تعليق على تغريدةٍ بُلبلية.. بعنوان البلبل الحزين



محمد بوعلام عصامي
2018 / 4 / 4

الكثير من الأطفال المغاربة بلابل تعيش على "البلبولة" وطحين من الحبوب في يوميات الخبز الحافي والشاي ركيزة عيشها.. تحلق في السماء حالمة، حافية، مهملة، منبوذة، مقصية، وهم يسرقون ما في أرضها من مناجم.. تسقط الأمطار يعترضون المياه على الوديان بالسدود، يحولون مجاريها تصب في ضيعاتهم الشاسعة، فتموت البلابل بالعطش والإهمال والاحتقار معزولة مهمومة مهملة، فانقرضت تغريداتها في كل فجر جميل وقبيل الغروب حيث صحن الشمس يودع بسلام هلال القمر...

تلك الأراضي التي اغتصبوها من البلابل.. تموت عطشا ولا يرثي لحالها أحد من الثعابين والثعالب.. وتلك حال البلابل أطفال هذا المغارب.. يطل عليهم طائر الكناري بين الفينة والأخرى وراء الجزيرة ويغرد للمشاهد: تموت الأشجار هنا واقفة كي لا تتهدم أعشاش العصافير، ولكنهم يقتلون المعاني في الحياة التي أنشدتها البلابل عبر العصور والأجيال، فتموت المعاني وتموت الألحان البلبلية، لأنهم جاؤوا بالوقواق والغربان والخفافيش تعيث فسادا وخرابا بين الوديان والجبال المنسدلة من أعالي الأطلس والريف حيث مناجم الذهب والماس والنحاس والفوسفاط التي نهبوها وكأنها دراهم معدودة في جشعهم اللامحدود لم نعرف منها إلا دخان المصانع وتقارير عن بيع الأطاا منها في أسواق سوداء والأداء بالكاش، كي تكون خارج الحسابات، وزدها عن أطنان وأطنان أخرى ما خفي منها كان عظيما..

وإلى هذا الحين لم نعد نسمع شذى البلابل ولا ألحانها الشجية.. منذ أصبحت الوقاويق والغرابان هي صاحبة الأنشودة الرسمية، أنشودة رديئة بشعر رديء في أسطوانة كئيبة علينا أن نردد معهم، بالحان تعيسة كاذبة مقيتة،. عاش عاش العام زين العام زين.. أجمل بلد في العالم يبهر العالم.. وهلم جرا من الترهات والأقاويل على "نُفّاخة" خانق هواءها ليس فيها أوكسجين، هكذا بات يردد الوقواق ويعيدها الغراب دون كلل دون خجل دون ملل.. ومن لم يصدّق، وتمنطق في طابور الدل والهوان، يقصف إلى خارج السرب في حصار القمع والتفقير، منبوذ مضطهد.. وهكذا انقرضت كل البلابل خارج السرب، هاجرت أو ماتت في البحور الأطلسية والمتوسطية أو أصيبت بالزهايمر والرهاب حيث أرادوا أن يطبعوها بلون الخفاش وتصرفات الوقواق وجلباب الثعبان وما تلكم طبيعتها ولا لحنها..
تكلم حياة بلابل الأحرار، فما عاش منها بأناشيد الحرية يبطي على القيود في رثاء الحرية، على عهدها تغرد ألحانها الشجية، لكن صوتها بات خافتا بعضها نتلقفه وبعضها يضيع بين الرياح، هنالك في ذلك الأطلس العميق، بات صوت الوقواق والغربان هي العملة المفروضة وعلينا أن نشتري ونبيع... حيث ماتت تلك المعاني منذ كان البلبل يغرد بين الأغصان المخضرّة، لا يعرف غير صفاء السماء وعلياء الحرية، قبل أن تتربص به الثعابين والثعالب وتجعل من صوت الغربان والوقاويق بين الزقازيق هي الأنشودة الرسمية...

ألا ترددوا معي في ذكرى البلابل الحزينة عبارات الحرية، وما كانت تغردة بين أغصان أشجار السنديان الزاهية التي تحيا وتموت شامخة: ردد معي فتلك الألحان من تلك الأعالي هي كل ما نملك، كل ما نلمك من أجل المستقبل من أجل أطفالنا ومن أجلنا: هذا مغربنا هذا عشنا نموت نموت في أعشاشه ولاتستعبدنا الغربان والوقاويق.. نموت نموت أحرار رفعين رؤوسنا إلى سماء السلام وصفائها في علياء جعبتكم العكرة، نموت نموت على أنشودتنا ولا نترك أعشاشنا سائغة للثعابين والخفافيش مصاصي الدماء، ونردد معا كي لا يقول أجيال المستقبل، زورثنا العبودية والحرمان والركوع عن أسلافنا، هذه الأرض لنا حرة، هذا الشجر لنا هذا الأطلس لنا هذا الحب في هذه الأرض من قلوبنا هذا الذهب لنا هذا الفوسفاط لنا هذه المجاري لنا هذه القلاع لنا هذا التاريخ وهذا التراب لنا..
ردد معي عبارات الحرية البُلبلية فوق بلبلة المشعودين والموهومين في صناعة القيود الاستعبادية، ردرد معي هذه الأنشودة لأنها أغلى ما نملك، فنحن صامدون صامدون.. على هذه الأرض صامدون.. وكل ما فيها لأطفالنا ولنا.. ومن أجلها ومن أجل أطفالنا أحرار على درب الحرية.. صامدون صامدون.
هذه أنشودة البلابل فلا تردد وراء الوقاويق والغربان أنشودة الكذب والبهتان، حيث تقتل فيك معاني الحرية.. تقتل فيك معاني الإنسان.
صامدون من أجل الحرية من أجل الإنسان.
على هذه الأرض.. أرضنا الأطلسية صامدون صامدون..

محمد بوعلام عصامي
[email protected]

____________________________________________________
تدوينة:
الشاي والكونياك وتأملات على مداد السطور في مكافحة بني همجون
http://md-boualam-issamy.blogspot.com/2018/03/blog-post.html