النساء بين الإلهة المعبودة و الذليلة المحتقرة ... و فتّش عن المرأة



أسعد أسعد
2006 / 3 / 11

إن أول إمرأة في التاريخ البشري بحسب المخطوطات الدينية كان اسمها حواء و قد دعاها الرجل التي خُلقت منه - و الذي كان قد دُعي آدم - بذلك الإسم لأنها كما قال هو إنها أم كل حي
و كانت الحياة تجري في مكان إقامتهما الأوّل المدعو جنة بتوازن تام فالمخطوطات تقول إن المرأة خُلقت من جسم الرجل لتكون مُعينا نظيره أي مٌُعادل له تماما و لكي تُشاركه في الأعمال و الواجبات و المسؤلية في إدارة شئون الجنة من أرض و نباتات و أشجار و حيوانات تمهيدا لكي يتمكنا و نسلهما من بعدهما من السيطرة و إدارة شئون كوكب الأرض الذي أصبح يعيش عليه نسلَهم من بعدهم
لقد كان آدم وحواء يعيشان في جنتهما الاولي بسطاء أنقياء و تقول المخطوطات أنهما كانا عاريين في بساطة طبيعية فلا تستر حواء أي جزء من جسدها و لا يخفي آدم جسمه و تقول المخطوطات أن كلاهما لم يخجلا من عريهما هذا فالحياة بينهما كانت تسير في نقاء و طهارة و بساطة مجردة من أي تركيب معقد
إلاّ أنهما لم يكتفيا بذلك بل طلبا المعرفة و سُلطانها طلباََََ لأن يكون لهما الحكم في تحديد و تشريع ما هو الخطأ و ما هو الصواب في ما بينهما و لما حصلا علي المعرفة كان أول ما وقعت عليه أعينهما هو عريهما و إذا بهما يخجلان و يخافان و يهربان في الجنة و يختبئان بالاشجار و يحاولان ستر جسديهما بأوراقها فقد صار عريهما مشكلتهما الأولي فحكما عليها بحسب معرفتهما التي حصلا عليها فاعتبرا أنه خطأ ينبغي ستره و إخفاءه خلافا للفطرة التي جُلبا عليها
و القصة المأساوية تقول أنه لسبب ما فقد تم طرد الرجل و المرأة من مكان إقامتهما السعيد مع الحياة من الجنة إلي الأرض ليواجها الشقاء و المتاعب و الألم و النهاية الموت و لقد وُضِع للرجل أن يكون نصيبه الكد و العرق و الجهد المضني في العمل لكي يجد ما يسد به رمقه و أما المرأة فالوجع و الصراخ و الألم لكل مولود تضعه فيخرج منها إلي عالم الشقاء هذا
إلا أن الوضع الذي وجدا نفسيهما فيه ليس فقط يحتم عليهما مواجهة مطالب الحياة علي الأرض التي حلّت عليها اللعنة بل أن يواجه كل منهما الآخر فحواء تشتاق و تسعي إلي تملّك آدم و السيطرة عليه فقد إنعدم إحساسها بالأمان و آدم يستخدم فحولته و عنفوانه لكي يسود عليها و يفرض سيطرته عليها و تجلّت طبيعة الصراع في قصة و لديهما الأولين إذ قتل أحدهما الآخر و قام و هرب و ترك أباه و أمه ليعيش تائها في أرض بعيدة
و يقول مفسري المخطوطات القديمة إن حواء هي السبب في هذه المشكلة لأنها هي التي طلبت المعرفة و هي التي أقنعت آدم أن يسعي وراءها و بينما ألقت حواء بالمسؤلية علي أحد المخلوقات الذكية الذي تسرب إلي الجنة و أقنعها بأهمية طلب المعرفة فإن آدم ألقي عليها اللوم و إنها هي حواء كانت سبب المصائب التي وجد نفسه فيها لأنها ضحكت عليه و أغرته بالإنضمام إليها في طلب المعرفة و سلطانها
هذه هي بداية مأساة التاريخ البشري كما ترويها لنا المخطوطات القديمة و كما يحكيها لنا مفسروها و مهما اختلفت آراؤنا في هذه المخطوطات فالواقع الذي نعيشه إننا علي هذه الأرض الآن نواجه أمورا حتمية أولها خجل آدم من عري حواء الذي صار مصدرا لتعاسته في دينه و دنياه في كل الثقافات و الحضارات و ثانيها آلام حواء و عذابها لكي تُخرِج كلا منا إلي هذا العالم و ثالثها تعب و عرق و ألم العمل و الكفاح لسد إحتياجات الجسد من جوع و عطش و عري و آخرها الموت
و المتابع لقصة التاريخ البشري سيفاجأ و يدهش و لن يستطيع أن يُنكر إن الصراع الأطول و الأعتي ليس صراع الحضارات و الثقافات و لا حتي الديانات إنه صراع الرجل و المرأة صراع مؤلم و مرير خسر الرجل فيه الكثير لان صراع الرجل مع المرأة إذا كسب الرجل فيه جولة الصراع و أخضعها لفحولته و عنفوانه فقد خسر رجولته بكل و أعمق معانيها و مصيبته أنه يحس بالخسارة ولكن قد لا يدرك ماهي لأن المعايير انقلبت في داخله فالصواب أصبح خطأ و الخطأ هو الصواب فالشريكة الصديقة أصبحت كسيرة ذليلة و عاد هو وحيدا كما كان لأنه قد فقد مُعينه و إذا كسبت المرأة المعركة و سيطرت علي الرجل و تسلّطت عليه فمهما كانت أسلحتها و مهما كانت وسيلتها فقد إنكسر شئ في أعماقها و هي قد لا تدرك ما هو لأنها تكون قد خسرت مَن تحتاجه أن يحترمها و يجلها و يقدر لها موقفها إلي جواره معينا لحياته فإذ هو بين يديها العوبة و أضحوكة
لقد مـرّت حواء علي مر التاريخ بأقسي ما يستطيع أن يحتمله إنسان ففي السّلم فهي مُدانة لأنها سبب المصائب الاجتماعية و لا تَسلم من التحرّش و محاولات الايقاع بها فالذئاب من حولها في كل مكان و حتي لُقمة عيشها لها ثمن فهي راقصة للسكاري و لحم رخيص للخلاعي و في الحرب هي هدف الإغتصاب و السبي تُباع في سوق النخاسة أو تُهدي كناقة أو بعير و في الديانه هي سبب المصيبة التي وقع فيها آدم لذلك يجب قهرها و تحجيم دورها في الحياة و أحيانا إخفاءها خلف نقاب سميك و في كل أحوالها فهي الأم التي تتوجع و تئن و تموت أحيانا لكي تلد إنسانا جديدا في العالم و إن لم تصر لرجل و فاتها القطار فهي عانس شمطاء و إذا صارت زوجة ولكن لم تنجب فهي العاقر المضروبة و الملعونة أحيانا رفعوها و الّهوها فهي إيزيس و ديانا و أفروديت و عشتار ملكة السماوات و عشيقة الآلهه و أحيانا ضحية بشرية علي مذبح الآلهة الشرهة لدمائها رفعوها قديسة في السماوات و جعلوها راهبة الإلهيات و أيضا أخذوها و جرجروها إلي محاكم التفتيش و أحرقوها حيّة لانها ساحرة رفيقة الشياطين وأدوها و هي طفلة خشية الفضيحة و العار و قليلا جدا ماتوجوها ملكة و كان ذلك رغم أنف الزمن و صُدفة في التاريخ بين الأ حداث
و في زماننا هذا فهي مازالت زارعة في المزارع و حاملة أثقال و طوب و رمل في المشروعات و المباني و هي عاملة في المصانع و مُدرسة في المدارس و ممرضةو طبيبة و مهندسة و مغنية و فنانة و رئيسة في الأعمال و في السياسة حظّها في بعض البلاد في القاع و حظها في البعض الآخر في القمة توّجوها ملكة جمال و جعلوا لها عيدين عيدا لأنها أم و عيدا لأنها امرأة يومان في السنة بينما هي تنسحق كل يوم و تدفع ثمن أنوثتها كل يوم و لا تبخل أن تعطي كل يوم و بين أبيها و ابنها و بين أخيها و زوجها و بين صديقها و حبيبها ستبقي امراة و سواء قهرها الزمن أو قهرته فستبقي دائما تحمل الحياة اليه فالدساتير لن تحميها و القوانين لن تنصفها الاّ ابتسامة رجل يُدركها يقف أمامها و ينحني و يأخذ بيدها و يقبلها و يقول لها أشكرك لأنك امرأة