لذكرى الرفيقة المناضلة ماجي كركبي – عزيزة حيفا



سميرة خوري
2018 / 12 / 14





عز علينا غيابك يا رفيقتنا العزيزة لأن الموت نهاية حتمية لكل حياة على وجه الارض إلا أن بصماتك ومشاركتك في صنع تاريخنا المشرف لا تنسى. ان ما قدمته من تضحيات في خدمة قضايا شعبنا محفورة في ذاكرتنا خصوصا ما قدمته لتقدم المرأة وتحررها. وما قدمته لاطفال وامهات حيفا فهي محفورة في ذاكرة وقلوب كل اطفال حيفا العرب واليهود الذين اصبحوا اليوم اطباء ومحامين ومهندسين، يحملون رسالتك التي حملوها منذ طفولتهن ليرفعوا شان شعبنا العربي الفلسطيني وشبابنا الباقي في حيفا.
ولدت ماجي طوبي في حيفا يوم 25.12.1931 من الوالدين الياس طوبي وأليس خوري، توفي والدها وهي ابنة 9 سنوات، تعلمت في المدرسة الابتدائية للروم الارثوذكس وشاركت في جوقة المدرسة التي علمتهم إنشاد الاناشيد الوطنية مثل: "نحن الشباب لنا الغد" "موطني موطني" "انت سوريّا بلادي" وغيرها. وكانت المدرسة تنظم الرحلات واللقاءات لهن في المدارس الاخرى حيث كانوا ينشدون سوية هذه الاغاني، استقت كثيرا من مدير المدرسة حينذاك توفيق خوري وكان وطنيا ويشدد على الطلاب ضرورة حفظ هذه الاناشيد. والتعلم لكي يكون الطلاب كما كان يقول لهم انتم حماة الوطن انتم المستقبل. أكملت ماجي دراستها الثانوية حتى الثاني ثانوي في مدرسة الانجليزية الثانوية العليا ولم تكمل دراستها بسبب الحرب سنة 1948.
سكنت ماجي مع عائلتها في منطقة على خط التماس مع جيرانهم اليهود وكان الوضع مخيفا اذ كان اطلاق الرصاص من جيش الانقاذ واليهود بجوارهم. وكان الرفيق توفيق طوبي أخ ماجي مشغولا في عصبة التحرر الوطني ويدعو لعدم الهجرة والبقاء في أرضهم وبيوتهم. أما شفيق فكان عمره سبعة عشر سنة وكان مسؤلا عن والدته واخيه جورج وماجي فأحس بالمسؤولية على العائلة، طلب من الرفيق توفيق ان يسمح له بالهجرة مع امه واخوته، ومع ان الرفيق توفيق كان يصر على بقائهم الا ان شفيق اصر على الذهاب المؤقت الى لبنان مع اهل والدته حيث كان خالها قد استأجر لهم بيتا في لبنان ريثما تهدأ الاحوال.
سكنت ماجي مع والدتها واخويها شفيق وجورج في لبنان في برمانة وبقيوا لمدة سبعة اشهر.
بقي الرفيق توفيق طوبي مع بعض الرفاق، عصام عباسي، جوزيف عبده، وحنا المر، وبعد الاحتلال طلبت الام الرجوع لذلك ارسل الرفيق توفيق سائقا ليتسلل ويحضرهم الى الحدود الشمالية في فلسطين ومن ثم ارسل الرفيق توفيق طوبي الرفيق جريس ابوالعسل، الذي كان رفيقا في الحزب ويملك سيارة وكان يعمل عليها في توصيل الرفاق تهريبا من منطقة الى اخرى بسبب الحكم العسكري، لذلك طلب منه الرفيق توفيق ان يحضر العائلة التي كانت قد وصلت الى كفرياسيف ومنها جاءوا الى حيفا سرًا ومهرَّبين اذ كان الحكم العسكري يمنع رجوع المهاجرين.
انضمت ماجي واخواها شفيق وجورج الى اخيهما الرفيق توفيق طوبي الذي كان نشيطا ومشغولا في دعوة الناس للرجوع الى حيفا عن طريق منشور، وقد كتبه بخط يده وطبع على استانسل وساهم في توزيع هذا المنشور جوزيف عبده وعصام عباسي في الميناء كما أوصل الرفيق توفيق طوبي المنشور الى عكا والناصرة.
سكنت ماجي مع عائلتها في بيت في شارع قيساريا 18 ولم يسكنوا في بيتهم الذي غادروه عند سفرهم الى لبنان، لأن اليهود بدأوا باحتلال البيوت العربية وسكنوها. لذلك قامت في حينها لجنة عربية للمحافظة على البيوت تألفت من الرفاق الباقيين في حيفا، توفيق طوبي عصام عباسي وجوزيف عبدو وحنا المر.
وبدأت أيضا النساء بالعمل مع هذه اللجنة للمحافظة على السكان الباقين في وطنهم وعلى مساعدة النساء في ادارة شؤنهم في زمن الحكم العسكري، وكانت النساء اللواتي عملن ونشطن في ذلك الوقت جرجيت زوجة حنا المر، اولغا توما، وماجي طوبي وأخريات. وبما أنهن نشطن في هنا العمل السياسي بدأ اعضاء عصبة التحرر الوطني آن ذاك بتثقيفهن باعطائهن محاضرات عن النكبة وعن دور المرأة في المحافظة على وطنها وبيتها وعن حقوقها، محاضرات سياسية واجتماعية.
في اواسط شهر 12 سنة 1948 كان اللقاء الأول لعصبة التحرر الوطني مع الحزب الشيوعي اليهودي في سينما ماي وكان لقاء جميلا وهاما جدا.
تعرفت النساء على روت لوبتش وعلى النهضة النسائية التي قامت بالناصرة والتي كان قد شارك منها بعض النشيطات مثل لولو صباغ سميرة خبيص وجيهان خبيص، هناء خوري، ناظلي عطية، يسرى عويد وسلوى عبود.
تعلمت نساء حيفا من نساء الناصرة في النهضة النسائية واقاموا لجنة من تلك النساء وسموها النهضة النسائية حيفا، وبدأ العمل المشترك في خدمة النساء في كل القضايا التي تهمهن خصوصا ضرورة مشاركة النساء في العمل لمساعدة العائلة في اعالتها لذلك شعرت هذه اللجنة انهن في حاجة الى حضانة لتساعد النساء للخروج الى العمل.
كان الحزب قد رفع شعار الاهتمام بالمرأة ومساواتها وضرورة مساعدتها في التغلب على التقاليد والعادات التي كانت تحد من نشاط المرأة. قدم أكبر مساعدة لهؤلاء النساء باقامة حضانة تضم الاطفال اليهود والعرب في وادي النسناس. قدم لهن دار المؤتمر "مؤتمر العمال العرب" وذلك سنة 1952. كانت تضم هذه الحضانة عشرين طفل من اليهود والعرب. وبدأ العمل فيها ماري عبدو زوجة محمد خاص، ندى حبيبي زوجة اميل حبيبي وزوجة توفيق خوري. كانت ماجي طوبي واولغا توما تشرفان على هذه الحضانة وتسهران على جمع التبرعات واقامة البازارات لتمويلها.
كانت الحضانة التي سميت بحضانة الوادي مشروع ماجي الاساسي حتى وفاتها. تهتم بشؤنها وتسهر على حقوق المعلمات تشارك في اجتماعات الادارة وتتصل مع الامهات في كل مناسبة وفي كل برنامج تقيمه النهضة النسائية، حتى بعد أن اصبحت النهضة النسائية جمعية وثم حركة النساء الديمقراطيات، ولم تهتم بالامهات والاطفال من خلال الحضانة فقط بل بكل البرامج النضالية ضد الحكم العسكري ومساعدة الاهالي في تدبير شؤن أطفالهم.
كانت ماجي مع باقي اعضاء جمعية النهضة التي أصبحت حركة النساء الديمقراطيات تنظم الرحلات للامهات والاطفال، واللقاءات اليهودية العربية في بستان الأم في كل المناسبات مثل: يوم المرأة العالمي الثامن من آذار وفي يوم الطفل العالمي الاول من حزيران.
شاركت ماجي في المؤتمر الاول للنساء اليهوديات والعربيات الذي ضم ووحد النهضة النسائية وجمعية النساء اليهوديات التقدميات كان ذلك في ربيع سنة 1951 الذي عقد في حيفا سينما ماي. ولا بد أن نذكر أن الحركة الصهيونية هاجمت هذا المؤتمر لمحاولة منع النساء العربيات من الدخول ولكن رفاق الحزب الذين كانوا يسهرون على العمل المشترك بين اليهود والعرب صدوا هؤلاء العنصرين في معركة شديدة الى ان هربوا واستمر المؤتمر بنجاح كبير. وقد استضافت نساء حيفا النساء القادمات من عكا الناصرة، ومن يافا، تل ابيب والقدس.
نشطت ماجي في الشبيبة الشيوعية وشاركت في المخيمات التي كانت تقيمها الشبيبة في صيف كل سنة، إما في جبل الكرمل حيفا أو في جبل سيخ في الناصرة الذي هو الآن هار يونا ونتسيرت عيليت. وفي هذه اللقاءات كانت تقام البرامج المشتركة من كافة فروع الشبيبة، برامج فنية واناشيد ومسرحيات منها السياسية ومنها الاجتماعية.
شاركت ماجي مع مجموعة من رفيقات حيفا في مخيمات العمل التطوعي التي كانت تقيمها بلدية الناصرة الجبهوية منذ سنة 1976 حتى نهاية الثلاث عشر مخيما، تؤدي واجبها الذي كانت توكل له هي ورفيقاتها ان كان في المطبخ أو اللقاءات.
كانت ماجي شيوعية اصيلة شاركت في كل المؤتمرات التي اقامتها حركة النساء الديمقراطيات ونشطت ايضا في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وشاركت بشكل جدي ونشطت في الحزب الشيوعي، وفي كل المؤتمرات التي عقدها، وكانت توصل كلمة الحزب بامناة واخلاص لكل النساء، النساء التي اقامت معهن صداقة من نساء وادي النسناس، حي الخوري، حي قيسارية وكسبت محبتهن واحترامهن.
ذهبت مع زوجها الذي ارسل مندوبا صحفيا الى مجلة السلم والاشتراكية في تشيكوسلوفاكيا، وكان لها دور في تكملة الصلة مع رفيقات واعضاء حركة النساء الديمقراطيات في حيفا فكانت ترسل لهن الهدايا والقطع الفنية التشيكية ليبيعوها والاستفادة منها للحضانة، مما ساعد هذه الحضانة على الاستمرار والبقاء.
ماجي عزيزة حيفا- استحقت هذا اللقب عن جدارة فهي الشيوعية النشيطة في حزبها، المرأة المدافعة عن حقوق المرأة في جمعية حركة النساء الديمقراطيات، وهي الناشطة في خدمة نساء البلد، هي المربية لثلاثة شبان خالد كركبي، وليد كركبي وبشير كركبي كلهمم يخدمون شعبهم في مهنتهم وفي حزبهم.
في كثير من المرات ترى انسانا سكوتا هادئا لا "يدافش" من اجل زعامة ولا رتبة او منصب، ولكنه يؤدي واجباته بصمت واصرار ومحبة، يقدم كل ما يطلب منه برحابة صدر، يدافع عن شعبه في اصعب الاوقات والظروف دون تذمر وباخلاص.
هذه هي ماجي كركبي، هكذا هي ماجي طوبي كركبي اللطيفة الهادئة الحبيبة البشوشة ابتسامتها لا تفارق شفتيها تخدم وتناضل دون تذمر تحب الجميع فاحبها الجميع، احترمت الجميع فاحترمها الجميع ولانها عزيزة على الجميع استحقت لقب عزيزة حيفا – انها عزيزة حركة النساء الديمقراطيات

عاشت ذكراك يا ماجي
رفيقتك سميرة خوري
تشرين أول 2018