المرأة العربية رمزاً للتخلف بعصر التمدن



سامي الاخرس
2006 / 4 / 16

الأم الحنون ،الأخت الغالية ، الزوجة المصون ، الابنة ذات الحب المكنون ،إليك يا مربية الأجيال ،وصانعة الرجال ،منجبة الشهداء ، أيتها القلب النابض ،والحب النابع مع نسمات الصباح .
أخاطبك ... اقبل يديك أمي وأنت تحتضني ضعفي .....
المرأة عنوان صلاح المجتمع ،قلبه النابض المشع بالأمل ،المدرسة التي تخرج الأفواج من الأجيال ،الحاضنة الأساسية للبناء القويم ، هي هذه المرأة العربية التي وعلي مر العصور حولت إرادتها لجبال تتحدي العوامل الطبيعية ،وعوامل التعرية البشرية ،أولئك غزاة الأفكار والمعتقدات .
تشهد المرحلة الحالية مرحلة من مراحل الهجوم الفكري على هذا الكيان النسوي وخاصة العربي منه، حيث نصبوا لها شراك التحرر بمفاهيم جسدية ،أرادوا أن يجردوها من قيمها الفكرية ،وأصالتها وعفتها الأخلاقية ، فاكالوا لها التهم ، ونعتوها بأبشع المسميات .. أرادوا الزج بها بأتون مجتمع يخلو من قيمه وأخلاقياته بدواعي التحرر ...
بقراءة متأنية للتاريخ ،وللحضارة العربية ، نستنبط أن المرأة الشرقية – العربية ساهمت في شتي المجالات ،ومناحي الحياة ،جنباً إلي جنب مع الرجل في صنع الحضارة والتاريخ العربي ،حيث اقتحمت ميادين العلم والأدب فأبدعت ، وشهد لها التاريخ ودون إسهاماتها وخدماتها ، ودورها .
وبالعصر الحالي الذي تهاجم به العربية ، فهذه المرأة العربية التي هاجمها الغرب وبعض المفكرين ونعتوها بالتخلف ، هو من كرمها واعترف بإبداعاتها ، وهذا ما أكده الأمس القريب حيث شاهد العالم بأسره تعيين أول قاضية عربية شابة تعتز بعروبتها في ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية "ميشيغان" هذه المرأة العربية "شارلين مقلد" التي لم تتنازل عن عروبتها ، فكانت تؤدي القسم وهي تغازل بعيونها المرأة العربية ،ذات المجد والآصالة .
وكذلك شاركت المرأة العربية في مسيرة الكفاح والنضال وقدمت التضحيات ،وسطرت نموذجاً دونه التاريخ كعلامة من علامات الشموخ ، فهذه المرأة تجسدت بالمقاتلة جميلة بوحريد ،وليلي خالد ،ودلال المغربي وقافلة من المناضلات ،لا زالت تسطر بطولات وتضحيات بربوع الوطن العربي ، فَعلا جسد الاستشهادية آيات الأخرس والاستشهادية وفاء إدريس ، وماجدات العراق يعانق السماء .. ويرعب الأعداء وحملة الأفكار الهدامة ، ويخط مسيرة متواصلة من العطاء والتضحيات.
المرأة العربية ،إن شكلت بإبداعها وحيويتها رمزاً للتخلف ، فمرحي للتخلف الذي يصنع الرجال ،ويشكل بناء قيم مترابط ،يؤهل لخوض عملية البناء الوطني.
ونعود للمرأة العربية وواقعها الحالي ،بعيداً عن الغوص بالتاريخ والحاضر لمنجزات هذه المرأة الذي ينير الكون كقرص الشمس لا يغطي بغربال.
فالمرآة العربية الشريك في البناء الاجتماعي تعاني من العديد من التناقضات في واقعنا العربي ، تتجلي معظمها في القوانين العربية التشريعية ،حيث لا زالت تعكس هذه القوانين هوة واسعة بين عطاء المرأة العربية ،والتشريعات التي تتضمنها قوانين الأحوال الشخصية في معظم البلدان العربية .
حيث لا زالت هذه القوانين غير قادرة على الارتقاء بواقع المرأة العربية ،وتفعيل دورها في المشاركة الفعلية بالمجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
فتطوير القوانين التشريعية لا بد وان ينطلق من الحرص على ضرورة الانسجام والتوازن مع مفاهيم التنمية والتطور والتقدم ،هذه المفاهيم التي تشكل محور ارتكاز لهذه المجتمعات ،وإعادة النظر بالبناء الأسري والاجتماعي ككل ، حيث يعاني هذا البناء من تفكك فرضته جملة من المفاهيم التي غزتنا بعالمنا العربي.
وعملية تطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة عليها أن تسير بالتوازي مع جملة من المنظومة الثقافية ،فالبعد التنموي التطوري بتوازي مع البعد الثقافي ،وعليه لا بد من تطوير هذين البعدين.
إذن فاليوم تقف المرأة العربية على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والعقبات ،حيث أخطر ما تواجهه التغريب الثقافي ،والمواجهة تحتدم فصولها ،ومن هنا لابد من تضافر جهود المرأة العربية مع الجهود الاجتماعية الشاملة ،ومع جهود الدعوات لتطوير القوانين والتشريعات التي تحمي وتدفع المرأة لخوض غمار البناء التنموي والوطني، والارتقاء بالمستوي الثقافي للمرأة العربية ن التي ورغم الوجه المشرق لها ،إلا أن هناك وجه أخر من المواجهة مع ذاتها ،وهي نسب الأمية بين صفوف المرأة ،والجهل الذي تعاني منه في العديد من المجتمعات العربية ، وكذلك مواجهة حملات حرف مفاهيم المساواة والحرية عن مبادئها وقيمها وأهدافها السامية ،والعديد من المشاكل والصعاب التي يفرزها هذا العصر ، والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية.
فقضايا المرأة وحقوقها تشكل مدخلاً للحوار ، وهذا المدخل متعدد المحاور ، يتكون من جملة من الجزيئات التي لا يمكن حصرها بدراسة أو مقال ، فهذه الجزيئات تشكل هماً اجتماعياً شاملاً وعاماً ، ولذلك فهي بحاجة للعديد من الدراسات والحوارات المتشعبة ، العملية ، ولتحقق الهدف منها لابد وأن تتعدي مفاهيم المؤتمرات الخطابية ،والمهرجانات الإعلامية ، إلي العمل بقاعدة التطبيق العملي .. وهذا لن يتأتى إلا من خلال تفعيل رائدات الفكر العربي ،ومثقفاته .
سامي الأخرس
15/4/2006