قضية نورة حسين إختبار جديد للقانون والقضاء السوداني والعالم الإنساني الحر



سعد محمد عبدالله
2018 / 5 / 16

قضية نورة حسين، والتي أصدرة فيها المحكمة حكم الإعدام بحق نورة أدخل القضاء السوداني في أزمة جديدة وكشف أهمية إبتدار وتطوير مبادرات قانونية جادة وقوية مسنودة بحملات إعلامية مكثفة داخل وخارج السودان تدعوا الشعب السوداني والعالم الإنساني والديمقراطي الحر لدعم قضية نورة، ونورة حسب إنقسام الرأي العام صارت (الجاني والمجني عليه) ولكن قبل كل شيئ علينا إعادة النظر في قواعد وأعراف الزواج في بلدنا ووضعها مقابل جناية نورة وفي ميزان القانون لكشف الحقيقة وإنصاف الحق وترسيخ قيم ومبادئ العدالة وحرية إختيار شريك الحياة نسبة لكونها علاقة شخصية وإنسانية تجمع بين شخصين ويراد لها تأصيل وشائج السلام والمحبة والإستمرار والسؤاب الشفيف الواضح عن السبب الحقيقي وراء تلك الحادثة المؤلمة، الحقيقة انه لا يجوز إكراه المرء علي الزواج من شخص لا يستطيع تقبل العيش معه، وقد دفعت نورة والقاصرات من قبلها أثمان قاسية نتيجة تفشي العادات والتقاليد الضارة وتزويج الفتيات قسرا والأصل في الزواج هو تراضي الزوجان علي الإرتباط وليس طرف واحد، وهذه القضية الشائكة تظهر بشكل واضح إختلال النظام الإجتماعي وضعف القانون وبالتالي الحوجة لإحتجاج صريح وعلي أوسع نطاق، والدعوة لتفاكر الجميع حول ضرورة وإمكانية تصميم وسن قوانيين جديدة توائم القوانيين الدولية الخاصة بصون وحماية حقوق المرأة والطفل.

في الظاهر نورة تقف خلف جدران السجن بتهمة القتل العمد لزوجها (له الرحمة والمغفرة) ولكنها في جوهر القضية تحاكم قيمنا الأخلاقية والإنسانية وتضع القانون والقضاء في مختبر المسؤلية والمهنية وتبعث رسائل الأطفال القصر والنساء كافة إلي كل العالم من حولنا وتقول (هناك مشكلة حقوق في السودان) وهذه حقيقة لا يمكن لكائن كان إنكارها او تجاهلها ووعدها في عالم تقدم فيه مفهوم الإنسان للحياة وتطور وعي المرأة السودانية والعالمية وعرف الجميع ما يضره وما يصلحه ولم تعد هناك وصاية إجبارية علي خيارات (القلب والعقل) ولم تعد العادات والتقاليد الوراثية سيوف مسلطة علي رقاب الأجيال الجديدة بل النظم الإجتماعية كلها محل تقيم وتحليل ونقد علي مدار الوقت والتاريخ، ومن هذه المنطلقات نجد أن قضية نورة حسين تخطت الدوائر الضيقة وباتت قضية رأي عام ومفتاح لجدلية حقوق المرأة والطفل في السودان والعالم الثالث، وهي قضية إنسانية وأخلاقية بامتياز يجب مناقشتها بموضوعية علي الصعيد المحلي والدولي والبحث عن معالجة جادة.

لم تكن المرأة السودانية خارج الإطار الثوري والتحرري العالمي الذي إنتظم كوكبنا بعد عصور الجهل والظلام حين كانت المجتمعات تحت قوانيين ودساتير الأساطير والخرافات والتي لا مجال لإستنساخها وتطبيقها في عصر النورانية والحداثة حيث تعلوا بيارق الحرية والعدالة وكافة حقوق الإنسان، كانت المرأة السودانية منذ عهود بعيدة من أهم الأعمدة التي إستوى عليها المجتمع وبكفاحها وفكرها التقدمي النوراني أضحت خياراتها التقدم أكثر فأكثر في إستكمال بناء وحماية المجتمع الحضري والإنساني المعاصر عبر قانون عادل يوقف كل أشكال التصنيف والتمييز السلبي ضد المرأة او الإنتقاص من شأنها العام والخاص وتقليص حقوقها الإنسانية، هذا هو الواقع النسوي الطبيعي والجديد علي بعض العقول المتأثرة بالإرث الثقافي القديم كمفاهيم وعادات وتقاليد لا تقبل الحوار رغم ما أنتجته من مشاكل في عالمنا الحالي، وإذا وضعنا قضية نورة ونظرنا بعقلانية للبيئة الإجتماعية والنظام السياسي والقضائي المحيط بها وبملايين السودانيات والسودانيين وقارنا ذلك بتاريخ نضال المرأة السودانية وما وصل إليه العالم من حولنا فاننا سنفهم مدى الكارثة الإنسانية التي نعيشها في السودان، والحل ليس في الدفاع عن حقوق نورة فقط، وهو واجب إنساني وأخلاقي، بل الحلول تكمن في البحث عن المسببات التي قادتنا إلي هذه المرحلة المؤسفة جدا، فالرجل الذي فقد حياته مقابل الإنتصار لرجولته بمساندة أقربائه كما ذكرت جهات إعلامية هو فقد حزين لأهله وكل معارفه وهو ضحية ثقافة ضارة جعلته يرى الخطأ صواب ويتصرف وفقا لما يعرفه، لذلك نحن نحتاج لنظام إجتماعي جديد يرسخ المفاهيم المدنية وقانون جديد مواكب للعصر الذي نحن فيه الآن.

الآن تحتاج قضية نورة حسين لمعالجة عاجلة تحمي حياتها قبل الإنتقال إلي أي مرحلة آخرى متصلة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، وهذا يتحقق عبر أربعة آليات فعالة وهي (القانون - الإعلام الداخلي والخارجي - توفير قطاع الحماية عبر المنظمات الحقوقية والإنسانية - الحل العشارئري وتسوية القضية بالعرف المحلي السلمي) ومن الأفضل تسوية هذه القضية بشكل سلمي وفض النزاع بين اطرافها أسرتي (الجاني والمجني عليه) ومن بعدها تحرك كافة الجهات ذات الصلة والإهتمام بقضايا حقوق الإنسان والنساء والأطفال والحريات وتنظيم مرافعات قانونية وحملات سياسية وشعبية للإحتجاج علي النظام القائم والقوانيين المجحفة بحق الإنسان والمرأة، وحل قضية نورة بشكل سلمي يوقف حزن أهل القتيل علي فقدان إبنهم ويرفع الظلم الذي أصاب نورة حسين ويمنع تفاقم الإحتقان الشعبي المتصاعد ويفتح مجال للدخول مباشرة في لب الموضوع وهو مناهضة الأسباب التي أوصلتنا إلي هذا المنعطف الخطير، والسعي لإجتزاز السبب أفضل من الحسرة علي المسبب به.


سعد محمد عبدالله
16 مايو - 2018م