عيب ... هاي مطلقة



مهند صلاحات
2006 / 3 / 12

على الرغم من الخطوة النوعية التي خطاها المجتمع الفلسطيني في تطوير وإيجاد مؤسسات مجتمع مدني فاعلة في داخله سعت بشكل راقي على تغيير وتطوير أدواته الاجتماعية والفكرية وتطوير عقلية أفراده وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص، إلا أن هنالك العديد من العادات السلبية المتراكمة من القيم الماضية بقيت تحكم بعض فئات المجتمع العربي والفلسطيني على وجه الخصوص.

وعلى الرغم من بروز عدد كبير من الكتّاب والمنظرين من المثقفين المدافعين عن المرأة إلا أنهم حتى اللحظة لم يخرجوا عن نطاق القالب التقليدي في الكتابة باستثناء حالات فردية من الدراسات والمقالات التي تطرقت لمواضيع حساسة لامست صلب الموضوع، فقالب حق المرأة بالعمل والتعليم واختيار الزوج المناسب وغيرها من أمور لم تعد بحاجة لهذا الزخم من البحث فقد تقلصت هذه العوائق التي تقف أمام هذه القضايا وغدت في معظمها في طي النسيان، والكثير منها كخروج المرأة لميدان العمل أصبح واقعاًً يفرض نفسه بل وتعداه لإقبال فئة الشباب على الزواج من المتعلمة والعاملة كي يتقاسما ظروف الحياة وتبعاتها التي غدت أصعب وفي تطور دائم، وأيقنت الشريحة الكبرى من مجتمعنا أن الأم المثالية هي الأم المتعلمة التي تحسن تربية أبنائها وتثقيفهم ليكونوا أفراداً منتجين في مجتمعهم.

المشكلة الأكبر هي المشكلة التي تواجه الفتاة المتعلمة أو العاملة أو حتى ما يكمن أن نسميها المتحررة من القيود الاجتماعية في معظمها ولم تستطع بسبب عادة لم تزل سارية المفعول حتى اللحظة في البيئة التي تعيش فيها.

مثال ذلك ما حدثتني به قبل أيام إحدى الصديقات عن زواج غريب لإحدى صديقاتها، شعرت عبر حديثها المأساوي بأني أشاهد فليماً وثائقياً عن العصور الوسطى في أوروبا، حيث لم تزل بعض المناطق في مجتمعاتنا تمارس عنفاً نفسياً بحق المرأة المطلقة، فقد روت أن إحدى صديقاتها تزوجت مرة أخرى بعد زواج سابق لها لم يكتب له النجاح فيه منعت الأم فيه بناتها من الاحتفال بزواج الأخت المتزوجة أو الظهور بمظهر فرح يدل على طقوس زواج عادية وحين احتجت الأخوات على هذا الاعتراض كان الجواب : "عيب ... هاي مطلقة".

في البداية استغربت الموضوع ولكن بعد بحث حول أصول هذه العادة وأسبابها تبين أن هنالك بعض المناطق لم تزل تنظر للمطلقة على أنها عضو شاذ عن المجتمع فقد إحدى مقومات إنسانيته لذلك لا يجوز لها أن تمارس حقها في الحياة كباقي الناس، فالمطلقة في بعض قرى الشمال في فلسطين تُمنع من ارتداء الثوب الأبيض يوم عرسها لمجرد أنها مطلقة وهذا ما يعيد إلى الأذهان ما قرأناه من أساطير مارسها الفراعنة والإغريق في عصر حكم الأسطورة .

ومن تلك العادات أيضاً منعها من الاحتفال أو ظهورها أو أي من أقربائها بمظهر من مظاهر الفرح الاجتماعي وهو مشهد إنساني واقعي تُحرم منه لمجرد أنها لم توفق في اختيار زوجها لوجود عدم انسجام بينها وبينه والذي من الممكن أن يكون فرض عليها فرضاً ولم تختره بإرادتها.

مثل هذه الظاهرة الاجتماعية تعتبر ظاهرة مَرضية بحاجة لعلاج حقيقي باعتبارها مخالفة لكل المواثيق الإنسانية التي أقرتها الأديان بخطابها فالمسيحية والإسلام أعطتا نظرة مساواة للبشر جميعا دون النظر إلى جنسهم أو انتمائهم العرقي أو لونهم أو ظرفهم الاجتماعي، فمثلاً الخطاب الإسلامي الذي جاء في معظمه بقوله تعالى : "يا أيها الناس" " يا بني ادم" كان خطابٌ شاملَ غير مميز بين ذكر وأنثى أو ابيض وأسود، كما أنها تخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي جاءت أيضا تؤكد الخطاب الديني على أن الإنسان واحد وله كامل حقوقه ويترتب عليه واجبات بمقدار هذه الحقوق بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه أو انتمائه السياسي أو الديني وغيره.

لماذا إذاً تصبح المرأة لدينا نصف إنسان بعد طلاقها، وحتى في لحظات فرحها تحمل في مأتم وكأنها ترتكب الخطيئة ونحن من يمارس اكبر خطيئة في حقها !!!
وإلى متى سنظل رهن هذه العادات التي تمتهن إنسانيتنا ونتمسك بها وهي تقف عائق في وجه تقدمنا ونتباهى بها والعالم يتباهى في مدى تقدم قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لديه !