صرخة النساء ضد شرعنة العنف



ريما كتانة نزال
2018 / 12 / 13




أحدث مضمون المقابلة التلفزيونية التي أجراها قاضي قضاة فلسطين الشرعيين صدمة في الوسط الحزبي والحقوقي والنسوي. قطعت ارتدادات التصريحات مسار الحراك النسوي المنظم في إطار حملة مناهضة العنف ضد المرأة، لتطرح الأسئلة الملحة نفسها، حول تناقض مضمون تصريحات مسؤول له صفة رسمية مع موقف وهوية وسياسة الدولة المعلنة، المعبَّر عنها في إرادة الدولة المتجسدة من خلال انضمامها إلى المعاهدات والمواثيق والوكالات الحقوقية الكونية.

وإنْ كانت التصريحات قصدية في إطار تنازع الصلاحيات بين بعض المؤسسات الرسمية حول إصدار القوانين، ومنها قانون حماية الأسرة الجاهز تقريباً للتوقيع..؟!

المقابلة باعثة على القلق. كونها تُشرِّع ضرب الزوجات والبنات. تضعنا أمام دعوة صريحة إلى ممارسة العنف الأسري، على أساس أنه جزء من العملية التربوية والتأديبية، تضع له إطاراً فلسفياً، كون الضرب من وجهة نظر المقابلة يحقق مصلحة للمرأة، بشرط ألا يكون مؤذياً، تفاصيل حجم ومكان ونوعية الضرب!

متى كان الضرب غير مؤذٍ؟ تجاهل الإيذاء النفسي والمعنوي. إنه منطق التمييز ضد المرأة على أساس الجنس، تشييء المرأة.. إنه المنطق الذي يقف خلف إصدار قوانين قاضية بتخفيف عقوبة الجناة من مرتكبي جرائم قتل النساء. تخفيف الضرب وتخفيف عقوبة القتل.

وقع التصريحات على المجتمع ومؤسساته النسوية والحقوقية لم يكن متوقعاً، تميز بالسرعة والجرأة، ما يؤكد أن الكيْل قد طفح بما فيه. لقد تصدرت مضامين المقابلة جميع الفعاليات اللاحقة متصدية لما انطوى عليه محتواها. لقد تعدى الخطاب حدود الإهانة لنصف المجتمع من جهة، ولتعارضه مع سياسة الدولة في عملية الإصلاح القانوني وتوجهاتها في ضمان مأسسة أدوات وآليات الوصول إلى العدالة.

تتعارض المقابلة مع منهج الدولة على أكثر من صعيد، تتعارض مع مبدأ تشكيل وحدات حماية الأسرة في جهاز الشرطة، لتقوم باستقبال التظلمات والشكاوى من ضحايا العنف الأسري. ومن البديهي أنها تتعارض مع سياسة الحكومة في مواءمة التشريعات، مع انضمام الدولة إلى الاتفاقيات الدولية والمعاهدات الحقوقية، بدءاً من اتفاقية حقوق الإنسان وانتهاء باتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة والإعلان العالمي للقضاء على العنف، والبروتوكول الإضافي لاتفاقية سيداو.

لكل فعل رد فعل، لقد أحدثت التصريحات ارتداداتها المتناسبة معها بالشكل والنوع على جميع الأنشطة المتواصلة، بيانات وتحركات مستنكرة للتفوهات. لتضيف إلى البرنامج المنظم ما بين الخامس والعشرين المميز بصدور الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والعاشر من كانون الأول المميز بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قيمته العملية المضافة على صعيد العنف المحلي الذكوري. شوش على الرسالة التوعوية حول مركبات العنف ومصادره ضمن الخصوصية الفلسطينية، العنف القومي والداخلي، عنف الاحتلال والعنف الذكوري.

تصريحات قاضي القضاة تُسهم في ترسيخ أيديولوجية التمييز ضد المرأة، تُشجع عليه وتشرِّع ممارسة العنف الأسري المستند إلى علاقات القوة والسيطرة، معادلة السلطة والهيمنة والخضوع، إبقاء الاضطهاد والاستعباد.

ليس هذا قدر المرأة الفلسطينية المناضلة.

صرخة النساء ضد تفوهات قاضي القضاة لها ما يبررها، فالتوقيت المختار بينما تنخرط الوزارات والجهات الحكومية ذات الصلة في وضع اللمسات الأخيرة على قانون حماية الأسرة لصالح تطويره وكفالته وحماية المرأة والطفل، من أجل أسرة آمنة ومستقرة خالية من التهديد، سينعكس سلباً على عملية الحوار الدائر بين الأطراف ذات العلاقة، بين المجتمع المدني والحكومة، بينما المقابلة تحاول إقناع المرأة بأن في الضرب مصلحة وغاية!
وأخيراً، خطاب المقابلة ترسيخ للعنف الثقافي وهو الأسوأ بين أنواع العنف.. تكريس للاستبداد الفكري ضد المرأة، وتشجيع على ممارسة سلوكيات استقوائية ضدها وتعريض عقول المواطنين إلى غزوة فكرية مهينة للمرأة وأدوارها وحقوقها، وتشجيع على الخضوع والخنوع والانقياد.

بعيد كل البعد عما ننتظره من خطاب مواطني يرقى بمجتمعنا ويحصنه من العنف والتمييز