التربية على الطريقة المصرية



حنان محمد السعيد
2019 / 1 / 28

هل يمكن أن يصيب المرض النفسي والاضطرابات النفسية الغالبية العظمى من أفراد شعب يصل تعداده الى مائة مليون شخص؟
إن هذا السؤال يبدو بالنسبة لي محيرا ولكن ما نراه من سلوكيات يومية وما يتم تناقله من أخبار وحوادث على مدار اليوم لا يمكن النظر إليه الا من هذا المنطلق.
وخاصة تلك الحوادث المفرطة في شناعتها والتي يكون الجاني فيها أحد الوالدين والمجني عليه أحد الأبناء أو كلهم في بعض الحالات، فلقد أصبح خبر مقتل أطفال على يد أحد والديهم من الأخبار اليومية التي تطل علينا من خلال الصحف وبرامج التلفزيون ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعية.
وليس القتل وحده ولكن الاهمال المفرط أو ارتكاب أفعال تضر بشكل كبير بسلامة الطفل ولا يمكن أن يقوم بها أباء أو امهات يتمتعون بدرجة مقبولة من الصحة العقلية والنفسية مثل حادثة طفل الشرفة الذي ارسلته أمه مشيعا باللعنات والصرخات من شرفة الجيران الى شرفة منزله لفتح الباب بعد أن تجرأ واخطأ الخطأ الذي كاد أن يكلفه حياته ونسى المفتاح في الداخل!
ولم يتوقف الفزع هنا على موقف الأم ولكن والأكثر فزعا كان موقف نسبة كبيرة من الشعب من الحادث حيث وجد هؤلاء المبررات والأعذار للأم واعتبروا أن عملها مقبولا من وجهة نظرهم بسبب سوء الأحوال المعيشية والفقر الذي جعلها تختار بين عشاء أطفالها أو احضار نجار ليقوم بفتح الباب فاختارت المخاطرة بحياة طفلها مقابل العشاء.
إن مثل هذه السلوكيات ليست غريبة على الشعب المصري والذي يعتقد أن التربية تكمن في التعذيب والضرب وأن الأطفال هم ملكية خاصة لا ينازعهم فيها أحد وأن بإمكانهم تعذيب الطفل وكيه بالنار أو تجويعه أو جلده إذا ما ترائى لهم ذلك.
سلوك يمكن أن يصدر من الأب أو الأم أو المعلم أو المعلمة أو ممن يتمتع بأي سلطة على الطفل الذي لا حول له ولا قوة.
وهو سلوك ينمو مع الطفل الذي يتربى على النفاق والازدواجية ويختلط عليه الأمر فيعتقد أن مثل هذه الأفعال السادية المريضة المتسلطة هي من قبيل الحب وأن من حق الاقوى والأكثر نفوذا أن يمارس على من هم ادنى منه قوة ونفوذا كافة أشكال القمع والقهر والتنكيل، ولذلك يمكن أن تشاهد موظف يجلد الناس بحزامه لينتظموا في الطابور أو شرطي يطلق النار على مواطن لأنه أساء الأدب ولم يرد بشكل لائق على تساؤلات الشرطي أو رئيس دولة يعنف برلماني وحامل لشهادة الدكتوراة لأنه طالبه بالنظر في الحد الأدنى للأجور.
كثيرا ما كنت أتسائل عن السبب الذي يجعل هذا الشعب يقبل بكل الانتهاكات التي لا يقبل بها أي شعب أخر، ولا يمانع في استغلال الكبار والنفاذين لنفوذهم في الاستيلاء على المال العام أو توظيف اقاربهم أو غيرها من الأمور التي تبدو لأي انسان سوي جريمة غير مقبولة ويجب أن يدفع مرتكبها الثمن، إلا أنه في ظل نوعية التربية التي يتربى عليها الانسان المصري منذ نعومة أظافره تجعل من العسير عليه أن ينشأ إنسانا يحترم ذاته ويعرف حقوقه وواجباته ويؤديها بدون الحاجة الى رقابة خارجية فهو تعلم أن الدافع الوحيد للالتزام بأي واجب هو الخوف وأنه اذا ما تمكن من تجنب اللوم يمكنه ارتكاب أي جرم أو التنصل من أي مسؤولية.
إن هذا الشعب يحتاج الى نوع من العلاج الجماعي ليعرف أن الحب والاهتمام لا يكون أبدا بالضرب الذي قد يفضي الى الموت وانما بالرعاية والدعم والتفهم، وأن الكرامة والرقابة الذاتية وقيم العمل الشريف هي ما يجب أن يتم تنميته في نفوس الأطفال وليس الخوف والقهر والرعب والتملق واغتنام الفرص ولو على حساب الشرف والكرامة وكل القيم السوية.