الشباب اليمني في سياق الثورة والتحول الديمقراطي



عيبان محمد السامعي
2018 / 4 / 28

قراءة في المضامين الحقوقية للشباب في وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل
عيبان محمد السامعي ــ عضو مؤتمر الحوار الوطني
25 يناير 2018م ــ الذكرى الرابعة لاختتام مؤتمر الحوار الوطني
خلاصة تنفيذية:
تهدف هذه الورقة إلى استعراض المضامين الحقوقية لفئة الشباب في وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني, وتتخذ من توصيف الوضع الشبابي في اليمن مدخلاً تمهيدياً لها, حيث تعيد الأزمة التي يعانيها الشباب إلى مشكلة أساسية, وهي مشكلة الاستبعاد الاجتماعي بمفهومها العام, والتي تتناسل منها بقية المشكلات, وتتبدى مظاهر مختلفة لحالة الاستبعاد واللامساواة الاجتماعية.
وتخلص الورقة إلى وضع توصيات عامة بغية استنهاض دور الشباب وتحريرهم من الأوضاع والقيود التي تكبلهم في إطار تحقيق الحرية الشاملة للمجتمع ككل.
تمهيد:
درجت الدراسات الاجتماعية على وصف المجتمع العربي, ومنه المجتمع اليمني, بأنه مجتمع شاب؛ لكون فئة الشباب تمثل النسبة الأكبر في خارطة التوزيع الديمغرافي (السكاني).
إن الأهمية التي تحتلها فئة الشباب لا تنبع من هذا السبب الكمي فحسب؛ بل لما تتميز به من خصائص نوعية تجعلها الفئة الأكثر حضوراً وتأثيراً في المجتمع, حيث يُلقى على عاتقها القيام بالدور المحوري في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود.
والشباب فئة اجتماعية تكتنز في داخلها طاقة إنسانية خلاقة, وغالباً تنزع إلى حب المغامرة, والتطلع إلى كل ما هو جديد. وهي فئة عمرية تحتل منطقة زمنية تتوسط مرحلتي الطفولة والكهولة, تقدرها الأدبيات السوسيولوجية والتنموية ما بين (18-40) عاماً من حياة الإنسان.
وتعد فئة الشباب الرافد أو النسق الهام في البناء الاجتماعي للمجتمع اليمني. فقد لعبت دوراً اجتماعياً مركزياً, تجلى من خلال الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 7 يوليو 2007م جنوبي البلاد, ووصلت ذروتها مع اندلاع ثورة 11 فبراير 2011م, حيث مثّل الشباب اليمني طليعة الثورة, فهم من أطلقوا شرارتها وكانوا وقودها الحارق, ولم يقتصر دورهم عند هذا المستوى فقط؛ بل تحملوا عبء القيادة والتنظيم, واستقطاب طبقات الشعب الأخرى وتعبئتهم خلف الدعوة إلى إسقاط نظام الاستبداد والفساد, وصولاً إلى اندلاع المقاومة ضد قوى الثورة المضادة والانقلاب مطلع عام 2015م.
لقد ضلَّ الشباب اليمني محور الاحتجاج الشعبي, وأدت التحولات اللاحقة لثورة فبراير إلى ولادة كيانات شبابية, وبفعل ذلك اتسع نطاق العمل السياسي وارتفع منسوب الوعي الاجتماعي تجاه القضايا العامة, وكُسِرَ طوق الاحتكار الذي لازم المشهد السياسي اليمني طوال سنوات عديدة, حيث ضلَّ رهناً بيد السلطة ونخب سياسية واجتماعية شائخة الوقائع والأحداث عن عجزها وفضحت عمق أزمتها.
ومع هذه الأهمية التي تحتلها فئة الشباب إلا أنها ظلت مستبعدة اجتماعياً ومزاحة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً في بنية الدولة وفي الأنساق الاجتماعية والسياسية الأخرى.
ونعني بـ الاستبعاد الاجتماعي للشباب, أي "حالة الاقصاء والتفرقة الاجتماعية وعدم المساواة" التي يعانون منها وعدم الاعتراف بحقوقهم الأساسية وعدم تمكينهم من المشاركة في الحياة العامة.
ويتخذ هذا الاستبعاد مظاهر عدة, وأهمها:
1- الاستبعاد الاجتماعي في إطار الأسرة والمجتمع بسبب هيمنة السلطة البطرياركية (أي السلطة الأبوية), حيث الأب هو رأس هرم الأسرة, والحاكم الفرد هو رأس هرم المجتمع, وبالتالي فإن هذه الوضعية تخلق قيم الطاعة والامتثال وتكرسها.
2- الاستبعاد الاقتصادي, حيث تتناهش الشباب اليمني البطالة والفقر والحرمان من تكافؤ الفرص المتساوية والحق في الحصول على العمل اللائق والمتناسب مع المؤهلات التي يحملها مما أدى بقسم منهم إلى أن يصبح عرضة لاستقطاب الجماعات المتطرفة.
3- الاستبعاد السياسي: عانت الحركة الشبابية والطلابية طيلة العقود السابقة من قيام النظام السابق بتدجين الاتحادات الشبابية والطلابية وأبرزها: (اتحاد شباب اليمن واتحاد طلاب اليمن) ومختلف المناشط الشبابية الأخرى لتصبح أدوات بيد السلطة ومفرغة من أي تمثيل حقيقي للشباب وقضاياهم.
كما عانى الشباب من حالة تهميش وإقصاء داخل البنى الحزبية والنقابية والمجتمعية كانعكاس للبنية الأبوية التسلطية السائدة التي احتكرت المجال العام والمراكز القيادية وأدوات المشاركة المجتمعية ووصل احتكارها إلى درجة احتكار الأحكام القيمية والصواب والخطأ, وما يجوز وما لا يجوز.
4- الاستبعاد الثقافي, ويتبدى من خلال تجريف التعليم بمختلف مراحله وخصخصته وتدمير بُنى وأنساق الثقافة الجادة والوطنية ونشر ثقافة التسطيح والفكر المتطرف وغياب المؤسسات الحاضنة للشباب ولاسيما المبدعون منهم, وغياب الأنشطة الشبابية وضعف البنى التحتية التابعة لوزارة الشباب والرياضة, وتردي الإنتاج الثقافي والفني والمسرحي والإضرار بالذائقة الفنية والجمالية.
5- الاستبعاد المعنوي, ويظهر من خلال النظرة القاصرة تجاه الشباب, كنتيجة للفجوة القائمة بين الأجيال. هذه الفجوة التي تجعل من جيل الكبار ينظر إلى الشباب بوصفهم عديمي المسئولية, ولا يمتلكون القدرة والخبرة الكافية في تولي القيادة وإنجاز المهام التي تفرضها المرحلة.
ما الذي فعلته الثورة؟؟
في ظل هذا الواقع البائس, جاء زلزال الثورة ليغير الكثير من المعادلات, ويربك الحسابات, ويفتح أفق جديد أمام الحركة الشبابية.
بفضل ثورة 11 فبراير المجيدة, والتضحيات التي بذلت في سبيل التغيير والتحول الديمقراطي في البلاد صار الشباب جزءاً مهماً في الحياة السياسية ورقماً صعباً, يصعب بأي حالٍ من الأحوال تجاوزه أو تخطيه.
لقد خرج الشباب في فبراير 2011م إلى الشوارع والساحات والميادين من أقصى الوطن إلى أقصاه, ولم يكن هذا الخروج بإيعاز من طرف سياسي معين, بل كان الدافع وراءه المطالبة بالتغيير والخلاص من نظام عاث في الأرض فساداً وتخريباً, وحوّل حياة اليمنيين إلى جحيم.
واجهت الثورة الشبابية اليمنية الكثير من العواصف والتحديات ولا تزال تواجه حتى يومنا هذا, إذ استطاعت القوى البائدة وقوى النظام السابق من إعادة إنتاج نفسها بأشكال وصور مختلفة, ليس آخرها ما يجري اليوم من قيام مليشيات انقلابية بشن حرب همجية على أبناء شعبنا ومساره الثوري.
ورغم ذلك, فقد قطع اليمنيون شوطاً كبيراً في طريق تحقيق الحلم المدني وبناء الدولة الديمقراطية الاتحادية الحديثة, ولعل الحوار الوطني والوثيقة التي خرج بها كان الانجاز الأبرز في ذلك.
وثيقة الحوار الوطني, خطوة في طريق الألف ميل:
جاءت وثيقة الحوار الوطني بموجهات دستورية وقانونية وضعت الشباب في قلب المعادلة السياسية والاجتماعية, ويمكن استعراض ذلك على النحو الآتي:
1. أقرت الوثيقة منح الشباب نسبة تمثيل (كوتا) 20% في كل الهيئات المنتخبة الرسمية والحزبية والنقابية.
2. نصت الوثيقة على المواطنة المتساوية بين كافة أفراد المجتمع وإزالة التمييز القائم على أساس الجنس أو الفئة أو العرق أو اللغة أو اللون أو الأصل أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي أو العقيدة أو المذهب أو الفكر أو الرأي أو الإعاقة.
3. كفلت الوثيقة مجانية التعليم بكل مستوياته الأساسي والجامعي والتعليم العالي بكل فروعه ودرجاته.
4. ألزمت الوثيقة الدولة بالعمل على منح الجامعات والمراكز البحثية الاستقلال المالي والإداري والأكاديمي.
5. حثت الوثيقة الدولة على وضع إستراتيجية وطنية للشباب ومحاربة الفقر والبطالة والإرهاب والتطرف, والعمل على توفير فرص عمل للشباب عبر اعتماد مشاريع تنموية كثيفة العمالة.
6. ألزمت الوثيقة الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية على إشراك الشباب وتمكينهم سياسياً داخل أطرها, من خلال تغيير الأنظمة واللوائح الداخلية واعتماد وسائل جديدة تضمن مساهمة أكبر للشباب وتبوأهم للمواقع القيادية.
7. جاءت الوثيقة بنص يفيد بضرورة إنشاء مجلس أعلى للشباب, يُمنح الاستقلالية المالية والإدارية ويكون له الشخصية الاعتبارية, وبما يكفل له القيام بالمهام الآتية:
1. رسم وتطوير سياسات وطنية للشباب تهدف إلى بناء جيل يمني قادر وفاعل ومشارك في بناء الوطن اليمني وتنمية المجتمع.
2. وضع الآليات الكفيلة لحرية البحث العلمي والإنجازات الأدبية والفنية والثقافية والإبداعية وتوفير الوسائل المحققة لذلك. وإلزام الدولة بتقديم يد العون للشباب ومساعدتهم وحماية إنتاجهم الإبداعي.
3. القيام بالتشاور والتنسيق مع السلطة التنفيذية لتطوير وتمويل وتنفيذ استراتيجيات مرحلية وبرامج وطنية خاصة بالشباب لتحقيق غايات تنموية.
4. مراقبة دور السلطة التنفيذية في تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج ذات العلاقة ورفع تقارير عنها بشكل دوري وتقويمها تباعاً على كافة الأصعدة.
5. ضمان التمثيل المتساوي للشباب والشابات بحسب الكفاءة والمعايير.
توصيات ختامية:
إن الطبقات الشعبية اليمنية اليوم, تخوض معركة كفاحية في طريق التحول نحو مجتمع ديمقراطي, يؤازرها في ذلك مشروعية هذا التحول وعدالته. إن معركتها في سبيل تحقيق الديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وتوطيد حقوق الإنسان, ليست بالسهلة, بل تقف في وجهها عقبات وتحديات وليس هناك من خيار سوى الاستمرار في طريق النضال الوطني والتحول الديمقراطي وإن تطلب الأمر تقديم مزيد من التضحيات.
إن موقع الشباب اليمني هو في قلب هذه المعركة, إذ لا يمكنه أن يحصر دوره في مطالب فئوية خاصة, ومجتمعه يعاني؛ بل تصبح المعركة من أجل خلاص المجتمع هي ذاتها معركته من أجل خلاصه.
إن المطلوب اليوم هو التمسك بوثيقة الحوار الوطني الذي اشتركت في صياغتها غالبية القوى السياسية والاجتماعية, وحشد الرأي العام حولها, وتوعية الجمهور بأهميتها وضرورة تنفيذها على أرض الواقع.
ومخرجات الحوار الوطني تحتاج إلى رافعة سياسية واجتماعية ومدنية تناضل من أجل تطبيقها كـ (package ) حزمة واحدة, ومن غير المنطقي تجزئتها أو انتقاء نصوص منها وترك نصوص أخرى.
وإضافة إلى ما سبق ذكره, هناك جملة من الآليات التي تسهم في توسيع قاعدة مشاركة الشباب, منها:
1. إجراء تعديلات جوهرية في السياسات الاجتماعية والاقتصادية الرسمية بما يتيح للشباب المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, ووضع وتنفيذ خطط وطنية شاملة لمكافحة البطالة والفقر والتطرف.
2. وضع استراتيجية وطنية تهدف إلى تصحيح أوضاع المؤسسات التعليمية والجامعية والمؤسسات التي تُعنى برعاية الشباب المبدعين, وكفالة الحق في التعليم المجاني والحق في الحصول على العمل المناسب والأجر اللائق.
3. العمل على إنشاء كيانات واتحادات شبابية حرة وفاعلة, بحيث تصبح الوعاء الديمقراطي الذي ينضوي تحت لوائه شباب اليمن من مختلف المناطق ومن كافة الأحزاب السياسية والتوجهات الاجتماعية.
4. التخلي عن الصيغ الأوامرية وتجاوز الحالة الامتثالية, واعتماد الأساليب الديمقراطية والحوار المفتوح القائم على العقلانية والإقناع كأساس للحياة الداخلية في الأحزاب السياسية والفعاليات المدنية والاجتماعية.
5. فتح نوافذ أمام الشباب, وبخاصة في وسائل الإعلام المختلفة للتعبير عن آرائهم وطرح قضاياهم بكل حرية.