المرأة القصيدة في -يداك- ياسر محمد ناصر



رائد الحواري
2018 / 3 / 27

من الجميل الحديث عن الحب، عن المرأة، فهي احدى العناصر التي تخفف عنا قسوة الواقع. ومن الطبيعي أن يكون هناك تناول لموضوع إنساني، حتى لو كنا نتعرض لواقع مؤلم وموجع، فالحديث عن افرح، عن المرأة، عن الكتابة، كلها تؤكد إنسانيتنا وعلى اننا نحب الحياة.
من هنا تأتي أهمية هذه القصيدة، فهي تعد تمرد على الواقع العام، وعندما يتناول الشاعر "المرأة" أساس وجود الحياة البشرية فهي يعطينا اشارة على تمسكه بالحياة، الحياة السوية وليس تلك التي لا نريدها، فالعنوان "يداك" يعطي فكرة مفتاح جميل لنتقدم من القصيدة، فهناك يد أنثوية سيتناولها "ياسر محمد ناصر" في قصيدته، التي يفتتحها قائلا:
"مــالــي أرى الآهــــاتِ تـــمـتَـــدُّ
أَهُـو الـرحيـلُ وَيُـقـتـلُ الـسَّـعــدُ"
الطريقة التي افتتح بها الشاعر القصيدة مشوقة، رغم السواد الذي تحمله الألفاظ، "الآهات، الرحيل، يقتل" لكن استخدامه لصيغة السؤال جعل الفاتحة مشوقة فهو يخبرنا عن حدث فيه رحيل والم فما هي حيثيات هذا الاحدث؟
" حـلــمٌ تــصـدَّرَ رَويَ قـافِـيـتــي
كــادت لــهُ الأحـــلامُ تـــنــهـــدُ"
يعود الشاعر إلى طريقة التشويق فيقدم لنا عناصر مهدئ جديد الكتابة "قافيتي" فهي أيضا لم تعد تمنحه الهدوء والسكينة.
هناك اصرار من الشاعر على دفعنا للتقدم من القصيدة، فيستخدم هذا السؤال ليحثنا على التوقف عن قصيدته:
" هل يسـتـطـيـعُ الحبُّ نصـرَتَـنـا
يـكـفـي الـهـوى لـو ضـمَّـهُ الــوِدّ"
الشاعر يتحرر من الألفاظ القاسية ويبدأ ينساب مع الحب، فهو هنا يتحدث عن مسألة شخصية، عن حدث يهمه هو، فقد حرر قصيدته من أسلوب الأسئلة التي تجذب المتلقي، واستبدلها بالألفاظ البياض والمضمون الجميل الناعم السلس، والذي يستمر بهذا الشكل:
" فَـيطـيـبُ ذِكـرُ الحبِّ لو طـرَأَت
بـيـنَ الـحـديـثِ والـهـوى شـهـدُ
مـديِّ حنـانَـكِ واسكـبِـي مـطـراً
إنَّ الـمـحـبَّـةَ فِـي الـدُّنــا رَفـــد"
الفاظ بيضاء ومضمون هادئ وجميل، وإذا ما توقفنا عند فعل الأمر سنجده "مدي" سنجد فيها شيء من صفات "عشتار" التي تمنح الخصب وصاحبت والحب الجمال، فالشاعر هنا اعطا محبوبته صفات أسطورية معظما إياها واضعها في مصاف الربات.
سنأخذ البيت التالي لنجد الفرق بين فعلي الأمر:
" لا تَـهـدمـي في الحـبِّ مـمـلـكــةً
كـانـت عـلـى الآفـــاقِ تــمــتــــدُّ"
بالتأكد الفعل الأول "مدي" كان ألطف وأهدى وأجمل من فعل "تهدمي" وهذا البيت إذا ما توقفنا عنده سنجده منسجم فعل الهدم، فيبدو لنا وكأنه مشوه، أو في غير مكانه.
يتقدم الشاعر من عنصر "الكتابة" المهدئ الثاني بعد المرأة فيقول:

" تـتـلَـعـثَــمُ الأشـعــارُ شَـاكِـيــــةً
فـالصمـتُ يُـسلـبُ والـنَّـوى نِـــدُّ
كـأسُ الهوى في الحـبِّ متـرعـةٌ
فِي قـاعِـهـا الأشـعـارُ والـشَّــهــدُ"
نجد الألفاظ القاسية التي جاءت في بداية القصيدة "تتلعثم، شاكية، يسلب، ند" وهذا التماثل مع فاتحة القصيدة يعطينا اشارة إلى حالة الاضطراب التي يعاني منها الشاعر، فالعلاقة مع محبوبته غير مستقرة، لهذا نجد اثرها في الألفاظ التي يستخدمها.
يتقدم الشاعر من الماضي السعيد، كحال أي فرد أو جماعة تسعى لخلق حالة من الاستقرار النفسي لها، فيقول:
" أيـامُ لــم يـكـنِ الـهـوى طــربــــاً
فـالـصَّـمـتُ في الأجـواءِ يــرتــدُّ
يَـدكِ الـتـي كـانـت تـراقِـصُـنــي
لـم تـمـحُـهــا الأيــامُ والــصَّــــدُّ
أمـسـت تُــلامـسـنـي بِـرقَّـتــهــا
بـقِـيَ الـهـوى مـن نُـورِهـا وخــدُ
حـتـى تــنـاثـرتِ الـهــمـومُ كـمـا
تــتـنــاثــــرُ الأزهــــارُ والــــوردُ"
المجتمع العربي بطبيعته يميل نحو الماضي، حتى اننا نجد البعض يستخدم "الماضي الجميل" كتعبير عن حنينه لمجد أو لكرامة أو جمال أو حب أو عطاء كان، والشاعر هنا يميل إلى ذات الاتجاه فيحدثنا عن ماضه السعيد محاولا من خلاله أن يجد فيه شيء من السلوى تجعله يستمر في تقدمه من المحبوبة، وهذا ما نجده في خاتمة القصيدة التي تشع فرحا وبهجةً.