قراءة في: -حكايات الليدي ندى- للأديبة د. كلارا سروجي - شجراوي



ريتا عودة
2019 / 3 / 7

"حكايات الليدي ندى" تستدعي للذاكرة " حكايات ألف ليلة وليلة" فتتشابه معها في تقنية سرد الحكايا ليلة بعد ليلة، إلاّ أنَّها تختلف عنها في مضامين الحكايا، عددها،أسلوب سردها، وأبطالها.
تعتبر القصة الإفتتاحية لكتاب "ألف ليلة وليلة" هي القصة الأساسية التي تستند عليها باقي قصص الكتاب وتسرد كيف إكتشف الملك شاه زمان خيانة زوجته له مع أحد العبيد أثناء زيارته لأخيه الأكبر شهريار وقبل أن يغادر المدينة؛ حيث تذكر الخرزة التي أعطاها لأخيه في القصر فرجع فوجد زوجته ومعها العبد على فراشه فقتلهما معاً. كما اكتشف خيانة زوجة أخيه مع عشرون عبداً عندما كان ينظر من نافذة قصر أخيه الملك شهريار التي تطلّ على بستانه واذا بباب القصر يُفتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبداً وزوجة أخيه بينهم حتى وصلوا إلى فسقية فخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم؛ وإذا بزوجة الملك تنادي أحد العبيد فجاءها فعانقها وعانقته وواقعاها وكذلك باقي العبيد. فأخبر أخيه ما رأى فلما سمع الملك شهريار ذلك طار عقله من رأسه وقتل زوجته وصار يتزوج الملك شهريار من العذارى، يومياً، حيث يقتل العروس ليلة العرس، قبل أن تأخذ الفرصة لتخونه. بعد فترة لم يجد الوزير الذي كان مكلفاً بتوفير عروس للملك، مزيداً من العذارى. عندها عرضت ابنته شهرزاد نفسها لتكون عروساً للملك، فوافق أبوها على مضض. في ليلة زواجهما، بدأت شهرزاد تحكي القصة للملك ولكن لا تنهيها، حيث أثار هذا فضول الملك لسماع نهاية القصة، مما دفعه إلى تأجيل إعدامها للاستماع إلى نهاية القصة. وفي الليلة التالية، عندما تنتهي من حكاية ما تبدأ بحكاية جديدة، تشوق الملك لسماع نهايتها هي الأخرى وهكذا، حتى أكملت لديه ألف ليلة وليلة فشُفي من عدم ثقته بالنساء إذ وقع في حبّ شهرزاد وتخلص بذلك من رغبته في النّقمة.
اعتمدت حكايات "ألف ليلة وليلة" على السرد المباشر للحكايا بينما اعتمدت "حكايات الليدي ندى" على كتابة الحكايا وارسالها عبر ماسينجر الفيسبوك.
أمّا شهرزاد، ساردة رواية: "حكايات الليدي ندى" فهي ندى وقد أطلق عليها وليم زوج ابنتها (ص29) اللقلب "ليدي".
تحكي ندى حكاياتها لإسراء وهي صديقة فيسبوكيّة كما جاء في التمهيد حيث كتبت اسراء:
" لم ألتقِ بندى في أيّ يوم من الأيام، إنّما هي امرأة تلبِّسَتني عبر الفيسبوك فكانت تُرسل لي برسائلها على الماسينجر" (ص13)
اسراء ممرضة ناجحة تكتب قصائد عشق. (ص81).
أمَّا ندى فهي امرأة تعمل في الصحافة (ص56)، ابنة "عين ماهل"(ص15)، لا ترتدي الحجاب. قامت بتوقيع رسالتها في باب التعارف(ص15) ب: "امرأة لا فائدة منها.. منزوعة العمل الصحفي.. مسلوبة القيمة الإجتماعيّة".
وهي تحدّد هدفها من كتابة الحكايا:
" أحبّبتُ صورتكِ على الفيسبوك وتخيّلتُ أنَّكِ من المثقفات اللاتي يعشقن القراءة، لذلك أرجو أن تقبلي صداقتي. وسأراسلك عبر الماسينجر كي أشعر بالحريّة وخصوصيّة الرسالة في الوقت نفسه.
لا يحتوي كتاب "حكايات الليدي ندى" على ألف ليلة وليلة من الحكايا إنّما على"ثلاثين ليلة"، كذلك لا يحتوي على شهرزاد واحدة(ندى)، فالأدوار تتوزّع بين ندى وصديقتها إسراء فتصبح اسراء أيضا شهرزاد، إذ تُرسل بعض الحكايات لندى حين طال غيابها عن النيت لتستفز عودتها، كذلك هنالك ثلاث حكايات جعفر، أخ اسراء وقد أتت حكاياته تحت عنوان: " نصّ خارج عن الليالي ومارق عن النهارات"( ص71-82) وحكاياته لم تُصَّنف تحت عنوان: (الليلة ال...)كباقي الحكايا.
تعتمد حكايات "ألف ليلة وليلة" على قصة المرأة التي خانت زوجها بينما تعتمد حكايات الليدي ندى ببطلَتَيْها على حكاية اغتصاب كلّ منهما وتأثير ذلك على مجريات حياتهما، شخصيتهما، قناعاتهما.
على خلفيّة حكايتَيَ الإغتصاب الجسدي لندى واسراء تبرز حكاية اغتصاب الأرض، وكأنّ المرأة الفلسطينيّة هي هي الأرض المغتصبة، و"جعفر" هو الفلسطيني العاجز عن الدفاع عن أخته فقد رأى والده يغتصب أخته، لكنّه تقوقع داخل عجزه ومخاوفه:
" هاربًا إلى الشارع أختبئ من نفسي..اكتمل عجزي وقرفي من نفسي...غرقت عيناي بالدّموع فلم تعودا تبصران إلاّ خرابي الداخلي..." (ص 73)
ندى التي هربت من بيئتها المحافظة، الرافضة الى ابنتها سماح في بوسطن، قررت في الليلة الثلاثين والأخيرة أن تعود لأرضها، لكرملها، لهويتها:
" أرهقني التشرد وسئمتُ من الضياع.. أريد العودة إلى بلدي.. إلى أرضي أزرعها وأرويها وأحصدها دون خوف من أن تُقتلع أشجار الزّيتون وتُداس الزهور بالأقدام"( ص131.
مع قرار العودة، ومن خلال كتابة حكاياها تتحرّر ندى من ثقل الماضي، وهذا كان هدفها من الفضفضة الكتابيّة:
"لن أكون بعد اليوم عبدة للماضي، بل ملكة من زمن قادم حُرّ يحمل معه الحبّ والعدل والنّقاء"(ص133)
وتختم ندى حكاياتها بجرعة ايجابيّة تشي بنغمة التحرر من ذاكرتها وانطلاقة نحو مستقبل مضيء، وشفائها من المشاعر السلبيّة التي سيطرت عليها سنوات وسنوات لتصبح امرأة ذات إرادة قادرة على بلورة الرؤى واعادة رسم التّاريخ، ممّا يُثبت أنّ الكتابة تشفي من أوجاع الذّاكرة وتُحرّر من ثقلها:
"قادمة أنا اليكَ يا كرمل لأعيدَ سردَ التّاريخ ورسم رؤيا زمن آتٍ من وجهة نظري أنا.... سأتحوّل إلى شجرة تحكي وبلبل يشدو وموجة من موجات بحر حيفا تلهث نابضة بالحكايات...."(ص133)
حكايا الليدي ندى، مرايا تعكس المجتمع الفلسطيني في الداخل بحكاياته اليّوميّة، تكشف العادات والتقاليد التي تسيطر على تصرفات الناس كأقاويل الجارات مثلا، والشجار بين الجيران على مكان ركن السيارة والكثير الكثير من الحكايا اليوميّة العاديّة والعلاقة مع الجيران اليهود والحكايا الوطنية كحكاية "معركة الشجرة"(ص44) التي قُتل فيها العديد من الفلسطينيّن.
يظهر لنا الأمريكي "وليم"، زوج ابنتها "سماح" التي تخلّت لأجله عن وطنها وأهلها وحتّى اسمها إذ أصبح اسمها: "ايفا"، كالشخصيّة المثالية بحبّه لسماح ومساندته لها، بعدما وقع في حبّها وهي تلميذته في الجامعة.
أتت رواية " حكايات الليدي ندى" تحت عنوان جانبي:
تمّت سرقة الرسائل بعون "هاكر" ذكيّ.
في التمهيد (ص14) كتبت اسراء:
"لم يخطر ببالي أن يسبقني أحد مخترقي الحاسوب وينشر الرسائل قبلي، بل بوّبها، وأعطاها عناوين داخليّة أحيانا، وقد يكون زاد عليها وغيّر ترتيبها وكتب باسمي عبارات ونصوصا لا دخل لي فيها، كما عمل على تسويقها كأنّها من مؤلفاتهِ."
حبّذا لو لم تلجأ المؤلفة الى موضوع الهاكر لأنّه يُفقد الحكايات مصداقيتها وهي التي تعكس الواقع اليومي لفلسطينيّ الداخل، فقصة الهاكر تأخذ الرواية إلى (البُعد الخيالي) كما في حكايات ألف ليلة وليلة.
يبدو أنّ "جعفر" هو من عثر على رسائل أخته اسراء فقام بجمعها وتسويقها كأنّها من مؤلفاته، وهذا ما يُفسّر اقحام ثلاثة من حكاياته بين الحكايا. كذلك، ممّا يشي بجعفر أنّه هو الهاكر هي رغبته في كتابة (رواية من نوع خاص) إذ حرق كتبه وقرر أن يتحول الى شحاذ يسير في الطرقات بحثا عن الحقيقة في وجوه النّاس:
" أتجسّس على الآخرين.. أراقب سلوكهم وأتسمّع إلى أحاديثهم في الأسواق وفي المقاهي.. عند مواقف الباصات وداخل القطارات، علّني أنجح في فهم الحياة لأكتب رواية من نوع خاصّ!" (ص 82) لكنّه لم يكتب روايته هو إنّما سرق حكايا ندى واسراء فحصل على رواية من نوع خاص كما اشتهى.
من المحبّذ الإستغناء عمّا كتبته المؤلفة تحت عنوان: "ملاحظة"( ص11-12) عن رؤيتها للرواية، فهذه "الملاحظة" لا تتفق مع حقيقة كون الهاكر هو الذي جمع الرسائل وأصدرها، فمن أين أتى الهاكر برأي المؤلفة؟!
كذلك، كتبت المؤلفة: " أكره أن يُوضع عملي داخل قالب ما" ( ص11) مع أنَّ حكاياتها وُضعت داخل قالب:
"رواية" كما جاء على الغلاف الأمامي للكتاب.
كذلك كتبت المؤلفة في ملاحظاتها أنّها لا تؤمن أنّ حياتنا تسير زمنيا في خطّ مستقيم لذلك : "أعطيكم يا قرائي فرصة التنقّل بين ليالي هذه الرواية كما تشاؤون، ولا أجبركم على أن تبدأوا القراءة من الصفحة الأولى. ابدأوا من النّهاية، مثلا.."، لكنّ قراءة الحكايا تتطلّب قراءة على محور مستقيم لكي نتعرّف على الشخصيات والأحداث شيئا فشيئا فنربط ما حصل فيما بعد مع ما حصل فيما قبل لنفهم الدّوافع والنتائج.
أمّا الاقتباسات باللغتين العربيّة والانجليزيّة التي جاءت في مطلع الكتاب فلا علاقة دلاليّة لها بالحكايا، هي فقط تشي بشخصيّة المؤلفة أنّها انسانة مثقفة.
كذلك، جاء العنصر الزّمني للحكايا مباغتا، إذ تمَّ توقيع رسالة اسراء(ص 14) بتاريخ: 2023، وهذا يأخذنا مرّة أخرى إلى البُعد الخرافي للحكايا، وكان من المحبّذ أن تظهر الحكايا كواقعيّة لا كخرافيّة.
الرسائل عبر الماسنجر تكون عادة مقتضبة أمّا الرسائل هنا فكانت تمتد على مدى صفحتين أو أكثر، لذلك، حبّذا لو تمّ تداول الرسائل عبر الإيميل لا الماسينجر.
يُذكر أن الكاتبة محاضرة في جامعة حيفا في قسم اللغة العربيّة وآدابها ممّا يُفسّر لغتها المائزة ورؤاها الراقية التي تأخذ المتلقي إلى ما وراء الحكايا.

________________________
بقلم الشاعرة الفلسطينيّة: ريتا عودة
7.3.2019