لا يريدون حرية المرأة (1) مدخل للاسلامفوبيا والتغيير الاجتماعي



خالد سراج الدين محمد الامين
2018 / 8 / 5

مقدمة :
كتابي هذا يبعد عن السطح ويحاول فتح قنوات للعمق ثم للأعمق للتفكير الحقيقي لا للحقائق المسبقة التي سيدخل بها البعض
من اجل القراءة متأبطين بشرور المعرفة وبعض سوء الفهم المقصود .




لا يريدون حرية المرأة
بل يريدون حرية الوصول إليها !
أحد أكثر المعلقات الحائطية التي مررت بجوارها في المجمعات الجامعية في مدينة الخرطوم وأن كان العبارة تحمل معنى خفيا لا يسخر من دعوات التحرير فقط بل يتعداه بفعل الترهيب والتخويف للذكورية التي تمتلئ بها صدور الشرقيين في عجز العبارة المكتوبة ( يريدون حرية الوصول إليها) مثلها مثل عبارة اترضاه لأختك التي توجد في كثرة في نقاشات المنصات الافتراضية العربية هذه الايام وهي حالة فريدة في النقد فحتى في الحملات المضادة لتحرر المرأة من او عكسها لا يتم توجيه الخطاب للمتضرر والمستفيد الاول المرأة بل تظهر معانى ضمنية في الخطاب توكد عليها كتابع لا يتم التخاطب معه الا عبر مالكه الرجل ، في كتابي هذا احاول الحديث مع المرأة كفاعل ومفعول ومتفاعل بهذه القضية ومع الرجل كمؤثر في القضية وليست كمتأثر ويجب ان يعمل القارئ قبل التغول في المقال انني لا أحاول الحديث عن النقاب كفرض من عدمه والوقوع في مغالطات النص والتأويل التي نعمل جميعا نهايتها وخير وصف لذلك قول علي بن ابي طالب بان القران لا ينطق انما ينطق بها الرجال الذي يرونه حسب اهواهم التي قد تلوى عنق الحقيقة وصحاح الامور والفروض ، هنا أحاول إعادة التفكير به كقضية اجتماعية تؤثر ونتأثر بها جميعا..


"وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت * فقد رابني منها الغداة سفورها"
توبة بن الحمير

كتبت قبل فترة (أنني كلما رأيت منقبة تجوب شوارع الخرطوم عملت ان التغيير الاجتماعي مستحيل !)
وحقيقة كنت أعني النقاب ليس كمجرد حرية زي او لبس بل يتعداه ليكون لنتوج ظاهري للكثير من الأفكار الاجتماعية التي انتهت بهذا الفعل الذي قد يكون مجرد تمظهر لتلك الأفكار وكان المرأة المتدينة لم تكتفي بكونها مجرد تابع لرجل واحد يكون المولى بنكاحها ، وتضطر للاختفاء من الآخرين خلف حجاب أسود يعيق حتى رؤيتها للأشياء لكن برؤيتها لذاتها ككائن مستقل يحاول ان يفعل ما يريد متى ما أراد ، النقاب كعائق امام التواصل كمؤشر وفعل مألوف بين البشر لآلاف السنين - الوجه- كاستحسان كابتسامة ومؤشر لانفعالات الشخص واضطرابات التي يرغب احيانا إظهارها كلغة جسد يحاول ان يكمل قصور الكلام كأحد التصرفات التي لا تكتمل بها الشخصية بدونها بل ان اسم هذا الكائن اقتبس من الانس والالفة التي يكون بابها الاول الانفعالات والتصرفات التي يكون الوجه اولها ، كنت أقصد وقتها أن التغيير الاجتماعي عملية فردية وأن كان التغيير مطالب بالإتيان بموافقة شخص آخر يكون مصير المخاطب مرتبط بشخص آخر قد لا تلتقيه او ان مصلحته في التغيير ليست كبيرة كالمخاطب في الحديث وهي المرأة المنقبة ، وكذلك يرى المتدين النقاب ليست كحماية للمرأة اكثر من انه حماية للرجل من فتنة المرأة ليكون الموضوع اشبه بوضع اللوم علي كاهل الغنم القاصية بدلا عن تجريم الذئب ، وتلك مستمدة ايضا من الفكر في حادثة اغواء حواء لادم للأكل من الشجر المحرمة ، والامر ابعد من تخلف الفكر الديني او عدم تجديده بل المشكلة تكون في تقول الافكار المجتمعية علي الدينية حتى اصبح الفصل صعب لتظهر عبارات عادة وليست عبادة بكثرة .

نافذة متكسرة

النظرية لكولينغ وآخرون وهي تقوم علي بساطة أن تركت أحد نوافذ المدينة علي شارع عام متكسرة فسرعات ما سوف تتم تكسير بقية النوافذ وتعم الفوضى الجريمة كذلك يرى الأوروبيون النقاب كأول نافذة متكسرة في مدنهم التي نتاج طريق طويل من التفكير والصراعات والسياسية وصراعات الكنائس ، يرون النقاب كأول نافذة قد تصل يوما بالمدينة التي تؤمن بحرية الأفراد والعلمانية وحريات الاعتقاد لمدن تجلد النساء في ساحتها بقوانين الحدود ،كذلك حدث في مجتمعات غير وهابية متمدنة بعض الشيء مثل مصر والسودان وتونس وسوريا فتركت نافذة مفتوحة وانتهت بقلب الطاولة علي قوى الضبط الاجتماعي وتحويلها لأرضيات جديدة فصار المتصوفة الذين يرون الله في قلوبهم علي وجه مثال يبحثون مجتهدين في إيجاد مخارج لفظية لأفعالهم بدلا عن الصراع من ارضية مختلفة يجب علي الضد ان يحترمها ،اما كيل الشتائم لمشايخ الازهر علي وجه المثال وظهور حملات مضادة لقوله عن النقاب انه عادة ولا عبادة يظهر حجم قوى الاسلام الوهابي علي المجتمعات الغير وهابية وذلك بسبب عدة عوامل منها الهجرة الي دول الخليج وقوة الخليج كفاعل اقتصادي جاد وسياسي في الوطن العربي ينشئ الجامعات والجوامع في كل دول منطقة الشرق الاوسط وافريقيا واقاصي اسيا .
هو حقها ! أجيب كما أجاب قاسم أمين عندما سئل عن فرضية اختيار المرة للحجاب من عدمه ،لكنه حقي أيضا ان أنتقد من يقفون خلف هذا التبشير والضغط علي النساء بدون تأثير هالات قدسية معينة حول شيوخ وآراء دينية معينة ، مرة اخرى هو حقها بلا شك ، وان كان الفعل يحمل الكثير من اراء الاتهام بالخيلاء والتعالي الهوياتي واراء صدمات اجتماعية كثيرة قد تؤدي لحب الاختفاء من الجميع وفتح كوة صغيرة لرويتها الشخصية لا لرويتها من قبل الاخرين .

نقاب الروح اكثر سوادا !

دور الحركات الاجتماعية اينما كانت هو تحريك السكون لحالة حركة تعيد للمجتمع صيرورته ، لا الرجوع به لكهوف جديدة وضرب القضية الأساسية المحورية التي من أجلها صنع الحراك
لنفترض مثلا أن احد الحركات الاجتماعية. ،المنظمات تعمل علي منع الختان في احدى القرى بمساعدة شيخ القرية ، بالتأكيد سينجح التعاون بين الشيخ والحركة الاجتماعية لكن في ذات الوقت تكون الحركة ا المنظمة أكدت وزادت من قوة الشيخ كناهي وأمر في المجتمع ذات الأفكار التي تحاربها المنظمة نفسها وتسميها البطريكية Le patriarcat وهي فعل يحقق نتائج مرحلية لكن تأكيد ضمني لسلطة تحاولي نفس المنظمة تكسيرها، نفس الفعل يحدث عندما يقف بعض النشطاء في صف المنقبات كمحاولة للتأكيد علي حرية الزي وهم في نفس الوقت يقفون من النصوص التي فسرت كمضاد لحرية الزي -النقاب هو مرفوض حتي من أطياف إسلامية كثيرة علي رأسها آخر شيخين علي الازهر-
فالفكرة ليس في إعادة السلطة لذات المفسرين الذي يفسرون النصوص بعقول الموتى او المجددين الذي سينتظرون للأبد للإتيان بفتاوى جديدة ، بل بالدين كفعل فردي بحت .
كذلك سقط معارضي النقاب بذكرهم أنه قد يتم استغلاله بطريقة سيئة ولا يمكن عن طريقه التفكير بين السوية والسيئة من الفتيات وهو تعارض كبير مع الأفكار التحررية التي تنادي بها هذه التجمعات ، تحدث في العقل الباطن لعقل المجتمع الجمعي ، وهو سقوط فكري وتبرير أسوأ من الفعل نفسه .

طبيب الطوارئ !

طبيب الطوارئ يعمل جاهدا علي تقليل ظواهر المرض كالحمي ، ضربات القلب ، التنفس وتقليل تأثيراتها اما الطيب الاخصائي عليه ان يعمل جادا علي اكتشاف الأسباب المؤدية لأعراض المرض وأن يعمل علي علاجه والتأكد من عدم عودته مرة أخرى ، واليوم علي المثقفين وعلماء الدين والاجتماع البحث عميقا علي المرض الحقيقي المؤدي لمثل هذا الأعراض لا الانشغال بالسببيات –احداث القوانين والاحداث الفردية- وترك السبب بعيدا ، العالم اليوم في ظل قوى ضبط اجتماعية عالمية وحركات اجتماعية عالمية هي نتاج لا تخطئه العين لعملية العولمة globalization كصيرورة تجعل كل البشر سكان مدينة واحدة يؤثر بعضهم في بعض ، علينا ان نتساءل كيف سنتعايش ! في هذا الكون الفسيح الضيق .