من أجل ما نفعل؟ أو من أجل ما نكون؟



نوال السعداوي
2018 / 5 / 10


بمدينة سوسة تجمعت المبدعات من البلاد العربية، بمؤتمر: تجليات الذات فى إبداع المرأة، خلال الأسبوع الأخير من أبريل الماضي، راحت برودة الشتاء ولم تأت حرارة الصيف بعد، تحمل مدينة سوسة لقب جوهرة الساحل التونسي، تتميز منذ الحقبة الفينيقية بمهرجان بابا أو سو، والاحتفالات فى 24 يوليو من كل سنة، على شرف الإله الفينيقى «أوت» أحد آلهة البحر التى عبدت تحت اسم «بوسايدون»، يهبط «أو» الى شاطيء بوجعفر رمز الوجه البحري، اسمه يرجع للولى أبو جعفر الأربسي، ضريحه على البحر مباشرة، كلمة «أوسو» مشتقة من الماء وتعنى الشراب، يلجأ الناس الى السباحة فى البحر طوال هذا الموسم، الذى يمتد من 24 يوليو حتى 3 أغسطس، يؤمنون بأن ماء البحر يعالج أعمال السحر، مع شرب زيت الزيتون والحلبة وحليب الماعز، تلجأ النساء بعد وفاة أزواجهن الى البحر حيث يلقين فيه ملابسهن وأغطية رءوسهن، بهدف التخلص من بؤس الحياة مع الزوج، يقتل ماء البحر السموم، فيه شفاء للجسد وسكينة للروح، وحماية من الأمراض طوال الشتاء، وتطهير جروح الأطفال بعد عملية الختان، الطهارة، يتجسد «أوسو» على شكل تمثال رجل ملتح له شعر طويل وجسد قوى كالمحاربين الأشداء فى قرطاج وأثينا.

تجمعت المبدعات العربيات بالقاعة المطلة على البحر الممدود للأفق، جاءت الأستاذات التونسيات: ألفت يوسف، وجليلة بكار وسنية مبارك وجليلة طريطر وهاجر خنفير ونسرين الشعبونى وسلمى بكار وآمنة الرميلي، وكنزه الصحراوى بن يحيي، ومن فلسطين جاءت ثورة حوامدة، ومن المغرب، خديجة عبد الجميل، ومن الجزائر طالية خطاب، ومن الكويت فاطمة يوسف العلي، ومن السعودية رانية محمد شريف العرضاوي، ومن الأردن ليندا عبيد، ومن مصر عفاف شعيب، وكوثر مصطفى وعبير على عبد الرحيم حزين.

دار النقاش حول قدرة المرأة العربية على التعبير عن ذاتها فى أعمالها الإبداعية الأدبية أو الفنية والعلمية وما هى العوامل الاجتماعية والسياسية والتربوية التى تلعب دورا فى إخفاء الذات أو تجليها فى إبداعات النساء، وهل تتميز المرأة بصفة خاصة بقدرة إبداعية للتعبير عن ذاتها؟ كيف تواجه المرأة المبدعة الصورة التقليدية التى ينتجها المجتمع الذكورى والثقافات المتخلفة والقيم الموروثة؟ كيف تعبر المرأة المبدعة عن ذاتها المتفردة؟ وكيف يكون ذلك وسيلة للتحرر الفردى والجماعي؟ وهل تمثل الرقابة والقيود الاجتماعية عائقا أم حافزا للتعبير عن الذات؟

كان الحوار بينى وبين الدكتورة هاجر خنفير، وهى ناقدة تونسية وأستاذة جامعية، لها عدد من المؤلفات النقدية، منها كتاب بعنوان قضية الحب والرغبة فى أعمال نوال السعداوي، سألتنى د. هاجر عن كتابة الذات فى تجربتى الروائية، طال الحوار وتشعب من الرواية الى السيرة الذاتية الى القصة والمسرحية والرحلات والدراسات العلمية، وكان رأيى ألا فاصل بين الأجناس الأدبية، وأن الذات لا تنفصل عن الموضوع فى أى عمل نقوم به، وهذا أمر طبيعي، لأن الفصل بين الذات والموضوع أم طارئ فى التاريخ، نتج عن الانفصام بين الجسد والعقل، الذى حدث للبشرية منذ انفصال المادة عن الروح فى الأساطير والأديان، لكن الإبداع يلعب دورا فى إعادة الربط بين الجسد والعقل، والأنا والآخر، والذات والموضوع، والمادة والروح والماضى والمستقبل والحلم والحقيقة والوعى واللاوعى وغير ذلك من الثنائيات المتعددة الموروثة منذ العبودية .

كان الجمهور من النساء والرحال على درجة عالية من الثقافة، وقفت شابة تونسية مشرقة الوجه ممشوقة القامة تدرس الموسيقى اسمها جيهان، وقالت، قرأت كتبك يا دكتورة نوال وأنا بمدرسة سوسة الثانوية، وتغير مفهومى عن الحب، كنت أتصور أن الحب هو البحث عن الرجل، أو النصف الآخر الذى يكملني، كما تقول الأساطير، لكنى أدركت أن الرغبة فى الحب إنما هى الرغبة فى البحث عن الذات ومعرفتها، وحاجة الإنسان لأن يعترف الآخرون به كفرد مستقل، وذات مبدعة متفردة فى وجودها، وقام شاب تونسى اسمه مهند ، يكتب الشعر وتساءل: هل نحن نرغب فى الحب بسبب رغبتنا فى الاعتراف بنا، من أجل ما نفعل، أو من أجل ما نكون؟.