من أجل ريادة المرأة أو الأمل الذي لازال بعيدا: الجزء الثالث.....9



محمد الحنفي
2006 / 3 / 20

7) تجريم الإيديولوجيات الحاطة من قيمة المرأة، فإيديولوجية الإقطاع، التي ترى المرأة مجرد متاع يجب الاهتمام به، و حفظه من التلف، و الضياع هي إيديولوجية تحط من قيمة المرأة. ولذلك، فهي لا يمكن أن تعتبر المرأة إنسانا، لأنها بإنسانيتها تفقد قيمتها كمتاع. و بالتالي فاعتبار المرأة متاعا يجب أن يعتبر جريمة في حق الإنسانية بصفة عامة، لأن جزءا مهما منها يصير مجرد متاع. و تبعا له فمال الإقطاعيين متاع، و أبناؤهم متاع، و ما يمتلكونه من غير ذلك متاع. فالأشياء، و الأموال، و الأولاد، و المرأة متاع، و يجب كذلك أن يعتبر جريمة في حق المرأة، لأنه يحط من قيمتها، و يلغي إنسانيتها، مما جعلها تقع تحت رحمة الإقطاعي، أو تحت رحمة الرجل الذي تكون تابعة له، باعتبارها قنة أيضا.

و الإيديولوجية الإقطاعية التي ترتكب هذه الجريمة في حق الإنسانية لا يمكن أن تترك هكذا، فلابد من مواجهتها مواجهة إيديولوجية علمية، لتفكيكها، و تفنيد أوهامها، و جعل المجتمع يتحرر من تلك الأوهام، و جعل المرأة، بالخصوص، قادرة على الانعتاق، و التحرر من الرؤيا الإقطاعية، لاقتحام مجال الإنسانية، حتى تتمتع بحقوقها الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية.

و بالنسبة للإيديولوجية البورجوازية، التي تعمل على تبضيع المرأة، و تسليعها، حتى تصير وسيلة للزيادة في أرباح البورجوازية، التي تعلم: أن عناية المرأة بنفسها، يزيد من استهلاك البضائع التي تنتجها المصانع البورجوازية، فتزداد بذلك أرباحها.

و هذا التصور الإيديولوجي البورجوازي للمرأة، يعتبر إهانة لها، و يجعلها فاقدة لإنسانيتها، سواء كانت هذه المرأة بورجوازية، أو كانت عاملة، و سواء كانت قريبة، أو بعيدة من الرجل، فإن الإيديولوجية البورجوازية عندما تكون سائدة في المجتمع، نجد أن الرجل عندما يتعامل مع المرأة، فإنه يعتبرها مجرد سلعة، و هو اعتبار نرى ضرورة تجريمه. و الانكباب على تفكيك الإيديولوجية البورجوازية، و بيان دواعي تجريمها، في تصورها للمرأة، الذي يلغي إنسانية المرأة، و يعمل على جعل الرجل عن طريق سيادة الإيديولوجية البورجوازية، يعتبر المرأة مجرد سلعة، و النضال من أجل امتلاك الرجل، و المرأة، على السواء، الوعي بخطورة الإيديولوجية البورجوازية، على مستقبل المجتمع ككل، و على مستقبل المرأة بالخصوص، التي تصير فاقدة لإنسانيتها. بالإضافة إلى الاستغلال الطبقي، الذي يمارس عليها، حتى يدخلا، معا، في مواجهة هذه الإيديولوجية البورجوازية ، من اجل الحد من سيادتها، و إضعاف تأثيرها في أفراد المجتمع.

أما أدلجة الدين الإسلامي، الأكثر تخلفا، فإن رؤياها للمرأة تجعل منها مجرد عورة، مما يجعل هذه الأدلجة خطيرة على مستقبل المرأة بالخصوص، لقيامها بتحريض الرجال على النساء، و لوضعها مقاييس معينة لما يجب أن تكون عليه النساء في المجتمع، و لاستغلالها للمرأة كموضوع للمناقشة الإيديولوجية في الأمور السياسية، و لتحريض المرأة نفسها ضد المرأة، خدمة للأهداف التي يسعى مؤدلجو الدين الإسلامي إلى تحقيقها، و لكون المرأة، كموضوع، تعتبر جزءا، من استغلال الدين الإسلامي في الأمور السياسية.

و لمواجهة أدلجة الدين الإسلامي، التي تكرس دونية المرأة باعتبارها عورة، نرى ضرورة التمييز، أولا، بين الدين الإسلامي كدين لكل من اختاره عن اقتناع، و تشبع بقيمه النبيلة التي ترفع مكانة الإنسان إلى مستوى أعلى، سواء كان رجلا أو امرأة. و لم يعتبر المرأة عورة كما يدعي ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي، لأن كل ما فعله الدين الإسلامي، و بنص القرءان، هو أنه أرشد الرجل إلى احترام المرأة، مهما كانت هذه المرأة، و أرشد المرأة إلى احترام الرجل، من خلال المعاملة اليومية، و حفظ الأخلاق العامة، التي تضمن سلامة المجتمع من الآفات، كما قال الله "قل للمومنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، و قل للمومنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن، و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها .." الخ. و هذا النص، و نصوص أخرى من القرءان تؤكد ، و بما لا يدع مجالا للشك، أن العلاقة بين الرجل، و المرأة، على مستوى العلاقة العامة، يحضر فيها الاحترام، و التقدير، و المساواة، و السعي إلى رفع مكانة المرأة عما كانت عليه، و لا داعي لأن نعطي تأويلا مؤدلجا للدين الإسلامي، لقوله تعالى "الرجال قوامون على النساء"، لتكريس دونية المرأة، لأن تلك الدونية، غير واردة، بقدر ما يرد ضرورة اعتبار الفروق الطبيعية القائمة في الواقع، التي لا تلغي المساواة ..الخ.

و لذلك نرى أيضا ضرورة تجريم أدلجة الدين الإسلامي، باعتبارها تحريفا للدين الإسلامي، الذي جاء للناس جميعا، و لا حق لأي أحد أن يستغله، في أمور دنيئة، و منحطة، و تجريم الدونية التي تكرسها تلك الأدلجة، التي تعمل على تحقير المرأة من جهة، و لتحريفها لرؤيا الدين الإسلامي من جهة أخرى. و لذلك نرى ضرورة التصدي للأوهام الإيديولوجية، التي تبثها أدلجة الدين الإسلامي، باعتبارها ليست من الإسلام في شيء، و فضح، و تعرية الخلفيات، التي تؤدي إلى التعامل مع المرأة على أنها عورة، لتتكرس دونيتها، و بذلك الشكل البشع إلى ما لا نهاية، و العمل على توضيح حقيقة سعي الإنسان إلى حفظ كرامة الإنسان بصفة عامة، و حفظ كرامة المرأةبصفة خاصة، من خلال الإشارات الكثيرة، و المتعددة، الواردة في القرءان، أو في الحديث، أو في الممارسة اليومية للرسول، أو للخلفاء، الذين تولوا شؤون المسلمين من بعده، قبل قيام حكم الأمويين بصفة خاصة، و ضرورة استحضار الشروط الموضوعية، التي صاحبت ظهور الإسلام، حتى نكون موضوعيين في التعامل مع موقف الدين الإسلامي من المرأة ، و كيف أن هذا الموقف تم السطو عليه، و تحريفه منذ البداية ، و خاصة بعد مقتل عثمان، حيث أخذت تنشط أدلجة الدين الإسلامي، مساهمة، بشكل كبير، في التعامل مع المرأة على أنها عورة، و تم إرجاع الاعتبار إلى الرؤيا، التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل ظهور الإسلام تجاه المرأة، و زاد من حدة الموقف المخالف لرؤيا الدين الإسلامي تجاه المرأة، بسبب تزايد الإماء، و العبيد، كنتيجة لازدهار الفتوحات التي كانت تمكن جيوش الأمويين من المزيد من الأسرى من الرجال، و النساء، الذين يعتبرون غنائم، فيوزعون على عرب الجزيرة، و على قصور الخلفاء، و الأمراء، و هو ما أثر سلبا على الموقف من المرأة، باعتبارها عورة، بعد أن كثرت الإماء في المجتمع.

و بهذه المواجهة للإيديولوجيات، الحاطة من قيمة المرأة، و تجريم هذه الإيديولوجيات، يمكن أن نذهب مباشرة إلى عمق مكمن انبعاث الممارسة الإيديولوجية تجاه المرأة، و الدفع في اتجاه العمل على تفنيد الأوهام الإيديولوجية، لهذه الإيديولوجيات الإقطاعية، و البورجوازية، والمؤدلجة للدين الإسلامي، و إجراء ما يمكن تسميته بالمحاكمة الجماهيرية، لهذه الإيديولوجيات، ودون إغفال لتقديم الإيديولوجية التي تنتج قيم احترام كرامة المرأة ، و تقدير عطاءاتها، و مساهمتها إيجابيا، في جميع مجالات الحياة، حتى تطمئن المرأة على مستقبلها الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، في إطار مجتمع متحرر، و ديمقراطي و عادل.