رواية أغنية هادئة – ليلى سليماني كتب اثرت في حياتي



مارينا سوريال
2018 / 11 / 17

ي روايتها "أغنية هادئة" التي صدرت ترجمتها إلى العربية حديثًا، تكشف الكاتبة المغربية "ليلى سليماني"أثر التناقضات الإجتماعية، على الطبقة التي جبلت على خدمة طبقة أخرى، وألا يخدمها أحد. استلهمت ليلى الرواية من جريمة قتل وقعت بنيويورك عام 2012.

تبدأ الرواية بجريمة قتل بشعة، ثم تستخدم الكاتبة الحكي العكسي "فلاش باك" لتروي القصة من البداية.

تحكي الرواية قصة آل ماسي؛ الزوجة مريم وزوجها بول لهما ابنا وابنة، ولظروف انشغالهما بالعمل، تتحكم "لويز" الخادمة في كل شؤون المنزل، وهي بطلة القصة الحقيقية.

آل ماسي أسرة برجوازية، تعيش في باريس وتقضي العطلات في اليونان. الأم محامية، والأب يعمل في الإنتاج الموسيقيّ، وهما دائما الانشغال عن الطفليّن.

تروي" سليماني"بنعومة قاسية ولغة طفولية تشبه الحلوي، عن الحياة الخشنة التي تعيشها الخادمة الهزيلة، التي نُذِرَت للوحدة والفقر وحياة الهامش، تأكل بقايا الطعام والأكل الحامض، وإذا تسنى لها أن تنام مطمئنة، فلا تحلم إلا بالمسئوليات التي عليها أن تنجزها في الصباح.

تعقد لويز المقارنات بين حياتهم وحياتها، سيجعلونها ترى شقتها الصغيرة تنكمش أكثر، وتضيق عليها كما تضيق بها حياتها، نتيجة تقاطع عالمين بينهما فجوة اجتماعية شاسعة، هم يقيمون حفلات ليلية للاحتفال باكتمال القمر، بينما هي تتسلل إلى بيتها بالليل، حتى لا يرها صاحب البيت، ويطالبها بايجاراتها المتأخرة.

لم تعنى الكاتبة بتقديم رواية بوليسية عنوانها من القاتل، ولم تعنى أيضًا بتقديم تفسيرات للحادث الذي بدأت به الرواية. بدت الجريمة مثل حادث قتل "ميرسو"للرجل العربي في رواية الغريب، ربما لأنها تظن أن سبب الجريمة معروف للجميع.

تمضي الرواية بسلاسلة وعذوبة لتحكي عن حياة لويز والطفليّن، تعتني بهما اعتناء بالغًا، هي التي تخلت عن ابنتها لكي تربي أبناء الآخرين. كان صبرها يفوق صبر أمهما. تسربت لويز إلى حياة هذه الأسرة حتى أصبحت عماد البيت. تقول مريم -الأم- عن الأثر الذي أحدثته"لويز"في حياتهم: "مربيتي ساحرة، لابد أنها تمتلك قدرات خاصة، فقد استطاعت أن تغيّر هذه الشقة الضيقة إلي مكان هادئ ومشرق، زحزحت الجدران، وجعلت الخزانات أعمق، والأدراج أوسع، وجلبت النور".

كانوا يشبهونها ب"ماري بوبينز"، المربيّة الخارقة التي تتحرك بواسطة شمسيتها، تضفي الألوان علي حياتهم الرمادية المملة، وتنظم حياتهم البوهيمية. عملت لويز أمًا بالوكالة لأن الطفليين كانا عائقا أمام نجاح أمهما.

طموح وأنانية الطبقة البرجوازية، تجعلهم لا يستطيعون تخيّل أن الخدم لهم أيضًا حياة خلف جدران بيتهم، وتفاصيل صغيرة يهتمون بها، وبالطبع لايمكن للمربية الخارقة أن تمرض وتتغيب عن العمل.

على الجانب الآخر هناك خيط يجمع بين مريم الأم ولويز، كلتاهما كانتا ترغبان في حياة خاصة بهما وحدهما، تقول مريم عن أمنيتها السريّة"لا يمكن أن نكون سعداء إلا حين لا يعود بعضنا في حاجة إلي بعض، وحين يكون بإمكاننا أن نعيش حياتنا الخاصة، حياة تعنينا لوحدنا ولا تعني غيرنا".

جمحت لويز ثورتها وعذاباتها الداخلية والديون المتراكمة عليها، كي تستطيع غناء الأغنية الرقيقة التي تهدهد بها الأطفال. الخادمة التي تم استنزافها بالكامل، نفذ مخزون الحب واللعب لديها، تحولت من شخص باسم شديد اللطافة، إلى شخص حاد وعدواني، أنهكها الطبخ والبؤس وخدمة الجميع، حتي أصابها الجدب العاطفي وقادها للجنون.
في 2016، أصدرت سليماني رواية أغنية هادئة (Chanson Douce)، وهي الرواية التي تفاجأ المتتبعون بوصولها عام 2016 إلى القائمة القصيرة لجائزة غونكور وهي أرقى وأعرق جائزة أدبية في فرنسا.
واختار أعضاء أكاديمية غونكور تلك الرواية ضمن القائمة القصيرة التي ضمت ثلاث روايات أخرى هي "الآخر الذي نعبد" للكاتبة الفرنسية كاترين كيسيه، و"متوحشون" للفرنسي لريجيس جوفري، و"بلد صغير" للفرنسي الرواندي غايل فاي.
وتخطت رواية "أغنية هادئة" مرحلتين في مسلسل اختيار الفائز بتلك الجائزة الرفيعة بدأت بقائمة تضم 16 رواية، وفي المرحلة الموالية جرى الإبقاء على ثمانية أعمال قبل إعلان القائمة القصيرة التي تضم أربع روايات فقط.
وبهذا التتويج أصبحت ليلى سليماني ثالث وجه أدبي عربي يتوج بتلك الجائزة بعد الطاهر بنجلون الذي فاز بها عام 1987 عن رواية "ليلة القدر"، ونالها الكاتب اللبناني أمين معلوف عام 1993 عن رواية "صخرة طانيوس".
فازت ليلى سليماني عام 2015 بجائزة "المامونية" عن روايتها "في حديقة الغول
عندما تنشر امرأة مغاربية شابة روايتها الأولى، يذكر الإسلام والهوية والمغرب العربي والهجرة. أردت أن أظهر أن مغاربيا يعيش في فرنسا يحيط أيضا بثقافة عالمية جامعة، وليس مجبرا على ذكر كثبان الرمل والجِمال والمساجد».
بهذه الكلمات علقت الكاتبة الفرنسية المغربية الأصل ليلى سليماني (3 أكتوبر/تشرين الأول 1981) عند فوزها بجائزة الغونكور هذا العام، عن روايتها «أغنية هادئة». لتصبح بذلك ثالث صوت أدبي له أصول عربية، بعد كل من الطاهر بن جلون، الذي كان أول كاتب مغربي وعربي يفوز بهذه الجائزة الرفيعة، عام 1987، عن روايته «ليلة القدر»، والكاتب اللبناني الأصل أمين معلوف عام 1993، عن روايته «صخرة طانيوس».
ويبدو أن ليلى سليماني تعتمد على وقائع حقيقية لتصوغ منها نسيجها الروائي وفق هواها، ولما يقتضيه العمل الأدبي. ففي روايتها الأولى «في حديقة الغول» 2014، تستلهم قضية المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي (دومينيك ستروس) عام 2011، الذي ترك منصبه بعد فضيحة التحرش الجنسي بعاملة في فندق أمريكي كان يقيم فيه، ما دفعه لترك منصبه. فحكت سليماني القصة من زاوية أخرى، من خلال عين امرأة مُصابة بالإدمان الجنسي. بينما في روايتها الفائزة بالغونكور «أغنية هادئة»، كانت نتيجة خبر في جريدة عن جريمة اقترفتها مربيّة أمريكية في عام 2012 قتلت طفلين كانا في رعايتها.