العنف مزروع في ثقافتنا.



محمد شودان
2018 / 3 / 29

العنف مزروع في ثقافتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جميعنا نتألم من بعض المشاهد التي تندى لها جبين الحي، أما الميت، فالأصل فيه انعدام المشاعر. جميعنا تأثرنا بصرخة الفتاة " واش ما عندكش ختك؟" وتلك الصرخة قد دوت في وجه الضمائر وصفعت قيم المجتمع، وليس الهدف هنا هو محاكمة ذلك الطفل "البريئ" نعم هو بريئ، طبعا لا يخلو فعله من جرم، ولا يتساوى والفتاة التي اعتدى عليها، ولكن براءته تبرر بكون ذلك التصرف ما هو إلا جزء مما تعلمه من وفي مجتمعه، وعليه فكلنا جناة في حقهما معا، وضد أنفسنا.
إن مجتمعنا يحرض على العنف والتمييز العنصري، ويرفض التسامح واحترام حرية الآخر المختلف عنا، هذه أمور نتعلمها منذ نشأتنا الأولى لما نضع الفروق بين البنت والابن في كل شيء، إننا نرسم بذلك حدودا خطيرة، خاصة لما نعرف كلمة "راجل" و"امرأة" التعريف الثقيل بالحمولة الدينية والاجتماعية.
يبدأ الأطفال بأخذ هذه الحمولة عبر مراحل، ففي البيت تقوم المرأة بالشؤون الداخلية، وتقوم بتلبية أوامر الرجل الذي لا يشتغل إلا خارج البيت، وهكذا تلحق البنت بالمطبخ ويلتحق الطفل بالشارع، وفي الشارع يتم تطعيم المفهوم بدلالات أخرى.
لو تتبعنا كلمة "راجل" في اللغة فسنجدها تصف من ليس راكبا، أما رجل فكلمة لتمييز الجنس :"الذكر من الأنثى" تماما كما نميز الخروف عن النعجة، بل إن كلمة المروءة قد وضعت للدلالة على الصفات الحميدة والشهامة وغير ذلك مما بعرفه الجميع، كما يصنف مجتمعنا التقليدي الأصيل أيضا تحت مسمى "راجل" كل الشباب من ذوي الهمة والصالحين اجتماعيا والذين قد تكفلوا بتدبير مصاريف عائلاتهم منذ الصغر وغيرها من المواصفات الإيجابية، ولكن هذ كان في الماضي المأسوف على ضياعه.
نجد في الشارع المغربي ـ اليوم ـ كلمات تدل على صفات محددة للرجل، وقد وضعت للافتخار أساسا، ومن بينها كلمة "رجولة" "ترجل"، ولو نبشنا عن دلالات الكلمة فسنجدها تدل على الشاب الذي يقدم لأصدقائه الممنوعات بالمجان، ولا يبلغ عن السكارى والسارقين، وذلك الشاب الذي قضى مدة في السجن، والشاب القاهر لأخته، والشاب الذي له صديقات بعدد النجوم، والشاب الذي لا يسرق من حومته. وليس الشاب الذي يساعد المحتاجين، أو الشاب الذي يكفل أسرته، ولا الشاب الذي يحترم قرارات زوجته أو أخته، وخصوصا هذا الأخير الذي يوضع في الخانة المقابلة تحت مسمى "ديوث".
من المفاهيم الأخرى التي اندست بحمولاتها السلبية في المجتمع المغربي أيضا نجد "العفة والشرف"، وهي من الأمور التي جرَّت إلى جرائم عدة، وهذا المفهوم لا يرتبط بالقناعة وعدم الطمع، بل ارتبط مفهوم العفة ارتباطا وثيقا بالمرأة، ولاسيما بغشاء البكارة، وهنا يجد علاقة وطيدة بالرجولة التي تتحدد هنا بصرامة الأب أو الأخ، الصرامة التي تؤدي إلى حفاظ البنت على دم بكارتها، وقد وصلت بنا المهانة أن شبهنا الفتيات بالحلوى والذكور بالذباب فقط للحث على وضع منديل أو لباس خاص، لباس يرتبط بمجتمع شرقي يشهد أعلى نسب الاغتصاب، والجميع يعرف ما الذي أدت إليه هذه الثقافة من تحجر ونفاق، ومن أمراض المؤخرة ونشاط تجارة البكرات الصناعية وغيرها.
نختم هذه الأسطر بظاهرة جديدة، وهي ظاهرة الشهرة في العالم الافتراضي وخلق ما يسمى ب"البوز"، وهي ظاهرة دفعت مجموعة من الشباب إلى المغامرة بكل شيء لتحقيقها ضاربين بذلك القانون والتقاليد وحرمة المجتمع عرض الحائط، وأخيرا لا بد من تجند كل فئات الشعب ومؤسساته ليس للحيلولة دون انحدارنا في حضيض السلم الحضاري ولكن للحد من الصدمة التي ستلي ارتطامنا بالقاع.
محمد شودان