وقفة مع الزميل نضال نعيسة



سرجون شار
2006 / 3 / 21

كعادته يطالعنا الزميل نضال نعيسة بتعليقات وتحليلات عن الوضع السوري بشتى جوانبه السياسية والاجتماعية فهو متابع مستمر للشأن السوري يحلله بموضوعية وعناية فائقة يغلب عليها طابع الأصول الأخلاقية والمنبت الطيب ويعالج كافة الأطروحات ولا تفوته شاردة فهو محلل يتكلم بلغة "فولتير" السلسلة التي تجعل القارئ يتابع مقالاته حتى آخر كلمة وليس متفرجا على مسرح "بريخت" كمقالات أولئك الذين يكفرون كل من يعارضهم لأفكارهم الثابتة الجامدة والعائدة إلى زمن ما قبل 1400 عام .

ولست هنا بصدد المديح بل من اجل إيضاح فكرة أساسية بان الزميل نضال كاتب يقدم أفكاره النقدية البناءة دون تجريح أو خدش ودون استخدام للمفردات التكفيرية السائدة التي تحفل بها خطابات التكفير العامة، والتي سئمنا منها وأورثتنا الألم والقرف، والصداع، والتي أكل الزمان عليها وشرب، و.....، لكن البعض ما زالوا يستخدمونها لليوم معتبرين أنفسهم أنهم الحقيقة المطلقة وكل من انتقد أفكارهم هو مارق وخارج عن قواعد الأدب والإنسانية بل في نظرهم خائن ومستغرب ينتمي إلى الغرب الكافر . كما فعلوا مع المفكر العظيم "ادونيس" ومع الكاتب الجريء "البغدادي".

فلقد كشف الزميل نضال نعيسة تعليقا على البيان الذي صدر عن ما أطلق عليه بيان بروكسل (جبهة الخلاص الوطني) للأستاذ عبد الحليم خدام والسيد صدر الدين علي البيانوني، فالأول سياسي متقاعد يكتنف تاريخه الكثير من القيل والقال، والثاني إسلامي سلفي بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد، وهذا ما يدفعك للاعتقاد بان أكثر رموز النظام السوري لا يختلفون عن رموز (الإخوان المسلمين)، ومن هنا كانت سرعة االلقاء، وطبيعة الاجتماع، وسهولة الاتفاق، وهذا ما عبر عنه الأستاذ نضال أيضا وضمنا. فقد كشفت هشاشة هذا البيان عندما أبعد المرأة عن معترك السياسة والحياة، ليضعها في الإطار التقليدي والسلفي الذي كان هؤلاء ينظرون لها، وليترك لها (الطنجرة والإنجاب فقط)، وليزيدها حجابا ضمن مجتمع شبه إسلامي يريدون العودة به إلى العصور الوسطى ، وليقصيها عن مسرح الحياة كما أقصاها عن مشهد الاجتماع الذي بدا شاحبا، وخاويا، ومقفرا من نصف المجتمع ذاك المخوق والكائن الرائع الحساس. لكن هذا المجتمع الذي طوِّع، و استسلم منذ 1400 عام بالسيف خوفا من المحتل الهمجي يعي حقيقة ما يخفيه هذا البيان، فلو كان خدام أو البيانوني فعلا يعملان لمصلحة الشعب السوري لعقدا اجتماعهم في دمشق أو حلب أو حتى حماه لكنهم لا يختلفون عن النظام بشيء، ولم يأت أحدا منهم بمبادرة جديدة على الإطلاق ، فيما عدا إلغاء قانون الطوارئ وهم ينقلون الأفكار والمعتقدات بصيغة جديدة لان تربيتهم كانت بعثية تدور في مساجد متعددة في سورية .

فمن يقرأ التاريخ يعرف بان يد الفساد والتطرف والجهل لن تستولي على حكم ولن يكون لها أتباع إلا بن لادن والزرقاوي . وأدعو الشعب السوري للفظ هؤلاء الساسة الخاسرين والمفلسين والذين لم يأتوا بشيء سوى تجريد النساء من بعض المكتسبات والعودة بهن للعب الدور الأساسي في الحياة كما جاء في تعليق الأستاذ نضال، وأطالب الجميع بالالتفاف حول القوى الوطنية الشريفة، والعلمانية الليبرالية والديمقراطية، غير الملطخة بالدماء بعيدا عن المعتقدات الجاهلة البائدة والمنقرضة والذي يريد البعض إحياءها من "رميمها" والعودة بها للحياة، واحتراما لمبدأ انه علينا أن نتشارك جميعا في الخبز والديمقراطية، ولفظ كل ما من شأنه العودة بنا إلى الوراء، إلى بلاطات السلاطين وقصص الثعبان الأقرع، والعفاريت والجان.

لقد أثار مقال السيد نعيسة أفكارا ومحاذير هامة يجب أن تؤخذ بالاعتبار وعدم الانجرار وراء تلك الدعوات الغائمة، والضبابية والشعارات البراقة التي تخفي وراءها ما تخفي من عودة للطغيان، ولاسيما لجهة النظرة الخاصة للمرأة، نصف المجتمع، واسترقاقها من جديد تحت أوصاف ومبررات نعيها ونعرفها تماما، ، والتي نعرف تماما كيف ينظر إليها، ويصنفها هؤلاء، وفي أي كهف ومخبأ سري يريدون أن يخفوها بعيدا مخافة إثارة الغرائز والشهوات ونشر الرذيلة بين العباد.

المرأة صنو الرجل وشريكته في معركة الحياة ودربها الشاق، وإن أي محاولة للنيل من مكانها سيعني شلا للمجتمع، وبترا لعضو هام فيه، ولن تستقيم عندها الحياة. وسيبقى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من أعظم المبادئ الإنسانية والعلمانية التي حققتها البشرية، وأحرزت بسببه قفزات عملاقة إلى الأمام، وأرجو ألا يغيب هذه عن بال معارضينا في البيانات القادمة.