حكم عليها بالسجن، بتهمة الأمومة!



تيمه حطيط
2018 / 11 / 4

حكم عليها بالسجن، بتهمة الامومة!
تيمه حطيط
في لبنان قد تسجنين بسبب تمسّكك بحقّك في حضانة إبنك، وتصل مدّة حبسك لثلاثة أشهر، وربما تضطرين للهروب كالمجرمين الملاحقين قانونيًّا، أي أن "العدالة" قد تحكم بانتزاع حرّيتك، والجريمة هي "أمومتك"!
ريتا شقير، أم تصارع من أجل الحصول على حضانتها لإبنها ولو لبضعة أيّام، لكنّها وبعد سنتين من التردّد إلى المحاكم أبدت استعدادها للامتثال لقرار القضاء وتسليم طفلها إلى أبيه، إلّا أن إبن الخمس سنوات رفض ذلك، وكان يُصاب ببكاء هستيري كلّما حاول الأب اصطحابه. فحكم عليها بالحبس لمدّة ثلاثة أشهر بتهمة عدم "إقناعها وإفهامها لإبنها الذهاب مع والده"!!
وبحسب مصادر مقرّبة من ريتّا ضرب الأب رغبة طفله ومصلحته النفسيّة بعرض الحائط حين حاول اختطافه من المدرسة مرّة، وإجباره على الذهاب معه مرّة أخرى عنّف فيها العاملة المنزليّة التي حاولت منعه من ذلك. بل إنه فعل أكثر من ذلك حين عرّض أم إبنه للحبس وما قد يترتّب على ذلك من تداعيات سلبيّة جدًا تصيب حالة الطفل النفسيّة بعدم الاستقرار.
بدأت القصّة بعد طلاق ريتا وزوجها عام 2015، إذ حكم القاضي أحمد مزهر في المحكمة الجعفريّة بإعطاء الحضانة للأب، مانحًا الأم حقّها في رؤية طفلها لثلاث ساعات أسبوعيًّا! ثم وبعد العديد من الاعتراضات وتحويل القضيّة إلى القاضي محمد محسن الفقيه تم منحها 24 ساعة في الأسبوع فقط.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الوالد يقضي طيلة أسبوعه بعيدًا عن مكان إقامة الطفل، أي أنه حين ينتزعه من حضانة أمّه لن يحتضنه هو، بل إنه سيتركه لعائلته، فهل باتت عائلة الأب أيضًا أحقّ بالطفل من أمّه؟
اللافت في هذه القضيّة أن القاضي الفقيه قرّر التنحّي عنها، بسبب ضغوطات كان قد أعرب عنها مرارًا خلال الجلسات السابقة لتنحّيه –بحسب مصادر خاصّة-، ومنذ ذلك الحين، أي منذ ما يقارب الستّة أشهر لم يتم تكليف أي قاض للبتّ فيها، الأمر الذي استدعى تحويلها إلى المحكمة المدنيّة.
وعليه، حكم رئيس دائرة التنفيذ في جويّا ريتشارد السمرا على الأم بالسجن لمدّة ثلاثة أشهر، معتبرًا بحسب ما جاء في القرار القضائي أنّ "من واجبها توعية طفلها وإرشاده وإقناعه بالذهاب مع والده"، وحمّلها مسؤوليّة رفض إبنها التنفيذ قائلًا إن "الراشد المقيم مع الطفل يكون مسؤولًا عن هذه الأفعال".
وبحسب الرأي القانوني لمصادر مكلّفة بمتابعة قضيّة الأم، لم يتم الرد على أي من الاعتراضات التي قدّمت للقضاء، وأن الأصل في الحكم حين يقع القاضي في حيرة بين سجن المدّعى عليه أم عدم سجنه، هو اختيار حرّيته، وهذا ما لم يحصل في قرار القاضي السمرا.
وفي استقصاء بسيط عن الوضع القانوني للقاضي السمرا، فإنه قد تخرّج من معهد الدروس القضائيّة منذ ما يقارب السنة فقط، أي أنه لا يحق له بأيّة حال من الأحوال أن يحكم ككقاضٍ منفرد، فما هو المخرج القانوني الذي بني عليه إمكانيّة بتّه منفردًا في قضيّة كهذه؟! ليس ذلك فحسب بل إننا علمنا أن ما جاء في نص القرار، كان يردده أشخاص مقرّبون من الوالد قبل أيّام من صدوره، فما سر هذا التوارد الغريب في الأفكار بين القاضي ووالد الطفل؟!
تقول الأم التي صدر بحقّها حكم السجن، وهي متوارية عن الأنظار مع إبنها، إنها لن تتخلّى عن حضانة طفلها ولو كلّفها هذا الأمر التخلّي عن حرّيتها، مشيرةً إلى ضرورة الضغط لحدوث إصلاحات داخل المحكمة الجعفريّة لجهة عدالة أحكامها وعدم إجحافها في حق النساء، ولجهة عدم رضوخها لمّا يسمّى بـ"الواسطة" الحزبيّة أحيانًا والشخصيّة أحيانًا أخرى، وتقول إن رئيس المحكمة الجعفريّة علي مكّة اعترف بذلك حين قال "المحاكم الجعفريّة بدها حرق".
وتضيف شقير أنه "لا بد من التضافر الشعبي لإنصاف النساء اللواتي يتعرّضن لظلم حقيقي، إذ أنّني لست الأولى التي حكم عليها بالسجن بتهمة الأمومة، بل إن فاطمة حمزة قد سجنت قبلي، وثمّة امرأة أخرى صدر الحكم بسجنها أيضًا لكنّها في الوقت الحالي تتحفّظ عن ذكر إسمها، وإن لم يتمرّد الشعب على هذه الأحكام المجحفة، فستكون هناك مئات الـ "ريتا" غيري!".
الملاحظ في هذه القضيّة أنه ورغم الضجّة التي أحدثتها في الإعلام، وفي وسائل التواصل الإجتماعي، ورغم الغضب الذي بدا واضحًا عند عدد كبير جدًا من الناشطين، لم يتم حتى الساعة التعقيب عليها من قبل مجلس القضاء الأعلى أو من قبل أي جهة رسميّة تمثّل رأي وزارة العدل، فهل يمكننا اعتبار هذا الصمت اعترافًا بعدم صوابيّة القرار؟ أم رضوخًا وسكوتًا عن الحق والعدالة؟ وما هي العوامل التي يمكن أن تضغط على أعلى سلطة قضائيّة في الدولة في كل مرّة يتعلّق فيها الأمر بقرارات صادرة عن المحاكم الشرعيّة؟!
في هذا السياق تحديدًا لا بد من ذكر المعاهدات الدوليّة المتعلّقة بحقوق الطفل، والتي وقّع عليها لبنان بعد إقرار القوانين الشرعية أو حتى قانون أصول المحاكمات، وبالتالي فإن التطوّر التشريعي الحاصل والمتمثّل بانضمام لبنان إلى اتفاقيّة حقوق الطفل ولاحقًا إقرار قانون الحماية من العنف الأسري، يوجب التعاطي مع مسألة تسليم القاصر على نحو مختلف مع تلك الأصول المنصوص عنها في القانونين الوضعيّة، إذ أن الطفل هو كائن حيّ لديه من الشعور ما يستوجب مراعاة وضعه الذاتي بمعزل عن النزاع القائم بين والده ووالدته. وعليه، فقرار الحبس الصادر بحق الأم التي امتثلت لرغبة هذا القاصر الرافض للانضمام إلى والده، هو قرار عنفي ضار غير مبرّر، بل هو مخالف للمعاهدات الدوليّة.
الأربعاء القادم ستمثل ريتا شقير أمام المحكمة، وستحدّد قدرة الشعب على الضغط بعدها، إن كان هناك بصيص أمل في حصول الأمهات اللبنانيّات على أبسط حقوقهنّ في الحضانة، أم أن السجون ستملئ بهنّ بتهمة عدم قدرتهنّ على التخلّي عن أطفالهنّ!