سابيكا الشيخ ..



قاسم حسن محاجنة
2018 / 5 / 20

في زحمة الأحداث على الصعيد العالمي والمحلي ، زواج الأمير البريطاني وأحكام الصوم التي تبثها وسائل الإعلام وقنوات التلفزيون ، في هذه الزحمة ،ضاعت سابيكا ..
لكن من هي سابيكا ؟
لم أسمع بهذا الإسم قبل اليوم ، لكنني علمتُ من بناتي بأن طالبة باكستانية ، تدرس ضمن مشروع”YES “ في أمريكا قد قُتلت هي وعشرة آخرون من طلاب مدرسة ثانوية في مدينة سانتا- في ، تكساس، إثر هجوم بالسلاح نفذه فتى في السابعة عشرة من عمره .
وهذا الصباح ، تلقيتُ رسالة صوتية من صغيرتي ، والتي تدرس ضمن نفس المشروع ، تُخبرنا فيها بأنها وعند وصولها الى واشنطن ، وقبل توزيع الطلاب والطالبات على العائلات في مختلف ولايات أمريكا ، قد زاملت هذه الشهيدة في السكن ، واحتلت صغيرتي السرير العلوي ،بينما كانت سابيكا في السرير السُفلي .
كانت صوت صغيرتي متهدجا وغُصت بالبكاء ، "إنه أمرٌ حزين وحزينٌ جدا"، هكذا قالت صغيرتي قبل ان تجهش بالبكاء . فاعتصرني الألم ، ألم فقدان عزيز ... فقدان صبية في السابعة عشرة من عمرها ، ربطتها بفرد من أسرتي الصغيرة ،علاقة دامت أياما معدودة فقط ، لكنها أيامٌ ذات أهمية .
ذهبتُ ، وبعد سماع الرسالة ، إلى غوغل ، علّي أتعرف على سابيكا وأرى صورة لها ..
لم أجد سوى صور وزير الخارجية الأمريكي الذي ينقل تعازيه لأسرة سابيكا .. أما هي فبقيت مجهولة .
لقد تألمتُ أشد الألم لألم صغيرتي ، التي تذكر سابيكا وتتذكر أيامها الأولى في واشنطن بصحبتها وصحبة المجموعة المكونة من عشرة طلاب أجانب ، جاءوا الى الولايات المتحدة للدراسة سنة كاملة في المدارس الثانوية ، وليعيشوا مع عائلات أمريكية ويتعرفوا على ثقافة هذا البلد .
وفي تصريحات لوالد سابيكا ، قال بأنها كانت الشريان الرئيسي للعائلة ، وهذا ما أفهمه حق الفهم ، فصغيرتي المتواجدة هناك ، هي شريان عائلتي الصغيرة ..
وقال أيضا بأنها كانت تتناول قضايا أكبر من جيلها ، ويا لصدق العبارة ، فصغيرتي تُعنى بقضايا كبرى ، أكبر بكثير من عمرها ، وتتجاوز هموم المراهقين ..
وأضاف بأنها ، أي سابيكا ، كانت ذكية ، وهذا أمرٌ لا شك فيه ، فمن خلال معرفتي الشخصية مع البرنامج الأمريكي ، والذي تُديره وزارة الخارجية عبر سفاراتها وملحقياتها الثقافية ، والذي يحظى بتنافس شديد ، ومعرفتي بعملية الاختيار ، بدءاً بالامتحانات الكتابية وانتهاء بالمقابلات الشخصية ، اعرفُ بأن من يُقبل لهذا المشروع هو من صفوة الصفوة ، ذكاءً ومهارات شخصية وقدرات على التواصل الذكي .
لن أُبالغ ،إذا قلتُ بأن خسارة عائلة سابيكا لا تُعوض ، وسيبقى الجرح نازفا ولن يلتئم .
ومع أن العنفَ مستشرٍ في المجتمعات البشرية ، فإن وِزر دم سابيكا وغيرها من الشباب والصبايا في الولايات المتحدة ، الذين يدفعون حيواتهم ثمنا ، لفوضى السلام ، وزر دمائهم جميعا ، هو في رقبة لوبيات السلاح وفي رقبة الإدارات الأمريكية المتعاقبة .
أما أنتِ يا صغيرتي ، فليس بيدي سوى مواساتك ..
وها أنتِ تتعرفين باكراً في حياتك ، على جشع تجار الأسلحة ، الذين لا تهمهم حياة البشر بقدر اهتمامهم برصيدهم في البنوك .