هتك الحرمات في انتخابات العراق



احمد هاشم الحبوبي
2018 / 4 / 19

لا أراني حققتُ كشفاً اجتماعياً أو جغرافياً مهماً إذا قلتُ إنّ لكل مجتمع خصوصيته وقيمه ومشتركاته مع والمجتمعات الأخرى. ولكن مجتمعنا يمتاز بحدّة مزاج وعاطفة جياشة ليس لهما مثيل في الحِدّة. لذلك ترى العراق خالٍ من المنطقة الوسطى، أو منطقة الحياد. فنحنُ نحبُّ بعنف ونكره بعُنف، نأتلِفُ بعنف ونختصمُ بعنف. وإذا ما حصل خصام في العراق، فكلّ الأسلحة مباحة. وهذا واقع حال، فنحن نشهد نزاعات عشائرية تستخدم فيها كافة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من قذائف الـ «آر بي جي» مدافع الهاون ومدافع مقاومة الطائرات. وهذه كلّها مسروقة من مخازن الجيش. كل هذا يجري على مرأى ومسمع كل القوى الأمنية العراقية. هذه الحدّة تتفاقم مع تفاقم أزمة الجفاف واستشراء الأمية والزيادة السكانية التي لا تتناسب مع الإنتاج.

ومن الطبيعي أن تمتدّ هذه الحِدّة القسوة إلى المنافسة الانتخابية، فاستباحَ المتنافسون، أفراد وأحزاب، كافة الوسائل لتشويه بعضهم لبعض. وعلى عكس الواقع المزري الذي يعيشه البلد، يستخدم المتنافسون أحدث الوسائل الحديثة من جيوش ألكترونية وقراصنة كومبيوتر وبرامج الفوتوشوب والمونتاج والكاميرات المخفية وكل ما يسهم في الإساءة لسمعة الآخرين. وهذه تُدار بالتأكيد بأيادي خبيرة ومقتدرة ليست بعيدة عن «كامبريج أنالتيكا» [1].

على الرغم من نسبة تمثيل المرأة الجيدة نسبياً (ربع عدد المقاعد) في مجلس النواب العراقي،فإن دورها في صناعة القرار مازال هامشياً، فعدا بضعة أصوات نسائية عالية في المجلس، لا يعدو الحضور النسوي أثره العددي فحسب. ورغم "الطبيعة المحافظة" لمجتمعنا التي أضعها بين مزدوجين لأنها محل جدل وتشكيك، فقد أُقْحِمت المرأة في التنابز الانتخابي أبشع إقحام. فصار شغل الناس الشاغل تداول أفلام فاضحة لمرشحات، إضافة لمقاطع فيديو تظهر تغزّل مواطن بجمال مرشحة وتقبيل صورتها، ثمّ ينتشر خبرٌ جديد يفيد بأنّ عشيرة المرشحة تطالب عشيرة الفاعل بديّة قدرها أربعون مليون دينار. لينقلب الأحمق صاحب الفيديو إلى ضحية بنظر البعض وليُساءَ للمرشحة من باب آخر.

الشيء الملاحظ أن المرأة المرشحة نالت الكثير من التنكيل بما لا يقارَنْ مع دورها السياسي والقيادي في مؤسسات الدولة. النقمة الشعبية مفهومة ومبررة، ولكنها لا يجوز أن تخرج عن الأصول.

ليس المرشحات وحدهن من يتعرضن للتنكيل والتجريح، بل كل النساء المتصدرات للعمل السياسي. وأنا هنا لا أدافع عن أدائهن. فغالباً ما يساء لنائبات من خلال مقارنة أشكالهن وأجسامهن بسياسياتٍ أوروبيات فائقات الجمال لا يمثلْنَ ظاهرة عامة حتى في أوروبا. أدعو من يروِّج لهذه المقارنة الظالمة أن يهرعَ نحو المرآة وينظر إلى وجهه ويقارنه مع وجه الأوروبي، أن يقارن بين كَرْشِه وكرش الأوروبي أيضاً، أن يتطلّعَ إلى أسنانه التي لم تذق طعم معجون الأسنان يوماً. على الرجل أن يعلم أنه يُورِث ابنته نصف شكلها وقوامها.

إنّ أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وزوجاتنا لسنَ ملكات جمال العالم. إلاّ أنهنّ كذلك في أعيننا وقلوبنا.

أريد التوقّف عند الفيلم المُسرَّب لإحدى المرشحات وهي في وضع فاضح لا أريد الاستطراد في عرض محتواه كي لا أبدو كمن يروّج له. كما لا أريد محاكمة السيّدة على ما ارتكبته فهذا ليس من اختصاصي. الذي أراه مهماً هو ردّ الفعل الشعبي على الفيلم المذكور. إنّ نسبة الذين أدانوا تصرف السيدة يفوق عشرات المرات نسبة الذين أدانوا الرجل، شريكها في الفعل والذي قام بتسجيل الفيلم (دون علمها) وسربه لشبكات التواصل الاجتماعي. إن ذلك لا ينفي وجود أناس نددوا بفعل التسريب وباستباحة كل المحرمات للنيل من المنافسين. وطالبوا بمحاسبة الذين يقفون وراءه (التسريب). وطبعاً أنا من ضمن هؤلاء.

يمكن تصنيف ردود الأفعال الأخرى على الشكل التالي، وهنا أنا أنقلُ ما قرأته وأضعُه ما بين مزدوجيْن مع تعليق قصير:

• «السيدة تستحق ما جرى لها طالما أنها ارتكبت الفاحشة». التنكيل بالمرأة عُرفٌ شائع.

• «إنّ الله تعالى أرادَ فضحها لتكون عِبرةً لغيرها (من النساء)». الناس يتغافلون عن حقيقة أن الله يندد بالزاني والزانية. ولم أجد جواباً للسؤال الأزلي: لماذا الطرف الضعيف ينالُ الضررَ الأكبر دائما؟ لماذا لم يفضح اللهُ الطرفيْن لكي يعتبر الرِجالُ أيضاً؟
إنّ وصفة «الغضب أو الانتقام الإلهي» الذي يقع على الطرف الأضعف فحسب صارت ممجوجة وقميئة. إن الله تعالى عادلٌ ورحيم وإنّ صفة الظلم أبعد ما تكون عنه.

• «الفيديو المسرّب يبيّن للناس طبيعة المترشحات والمترشحين لعضوية مجلس النواب، كلهم فاسدون ». و«إذا أنت لا تستحي، فرشِّح للانتخابات». إنّ وجهة النظر هذه تعكس مدى انعدام ثقة المواطن بمؤسسة مجلس النواب الذي يراه المواطن عبئاً ثقيلاً عالي التكاليف ولا لزوم له، وأن النواب عبارة عن شرذمة من المنتفعين الانتهازيين الذين ينشدون الكسب الشخصي فحسب.

• «هذه هي الوجوه الجديدة التي ينادون بانتخابها بدلاً عن الوجوه القيمة». هكذا استغلّ المُعَتَّقون الفاشلون الحادثة للتسويق لأنفسهم.

• «الشريك ضابط مخابرات سعودي. دفعته السعودية للتشهير بحيدر العبادي الذي يحابي إيران». لقد حرص مروّجو الفيلم على التأكيد على هوية الشريك بغرض خلط الأوراق، فحيدر العبادي لا يمكن أن يُحْسب على إيران. وهو يحرص على علاقات جيدة مع السعودية.

لم يدعُ أحد لستر تلك المرأة، الكل ينكِّل ويروّج للفضيحة. لم يكترث أحد لحقيقة أنّ لهذه السيدة زوجاً وأبناء وأقارب أبرياء لا ذنب لهم لكي تمرّغ سمعتهم بالتراب.

الناس تسكتْ عن المرتشي بذريعة تجنّب قطع رزقه ورزق أطفاله! بينما هذا الفيديو الفاضح تم تداوله عشرات ملايين المرات خلال يومين، ونشرَ على اليوتيوب (صوت فقط) وعلى موقع غوغل (رفع لاحقاً. وقد قمتُ بالابلاغ عنها جميعاً لحذفها تحت باب اعتبارها انتهاك للخصوصية).

إن حادثة الزنا هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وعلى المتشفّين أنْ يعلموا أن الزانية لا تخرج من فطر الحائط، بل هي بنت هذا المجتمع. وما تهاوي قيم الفروسية والتراحم وستر الأعراض إلاّ دليل على أن مجتمعنا صارت تتحكم به قِيَم الأبالسة لا قيم السماء.

[1] لمزيد من التفاصيل عن كامبرج انالتيكا، راجع مقال للكاتب بعنوان «كمبريدج أنالتيكا في العراق»
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=594762