وانتصر 14 شباط، -عيد الحب-!



فارس محمود
2021 / 2 / 14

لم يمر 14 شباط، يوم الحب، كسائر الايام في عراق اليوم. لم يمر دون ان يجر القوى الاجتماعية الاساسية والحية الى صراع سافر. اذ كان من السهولة رؤية مسارين، توجهين، حركتين مختلفتين تماماً. حركة يمثلها التيار السياسي الاسلامي، بشقيه الشيعي والسني، وتيار اخر تمثله قوى المدنية والعلمانية والتقدم. لم يغلق ابواب هذا اليوم دون ان تلحق هزيمة، وهزيمة نكراء، هذا العام بالتيار الاول.
حركتان احدهما تنشد جر المجتمع للوراء، لعصور قرووسطية غابرة، عصور لاربط لها بحاضر اليوم وامال اليوم وتطلعات اليوم، وتيار عصري ينشد ان يسير المجتمع بركب الانسانية والبشرية المتقدمة، بركب القرن 21. احدهما يريد تكبيل المجتمع بالخرافة والاوهام والاساطير واخر يسعى لتحرير الانسان منها والانعتاق الانساني من كل قيد. تيار ينشد اسر المجتمع بالسواد، الظلام والحزن والنحيب والبكاء و"تقنين الضحك"، ضد البسمة، واخر ينشد الفرح، الغناء، الرقص، القهقهة من القلب والاستمتاع للاخير بالحياة. احدهما ضد الكتاب والعلم والثقافة والتنوير، والاخر ضد الجهل والانغلاق وضيق الافق. احدهما ينشد التراتبية،"القدسيات" و"المقدسات" و"اباطرة دينيين" و"مراجع" و"ايات" و"حجج"، واخر يستند للمساواة التامة بين البشر.
في 14 شباط، تلقى الاول صفعة على يد الثاني. فرغم كل الماكنة الاعلامية التقليدية التي تم تسخيرها، رغم الابواق الاعلامية، الفضائيات ومنابر المساجد والجوامع والحسينيات، ورغم تشدقات كل من يرون خبزتهم في انهم "يعرفون ماهو صالح وماهو طالح للمجتمع" المتبخترين بضحالتهم وهزالتهم الفكرية والانسانية، وما اكثرهم في عراق اليوم، ورغم كل التهديد والوعيد وارعاب الناس، رغم كل الفتاوى، واعمال التضييق على معالم هذا اليوم، ورغم الاعتقالات والاختطافات، الا انهم خرجوا مهزومين شر هزيمة في يوم مثل هذا.
قد يقول احد ما، ولكن المرجع الفلاني، السيستاني، اصدر فتوى يجيز هذا اليوم والاحتفال. شكرا لكم. هل تعرفون لماذا اجازه، لانه راى المد طاغ. ان يرفض، يعني ان يحرق بايديه اوراقه! انها محاولة "ذكية" على مضض لحفظ ماء الوجه!
فرغم عقود من الحملات الايمانية واسلمة المجتمع بالقوة، اسلمة تنفق المليارات سنوياً من اجل تبليه الانسان، من اجل ابعاده عن الحياة والفرح والحقوق والحريات، من اجل تركيعه واخضاعه وسلبه كل المشاعر الانسانية الايجابية الخيرة، ورغم المليشيات وارعاب المجتمع اليومي، رغم سلب الارادة اليومية للانسان، فرض الحجاب الاجباري، ووضع العراقيل امام اكثر المشاعر الانسانية طبيعية وغريزية ورقياً (الانجذاب العاطفي والجنسي للبشر) الا انها لم تستطيع وأد هذا التطلع الانساني. انه تطلع قوي في المجتمع.
سعوا بالف طريقة وطريقة، من لجم المجتمع في اطرهم الايديولوجية القرووسطية بالدعاية والاعلام، بممارسة الضغوطات الاجتماعية، بالاسلمة الممنهجة للمجتمع من اسفل، بالزيارات، بـ.. وبـ، ولكن اخفقوا، عجزو عن ذلك!.
يقولون انه "مجتمع اسلامي"، انه "مجتمع محافظ"، لـ"القيم والعادات والطقوس الدينية والعشائرية " مكانة كبيرة في المجتمع. اذ كان الامر كذلك لماذا تنفق المليارات سنوياً من اجل كبحه ولجمه في هذا الاطار الايديولوجي المسبق؟! لماذا يرفعوا عقيرتهم يومياً على ان "الاسلام وقيم الاسلام في خطر" وعن "ابتعاد المجتمع والشباب عن الاسلام"؟! لماذا تنفق المليارات على جيوش من الطفيليين من الدعاة والمحرضين والشيوخ الاسلاميين والطائفيين في وقت رسف الملايين من الشباب في بطالة ودون اي مصدر مالي؟ لماذا تنفق المليارات على المليشيات الطائفية؟! على اسلمة المجتمع في كل زاوية من زواياه، في المدارس، في المناهج، في التربية والتعليم، في الفصل الجنسي، في القوانين، في ... وفي؟! لماذا تهدر كل هذه المليارات على هذه الاسلمة (غسل الدماغ المنظم والحكومي والرسمي)، لكن يفترش مئات الالاف من الاطفال في صفوف مكتضة بدون كراسي للجلوس، في مدارس طينية؟! ويسبح الاطفال الذاهبين لمدارسهم في برك من الوحل حتى يصلوا لمدرستهم؟! لماذا لاتنفق المليارات على الخدمات.... كل هذه الامور لاقيمة لها في ذهن جماعات الاسلام السياسي المتعطشة للسلطة والثروة، ماهو مهم تفاخر حمقى من عديمي العقل والضمير بـ"تمكنت قواتنا الساهرة على امن المواطن بالقبض على سيارة محملة بقناني من المشروبات الكحولية"!! فيما يشيعوا هم انفسهم تجارة المخدرات (تجارة الربح السريع!). ما اتفهكم!
انه مجتمع السياب، نزيهة الدليمي، زها الجادرجي، النواب، جواد سليم، القبانجي، محمد غني حكمت، يوسف العاني، نازك الملائكة، حقي الشبلي، سعيد الوتري، نوري جعفر، ومئات المفكرين والكتاب. رغم كل نكوصه السياسي القسري، بيد انه مجتمع ثقافة وافكار وكتاب وطرب وعلم.
لقد بين يوم 14 شباط حقيقة الا وهي ان المجتمع اكثر تقدماً من "القادة السياسيين للمجتمع!!"، وان الاخير متخلف بمراحل واشواط طويلة عن المجتمع واماله وامانيه وتطلعاته. لقد بين ان مساعي الاسلاميين هي محدودة. ان المجتمع يفور ويغلي بالضد من سلطتهم، بالضد من استهتارهم وصلفهم وتبجحهم. يعرفون خير المعرفة ان حقد المجتمع والسخط عليهم قد بلغ اقصى مدياته. هم يعترفون بهذا. ليسوا بقلة من "اصحاب العمائم البيض والسود" من يتحدثوا من منابرهم ومن على الفضائيات "اننا نرى في نظرات الناس كره كبير لنا" او "اذا كان للناس احترام لنا سابقاً، لم يبق هذا بعد"! ان كانت ثمة اوهام بهذه التيارات، فان عقد ونصف كان كافياً لتبيان ماهيتهم الحقيقية والواقعية، ماهية معادية للانسان وانسانية الانسان وعصريته ومدنيته ومجمل الجوانب الايجابية والخيرة للبشر. ولهذا، فان السلطة الاساسية التي يحتمون بها اليوم اكثر من اي وقت مضى، سلطة مليشياتهم وقمعهم وبلطجتهم السافرتين.
14 شباط، عيد الحب، كان يوم اعلان هجمة سافرة ضد الاسلام السياسي وممارساته المناهضة لاغلبية المجتمع، يوم اعلان ان نوع المجتمع الذي تنشده عشرات الملايين في عراق اليوم هو مجتمع اخر مبني على السعادة، الرفاه، الفرح، الحريات والحب والانعتاق! فلنقوي هذه الجبهة، ولنصعد نضالنا!

2019 / 2 / 18