سمر يزبك:تكريم المرأة على الطريقة السورية



نضال نعيسة
2006 / 3 / 12

عذراً منك يا سيدة الحرف الدمشقية فهذه هي بضاعتنا الثورية، وليس لدينا ما نقدمه لك في أعياد المرأة والجمال الأنثوية سوى بضع هراوات، وشتائم، وقلة أخلاق، وأصل بشرية. هذه هي عبقرية الزمان والمكان وبدعة الأنظمة الشمولية أن يتصدى لحملة الأقلام، ورسل الكلمة، وشهداء الحرف الرعاع والغوغاء وأذناب العصابات المافيوية، وأن تدوس الزهور، وتسحق البراعم، وتقتل العصافير البرية فلول الأنظمة الجيوش المهزومة في الميادين الحربية. وتأبى جحافل الأمن الوطنية إلا أن توزع هداياها القمعية على الفراشات بتلك الطرق الهمجية لتصبح عندها المواطنة الشريفة، والانتماء الصادق، وحب الأرض، وعشق الشعب وصمة عار، ولعنة أبدية، وتستكبر إلا أن تفترس المخالب البربرية كل البلابل العذرية. فلا قدسية لفكر، ولا اعتبار لعقل، ولا حصانة لفرد، ولا احترام لأية شخصية في ظل الأحكام العرفية.

عذرا منك فلن تشفع لك أنوثتك السحرية، ولا حروفك الذهبية، ولا آفاقك الإنسانية في مجتمعات القبضة الحديدية، والقطعان الذكورية في نظرتها الدونية للمرأة الشرقية. إلا أنه لوم يتيم لك يا أميرة القلم السورية، وبرغم الجرح النازف والدامي الذي ما زال يضخ دماء قانية وردية، لأنك اعتقدت يوماً أن الأفعى قد تغير يوماً في أثوابها الجلدية، أو أن تصبح الوحوش للحظة واحدة كائنات آدمية، وربما غاب عن بالك، ولوهلة سانحة، في ذلك العيد العالمي المشهود، أن الزنابق ليست إلا "دريئة" للبندقية، وأن الشعار المرفوع دائماً هو "إن المواطن رجس من عمل المؤامرات فاقمعوه، ولا ترحموه".

كيف ليد آثمة شريرة أن تنهال بوحشية ضرباً، ولكماً، وسحلاًً، وجراً بالشوارع لامرأة ناعمة، وأيقونة شعرية، ومواطنة مسالمة بريئة سورية، وكيف لبسطار متوحش أن يدوس سوسنة برية، أرادت أن تتبرعم حباً ووطنية، لتعبر عن رأيها بتظاهرة سلمية في شوارع المدن السحرية التي أحبتها وأعطتها من عمرها، وقلبها، وأحاسيسها؟ وكيف تفكر تلك العقول الشيطانية التي جعلت من الحرف، والكلمة ألد أعدائها وهي في حرب معلنة شعواء وغير خفية مع رسل الكلمة؟ وأي فضاء، وأية قلوب دموية، ونفوس سوية يمكن أن تختزن كل تلك الآثام، والشرور، والحقد والكراهية ضد مواطنين أبرياء جريمتهم الكبرى أنهم مارسوا ذاك الترف الفكري في محيط الشمولية، وحلموا يوما بوطن ترفرف فوق رحابه المبادئ السامية، والقوانين العادلة، ليأتيهم الرد المفحم والمعتاد، والطعنة النجلاء من قبل أجهزة أدمنت امتهان المواطن، وكرامته وسحق آماله وتطلعاته ؟

هذه هي الماركة السورية الأصلية، في ظل الأحكام العرفية وغياب مطلق للقانون وكرامة الإنسان، أن يتم الاعتداء السافر المجنون، وفي عرض الشارع، وأمام كتيبة حفظ النظام، على بعض من النخب الوطنية السورية، ومن بينهم الكاتبة سمر يزبك مسببين لها الألم المبرح، وملازمة الفراش، و"على عينك" يا اتحاد الكتاب العرب، والصحفيين السوريين، برغم أن الحرف مهنته والكلمة صنعته والأبواق الصاخبة ذخيرته، فهو لم ينبس ببنت شفة، ولم يصدر أي بيان تضامناً أو مواساة مع إحدى أعضائه، لتضاف هذه الحادثة الشنعاء لسجله الوطني الزاهي والمشرف الذي يتحفنا به في المناسبات القومية والوطنية، فيما خيم صمت القبور على الاتحاد النسائي العام، الذي تم الاعتداء على مواطنة ممن يفترض أنه يمثلها، ويدافع عنها، ويقبض على "تطويع" كل رأس من رؤوسها، إلا تلك الرؤوس المتمردة، والأصوات التي تغرد منفردة فيتكفل بها "طلاب"الجامعات من رافعي الأعلام الوطنية لتشويه صورتها النقية، وتمريغ قدسيتها، وجعلها متلازمة مع القمع والاستبداد والدموية. وقد علق أحد الخبثاء على هذا التجاهل بأن العتب هذه المرة على وكالة سانا للأنباء التي لم يردها هذا الخبر العاجل، وهي مازلت منهمكة بموافاتنا بأخبار الستينات والسبعينات من القرن الماضي فقط، ألسنا في عصر السرعة والفضاء والعولمة؟

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بهذا اليوم الأغر، ويذكّر بانجازاته تجاه المرأة ذلك الكائن البشري الناعم، والحساس، والخلاق الضعيف، وما حققه الناس من تقدم في هذا المضمار، يأبى آخرون سوى التدليل على رعونتهم وانحرافاتهم وشذوذهم وسيرهم بعكس مجرى المنطق والتاريخ، مؤكدين في الآن ذاته على تلك النمطية البدائية، والتمترس في كهوف التي لم يبرحوها من فجر التكوين، وبزوغ فجر البشرية.

إنه الاحتفال بالأعياد العالمية على الطريقة السورية. وسيبقى إحياء هذه المناسبات العظيمة بتلك الطريقة المختلفة على ما هو عليه منذ أن ولد ذاك النظام، وحتى يزول، وإلى أن يبعث حيا،ولن يتقن غير هذه اللغة المتخلفة في التخاطب حتى مع حوريات الكلمة، وملائكة الشعر، ضاربا بعرض الحائط بأبسط المبادئ، والأعراف، والمبادئ الأخلاقية، ومتنكرا بالآن ذاته، لكل المواثيق، والاتفاقيات، والعهود الدولية.