الإبداع النسائي من التمرد على الثقافة الذكورية إلى تأكيد الذات



عبد القادر أعمر
2018 / 10 / 13




قراءة نقدية في رواية امرأة على أجنحة الرغبة لسلمى بوصوف.



_يقول المتصوف الهندي أوشو (1931 -1990) "منظومة الزواج الحالية هي ليست بأكثر من زنزانة يقضي فيها المرء آخر طموحاته الريادية تدريجيا ،او هي في أحسن أحوالها سجن محدود المساحة مهما بدا فسيحا " من هنا قد نفهم أن الزواج الذي لايكون أساسه الاحترام والحب والوفاء وتأكيد الذات والفهم السليم والتطبيق الحقيقي لمبدأ المساواة بين الجنسين هو زواج فاشل ،والفاشل هو من ينتمي إلى التسلط وتجسيد الهيمنة الذكورية والاحساس بالتفضيل الجنسي والايمان بمفهوم العبودية الطبقية الابوية الرأسمالية التي تتاجر بالعلاقات الاجتماعية والمشاعر الانسانية تحت محدد التقاليد والاعراف والتي تمهد الطريق للعقد النفسية والانحراف الاجتماعي بجميع أنواعه.

_بصدد قراءتنا لرواية سلمى بو صوف المعنونة ب: امرأة على أجنحة الرغبة الصادرة عن مؤسسة الرحاب الحديثة سنة 2018 التي تجسد رغبة المرأة المجبولة بقيم منظومة الزواج التقليدية والواقع المأزوم بالكبث والازدوجية القيمية والتجهيل من الانعتاق والتحرر من كل هذه المظاهر.

وتتناول الكاتبة قصة صديقتين لكل واحدة معاناتها الخاصة :

الأولى هي قصة مريم التي قررت الانفصال عن زوجها عدنان التازي إثر تعنيفها المتكرر وكذلك إلحاح الأم على عدم اتخاد هذا القرار بحجة التفكير في مستقبل ابنها طه ،تقول "كلما نظرت إلى أمي كرهت ذلها ،وكرهت هذا المجتمع المتناقض الذي لايتوانى عن ارتداء الأقنعة ويجد متعة في المراوغة بشكل فج...ألسنا أفرادا تتصور مسبقا ردود فعلنا ومواقفنا ؟ ألا يتعين خلال توابث عصية على التعبير والطمس ،فنحيط بأنفسنا بأطر مغلقة ونتصرف غالبا وفقا ماينتظر منا..." هنا تحاول الكاتبة إظهار أن دور المرأة يبقى رهين بتطبيق تقاليد واعراف المجتمع المنحسرة في إطار الزواج وتقبل سلوك الزوج رغم كل مايقترفه من قهر وتسلط ضد الزوجة ،وتبقى الام بمتابة المرجع الاساسي لكل هذه الظواهر من خضوع وتحمل قساوة الزوج وهنا تعلن الكاتبة رفضها لهذا التصور وتسميه بالذل لإنه لايحترم قرارات المرأة.

وتقول مريم أيضا "كنت احارب عائلتي...أحارب نظرات المجتمع التي تشير إلي بأصابع الابهام ،لم أكن يوما مع الحماقة لطالما كان نصفي الأخر يرفض الأوهام يوما بعد آخر ،أبتعد عن الناس المحيطين بي لأنهم في النهاية ربويات متشابهة تسيرها يد صانعها ،يوما بعد آخر تتمزق الخيوط التي تربطني بالمناسبة والمألوف والمعتاد "وهنا أيضا تحاول الكاتبة الوقوف على الحيف والقهر والتحقير الذي يصبه المجتمع على المرأة المطلقة بإعتبارها عبئ على المجتمع ومصدر الفساد والانحطاط الاخلاقي ،لكن الكاتبة تحاول التأكيد على أن المرأة يجب أن تتحرر من هذه القيود والتعالي على هذه الاعراف والتقاليد والنفاق الاجتماعي.

وتشير سلمى بوصوف إلى الحيف الذي يطال النساء من قبل القضاء لأنه لاينصف في مسألة "النفقة" وتقول مريم " تجربتي في الزواج والطلاق فتحت عيني على أمور عدة أولهما الحيف الذي يمارس بإسم القانون على المرأة بصفة عامة والمرأة المطلقة بصفة خاصة.."

وتشير إلى مسألة آخرى تتعلق بالحضانة التي تسقط عن المرأة خلال زواجها ولاتسقط عن الزوج في ظل زواجه مرة أخرى ،وتعتبره الكاتبة نوع من التقصير من طرف القانون الذي يدعي أنه منصف للمرأة ،قانون لا يؤمن بجهود الأم في احتضان أطفالها ،وهذا مانجده ضمنيا عندما تملص عماد من الزواج من مريم ليس لأنه لا يحبها بل لأنها مطلقة وأم لإبن غيره.

أظن أن المغزى من استحضار الكاتبة لهذا المشهد هو أن الأم المطلقة تحضى برمزية قبيحة ولايرجى منها هذا المجتمع بدايات جديدة وتتحمل مسؤولية فشل علاقتها الزوجية وفي المقابل أن الرجل يحضى بالفرصة من جديد دون أي شرط أو قيد ،تقول مريم موجهة الخطاب لعشقها الاول أيام الدراسة عماد "كلما قلت علاقتنا ضرب من المستحيل ليس فقط لأنك على وشك الزواج ،بل لأنني امرأة مطلقة وأم لطفل وانت لايمكنك أن تربي طفل ليس من دمك ،قلها ،هيا قلها ولاتخجل ليس الخطأ خطأك بل خطأي أنا...انا حلمت بأحلام أكثر مني " هذا هو مجتمعنا المغربي المتناقض الذي يقف عائقا أمام الحب عامة والحب المدرسي خاصة لأنه بكل بساطة لايفهم في العلاقات سوى الجنس والإنجاب وتتشكل جميع مظاهر الانحراف في المجتمع لأنه لايقدر العواطف الانسانية.

والقصة الثانية في الرواية وهي قصة تكملية لقصة مريم وتحاول من خلالها الاشارة إلى حالة آخرى ، حالة "هيام" التي عانت من الظلم الاجتماعي والنفسي والجسدي الذي يقع على الأنثى منذ نعومة أظافرها وتجد نفسها مرغمة على الصمت والإنطواء والعيش في الوهم واستمرار الاضطراب النفسي الذي يصل إلى مرحلة الانتحار.

هيام صديقة مريم ،إلتقت بها في ندوة بكلية الآدب والعلوم الإنسانية بفاس وتوطدت علاقتهما بعد ذلك بولعهم لعالم الثقافة والأدب استمرت الصداقة بعد التخرج من الجامعة إلى مركز تكوين الأساتذة ،أما الأسباب المؤدية إلى إنتحار هيام في مدكرتين : الاولى بعنوان "العري امام الذات " وتكشف من خلالها تعلقها بالاب الذي توفي مبكرا وعن اغتصابها في الطفولة وصمتها ومعاناتها ،وحدة تهديد المغتصب ،تقول هيام "وراء هذه الكلمات التي كتبتها بدمي ،وأوجاعي وانكسارتي ،هنا جزء من معاناتي ،وبعض مما لم استطيع البوح به ، هنا انكسارات فتاة منسية على ارصفة العذاب... " وتحمل المدكرة الثانية "الفن الصعب" كما قال نيتشه ،فن الرحيل عن الدنيا في الوقت المناسب ،ليس امامي الا ان امقت عالما لم يهبني سوى القلق ،الالم والذكريات المريضة" هكذا تنهي هيام حياتها باختيارها الانتحار غرقا في البحر والانسحاب في الوقت المناسب ،لتعلن بشكل واضح الكاتبة أن الاغتصاب في مرحلة الطفولة يسبب مجموعة من الأمراض النفسية التي تتقل كاهل المغتصب وتؤدي به إلى التضحية بجسده من أجل التخلص من الألم النفسي.

وانهت الكاتبة قصة مريم بتأسيس جمعية هيام للنساء ضحايا العنف من أجل الدفاع عن النساء ضحايا العنف وانشاء مركز للاستماع لهن في ظل صلابة المعتقد الاجتماعي وترسب التقاليد والاعراف والظلم والحيف الذي تعانيه المرأة في منظومة الزواج بشكل خاص وفي المجتمع بشكل عام ،لكن الكاتبة تفتح افاق جديدة على لوح شخصيتها مريم يتجلى في الانخراط الميداني في الإطارات المدنية من أجل كسر جدار الصمت وتحقيق الذات والتمرد على الثقافة الذكورية ومقاومة كل المظاهر التي تبخس دورها الريادي في المجتمع.

لكن الانتقاد الوحيد الذي قد أوجهه إلى الكاتبة بإعتبار موضوع الإضطهاد الذي يطال الأنثى مصدره هو الذكر ، هل من المعقول أن نستحضر بأن تصور هذا الذكر الذي يمارس هذا العنف والحيف..هو "ذكر" من إنجاب أنثى وهي من توالت على تربيته وعلى غرس بدور تفضيل النوع الذكري وأحقيته على ممارسة سياسة النعامة على الأنثى ،بالتالي نتسائل في إطار ما هو معقول! ما الحل؟ ببساطة يمكننا أن نقول أن المجتمع يحتاج إلى منهج تربية الأبناء الذي لايصفو من مبدأ احترام الآخر بإعتباره كائن انساني وبأسس المحبة والخصوصية ،لا بمنطق النقيض والعدو..

بقلم عبد القادر اعمر