ايام صادق الحلوانى وحكاية المنبوذة2



مارينا سوريال
2018 / 10 / 8

الحلوانى
يراقبها منذ سنوات من دون ان يستطيع ان يجعلها تنظر اليه ..الحديث اليها حلم يفكر فيه فى عتمه ليل البدروم ورائحة الرطوبة تنهش عظامه يسمع صوت المراة الوحيدة تصرخ طلبا للمساعدة فى الغرفة المجاورة المجاورة..اعتاد ان يسمعها تناجى ولدها المفقود فى جوف البحر ليالى ..كم تمنى لو استطاع الرحيل مثله عبر البحر للمدينة الاخرى على الجانب الاخر حيث لايسال فيها من يكون لايبقى له سوى انتظار رؤيتها وهى تعود من عملها فى الليل ..يتسلل بخفه من خلفها فى الليالى المتاخرة يخاف اعين المتلصصين الاخرين لكنهم يعرفون قوه ساعديه التى تعلمها من الطرقات اكتفوا بمشاهدته يخف من حولها فى صمت ..هل تعلم انه يفعل ام لاتشعر حقا ان هناك ظلا يتبعها انها لاتخاف او تسرع الخطى تنظر الى الارض وكأنها لاتدرك العالم من حولها ..لاترفع راسها ابدا فكر ان كانوا يؤذونها فى ذلك البيت ، لو اخبرته بهذا يمكنه ان يقتل اذا ارادت هى ..الى متى لن تنظر؟ ولكن لمن تنظر؟ هى تعيش فى بيت لاتسكن غرفة مظلمة..لن يقبل ان يعطيه الفتاة يراقبه كل ليلة رائحة الدخان تخفى كل الوجوه لكنها لاتخفى وجه عنه ..من هو صبى الحلوانى اللقيط ليعطيه ابنته ..يعرف انها تعمل وتطعم الجميع لن يسمح بتقاسمها مع احد غيره..

بيت السادة
تعلم ان الفتاة الجديدة تراقبها ..انها تخشى منها منذ حادثة اقرب صديقاتها، لثلاث سنوات كانت ترى الكابوس ذاته ..جلسات لاتنتهى حتى استعادت بعض هدوئها كانت انعام الخادمة الاولى من تثق بها ام الاخريات متشابهات يردن ما فى ايدى غيرهن ..تغضب كلما اقتربت منها او من اشيائها حتى لو بداعى تنظيفها, لما لاتهتم امها بشئونها هى فحسب لم تدخل متلصصات ،اخبرتها من قبل ان لم تاتى سارقة الى اليوم لايعنى انهن لسن فاعلات فقط لم تاتى لواحدة الفرصة ..كان عليها ذلك اليوم التحضر باكرا حاولت بذل جهدها التركيز فى كتابة الكلمات التى ستلقيها فى ندوة المساء ..تعلم انه سيراقبها لن تسمح لنفسها بالخطأ وان تصبح اضحكوكة امام الجميع ..اشعلت سيجارة جديدة بعد ان اغلقت الباب جيدا حتى لاتقتحمه امها على غفله منها وتبدأ فى الصراخ حول تلك العاده التى تناسب الرجال فقط ولاتناسب فتاة غير متزوجة مثلها ولها سمعتها وان لم تخشى على نفسها فعليها التذكر ان لديها شقيقات اخريات لايجب العبث بمصيرهن..
الخادمة
راقبت الاطباق المتسخة والمطبخ الذى سيحتاج منها لثلاث ساعات اضافيه من اجل عادته مأهولا من جديد ،راقبت ساعتها ربما لن تعود الى البيت الليلة فالبقاء هنا افضل من السير بعد الثانية تغمض عيناها لثوان علها تنسى ذكرى المره السابقة ..الظلال التى طاردتها من بداية الطريق حذرها ركضها اختبائها فى اركان المنازل القديمة فى ذلك الحى محل ميلادها والذى تفوح من اركانه رائحة المرض والصرف الطافح وخراطيم المياه فى الطرقات حتى الصراخ كان يمكن ان يجلب لها الفضيحة لاان ينقذها لاتعرف كيف نجت منها ،لالا لن تفعلها من جديد بالتاكيد لن تطردها السيدة هكذا ..بلعت ريقها شربت كثيرا من المياه تبطأت فى عملها ..تشم رائحة السجائر التى تدخنها احدى بناتها فى غرفتها ..بينما مضى يوم الاخرى فى سلام، السيدة سعيدة كل شىء يسير على ما يرام قريبا سيقام عرسا لاختها الكبرى..تذكرت اختها لبيبة وصبى وفتاه لها لكنها لاتكف عن الشجار منذ اسبوع تحتل فراشها عظامها لم تعد تحتمل افتراش الارض متى ستقول لها ارحلى عودى لبيتك الا ترين البيت مزدحم بما يكفى ماذا زوجك سكيرا منذ ان رايته فى منزل ابيك وهو سكيرا واردته ارحلى ارحلى..تنبهت لنفسها ارتفع صوتها السيدة تراقبها عند مدخل المطبخ فى دهشه..لمن تتحدثين؟تجيب فى خجل لاشىء ..تراقبها جسدها مرهق وفرحة لن تضيع الراحة التى تشعر بها فى الحديث مع الخادمة انصرفت نحو غرفتها الكبيرة التى حسدتها دوما خادمتها عليها هى التى تتشارك الغرفة مع ثلاث والان اكثر..تنهدت واكملت عملها بضيق رشفت ماء بارد واخيرا جلست على الكرسى وضعت رأسها على المنضدة وغفت لاتدرى كم مر من الوقت لكن اصابع وخزتها بغلظة..
هبطت الدرج مسرعة فى غضب تخفيه ملامحها الباردة ..ضرب نسيم الفجر وجهها راقبت العائدين الى منازلها من صلاة الفجر كم احبت السكون لم تشرق الشمس بعد جائعة جلست فى مقعد الاتوبيس الخالى فى ذلك الوقت تلك الفتاة المغرورة ماذا اذااستيقظت لتجدها فى المطبخ هل وجدتها مع عشيق مثلما فعلت هى ووجدته فى غرفتها لكنها افضل منها واشرف لم تفتح فاها وتخبر امها عمن رأته فى ذلك اليوم ..وهى من اعتقدت ان الفتاة تحفظ لها الجميل لكن لا تعاملها بغلظة اسوأ من قبل لاتستطيع العودة لمكتب المخدمات من جديد التنقل فى البيوت يكسبها سمعة سيئة وسط الباقيات ومن يقبض راتبها كل بداية شهر سيعود لخرطومه من جديد يدق به عظامها لم تعد تحتمله او خرطومه انه يؤلم حتى وان لم تظهر له الخوف ولو لمره وهو يضربها حتى يهرع الجيران لانقاذها قبل ان تموت بين يديه فى كل مره،لكنها تمنت لو تجاهلوه ليفعلهاانها تريد الابتعاد بعيدا .نقود نقود نقود هى كل ما يبحث عنه منذ ن هجر العمل منذ سنوات طويلة قيل انه جاء من قرية فقيرة من الصعيد لم يخبرهم لما هجرها هل طمح ان يصبح له مال وجاه فى المدينة ..
المدينة التى وضع قدمه فى ميدانها الواسع محطة مصر وشاهد افواجا تتحرك ذهابا وايابا لم يعرف فى اى اتجاه يسير ..بالكاد يكتب اسمه فى تجواله الطويل عرف طريق الفواعليه اصبح منهم يجلس كل صباح وفى يده رغيفين من الخبز وقطعه جبنه مملحه وعود جرجير اخضر يمضغها فى نهم منتظرا ان تاتى اللحظة ويبدا عمله ..يوم وراء الاخر والاجره لاتكفى التعب يراقب المقاول فى حسد وغيظ لما لن يصبح مثله..
قيل امامها وهى صغيرة انه ترك من خلفه ولدا وامراة وحيدة ..ولكن فى اعماقها تصدق انه يفعل..كانت هى من تضورت جوعا رغم انها من تحصل على الراتب وبرغم نجاحه فى تزويج اختيها الاكبر من اصحاب صنعه فلم تنم مكتملة الشبع ابدا..
متى تحطم كل شىء ؟متى شوه وجه؟ تتذكر ملامح باهتة له وهى صغيرة كانت امها لاتزال هنا حية وسطهم ربما هى من كانت تمنع القبح عنهم لكنها لم تستطع ان تصمد على الجوع كانت تلد وتعمل فى خدمة البيوت ورثتها عنها حرفة عرفت مثلها معنى انكسار النفس لم يعد هناك انا انا اريد انا اشتهى لامعنى لكلمة عدم سبابها او ضربها ..لاتتذكر متى لم يكن يحمل الحشيش فى طيات جلبابه ..ومتى كان يعمل ويجمع القرش فوق الاخر حتى بناه ذلك البيت وسط الحقول ..كان اول من عاش هنا بيت واسع على المحار له سلم يربطه بطابق اعلى وسطح اصبح يؤنس الجلوس فيه من بعد الغروب ..لن تنكر انها لسنوات قريبة كان من المسموح لها الجلوس فيه قبل ان يحتله وشلته يجلوس يندبون الحظ العاثر وهن محبوسات فى الغرفة الكبيرة كانت اختها الكبرى نوال من تصعد لهم بالطعام حينما يحتاجونه لم تقصد لهن شىء كانت صموت عيناها تحكى ما لاتقله باللسان هناك فى الاعلى تعرفت على زوجها المستقبلى شحاته كانت تقول للبيبة التى تصغرها بعام انه ليس مثلهم جدع وشهم عيناه ليست فاجرة مثلهم ولديه غرفة بحوش واسع له وامه العجوز بعد ان رحل اخيه الاكبر للكويت وربما يرسل لاخيه قريبا وهو ما سيحدث تاركه اختها لبيبة تنظر لها فى حسد فهى حصلت على جسد مكتنظ ومستدير سمراء جسدها يثير من يراه بينما حصلت هى على جسد شديد النحافة حتى ظنت انها تظل فى بيت ابيها تتولى مهام الطعام لاصحابه فوق السطوح ليلا وتنظيف الغرف واطعام بقيه الاخوات فى النهار دون ان يحدث لها جديد ..تزوجت نوال فى اشهر قليلة فلم تحتج لشراء سوى ملابس قليلة هى كل مااستطاع تدبيره لها ..ورغم ان ام شحاته كانت معروفة وسط النساء بسليط اللسان والخوض فى كل شىء دون حياء فلم تشتكى منها ابدا وكانها كانت معتادة عليها منذ الازل ..لم توفق لبيبة فى الحصول على ذكاء اختها فكانت دائمة الشجار مع حماتها وزوجة شقيق زوجها ، تشاركوا غرفتين اول الطريق المؤهول كانوا يسمون منطقتهم بالخرابه حتى عرفت بهذا الاسم بين الجميع بيوت ضيقة متشابكة بعضهم مطلى بالاخضر من الخارج بينما احتفظ الباقى بلون المحار الرمادى دليلا على الحياة الرمادية فلاهم امواتا ولا احياء يذكرون، تحيط بهم ترعة تشق المدينة من بدايتها لنهايتها يلقون بها كل متسخ ويطادون منها ما يجدون حيا ويصلح للشواء المجانى واحيانا يخرجون فيها ثم صنعوا مراكب لتوصلهم للبر الثانى ..رحلت نوال متبعة زوجها بعد ان ارسل اليه عقد عملا بثلاث اشهر لتختفى بعدها اخبارها ست سنوات ولبيبة التى تزوجت مخالفة كل التوقعات وظنونها هى بعامين لها تنتظر..ان تفى اختها بذلك الوعد الذى قطعته لها بان تساعدها فى اللحاق بها اذا استطاعت هى وفعلتها ..لم تفى بالوعد نسيت كل شىء، تزداد سخطا وهى تراقب صبيين وفتاة ترضع منها فى غرفتها القديمة تنتظر بعد الغروب ان ياتى زوجها ويحملها الى بيته بعد ان تركها اسبوعين تلك المرة عملا بنصيحة حماتها التى سبته وسط البيت لانه لايستطع هجرها يوما حتى اصبحت هى سيد الدار والكلمة لها ..تراقب غمزات الضيق على وجه اختها تغيبها فى عملها حتى بعد منتصف الليل والامس باتت لدى بيت سيدتها ..تراقب وجه وفاء المستدير تنام من الغروب تتعجب ان ابيها لايزجرها مثل الاخريات يتركها تنام هانئة وهى بعد عادت غاضبة يتركها ويسب الصغار كلما وجدهم يركضون امامه ربما يخاف ان تظل هنا اذا لم يبالى..بالامس كادت ان تضرب اختها الصغرى وفاء بعد ان سمعتها تعد باقى زجاجات الزيت واكياس الارز الباقية من التموين ..صرخت فيها ان لولاها لما حصلوا على هذا التموين فهناك الالاف ينتظرون دورهم فى الحصول عليه ولم يحصلوا لولا زوجها ونباهته لما حصلوا لهم على بطاقة وبعد ان رحلت هى ونوال لم يعد اصحابه يحضرون بطعامهم وزجاجات الخمر الى السطح مثلما كانوا من قبل .. فمن يطعمهم ؟لكن وفاء بلهاء تصر امنية الخادمة انه السبب عندما ركلها صغيرة وضربت راسها فى الحائط لم تعد كالباقيات انها لاتفهم الكلمات مثل الاخريات لم تستطع ان تتعلم حتى كتابة اسمها لم يسمعوا لها مطلبا يوما ترتدى ملابس اخواتها من دون تذمر لا لون لها مفضل ولا طعام ولكنها الوحيدة التى تعرف كيف تضحك جيدا حتى ترج الجدران ..استيقظوا يوما فوجودها رحلت كان الكل قد شاهدها منذ لحظات هنا وهناك تضحك بين الاولاد تلعب تركض تمسك كعكة تجلس على الرصيف تختفى من منطقتهم المنعزلة..حتى ان صاحب المركب التى تخرجهم من بيوتها وتنقلهم الى المدينة كل يوما فى الصباح والمساء لا يعرف اين ذهبت الفتاة كيف تختفى فتاة مثلهم من بين عيونهم المتلصصة ليل ونهار فى حين يتركون تلك بلامأوى من عيون قد تحميها..يومها سمعوه يصرخ بشدة يركض فى كل مكان يبحث ويبحث، حتى تاخر ابنته حتى الصباح فى عملها لم يشغله كثيرا لم يسألها عن مكافئة الليلة الماضية التى تقوم السيدة بتوزيعها فى مناسبة كتلك ..كانت منهكة جلست خلف النافذة الواطئة تراقب الارجل تركض اين الفتاة؟كيف ترحل هل اختطفت؟راقبته يعود منكسرا انعكس ظله على الارض لاكهرباء منذ عده ليالى فقط اضاءه الشارع المسروق تعكس ظله الوحيد على تراب الارض التى تركها دون ان يبدلها كالاخرين بغطاء من البلاط ليعبث بيده فيه فتقلده وفاء وتكاد تاكله ليضحك اكثر لاتعرف انه السبب نظراتها له تنخر عظامه التى بدأت بالوضوح متى بدأ الهزال يتخلل جسده الضخم المخيف ؟متى بدأت التجاعيد ..ضاقت العين ازدادت سواد حتى انعكس على جلده القمحى ..مضت الليال واحدة وراء الاخر اختفت الفتاة لو ماتت لوجدوا لها جثة اذا رحلت هل وجدت يد امينة اكثر رحمة منه لاتجعلها ترفع صوانى الشاى والطعام بين اعين تلتهم جسدها وضحكتها البلهاء ترتفع وهو يراقب فى سكون ..الكل يصمت ..منذ ان وعت لم تجد احدا اكثر منه ضخامه جسده الذى استخدمه ليكون حامى لمن يريد والاجر السخى ..رحل كل شىء ..
رحلت لبيبة مع زوجها فى مساء اليوم الثانى خوفا على اولادها انزوت مريم جوار الحائط وكانها انكشفت فجاة وتذكر الجميع انها هنا بعد ان عاشت سنوات الظل تختفى خلف نقود اختها الاكبر امنية وبلاهه الصغرى صاحبة جسد الفتاة الغض..