المعارضة الذكورية



نضال نعيسة
2006 / 3 / 19

لن نتكلم هنا عن "اجتناب" العلمانية باعتبارها رجساًً من عمل العولمة وبدع "المشركين والكفار"، فلقد تعودنا على غيابها في كافة مؤتمرات المعارضة السورية والحمد لله. إلا أن غياب الوجه الأنثوي، وبشكل لافت، حتى بحجابه الإسلامي التقليدي، افتراضاً في هذا الاجتماع، طبقا للإخراج المنطقي الواجب أن يكون في هكذا اجتماع يغلب عليه الطابع المحافظ، وكان هو الآخر ربما محظوراً آخر يضاف إلى سلسلة المحظورات المعروفة في فكر المعارضة السورية، هذا ما كانت عليه الصورة كما نقلها اجتماع بروكسل الذي انفض أمساً وضم بعضاً من فصائل المعارضة السورية.

ألم نتجن سابقاً على القوم، ونقول أن هناك تماهياً كبيراً بين خطاب بعض من "أهل النظام"(هذه "شفطناها" صدقاً من بلاغات أئمة الفهلوة في إعلان قندهار)، وبعض من عتاولة المعارضات؟ وتجنباً للإجحاف، ربما هو توافق فكري وميل فطري ليس إلاّ، ولو كنا مغرضين لقلنا امتثالا، أو ربما محض صدفة "رؤيوية"، أن تلتقي وجهة نظر أطراف جبهة الخلاص الوطني، مع تصريحات سابقة مثيرة لـ"وزيرة المهجرين"، حول المرأة في عيدها الأغر، والتي رفضت فيها علناً، وفي اجتماع أنثوي حافل، مبدأ مساواة الرجل بالمرأة. وهذا لعمري مثلاً، وواحدة أخرى عن تطابق الرؤى الفكرية في العمل السياسي في الأنظمة ذات الجرعات الديمقراطية العالية. والسؤال هنا، لماذا يعارض المعارضون، إذا كان هناك ثمة توحداً في الرأي، وتطابقاً في الفكر، والنهج بين المعارضة وأي نظام؟

فلقد غابت المرأة جسداً، وروحاً عن هذا البيان والاجتماع، وكان ذلك واضحاً بشكل بيّن، اللهم إلا في تلك الصياغة الفضفاضة العائمة، والفقرة اليتيمة، التي لا تشفي غليل الباحثين عن واحد من أهم عوامل نهوض اجتماعي صحيح، ويمكن لها أن تعطي تقييما صحيحاً، وعادلاً منهجيا لهكذا نشاط. فهل كان هذا الغياب بسبب التمسك العقائدي بفكرة محاربة الاختلاط، وهي التفسير المحتمل الأغلب لهذا الغياب؟ وهل هذا هو ما سيكون عليه وجه سورية المستقبل، مجتمع صارم أحادي اللون من الذكور والفحول يتناقشون في مصير الوطن، والنساء غائبات تماما عن المشهد، وفي مكان ما "محصن" يمارسن أدوارهن "الأساسية" المعتادة في الحياة، وكل ذلك حسب صياغة الإعلان؟ لا بل قد يُعتبر هذا الخطاب، وفي مراحل لاحقة، وبرغم انطوائيته وضبابيته، ومن وجهة نظر البعض، جموحاً، وتحللاً، وخروجا عن التعاليم السماء.

لقد تضمن إعلان جبهة الخلاص الوطني فقرة مقتضبة ضعيفة، مهلهلة ومبهمة، تؤكد على عدم أهمية هذا الموضوع الحيوي الهام بالنسبة للمجتمعين. وكيف يكون خلاصاً في ظل غياب نصف المجتمع وبقائه رازحاً في غيتوهات الماضي السلفية والفكرية؟ أم أن الخلاص لنصف المجتمع الذكوري، ونصفه الآخر يجب أن يبقى ملازما البيت، كما أوضح البيان، وكما سنوضح لاحقا؟

لقد ورد في الفقرة الثالثة عشرة من الإعلان المذكور ما يلي:

- ثالث عشر: التأكيد على دور المرأة الأساسي في المجتمع، وإيجاد الشروط الموضوعية لضمان ممارستها كافة حقوقها المدنية والسياسية للنهوض بالوطن وتحقيق تقدمه." وإذا حاولنا قراءة هذه الفقرة بشكل صحيح، فإننا سنرى طغيان البعد العقائدي المحافظ على هذه الفقرة الهامة، والذي ينظر للمرأة فقط من خلال "دورها الأساسي" المعروف في الحياة، ويرفض إذ ذاك، وحكماً، مساواتها بالرجل الهمام، وهو تراجع هام، وواضح، عن بند أساسي من بنود الدساتير الحديثة، والعصرية التي وضعت المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل في موضع مساوٍ في الحقوق والواجبات، ولا تكتمل الحياة بانتقاص دور أي منهما على الإطلاق. وربما كان المقصود بإيجاد الظروف الموضوعية، وما يمكن أن يفهم من نمطية هذا الخطاب، هو منع الاختلاط، وعزلها، وحجبها عن عيون الرجال حيث يمكنها فقط ممارسة حقوقها السياسية والمدنية. ولو كان عكس ذلك لِمَ لم يُشِرْ المعلنون إليه إذاً، وبشكل حاسم وبات، والتأكيد مجاهرة وعلناً على المساواة في كافة المجالات، كما تقضي الدساتير العلمانية والعصرية، بدل الالتفاف الواضح، وغير الموفق على هذا الموضوع الحساس.

من حيث المبدأ، لا حاجة أبداً في مجتمعاتنا المغلقة والمحاصرة ونمطية الاتجاه، للتأكيد على "دور المرأة الأساسي" في المجتمع الذي يعني حكماً، بقاءها ملازمة لعش الزوجية، وديكوراً ملحقاً بعالم الرجال، وحصر مهمتها التاريخية والإنسانية في " التفريخ"، وإنجاب الأطفال، وإعداد كل "مالذ وطاب"، وهذه هي المهام الحيوية "الأساسية" المعتادة التي أنيطت بها في عالم الذكورية والرجال. إن هذه المهام، وبتبسيط شديد موجودة، ولا تحتاج لأية رطانة، وبلاغة فكرية، ومؤتمرات. إلاّ إذا كان المقصود إعادة بعض النساء ممن خرجن من حبسهن الأسطوري إلى الأسر العقائدي ثانية، وكما طالبت بذلك سابقاً، وعلناً، وزيرة المهجرين، وحياها الله دائما على هذه الاستزادات، والمكرمات.

من نافل القول، وبعيداً عن تصريحات وزيرة المهجرين، وأيضاً، مع ما جاء في بيان جبهة الخلاص، فقد خطت المرأة، إلى الآن، حتى في ظل الأنظمة الشمولية، بضع خطوات رائدة وتمتعت، ببعض الحرية والاستقلال المقبولين والانخراط في المجتمع والحياة، وبدعم وتشجيع رسمي عام في بعض الأحيان، وإن هذا الرؤى الماضوية، وبصياغتها الحالية، قد تعيدها سنوات ضوئية، وأجيالاً إلى الوراء، وهي ليست بحاجة إلى ذلك على أية حال. والمطلوب في ظل هذا الواقع، وهو "أضعف النضال"، المحافظة فقط على بعض مما تبقى لها من مكتسبات، ونجاحات، وتركها وشأنها، إن لم يكن هناك ما هو أفضل، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وعدم سلبها إياها في مؤتمرات الفحول، والرجال، ومنع الاختلاط.