمكن إدراكه حسياً.. فإن الشعور بالتفوق والثراء بجملته يعبر عنه سلوك الثقة والإعتزاز بالنفس.. فالبضاعة الرائجة لا تحتاج إلى تدليل ومبالغة في العرض.. كما أن ذلك التفوق يستدل عليه بالقدرة على التمييز السلوكي.. متى يكون الهزل مطلوبا ومتى يكون استهتاراً.. ومتى يكون مبالغة وسخافة.. متى يكون الجد مطلوبا وكيف يكون الإسراف فيه منفراً كريها يستحيل معه الفرد لماكينة جامدة... وبنفس المنطق متى يكون الموقف ملائما لسلوك جنسي.. أو يكون تجنب السلوك الجنسي أمراً مستنكراً.. ومتى يكون السلوك الجنسي جريمة منحطة ولو مجرد بادرة..! الإنسان يحتاج إلى الطعام نعم.. ولكن ليس في كل حين وطوال الوقت.. ليس وقت العمل ولا وقت النوم ولا الأوقات التي لايكون العقل مهيئاً خلالها ومستعدا لسلوك تناول الطعام.. نفس الأمر بالنسبة لسائر الحاجات خاصة فيما يتعلق بالحاجات الجنسية.. إثارة تلك الحاجة يرتبط بتغيرات جسدية وعمرية وملائمة وقتية وظرفية.. ترتبط بمدى ملائمة النشاط اليومي أو السكون الليلي.. مدى ملائمة المود النفسي والإنفعالي.. إلى آخره من العوامل التي يتحدد على أساسها توهج الحاجة الجنسية أو سكونها.. ذلك العامل، وهو شرطية الملائمة الموقفية ربما يشترك فيه كلاً من الذكر والأنثى.. أما الملاحظة الأكثر اختلافاً فهي طبيعة الإثارة الجنسية بين الطرفين.. والتي تبدأ خافته ومتدرجة بطء لدى المرأة وتستمر لفترة أطول من الرجل.. بينما تتم إثارتها بشكل سريع لدى الرجل وتستمر لفترة أقل من المرأة.. وهو ما يستدعي توافق زمني ما بين الشريكين..

إشكاليات الفهم الذكوري لسيكولوجيا الرغبة الجنسية لدى الأنثى
الأنثى ليست ذلك الكائن المتردد
تميل التفاعلات الفكرية داخل عقل الذكر نحو الإتجاهات المباشرة.. بينما تميل تلك التفاعلات إلى الانعكاسات المتعددة داخل عقل المرأة.. مما يفسر ميل الرجل إلى التصريحات المباشرة.. في حين ميل المرأة نحو التعبير غير المباشر المتضمن لفكرة ذكية.. هذه الإنعكاسات الكثيفة للأفكار داخل دماغ الأنثى.. والتي تصدر عنها اشارات غير مباشرة.. قد يتم تفسيرها على أنها نوع من التردد.. سلوك بالرغبة والرفض في نفس الوقت.. ذلك الفهم الخاطئ تعبر عنه جملة (بتحب بس بتتمنع)، (يتمنعن وهن الراغبات).. أكرر أن ذلك فهم خاطئ ومختلف بشكل كبير عن حقيقة طبيعة الأنثى.. فلا هي كائن ترددي لا يعي حاجته ورغبته.. ولا هي النفس حاسمة التصريحات..

الأنثى ليست طالبة للتحرش
نعم النفس تحب الإطراء الجسدي والروحي (أو النفسي) والعقلي... الإطراء بالجمال يشبع الحاجة للشعور بالثقة والدعم والتقدير والتميز.. هذا الشعور تحتاج إليه النفس بالعموم سواء نفس لذكر أو أنثى.. بينما قدر ترغب فيه من شخص معين بعينه وبطريقة معينه دون آخرين.. الحاجة لذلك الإطراء والحاجة للتعبير عنه شأنه شأن سائر الحاجات يتحدد بمواقف وظروف وملابسات معينة.. فقد يكون من أدبيات التعامل المستحسنة في مواقف وقد يكون لوناً من ألوان التحرش أو السخافة في مواقف أخرى.. آفة مجتمعنا في عدم التمييز لقصور الإدارك.. عبارة (هي بتحب تتعاكس)، (لو كانت محترمة مكانتش لبست ضيق أو عريان)، (إيه اللي نزلها من بيتها) عبارة كثيراً ما يرددها المتحرش الساذج بالمجتمعات الفوضوية.. ظاناً منه عشق الأنثى وتلهفها لعباراته السمجة الساذجة.. قد تأخذ الإشكالية بعدا آخراً تكون المضايقة عن تعمد لوضاعة نفس المتحرش.. والتي لا يمكن أن يقومها حينها إلا قانون رادع وتنفيذ جاد..

الأنثى الواعية لا تقبل الإهانة أو التحقير
الفحص المتوغل للطبيعة اللاوعية للأنثى قد يظهر ميل الأنثى أحياناً لقدر من التعنيف أو الإذلال أو السيطرة.. ولكن ذلك بحالات معينة من الممارسة الجنسية كنوع من المداعبة الحميمة.. ولكن نؤكد أنه كينونة لاوعية.. سلوك قد تظهر الحاجة له مع التغييب للوعي كدرجة من الإثارة الحميمية.. ولكن ما أن تلبث الشهوة في انطفائها والنفس لسكونها والوعي لعودته.. حتى تستعيد النفس مرة أخرى حالتها الواعية فيصبح التعنيف بالمواقف الواعية قدر من الإهانة المرفوضة المستنكرة بعد أن كان نوعا من المداعبة الحميمة.. الإشكالية تحدث عندما يفقد الذكر أو الأنثى القدرة على التمييز بين ما يتطلبه كل موقف وما يناسبه من سلوك ظاناً الذكر كون الأنثى بطبيعتها تعشق العنف والتعنيف بطول الخط فيستحسن الشخصية المتسلطة ظاناً أن ذلك ما تطلبه الطبيعة العميقة للأنثى وإن تظاهرت بالرفض.. أو على العكس بكونها تعشق التبجيل وقدر من الحياء بطول الخط فيستحسن الشخصية المتحفظة المنضبطه طول الخط وعلى كل المواقف.. حينها يفقد الذكر القدرة على التوافق بمرونة مع المواقف الحياتية وتحدث الإشكاليات النفسية العميقة..

الأنثى ليست راغبة في الإغتصاب دون تصريح
التكوين النفسي العميق للأنثى والذي أكسبها الحاجة للشعور بتفوق الذكر وما يستتبع تلك الحاجة من سلوك خاص أثناء الممارسة الحميمة، قد يتولد عنه بحالات معينة ووفقا لطبيعة الإثارة الحميمة وظروفها إلى ممارسة حالة أشبه بالإغتصاب أو الغصب كنوع من الألعاب الجنسية.. التكرار الأكيد أنه نوع من الألعاب الجنسية أشبه منه إلى التمثيل.. التي قد تستثار الحاجة والرغبة إليها مع تغييب الوعي أثناء العلاقة الحميمة ولا يظهر أبداً حال الوعي والإتزان العقلي.. والتي يصبح حينها جريمة واعتداء فج يعدل القتل! .. الميل لذلك النوع من الممارسات غير التقليدية ليس قانوناً معماً.. بل قد يتم التوافق عليه لدى الشركاء الذين يميلون بطبيعتهم للممارسات غير التقليدية أكثر من غيرهم.. ولعل ذلك ما يفسر سر المعدلات العالية لميل زوار المواقع الإباحية على اختلاف جنسهم نحو مشاهدة مقاطع الإغتصاب الإباحية.. الإشكالية ليست في مكنون اللاوعي البشري.. وإنما الإشكالية في السلوك الخاطئ والناتج عن قصور في الفهم المتكامل للطبيعة الأنثوية والذكرية للنفس البشرية.

الأنثى البعيدة عن الممارسة الجنسية ليست مختلة نفسية مثارة جنسياً
الإشباع والدافعية إشكالية أخرى وتحدي تواجه الوعي الذكري لفهم الطبيعة الأنثوية.. الوعي الذكوري الخاطئ قد يفسر أن الأنثى طالما مارست إشباع حاجتها الجنسية فهي لن تقوى على التوقف عن ذلك الإشباع وستتولد لديها دافعية مهولة تنتظر مجرد بادرة استعداد من أي ذكر.. فهي إن كان لها تجربة بغير زواج أو مطلقة أو أرملة أو منفصلة بشكل آخر.. فهي امرأة ذات دافعية متوقدة تعاني ويلات الحرمان تتلهف لأي استعداد ذكري.. وفي مقابل ذلك الخطأ الفادح في الفهم نجد إنحرافاً آخر بكون العذراء التي لم يسبق لها خبرة الممارسة ما هي إلا بركان شهوة تتوقد شوقاً للممارسة.. كلا الفهمين جانبهما الصواب بقدر بالغ.. قد تكون الأسباب تتعلق بتنشاة اجتماعية ركيكة أو مؤثرات اعلامية منحرفة أو قصور ذاتي على فهم الواقع.. أيا كانت الأسباب فالنتيجة الحتمية ستكون سلوك التحرش بكلاً من العذراء أو من سبق لها التجربة الزواجية.. وفي كل حالة سنجد مبررات اجتماعية ساذجة..

إشكالية التحرش ليست أنموذجا واحداً
المتزوج يتحرش.. والمدير في مكتبه يتحرش.. والزميل يتحرش.. الجار يتحرش.. والرجل الفقير الغير قادر على الزواج يتحرش.. والرجل الغني القادر على الزواج يتحرش.. الطفل الصغير الذي هو دون الصبا يتحرش.. وكبير السن الذي وهن منه الدافع الجنسي أيضاً يتحرش.. بالدول النامية الذكور متحرشون.. وبالدول المتقدمة فضائح التحرش لكبار الزعماء والنجوم لا تخفى على الجميع.. ما المشكلة إذا؟ .. بشكل عام لا يمكننا الوقوف على نموذج سببي للظاهرة قابل للتعميم في كل مكان وزمان.. فلكل محل اجتماعي ظروفه وملابساته الخاصة وأسبابه التي عززت ظاهرة التحرش.. الأسباب التي ولدت ظاهرة التحرش في دولة ما خلال الفترة المعاصرة ستكون مختلفة عن أسباب الظاهرة من مائة عام بنفس الدولة (إن وجدت).. أو أسبابها خلال المائة عام القادمة (إن استمرت).. لا يمكننا الجزم بأن التحرش بعمومه هو ناتج عن مجموعة أسباب الفقر وضيق سبل الزواج، أو النظرة الإغتصابية لغير المحجبة الناتجة عن الموروث الديني، أو غياب الرادع القانوني.. أو ثقافة مجتمعية سائدة بتبجيل المتحرش...إلخ، وإن كانت جميعها قد تكون أسباب بنسب معينة في مجتمعات معينة..
علاج ظاهرة التحرش يبدأ بالفحص للظاهرة وفقا للظروف المحلية الخاصة لكل مجتمع على حدة في ضوء عمقها الزمني وتفاعلاتها البينية.. ثم وضع تحركات فعالة لمواجهة العوامل التي ولدت تلك الأسباب.. بجانب تحركات أخرى لمواجة مباشرة للظاهرة.. نشر الثقافة حول الطبيعة النفسية والإجتماعية واحترام الناس مع اختلاف أعمارهم وجنسهم أو أعراقهم.. والإنفتاح بين الجنسين.. كلها عوامل قد تعزز من الإحترام والفهم المتبادل بين الجنسين.