من أجل ريادة المرأة أو الأمل الذي لازال بعيدا: الجزء الثالث.....5



محمد الحنفي
2006 / 3 / 15

2) ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، و خاصة، تلك التي تتعلق بحقوق المرأة. لأن كل القوانين المطبقة في البلدان ذات الأنظمة التابعة، في البلاد العربية، و في بلدان المسلمين على الأقل، غير متلائمة مع تلك المواثيق، خاصة، و أن هذه الأنظمة تعتبر أن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، متناقضة مع مصالحها الطبقية، و مع توجهاتها الاستبدادية، أو مؤدلجة للدين الإسلامي، التي تعتبر أن تلك المواثبق كافرة، و ملحدة، لكونها من وضع الغرب الكافر والملحد، مما يجعل جميع القوانين، بما فيها الدساتير المتبعة، خالية من أي شكل من أشكال الملاءمة، كما هي خالية من كل ما يمكن أن يساهم في تحقيق أي شكل من أشكال العدالة، أنى كان لونها، و مهما كان المستهدفون بها، إلا إذا استثنيا الطبقات الحاكمة، في مختلف البلدان، و التي صيغت تلك القوانين لخدمة مصالحها الطبقية.

و لذلك نجد أن الوعي بخطورة القوانين المتبعة في مختلف البلدان على مستقبل الشعوب، صار ضروريا، بالنسبة لجميع المواطنين في كل بلد. و في أفق ذلك، نرى ضرورة القيام بحملات إعلامية، تستهدف تشريح القوانين، و بيان الأضرار التي تصيب المعنيين بتطبيقها عليهم، و إشراك جميع الناس، في المطالبة بملاءمة القوانين المتبعة مع المواثيق الدولية، بما في ذلك النساء، الأكثر تضررا، من عدم ملاءمة القوانين المحلية، و منها قوانين الأسرة، مع المواثيق الدولية.

إما نعيش في عصر يجنح فيه الناس إلى الوحدة الإيديولوجية، و التنظيمية، و السياسية، القومية، و الإنسانية، بعيدا عن الوحدة القسرية، التي تفرض على شعب معين، أو على مجموعة من الشعوب، بواسطة القوة، قوة القهر، أو الظلم، و الاستبداد، لخدمة مصالح أنظمة معينة، أو طبقات حاكمة معينة.

فالجنوح إلى الوحدة، الآن، يقوم على أساس الحاجة إلى تلك الوحدة القومية، و الإنسانية، لمواجهة عولمة اقتصاد السوق، التي تفرض بقوة إملاءات صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و المؤسسات المالية الدولية، و الشركات العابرة القارات. فإذا امتنعت دولة ما أو منطقة ما عن الانخراط في وحدة اقتصاد السوق، فإن الآلة العسكرية الهمجية، تتحرك لفرض الانخراط في تلك الوحدة بالقوة، كما حصل في أفغانستان، و في العراق.

و تعتبر ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من أهم الوسائل الناجعة، لجعل الناس يقبلون طوعا بالانخراط في الوحدة الإنسانية، عندما يشعرون بأنه لا فرق بين إنسان، و آخر، و بين كائن، و كائن، و بين بلد، و آخر، في التعامل مع الناس على أساس المساواة فيما ببينهم، دون اعتبار للانتماء الطبقي، أو القومي، أو العرقي، أو اللغوي، أو الديني، أو الإيديولوجي، أو الحزبي، أو غير ذلك، مما يمكن اعتماده للتمييز بين الناس.

و حتى لا تتحقق هذه الوحدة الإنسانية، و على مستوى الشعور الإنساني بالخصوص، فإن الدول العظمى، تحشر أنفها في كل شيء، من أجل إذكاء الحس العرقي، و القومي، و الديني، و الحزبي، و الإيديولوجي، و السياسي، و غير ذلك، من أجل منع قيام الوحدة الإنسانية، التي تعتبر، وحدها، مؤهلة لمواجهة وحدة عولمة اقتصاد السوق.

و لذلك نجد أن ما تقوم به الدول الرأسمالية العظمى، هنا، أو هناك، في هذا البلد، أو ذاك، باسم "محاربة الإرهاب"، يخلق شعورا بمعاداة كل ما هو إنساني، و في المقابل، ينمي الشعور الديني، و العرقي، و اللغوي، و القومي ... الخ. و هذا الشعور التجزيئي الذي فرضه الاستعمار القديم، بواسطة القوة، هو نفسه الذي يقوم حاجزا منيعا، و سدا عاليا، يحول دون قيام الشعور بالحاجة إلى ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. و عدم الملاءمة، ذلك، هو الذي يكرس التمزق، و التشرذم، و الضعف، و عدم القدرة على مواجهة الآثار المدمرة، المترتبة ع عولمة اقتصاد السوق، التي تجتاح العالم ، و لا تستثني، أي قرية، مهما كانت صغيرة، لإخضاع كل كائن بشري، مهما كان ضعيفا، إلى القبول بعولمة اقتصاد السوق، على أنها هي الحل الأسمى، للمشاكل الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي تتخبط فيها البشرية، كما توضح ذلك الآلة الإعلامية الرأسمالية، التي حققت عولمتها بوسائل مختلفة.

و نظرا لغياب الوعي الحقيقي، لدى الجماهير الشعبية، بسبب غرقها في اليومي، و انشغالها به، فإننا نرى ضرورة أن تتحمل الحركات الحقوقية، و النسائية، الإنسانية، و الحركة التقدمية، على المستوى القطري، و القومي، و الإنساني/العالمي، مسؤوليتها في نشر الوعي الحقيقي، بين الشعوب، لإشاعة الشعور بضرورة ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان من جهة، و بضرورة السعي إلى تحقيق الوحدة الإنسانية من جهة أخرى، باعتبارها الوسيلة الصالحة، و القادرة على تنظيم مواجهة همجية اقتصاد السوق، على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و بناء آليات تنظيم تلك المواجهة، و إنشاء هيئات التنسيق بين التنظيمات الحقوقية، و النسائية، و النقابية، و الحزبية، و التقدمية، و بناء برامج مناسبة، لمواجهة الآثار السلبية، الهمجية، لعولمة اقتصاد السوق، بالتركيز على ما هو محلي، في بعده القومي، و الإنساني، و بالعمل على تنسيق الجهود على المستوى العالمي، و جعل الشعوب تتحمل مسؤوليتها في تقرير مصيرها، في هذا الاتجاه، و العمل على مقاومة كل أشكال التجزئة، التي تعمل، الدول الرأسمالية، على فرض تكريسها على ارض الواقع، باسم الحقوق العرقية، و اللغوية، و الدينية، و باسم حقوق الأقليات، التي يتم استغلالها لاجتياح العديد من المناطق في أوربا، و في آسيا، و إفريقيا، و في أمريكا اللاتينية، التي كانت ففي الماضي مجالا للاستعمار القديم، و التي تعتبر، الآن، مجالا لفرض عولمة اقتصاد السوق بالقوة، و بالقوة المدمرة، لكل شيء، لإيجاد الفرصة المناسبة، لتحرك الشركات العابرة للقارات، باسم "إعادة الإعمار"، كما حصل في يوغزلافيا السابقة، و في أفغانستان، و في العراق، و كما يمكن أن يحصل في سورية، و في لبنان، و في إيران، و في السودان، و في كوريا الشمالية، و في الصين أو في أي نقطة من العالم.

و نضال الشعوب المنظم، و المعولم، ضد عولمة اقتصاد السوق، يجب أن يستهدف عولمة الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، باعتبار سيادة هذه القيم على المستوى العالمي، هو النتيجة المثلى لملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية، و لنضالات الشعوب ضد همجية اقتصاد السوق، التي لا تتبع إلا شريعة الغاب.