هل أضحت موريتانيا بلاد المليون مغتصب ! !



حبيب محمد
2018 / 12 / 20

اجتاحت موريتانيا في السنوات الأخيرة موجة من العنف ضد النساء لم يسبق لها مثيل ، وتعود هذه الجرائم أساسا إلى تجذر العقلية الذكورية في مجتمع الرمال ، والذي يختزل المرأة في الفراش والطبخ ولا حق لها في أن تكون حرة أو منتجة بشكل مستقل ، أن احتقار المرأة ليس جديد في ثقافة البدو الرحل أعداء الحضارة والإنسان ، ان تراثهم التقليدي مليئ بالسطحيات كتصوير المرأة على أنها للمتعة وأنها مثل الحيوان وأنه لايحق لها أن تكون نظيفة أو أن تكون لها إرادة شامخة، أن العقل الصحراوي المحدود بمناهجه التافهة جعل المرأة أداة جنسية ومحور ثابت يدور حوله المكبوتين والمرضى النفسيين، أن هذه التقاليد المجتمعية هي التي أرغمت المرأة على أن تكون خاضعة ، أن تكون جاهلة ، أن تكون مسجونة، أن تكون فقط آلة لإنتاج الأطفال، أن تكون لاشيئ، بهذه التصورات الشكلانية يرى مجتمع الرمال أن المرأة بهذه التصرفات الخارجة عن نطاق الزمكان تكون أفضل ..

قبل أن نلقي اللوم على النظريات السائدة في المجتمع، علينا أيضا أن نكون حياديين تجاه الحقائق " فالمرأة عدوة المرأة" مثل ما قال الرائع نزار قباني ، إذا المرأة التقليدية هي عدوة لأختها الحرة " التي تناضل من أجل حقها" ، فمثلا ليس هناك تعريف واضح في موريتانيا للتحرش، البعض لايفرق بين الغزل والتحرش وهناك من لايفرق بين الرأي والإساءة ، أن التحرش هو أي ردة فعل تصدر من شخص تجاه المرأة بدافع عدواني أو استفزازي سواء كان هذا الصدى معنوي او مادي ، وهو مرحلة تمهيدية للإغتصاب، أن غياب أي عقوبة للمغتصب جعل المرأة ضحية من جهتين بالنسبة لنفسها وكذلك حكم عليها المجتمع بالإبادة الاجتماعية ولم تعد تزن أو تساوي أي شيئ. .

ان الأحداث المتوالية للجرائم البشعة ضد النساء والتي سنحاول أن نرصد بعضها ، مثلا منذ سنوات تم الاعتداء على طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات تم اغتصابها وحرقها أيضا ، كان هذا في ولاية انواكشوط الجنوبية وتحديدا مقاطعة عرفات "العمود 11" ، وبعد ذلك أيضا تم اغتصاب طفلة في نفس الولاية لكن في مقاطعة أخرى "الرياض" وتبلغ من العمر ، 9 سنوات ، وبعد ذلك تم اغتصاب فتاة متزوجة تبلغ من العمر 18 عاما من طرف ابوها ، الذي يمتهن الرقية الشرعية، حيث ادعى انه كان يطرد عنها الجن وان الجني هو من جامعها وحملت منه ، وأيضا شرطي اعتدى على زوجته وذبحها في منطقة انواكشوط الشمالية، وتحديدا مقاطعة "دار النعيم" ، وكذلك فتاة قطعت العضو الذكري لرجل في العاصمة الاقتصادية انواذيبو ، بعد أن اعتدى عليها وأيضا طفلة رضيعة صغيرة جدا تبلغ من العمر سنتين تم العثور عليها مغتصبة من طرف رجل اربعيني وفي حالة يرثى لها ، وكذلك اب يغتصب بناته الأربع في إحدى الولايات الداخلية، والطفلة وردة التي تم الاعتداء عليها جنسيا منذ أيام والقائمة تطول وهذا فقط غيض من فيض....

ان من يستمع لمثل هذه الأحداث المأساوية يتبادر إلى ذهنه ، أن دعاة الفضيلة والتطبيل النفعي من يلعقون أيادي الطغاة ، فشلوا في صنع انسان سوي وطبيعي ، لأن تعاطيهم ليس بأسلوب واقعي أو علمي فالكلام الجاهز لاينتج السلوك الصحيح ولا يبني الإنسان النافع ولايطور العقل ، بل يجب أن تكون هناك مواكبة جادة ، وبرامج توعوية علمية ، واجتماعية، ودعم نموذجي ، أن الولوج إلى العالم التطبيقي هو الحل الوحيد لحل أي مشكلة مهما كانت عويصة..

ان الإغتصاب ليس حكرا على مجتمع معين أو دولة معينة ، فحتى الدول المتقدمة يمكن أن تسجل فيها حالات اغتصاب، هكذا دوما يتشدق المتعصبون دينيا ، طبعا هذا لإن الإغتصاب من صنع الإنسان المريض والمهووس بجسد المرأة، وتلك المجتمعات متطورة جدا إلى حد يفوق الوصف إلا أنها ليست مجتمعات مثالية، لكن الفرق أن هذه المجتمعات تعاقب المغتصب أقصى عقوبة تصل للسجن المؤبد وأحيانا الإعدام في دول أخرى...

في حين أن المغتصب هو الجاني والمجرم الحقيقي إلا أنه بريئ ،وبطل ، وسيظل طليقا وحيا يرزق لأن التبليغ عنه يعني أن الفتاة فقدت شرفها وبالتالي لن تتزوج ابدا ، إنها هستيريا من التخلف والغباء لم اشاهدها في حياتي ، أن عدم التبليغ عن المجرمين هو تواطئ معهم بل هو شراكة في صنع الظلم والخراب، فمثلا حين تغتصب إحداهن أن كانت غير حامل فغالبا سيتم كتمان الأمر ، ولن يتم إبلاغ السلطات المختصة خوفا من الفضيحة "المزعومة" ، أما أن كانت الضحية في وضع صحي جديد فسيتم التفاوض مع المجرم لكي يتزوجها هروبا من جحيم العار ، وتطلعا لمستقبل جديد عنوانه السعادة، كيف يمكن أن تكون هناك سعادة مع شخص كان يغتصبك "يقتلك بصمت" ، أن الوحشية في الاختيار وتقديم الآراء النمطية على ، المصلحة المستقبلية في آفة بل متلازمة يعاني منها أغلب المجتمعات التي تسمى بالعربية فالرأي الفردي مهمل بل هو مطعون فيه إلا أن توافق عليه الجماعة وهذا تسطيح للعقول ومن هنا تمت صناعة القطيع في مجتمعاتنا وهكذا تتغذى الغالبية من ثقافة الأشباح وفنون الأموات ..

ان غياب الرقابة القانونية هو السبب الرئيسي في كل هذه الفوضى الأخلاقية ، والإهمال لقيمة المرأة ووجودها كعنصر هام في التركيبة السكانية في كوكبنا، ففي موريتانيا منذ سنوات تم الغاء قانون النوع الذي تم اقتراحه ويحث القانون على تجريم زواج القاصرات الذي يعتبر دعامة بل واجهة أخرى لمادة الإغتصاب، كما يعاقب المجرمين وكل من تم إثبات عليهم تهم اغتصاب أو عنف ضد المرأة ، والمخجل حقا أن اغلب من اعترضن عليه هن نساء وطبعا اخونجيات، وهذا بحجة أنه معارض لقيمنا كمسلمين وهل قيمنا التي تشدقن بها، نجحت في وقف معدلات الإغتصاب والتحرش !!
لقد كانت تلك التصريحات البدائية مجرد مجهر لرصد الشعبية الانتخابية ولفها في كتلة بغية تحقيق أطماع سياسة ومناصب عليا على حساب ظلم وقهر وهدم وتبخيس حقوق النساء في موريتانيا. ..

لكن بالمقابل تنشط على بعض المواقع تيارات نسوية معارضة للطرح السائد وتنطلق من أن المرأة حرة وهي مساوية للرجل في كل شيئ، وهذا مشجع وجدير بالثقة أن هناك من يفرضن وجودهن بشكل أو بآخر ، لكن التجمعات والتكتلات الافتراضية لاتغير الواقع بسهولة ، لأن الدعم الحكومي أو الترسانة القانونية هما الحل الأمثل لمواجهة اي عنف ضد الجنس الآخر ، لأن التغيير يكون أسرع حين يأتي من القمة بدل القاعدة...
وفي نفس الصدد هناك جمعيات حقوقية ومنظمات مدنية تعمل في الوسط الرمالي من أجل متابعة هذه الوقائع ورصد وتحليل وتسجيل أي حالة ثم الإبلاغ عنها مساهمة في نشر الوعي ودعما لأسر الضحايا ، وهذا عمل محفوف بالمخاطر لأنه قد يسبب تأثيرات جانبية للطواقم الحقوقية لأنها معادية للقتلة والمجرمين، إلا أن السلطات دوما تتعاون مع الجانب المدني من أجل معاقبة الجناة ، لكن كل المستجدات تبين أن هذه المجهودات المبذولة رغم أهميتها إلا أنها تبقى دون المستوى المطلوب...

والسبب في ذلك أنخفاض منسوب التعقل والنباهة الفكرية التي هي حلقة من حلقات العقل المتحضر، لهذا القضاء على الإغتصاب وغيره من آفات التجرثم التقليدي المنحوت في نسيج المجتمع ، هو التوجه للعلوم العصرية والمعرفة الحداثية ووضع استراتيجيات قانونية تحمي المرأة وتفعل من مكانتها المهمة والتي غير مقبول أن تبقى محصورة في زاوية ضيقة وطموحها لايتعدى أن تتمنى أن تنام في فراش مع أحدهم كي يقال أنها امرأة شريفة ، رغم أنها مسلوبة الحقوق وغالبا مجبرة على الزواج ممن لاتحب ومضاجعة من لاتطيق والإنجاب ممن يضربها ويحتقرها ويبصق عليها ، أن كل هذا الحصار النفسي والسوسيولوجي الممارس على المرأة لايمكن تفاديه إلا بالاستقلالية وهي أن تكون المرأة متعلمة ومنتجة ومعتمدة على نفسها عندها ستكون سعيدة ونموذجا للرقي والحضارة وحتى المجتمع الذي كان يقزمها و يريدها كقطعة اثاث تحمل وتستخدم حسب الرغبة الملحة أو غيرها، نفس المجتمع سيرحب بكل هذا النجاح والامتياز، لأن التناقض هو شريعتهم والمادة هي مذهبهم والإستغلال هو مايميزهم..

لقد تحولت من موريتانيا من لقب "بلاد المليون شاعر" إلى بلاد المليون مغتصب بفعل تكاثر مؤشر الإغتصاب في السنوات الأخيرة وكما اسلفت، الحاجة لقانون رادع لمثل هذه الأساليب الوحشية هو الكامن وراء زيادة عدد الضحايا في هذا المجال..

لهذا تقدم المجتمعات ومستوى وعيها يقاس بدرجة تمدن المرأة ، حيث يقول "ماركس" ، أذا أردت أن تعرف مستوى تقدم او تخلف أي مجتمع عليك أن تنظر لوضع المرأة عندهم، لهذا نجد المرأة الغربية مخترعة ومكتشفة ورائدة في كل المجالات ، من الأرض للفضاء ولم تحصل على تلك المكانة بالنوم أو تبجيل الزوج أو نفخ الوجه أو تسمين المؤخرة ، بل نالت ذلك بالنضال والسهر والجد وتحدي ثقافة الظلام ، بل بتحطيم الخرافات واصنام الجهل التي تقف عائقا أم أي فكر نقدي واقعي ، ولهذا هناك اليوم العالمي للمرأة وهو من انتاج المرأة في الغرب فمتى تفهم المرأة عندنا أنها ليست هدية تقسم مجانا وأنها ليست بضاعة تباع حسب من يدفع أكثر ، وأنها ليست حلوى تخشى الذباب ، بل هي انسان حين تقتنع بذلك أولا وتعمل على إيصال تلك الرسالة للمجتمع يمكن أن يحدث نمو جذري في مجتمعاتنا.